أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - أيمان حسون محمد عبدالرضا - الحياة الأجتماعية للعلماء في العصر الأموي















المزيد.....



الحياة الأجتماعية للعلماء في العصر الأموي


أيمان حسون محمد عبدالرضا

الحوار المتمدن-العدد: 6909 - 2021 / 5 / 25 - 01:41
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


لقد كان العلماء المسلمين بصورة عامة نصيبا كبيرا في المثول أمام الخلفاء األمويين سواء كان
ذلك من تلقاء أنفسهم أو من خالل استدعاء وطلب خاص من الخلفاء الستقدامهم واالنتفاع بما
يحملونه من علم، وقد لوحظ أن غالبية وفود العلماء إلى دار الخالفة كانت وفادات فردية سوى حاالت
قليلة لوفادات جماعية، ويبدو أن سبب عزوف العديد من العلماء عن الوفادة على الخلفاء يعود إلى
ورعهم وزهدهم في الحصول على االمتيازات والمنافع المادية أي التكسب العلمي، وحرصهم في عدم
التقرب من الخلفاء والخوض في مضمار الحياة السياسية أو المشاركة بشكل أو بآخر في صياغة أو
تأييد بعض القرارات الصادرة عن دار الخالفة األموية بشكل خاص والتي قد تكون بغير صالح
العامة، وال سيما أن أغلب العلماء هم من القراء والمحدثين والفقهاء والزهاد الذين تمتعوا بمكانة علمية
مرموقة كما سنرى.
ورب سائل يسأل عن وفادة بعض العلماء على الخلفاء طلبا للمال وإظهار الحاجة، كوفادة الزهري
على عبد الملك بن مروان يشکو دينا لزمه، فتجيبه بأن وفادة العلماء ألسباب اجتماعية ال تدخل
ضمن مضمار الوفادات العلمية، إذ إن العلماء هنا شأنهم شأن بقية أبناء المجتمع قد يتعرضون
للحاجة والعوز فال بد إذن من طلب مساعدة الخلفاء أو غيرهم من كبار رجال الدولة، وفي هذه الحالة
ال تعد هذه الوفادات ضمن الوفادات العلمية، وإن استغل بعض الخلفاء فرصة تواجد أولئك العلماء
في رواية الحديث واألخبار أو في عقد المناظ ارت العلمية وغير ذلك ، فإن الكثير من العلماء يتورعون
في التكسب بالعلم كما يفعل ذلك الشعراء، فربما كان ذلك سببا في عزوفهم عن الوفادة العلمية
واقتصار قدومهم بناء على استدعاء الخلفاء لالنتفاع بعلمهم، وعلى الرغم من ذلك فال يمكن استبعاد
وفادة عدد من العلماء بدافع التكسب العلمی.
ومن الجدير بالذكر أن الخلفاء أبدوا اهتماما كبيرا بالعلم والعلماء منذ بداية العصر الراشدي سيرا
على نهج الرسول الكريم ) صلى هللا عليه واله وسلم( وتوجيهاته في طلب العلم وإكرام العلماء. وقد
انتعشت طوال حقبة القرن األول الهجري العلوم الدينية فضال عن علوم اللغة واألدب، وفي مقدمة
العلوم الدينية اهتم الخلفاء بعلوم القرآن إذ حث الخليفة عمر بن الخطاب المسلمون على حفظ القرآن
وتعلم أحكامه باعتباره المص در األول لألحكام الشرعية، وربما أصدر الخليفة عمر أمرا لكافة الوالة
يقضي بتعليم قراءة القرآن وحفظه، ليس هذا فحسب بل إنه خصص مكافآت مجزية لحفاظ القرآن، 3
وهذا ما ظهر في نص کتاب وجهه عمر لوالي البصرة أبو موسى األشعري يقول " :أكتب إلي بمن
قرأ القرآن ظاهرا "فكان اهتمام الخليفة قد دفع أبا موسى األشعري إلى أن يتولى بنفسه عملية التعليم
ثم إنه أوفد إلى الخليفة سبعة ختموا القرآن في حدود شهرين، وكان فيهم غنيم بن قيس المازني ، فلما
قدموا على الخليفة عمر أجزل لهم الجائزة تكريما لهم لما حققوه من إنجاز في قراءة القرآن وحفظه
في مدة وجيزة قبل غيرهم، وربما وجه الخليفة عمر كتبا مماثلة إلى بقية الوالة في أمر تعليم القرآن
ومكافأة الحفاظ .
وفي العصر األموي جاء ما يؤكد االهتمام بتعليم المسلمين ق ارءة القرآن وحفظه، ومكافأة المتميزين
منهم حيث روي عن أحد كبار التابعين البصرين قوله لمعاوية: " كيف وجدتم من أوفدنا إليكم من
ق ارئنا "، ويبدو أن معاوية أجرى اختبا ار للق ارء الوافدين عليه لتشخيص المتميزين منهم
المبحث األول : الم اركز والمؤسسات التعليمية في العصر األموي
كان التعليم في العصر األموي امتدادا لما كانت عليه الحالة في صدر اإلسالم. واستجابة
للمستجدات التي ظهرت في ذلك العصر، على الصعيد السياسي واإلداري، واالجتماعي، ظهرت
الحاجة إلى وجود مراكز جديدة لطلب العلم، ونظم حديثة للتعليم، فبدأ ما يمكن أن نسميه اإلشراف
الرسمي من قبل الدولة على التعليم، ومن أهم أنواع مراكز العلم والتعلم في العصر األموي، ما يلي:
المطلب االول: الكتاب )الكتاتيب(:
تعد الكتاتيب أسبق أنواع المعاهد التعليمية وجودا في العالم اإلسالمي، وهو مكان مخصص لتعليم
صغار الصبية القرآن والكتابة والحساب، وكان مكان الكتاب يقع خارج المسجد اال في داخله، وذلك
خوفا من عبث الصبية بحرمة المسجد، ألن رواده كانوا من الصبية الصغار الذين تتراوح أعمارهم ما
)1 )بين الخامسة والسادسة عند االلتحاق به.
نظرا لبساطة الكتاب، وسهولة تأسيسه، فقد انتشر في جميع أنحاء الدولة اإلسالمية. فقد وجد
) 2 )الكتاب في مكة والمدينة والطائف ودمشق، وغيرها .
)1(
عمر بن سليمان العقيلي، تاريخ الدولة األموية، مكتبة الملك فهد الوطنية، الطبعة الثانية 1437ه/ ۲۰䕤م، ص 䕯۷.
)2(
المرجع نفسه، ص ۱۰۸ .4
وهنالك رواية تفيد بأن الخليفة يزيد بن عبد الملك )۱䕥-۱۰۱ھ/۷۱۹ -۷۲۳م( قد غضب على
أحد األشخاص، )فأمر به أن يختلف به إلى الكتاب مع الصبيان في المدينة ليتعلم القرآن، ألنه
)1 )منالجاهلين(.
وقد وجد الكتاب في الطائف، فقد كان الحجاج بن يوسف الثقفي في أول أمره "مكتبا" )أي معلم ا
)2 )للصبيان في الكتاب( هنالك.
أما طريقة التدريس في الكتاب فتتم عن طريق التلقين، أي يقول المعلم ثم يردد الطالب وراءه ما
يقوله بصوت عال، ثم تطور األمر إلى الكتابة على ألواح صغيرة يحضرها الطلبة معهم.
ومما يزيد في التأكيد على أهمية الكتابة واستخدامها كوسيلة من وسائل التعلم تلك الرواية التي
)3 )تفيد أن الخليفة الوليد بن عبد الملك تفقد أحد الكتاب فوجد المعلم يعلم الصبيان الكتابة والقرآن .
ولعل هذه الرواية تفيد أيضا في معرفة مدى اهتمام الخلفاء األمويين بأمور التعليم في عصرهم،
وتفقدهم لشؤونه.
المطلب الثاني: المساجد:
تأتي أهمية المساجد في أنها كانت معهدا علميا ومكانا حربيا، وقاعة اجتماعية ومنطلقا فكريا،
وسياسيا وجهاديا، فلم يكن المسجد مكانا للعبادة فحسب، بل كمحكمة للتقاضي ومكا نا للدراسة.
وتعتبر المساجد بمثابة المعاهد التي يتلقى فيها الناس العلم في مختلف فنون المعرفة، وهو خاص
بمرحلة ما فوق الكتاب، أي بالطلبة المدركين ألهمية المسجد من سن عشر عليه في جميع البيئات
التعليمية اإلسالمية سواء في سنوات فما فوق، وهو أمر متعارف المشرق أم في المغرب.
)1(
ابن حزم األندلسي، الفصل في الملل واألهواء والنحل، الجزء الرابع، دار الجيل، بيروت ، ص ۷۹.
)2(
الجاحظ :البيان والتبيين، األجزاء )۱ ،۲ ،۳ )تحقيق عبد السالم محمد هارون، مكتبة الخانجي، القاهرة ، ص 䕹۲.
)3 )المصدر نفسه، الجزء الثاني، ص
.۲۰䖃
ويرتاد مجالس المساجد العلمية ال ارغبون في العلم، والعلماء المسلمون من جميع أنحاء الدولة
اإلسالمية، وكان للمتعلم الحرية في أن يذهب إلى أي حلقة في المسجد، أو إلى أي شيخ يأنس له
) 1 )ولعلمه.
كان التعليم في المساجد يتم على نظام الحلقات، فقد كان كل شيخ يستند إلى عمود من أعمدة
المسجد، ويتحلق حوله طلبة العلم على شكل دائرة )حلقة(.
وكانت مواضيع الد ارسة في المسجد تنصب أساسا على القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف،
ولقد اتبع قراء القرآن الكريم أسلوب العرض في حلقاتهم، أي يقوم المتعلم بقراءة القرآن على المقريء،
وبعد أن يتقن القراءة يبدأ في عرض ما يحفظه من القرآن على المقريء، ويمكن أن يصل عدد الم ارت
)2 )التي يعرض فيها المتعلم قراءته على مقرئه من۳۰ - ۳ مرة في بعض الحاالت .
أما حلقات التعليم المتعلقة بالحديث والفقه، فكان األسلوب المتبع فيها هو السماع، أي أن يسمع
المتعلم األحاديث النبوية من المحدث فيحفظها، كما يبدو من سؤال أبيحصين لسعيد بن جبير: أكل
ما أسمعك تحدث به سألت عنه ابن عباس؟ فقال: ال، كنت أجلس وال أتكلم حتى أقوم، فيتحدثون
فأحفظ.
وبمرور الوقت ازدادت المساجد انتشا ار في األمصار، وبدأ الفقهاء والعلماء يتنقلون من بلد إلى
آخر، ولذلك أصبحت الرحلة في طلب العلم وسماع الشيوخ ضرورة ملحة وقد أولى بعض خلفاء بني
أمية هذا الجانب اهتماما خاصا، إذ أن الوليد بن عبد الملك كان يعطي إعانات للقراء المتفرغين
) 3 )لطلب العلم في بيت المقدس.
)1(
تغريد السويل، بدرية القحطاني، نورة التميمي، التعليم في العصر األموي، جامعة اإلمام محمد بن سعود
اإلسالمية،۲۰䕮م، ص 6.
)2(
عمر بن سليمان العقيلي، تاريخ الدولة األموية، مكتبة الملك فهد الوطنية، الطبعة الثانية ۲۰䕤م . ، ص ۱۹۲.
)3(
ابن عساکر :(أ -تهذيب تاريخ مدينة دمشق، الجزء الرابع، هذبه :عبدالقادر بدران، دار السيرة، بيروت، الطبعة األولى،
۱۳۹۹ه ، الجزء الثالثة وستين، ص ۱۷۹.6
وأن عمر بن عبد العزيز كتب إلى والي حمص: أنظر إلى القوم الذين نصبوا أنفسهم للفقة،
وحبسوها في المسجد، عن طلب الدنيا، فأعط كل رجل منهم مائة دينار من بيت مال المسلمين
يستعينون بها على ماهم عليه، وأن خير الخير أعجله.
)1(
أما مدة الدراسة في المسجد فكانت حسب طبيعة المواد التي تدرس في المسجد )علوم القرآن
والحديث والفقة( وقد تستوجب من الطالب قضاء وقت طويل يالزم فيها أستاذه ويأخذ العلم عنه،
فيروى أن محمد بن شهاب الزهري قد جالس سعيد بن المسيب ثماني سنين يتعلم منه الفقة في
وقد أدت هذه المالزمة الطويلة إلى أن يتأثر الطالب بشيخه وأن يهتم أحدهما باآلخر ) 2 )المدينة.
ويحترمه.
أنواع الحلقات في المساجد:
) 3 )تنوعت الحلقات التي تعقد في المساجد على حسب العلم الذي تتناوله ومنها:
أ- مجالس
أو حلقات اإلق ارء: اهتم المسلمون بالقرآن منذ نزوله ألنه مصدر التشريع، وقد كان المسجد هو
المكان المالئم لتعليمه وقراءته، فقد كان عامة الناس الذين يرغبون في تعليم أوالدهم القرآن يبعثون
بهم إلى المسجد وقد روي أن أبا الدرداء هو الذي سن هذه الحلقة، فقد كان يسمى معلم الشام أو
قارئ الشام، وسار على طريقه كثير من علماء الشام.
ب- مجالس اإلفتاء: كان بعض
علماء المسلمين في ذلك العصر ال يحبذون أن يبادروا إذا لم يسألهم أحد، وكانوا يكتفون باإلجابة
على أسئلة من يسألهم من الناس، فأصبحت هنالك مجالس لإلفتاء، وأشهر هذه الحلقات حلقة مكحول
) 4 )في مسجد دمشق، وقد أوصى بحلقته للعالء بن الحارث.
)1(
ابن كثير (، البداية والنهاية، األجزاء) ، دار الكتب العلمية بيروت، لبنان، الطبعة األولي، �ه/۲۰۰۱م ، الجزء
التاسع، ص۲۰۷.
)2 )عمر بن سليمان العقيلي، مرجع سابق، ص
.167
)3 )ص
ابن عساکر، مصدر سابق، الجزء الخمسون، 144.
)4(
ملكة أبيض، التربية والثقافة العربية اإلسالمية في الشام والجزيرة، دار العلم للماليين، بيروت، الطبعة األولى ۱۹۸۰م،
ص 䕸۸.7
ج - مجالس
الحديث: اهتم علماء ذلك العصر الحديث النبوي الشريف اهتماما كبي ار، وتمثل ذلك بجمعه ومعرفة
رواته، وصحة أسانيده، وشرحه وإمعانا منهم بأهمية كونه المصدر الثاني من مصادر التشريع فلقد
جمع الحديث النبوي الشريف في عهد الخليفة العادل عمر بن عبد العزيز بمعرفة عدد من علماء
ذلك العصر، وعلى أرسهم الزهری الذي كانت له حلقة للحديث في مسجد دمشق، فلم يكن أحد أعلم
) 1 )بالستة منه.
وكانت هنالك أنواع لهذه المجالس، منها ما يكون للتحدث فقط، بأن يروي المحدث على المال
وأمثله هذه المجالس مجلس األوزاعي في ) 2 )أحاديث الرسول صلى هللا عليه واله وسلم ويشرحها،
)3 )مسجد بيروت.
ومنها مجالس لإلمالء، وفيها يملي الشيخ أحاديث الرسول صلى هللا عليه واله وسلم ويكتب الطلبة
ما يمليه، وبعد االنتهاء يعقب بالشرح والتفسير والتوضيح لما غمض في الحديث، والطالب يدونون
)4 )هذه الشروح على هامش أوراقهم التي كتبوا فيها األصول.
د- مجالس اللغة: وهي تشتمل على مجالس للنحو والشعر وكذلك األدب.
)5(
ه - مجالس
القصص والوعظ: وفيها يقوم القاص بوعظ الناس وتذكيرهم باآلخرة عن طريق القصص، وقد
شهدت مساجد الشام في العصر األموي إقباال كبي ار على هذه المجالس .
)6 (
)1(
محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي، سير أعالم النبالء، المحقق حسان عبد المنان، الجزء الخامس، بيت األفكار الدولة،
ص ۳۳۹.
)2(
مكي أقالنية، النظم التعليمية عند المحدثين في القرون األولى، مطبعة طوب بريس، الطبعة األولى، ۲۰۰۲م، ص
.۲۱
)3(
ابن عساکر، مصدر سابق، الجزء السبع والثالثين، ص 104.
)4(
سعيد اسماعيل علي، معاهد التربية اإلسالمية، دار الفكر العربي، القاهرة، ۱۹۸۹م، ص۲䕹.
)5(
ابن عساکر، مصدر سابق، الجزء االثنين والثالثين، ص ۲۹۲.
)6(
المصدر نفسه، ص ۳۱۱.8
لقد اخذ المسجد مكانا للدراسة منذ عهد الرسول صلى هللا عليه واله وسلم حتى عصر الدولة
األموية فقد كان الفقهاء يحدثون ويفسرون آيات الكتاب المبين، ويروون األحاديث ويشرحون النصوص
)1 )للمسلمين، وبجانب حلقات الدين كانت هنالك حلقات اللغة لمن يريد أن يجيد إتقان اللغة العربية.
أشهر المساجد:
أ- الجامع األموي: يعد الجامع األموي بدمشق من عجائب الدنيا، فقد بناه الوليد بن عبد الملك،
ويقال أن الوليد بن عبد الملك أنفق على بنائه خراج المملكة سبع سنوات، وكانت فيه حلقات التدريس
)2 )الطلبة.
أصبح المسجد األموي في دمشق في العصر األموي أهم مكان لتعليم المسلمين حيث يلتف الناس
حول مختلف العلماء في حلقات منظمة ليستمعوا لقراءة القرآن الكريم وشرح وتفسير آياته، أو ليرددوا
آيات القرآن، كما كانوا يحفظون منهم األحاديث النبوية الشريفة، ويدرسون الفقه ويسألون العلماء عن
)3 )كل غامض في أمور دينهم،
فلقد شهدت أروقتهم الكثير من مجالس العلم في جميع الفنون والعلوم
وسطعت شمس كثير من علماء ذلك العصر من خالل حلقات العلم التي كانت تعقد فيه.
وال ريب أن المسجد األموي بدمشق وحلقات الد ارسة فيه من كبار العلماء الذين وفدوا إلى دمشق
) 4 )التعليم أهل الشام أمور دينهم كانت عامال هاما ودافعا للنهضة العلمية والتقدم واإلزدهار.
ب- المسجد األقصى )بيت المقدس(: اهتم خلفاء بني أمية ببيت المقدس اهتماما بإلغاء ويظهر
ذلك من خالل ما فعله عبد الملك بن مروان من بنائه لمسجد وقبة الصخرة، فلما أراد عبد الملك
عمارة بيت المقدس وجه األموال والعمال، ووكل بالعمل رجاء بن حيوة ويزيد بن سالم، وكانا من
مواليه، وجمع الصاع من أطراف البالد وأرسلهم إلى بيت المقدس، وأرسل إليه باألموال الكثيرة
) 5 )الجزيلة.
)1(
محمد الحسيني عبد العزيز، الحياة العلمية في الدولة اإلسالمية، وكالة المطبوعات، الكويت، ۱۹۷۳م، ص ۳۲.
)2(
محمد موسى أحمد، تطور الفكر التربوي، عالم الكتب، القاهرة، الطبعة األولى، 䕮۲۰ ،ص ۲۱۸.
)3(
محمد الحسيني عبد العزيز، مرجع سابق، ص ۱۲۹ .
)4(
محمد الحسيني عبد العزيز، مرجع سابق، ص ۱۲۰
)5(
ابن كثير، مصدر سابق، الجزء الثامن، ص ۲䕸.9
للمسجد األقصى مكانة في نفوس المسلمين فهو أولى القبلتين وثالث المساجد في اإلسالم، فقد
كان موئال للعلم وطلبته، فتسارع إليه العلماء من جميع أرجاء العالم ينشرون العلم من خالله، وأشهر
من تولى التعليم في بيت المقدس عبد الرحمن بن غنم وأم الدرداء، فقد كانت أم الدرداء تجلس مع
) 1 )نساء المساكين تعلمهم في بيت المقدس، فقد كان المسجد األقصى منارا للعلم والعلماء.
ج- المسجد الحرام في مكة: مكانته عظيمة في نفوس المسلمين، ومن أهم الحلقات فيه مجلس
عبد هللا بن عباس ) ۱۸۷ / 5۹۸ م(، إذ كان يخصص لكل فرع من فروع العلم يوما دراستيا كامال،
فقد كان يجلس يوما ال يذاكر فيه إال الفقه، ويوما للتأويل، ويوما للمغازي، ويوما للشعر، ويوما أليام
العرب...الخ.
د- المسجد النبوي في المدينة: المدنية المنورة كانت قبلة لطالب العلم من مختلف الجهات فقد
كان بها طائفة كبيرة من العلماء والفقهاء، شهدت أروقته حلقات فقهية المشاهير العلماء من أمثال
جابر بن عبد هللا الخزرجي األنصاري )۷۸ھ/697م( وسعيد بن المسيب المخزومي )94ه/۷۱۳م(.
)2(
خ - مسجد قرطبة في قرطبة: تأسس المسجد في سنة ) ۷۱۱ / 5۹۲ م(، عندما اتخذ بنو أمية
قرطبة حاضرة لملكهم، وكان مسجد قرطبة أشبه ما يكون بجامعة عصرية تقدم العلوم الدينية، مثل
الفقه والتفسير والحديث وعلوم القرآن، وأيضا العلوم الطبيعية مثل الفلك والرياضيات والفيزياء والكيمياء
والجغرافيا، واللغة والمنطق واألدب، ووصل عدد طالب العلم في جامع قرطبة إلى 4000 طالب،
) 3 )ويتم توفير الخدمات المختلفة مثل اإلقامة والطعام، وتصرف لهم ولشيوخهم الرو اتب.
باإلضافة إلى هذا فهنالك بعض المساجد األخرى بأنحاء متفرقة مثل بيروت والذي كانت فيه حلقة
للحديث والفقة لإلمام األوزاعي، ومسجد حمص والذي كان فيه مجلس النوف بن فضالة يقص فيه
)4 )على الناس.
)1(
ابن عساکر، مصدر سابق، الجزء السبعة والثالثين، ص ۱۱۹.
)2(
تغريد السويل، بدرية القحطاني، نورة التميمي، مرجع سابق، ص ۰۸
)3(
المرجع نفسه، ص ۹.
)4(
ابن عساکر، مصدر سابق، الجزء األثنان والستين، ص ۳۱۱.10
المطلب الثالث: منازل العلماء:
اتخذ الرسول صلی هللا عليه وسلم دار األرقم بن أبي األرقم مكانا يعلم فيه المسلمين تعاليم ومبادئ
الدين الجديد، ويقرئهم ما نزل من آيات الذكر الكريم، كما كان المنزل ملتقى للذين يختارون اإلسالم
دينا، فيأتون إليه ناشدين تعلم اإلسالم. ثم أقيمت المساجد وأصبحت مكان اللقاء واالجتماع، على أن
بيوتا كثيرة في التاريخ اإلسالمي لعبت دور المدارس.
كانت طريقة العلماء في التعليم هي الجلوس في المساجد في الغالب، أو في منازلهم أحيانا، إذا
لم تكن هنالك مباني مخصصه للمدارسة، وكان طالب العلم يأتونهم فيسألونهم كل ما يحتاجونه
ويهتمون به في الدين. فرغم أن المسلمين لم يعدوا المنازل مكانا صالحا للتعليم العام الفتقادها للسكون
والراحة، غير أن وطأة الحاجة دعت إلى قيام حلقات تعليمية بالمنازل الخاصة.
ومن هذه المنازل منزل العالمة الجليلة أم الدرداء، فعن عون بن عبد هللا قال: كنا نجلس عند أم
الدرداء فنذكر هللا عندها، فقلنا: لعلنا قد أملناك؟ قالت: تزعمون أنكم قد مللتموني؟ فقد طلبت العبادة
في كل شيء فما وجدت شيئا أشفى لصدري وال أحرى أن أصيب به الذي أريد من مجالس الذكر.
وكذلك منزل العالم والفقيه اإلمام األوزاعي، فعن الوليد بن مسلم قال: )شيعنا األوزاعي وقت
انصرافنا من عنده، فأبعد في تشييعنا حتى مشی معنا فرسخين أو ثالثة، فقلنا له: أيها الشيخ يصعب
عليك المشي على كبر السن، قال: أمشوا وأسكتوا، لو علمت أن هللا طبقة أو قوما يباهي هللا بهم
أفضل منكم لمشيت معهم وشيعتهم، ولكنكم أفضل الناس. 11
المبحث الثاني/ تمويل المراكز والمؤسسات التعليمية
يهتم تمويل التعليم في المراكز والمؤسسات عن طريق استثمارات نذكر أمثلة منها:
المطلب األول: اإلنفاق الحكومي على العلماء:
ال توجد آليه خاصة تحكم اإلنفاق الحكومي على التعليم في العصر األموي، فعلى الرغم من
مساهمات الحكام في نفقات التعليم إال أنها كانت ضئيلة بالقياس إلى مساهمات األفراد، مما يجعل
)1 )التعليم يتصف بالصفة الشعبية في الغالب.
فالدولة لم تثبت نظاما واضحا لتمويل التعليم وإدارته.
مجاالت اإلنفاق على التعليم في الدولة األموية:
أتخذ إنفاق الدولة على التعليم عدة أشكال منها:
أ. النفقة على تأديب أوالد الخلفاء:
عمل الخلفاء على إكرام هؤالء المؤدبين وتوفير كل وسائل الراحة لهم حتى يتفرغوا ألبناء الخليفة،
فأغدقوا عليهم العطايا واألجور وقاموا بتسديد الديون عنهم، وخصصوا لهم أماكن يسكنون فيها في
قصورهم، وكل ذلك حتى يتفرغوا للتعليم والتأديب حيث ال يشغلهم شيء عن ذلك وقد كانت تتفاوت
أجورهم من خليفة ألخر، بل كان البعض يرفض أن يأخذ أجرا على تعليم القرآن، كما حدث مع
إسماعيل بن المهاجر مؤدب أوالد عبد الملك بن مروان، حيث قال عنه عبد الملك عندما رفض أخذ
) 2 )األجر على التعليم )إني لست أعطيك أو أثيبك على القرآن، إنما أعطيك وأثيبك على النحو(.
ب. أجور ومكافآت العلماء والفقهاء:
كان الخلفاء يجزلون لهم العطايا والصالت ويكافئونهم بالجوائز والهبات، واتخذت هذه العطايا
والهبات عدة أشكال، منها ما كان مباشرا، مكافأة وأجرا على التعليم، ومنها ما كان غير مباشر كنوع
)1(
حسن عبد العال، التربية اإلسالمية في القرن ال اربع الهجري، الشركة المتحدة، القاهرة، ۱۹۷۸م، ص ۱۷۷ .
)2(
ابن عساکر، مصدر سابق، الجزء الثامن، ص ۳۳۷.12
من المساعدات، وبما أن بعض العلماء كان يرفض األجر إال أنه كان يقبل المساعدات غير المباشرة.
)1(
ج. هبات الخلفاء للشعراء واألدباء:
اهتمت الدولة بالشعراء واحتضنتهم، وذلك لما للشعر من تأثير في نفوس الناس، وأغدقوا عليهم
الهبات والجوائز، وساعد اهتمام األمويين بالشعر على انصراف الكثيرين إلى قول الشعر وحفظه
) 2 )وروايته.
د. النفقة على المؤسسات التربوية:
على المساجد: كان يتم اإلنفاق على المساجد من خزينة الدولة يعد المسجد من أهم وأكبر
المؤسسات التعليمية في العصر األموي كما ذكرنا سابقا، وقلنا أنه قد حظي باهتمام بالغ، وأنه قد
)3 )بنيت عدة جوامع ومساجد منها: مسجد قبة الصخره والجامع األموي بدمشق.
على الكتاتيب: كانت تشرف عليها الدولة وتصرف عليها من بيت مال المسلمين ألنها ألوالد
) 4 )المسلمين عامة، والتعليم من مسؤولية الدولة.
المطلب الثاني: إنفاق العلماء:
أسهم العلماء بتمويل التعليم مساهمة كبير في العصر األموي واتخذ تمويلهم عدة أشكال منها:
أ. العمل الطوعي: إذ كان العلماء يؤدون أعمالهم في صدر اإلسالم طلبا للثواب من هللا فلم تدفع
لهم الدولة مرتبات.
ب. إنفاق العلماء على طلبة العلم: حيث قال أحد طلبة الزهري "إن حديثك ليعجبني ولكن ليست
) 5 )معي نفقة فأتبعك، قال: اتبعني أحدثك وأنفق عليك".
)1(
المصدر نفسه، الجزء الخامس والخمسين، ص ۳۰۲.
)2(
ملكة أبيض، مرجع سابق، ص 454.
)3(
ابن كثير، مصدر سابق، الجزء الثامن، ص ۲䕸.
)4(
حسين هادي محمد العواجي، النفقات المالية للدولة اإلسالمية في العصر األموي، رسالة ماجستير، كلية الدعوة وأصول
الدين الجامعة اإلسالمية، المدينة المنورة ، ص ۱۳۹.
)5(
سعد مرسي أحمد، سعيد إسماعيل علي، تاريخ التربية والتعليم، عالم الكتب، القاهرة ۱۹۸۰م ، ص ۱۲۰.13
) 1 )المطلب الثالث: إنفاق الطالب:
أدى حرص الطلبة على طلب العلم إلى بروزهم كمصدر من مصادر تمويل التعليم، وقد برز
اسهام الطالب في تمويل التعليم من خالل أشكال متعددة مثل: الجمع بين الدراسة والعمل في إحدى
)2 )المهن لإلنفاق على أنفسهم، أو من خالل إنفاق الطالب على أنفسهم من األموال التي ورثوها .
) 3 )نصح أبو قالبة أحد طالبه بالعمل بقوله: "وألزم سوقك فإن أعظم العافية الغني عن الناس".
المطلب الرابع: اإلنفاق من الهبات واإلعانات:
تعرف الهبة بأنها تمليك عين على غير عوض معلوم في الحياة، وتطلق على الشيء الموهوب،
)4 )ويراد بها التبرع والتفضل على الغير، سواء كان بمال أو بغيره.
لقد لعبت الهبات والصدقات دورا في مجال تمويل التعليم، وذلك ألن التمويل الحكومي لم يكن
منظما وكافيا بالنسبة للتعليم، وكان متواضعا نوعا ما عما كان في العصور التي تليه، فقد كانت
أجور المعلمين غير ثابتة وغير كافية أحيانا، وقد كان كثير من العلماء ال يقبلها تورعا، ولكن الهبات
كانت تلقى قبوال منهم، ألنها نوع من الهدية وقد قبل الرسول صلى هللا عليه واله وسلم الهدية، فقبولها
لم يكن موضع خالف بينهم، فهم يتفقون على قبولها. وقد كانت بعض الهبات تعطى من قبل الدولة،
وكانت تعطى من بيت مال المسلمين، وأحيانا من مال الخليفة الخاص، ولم تقتصر على الخلفاء بل
تعدتها إلى أهل الخير من عامة الناس والموسرين منهم، فقد سئل عطاء عن مصدر معاشه فقال:
) 5" )من صلة األخوان وجوائز السلطان"
.
)1(
ابن عساکر، مصدر سابق، الجزء الخمسة والخمسين، ص ۳۷۹.
)2(
سعد سعيد جابر الرفاعي، مصادر وأساليب تمويل التعليم في العصور اإلسالمية األول ، رسالة ماجستير، كلية التربية،
جامعة أم القرى، مكة المكرمة، ص۱۹۳.
)3(
ابن عساکر، مصدر سابق، الجزء والثامن والعشرين، ص ۳۰.
)4(
محمد بن إسماعيل األمير، سبل السالم شرح بلوغ المرام من جمع أدلة األحكام، الجزء الثالث، دار الكتاب العربي
بيروت، الطبعة الرابعة، 1407ه، ص ۱۸۹ .
)5 )ص
ابن عساکر، مصدر سابق، الجزء األربعون، 43414
فلم تكن الهبات خاصة بالمعلمين بل تعدتها إلى طالب العلم، فقد كان أهل الخير يتعهدون برعاية
ونفقة من يرون أن له رغبة ونجابة في التعليم"
)1(
.
المطلب الخامس: الحبس )الوقف(:
)2 )الوقف في اللغة يعني الحبس
، أما في االصطالح فقد تعددت تعريفات الوقف ومنها: تحبس
األصل وتسبيل الثمرة، أو هو حبس مال يمكن االنتفاع به مع بقاء عينه بقصد التصرف في رقبته
علي مصرف مباح.
أما المعنى العام للوقف فهو وضع أموال وأصول منتجة في معزل عن التصرف الشخصي
بأعيانها، وتخصيص خيراتها أو منافعها ألهداف خيرية محددة، شخصية أو اجتماعية أو دينية أو
) 3 )عامة
.
تم تقسيم الوقف الي ثالثة أقسام هي: الوقف الخيري، الوقف األهلي، والوقف المشترك. الوقف
الخيري هو ما يخصص الواقف ريعه لإلنفاق على جهات البر والمنافع العامة.
والوقف األهلي فهو ما يخصص ريعه لإلنفاق على النفس والذرية في حياته ومن بعد موته. أما
الوقف المشترك هو ما يجمع بين صفات الوقف الخيري والوقف األهلي، بحيث تخصص منافعه
للذرية ولجهة من جهات البر معا.
بالوقف أنشئت المساجد ومعاