المنطقة الخضراء – مقر السلطة منذ تاريخ سحيق

ملهم الملائكة
(Mulham Al Malaika)

الحوار المتمدن-العدد: 6914 - 2021 / 5 / 31 - 12:55
المحور: السياسة والعلاقات الدولية
    

يجهل أغلب العراقيين وأغلب الساسة أيضاً أنّ منطقة كرادة مريم هي مقر السلطة في العراق منذ العصر العباسي، حيث شيد الخليفة أبو جعفر المنصور قصر الخلد على شاطئ نهر دجلة في عام 774 ميلادي، واستغرق العمل فيه ثلاث سنوات.
وأقيم القصر في الموقع نفسه الذي أقيم فيه القصر الجمهوري حالياً. أطلق اسم الخلد على القصر من اسم دير كان يقع في المنطقة نفسها، وكان اسمه دير الخلد، وقد بقي هذا الدير قائماً حتى عام 1963، حين سكن عبد السلام عارف القصر الجمهوري كأول رئيس عراقي يسكن القصر الجديد، فأمر بإزالة الدير، ونقله الى منطقة الدورة، في منطقة باتت تعرف فيما بعد بحي الميكانيك.
بوابة قصر الخلد طليت بالذهب، وقد سكنه المنصور، وكذلك خلفه هارون الرشيد. ولحقت بالقصر أضرار بالغة في حصار الخليفة المأمون لبغداد عام 819 م، حيث ضرب بالمنجنيق، ودمرت ونهبت أجزاء منه. ثم سكنه المأمون حين وفد إلى بغداد من خراسان وتولى السلطة، قبل أن يجري تأهيل قصر الحسني له ليقيم فيه منذ عام 822 ويدير دفة الحكم.
بعد أن نقل المعتصم قصر الخلافة إلى سامراء في عام 837، طال الخراب قصر الخلد، وبقي مهجوراً حتى عام 979 حيث قام الحاكم البويهي عضد الدولة بتحويله إلى مشفى دعاه "المشفى العضدي" ، ذكر ذلك ابن الجوزي في كتابه المنتظم في حوادث سنة 372 هـ مشيراً إلى افتتاحه بالقول: "في يوم الخميس لثلاث خلون من صفر وقيل بل لليلة خلت من ربيع الأخر فُتح المارستان الذى انشأه عضد الدولة في الجانب الغربي من مدينة السلام ورتب فيه الأطباء والمعالجون والخُزَّان والبوابون والوكلاء والناظرون ونُقلت اليه الأدوية والأشربة والفرش والآلات".
بعد قرون طويلة، وبعد تولي الملك فيصل الأول السلطة في العراق الجديد عام 1921، شرع في بناء قصر ملكي آخر في نفس الموقع ليكون ثالث قصر ملكي من حيث التسلسل، بعد قصر الرحاب وقصر الزهور، وكان مقرراً أن يتزوج فيه الملك فيصل الثاني. لكن الملك قُتل مع عائلته عند عتبة قصر الرحاب صبيحة انقلاب/ ثورة يوم 14 يوليو(تموز) 1958.
الجنرال عبد الكريم قاسم، الذي قاد الجمهورية الأولى من عام 1958 حتى 8 شباط 1963، لم يمنح نفسه لقب رئيس جمهورية، ولا رئيس وزراء، وبقي يحكم تحت عنوان الزعيم عبد الكريم قاسم، لذا فقد بقي مقر إدارته لشؤون البلاد من مكتبه المتواضع في وزارة الدفاع.
أما العقيد عبد السلام عارف الذي قاد انقلاب 8 شباط 1963، فقد حمل لقب رئيس الجمهورية العراقية لأول مرة، وأقام في القصر الملكي بعد أن حوّل اسمه إلى القصر الجمهوري، واستخدمه كمكتب ومسكن له كذلك.
ومنذ ذلك التاريخ تحول القصر إلى المقر الرسمي للرئاسة العراقية، وبقي كذلك حتى 9 نيسان 2003 حيث أسقط التحالف الدولي حكومة صدام حسين. ولم يعد القصر الجمهوري مقراً لرئيس الجمهورية الذي فقد كثيراً من سلطاته، وتحول مركزه إلى منصب بروتوكولي، بعد أن بات رئيس الوزراء هو صاحب السلطة الأعلى حسب دستور العراق الجديد.
بعد 9 نيسان 2003 تحولت أغلب منطقة كرادة مريم الواقع في يمين ما خلف الشارع المؤدي إلى سلسلة إنفاق مدينة الكرخ إلى منطقة مقفلة أطلق عليها المنطقة الخضراء. وضمت قصر المؤتمرات، والقصر الجمهوري الجديد "قصر بغداد"، ومقر رئاسة الوزراء، ومقر وزارة الدفاع في مبنى المجلس الوطني، ومبنى مستشفى الطفل العربي المهجور، ومستشفى ابن سينا الرئاسي، ووزارة التخطيط، ووزارة حقوق الانسان، ووزارة الهجرة والمهجرين.
خارج المنطقة الخضراء تعد باقي مناطق بغداد منطقة حمراء في إشارة إلى أنها غير آمنة. هذا التقسيم بدأ في عهد الحاكم المدني الأمريكي بول بريمر واستمر العمل به حتى اليوم، لأنّ اغلب القائمين على التقسيم (خضراء/ حمراء) يجهلون أصله، ولا يعرفون معانيه.
تولى الزعيم الكردي جلال طالباني منصب رئاسة الجمهورية لدورتين متعاقبتين من عام 2005 وحتى عام 2014، وقد رفض أن يتخذ القصر الجمهوري مقراً له، فنقل قصر الرئاسة إلى قصر السندباد الذي بناه عدي صدام حسين ولم يسكنه، ويقع في الرصافة، بمنطقة الجادرية من جهة جسر الطابقين. أطلق على المقر الرئاسي الجديد اسم قصر السلام حال أن سكنه الرئيس جلال طالباني. وتعد مبادرة الرئيس جلال طالباني بنقل مقر رئاسة البلاد إلى جانب الرصافة سابقة في تاريخ العراق.
سكن الرئيس فؤاد معصوم الذي تولى المنصب بعد جلال طالباني في قصر السلام في الجادرية، وبذلك بقي محافظاً على نهج طالباني.
تولى السيد برهم صالح رئاسة الجمهورية في عام 2018 واتخذ لنفسه قصرين منذ عام 2019، أحدهما قصر السلام المار ذكره في جانب الرصافة، والآخر هو قصر بغداد داخل المنطقة الخضراء.
ومع إقامة القصر الملكي الذي أصبح جمهورياً، في خمسينات القرن العشرين، أقيمت قاعة الخلد كبناية للاحتفالات الكبرى والمؤتمرات، وهي قاعة ذات مدرجات تنتهي بخشبة مسرح بسعة 400 مقعد، مقابل القصر الجمهوري في شارع عبد المنعم رياض، ويفصل بينهما شارع الكندي، وصارت تقام فيها الفعّاليات والاحتفالات الكبرى والأسابيع الثقافية والاحتفالات الموسيقية، والأعراس الراقية ونحو ذلك. إلى جانب القاعة انشا مسبح بغداد الكبير، وكان الانتساب اليه مكلفاً واختص بسكان تلك المنطقة. قاعة الخلد أنشئت في عهد الملك فيصل الثاني.
في هذه القاعة، عقد ما بات يعرف بمؤتمر قاعة الخلد ومجزرة الرفاق، حيث حاكم صدام في جلسة حزبية حال توليه السلطة في 16 تموز 1979 رفاقه في الحزب، وأصدر احكام إعدام فورية بحق 77 قيادياً من حزب البعث، وقد سيقوا إلى مصيرهم الأسود من ذلك المكان أمام عدسات الكاميرات.
في عام 1982 أقيم قصر المؤتمرات في ذيل منطقة كرادة مريم لتعقد فيه جلسات مؤتمر عدم الانحياز الدولي الذي خطط لاستضافة 78 دولة خارج المعسكرين الغربي والشرقي. لكن المؤتمر لم ينعقد بسبب الحرب العراقية الإيرانية. وفقدت قاعة الخلد أهميتها، وأمر صدام حصين بإزالتها في تسعينات القرن العشرين.

المصادر
The Encyclopaedia of Islam, New Edition, Volume I: A–B. Leiden: E. J. Brill. pp. 894–908. OCLC 495469456.
Baghdad During the Abbasid Caliphate. From Contemporary Arabic and Persian Sources. Oxford: Clarendon Press

موقع أرشيف محمد مكية نسخة محفوظة بتاريخ 15 ديسمبر 2019 على موقع واي باك مشين.
ابن الجوزي، المنتظم في تاريخ الملوك والأمم. دار الكتب العلمية 1992م، الجزء الرابع عشر، ص289.

#ملهم_الملائكة (هاشتاغ)       Mulham_Al_Malaika#          

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات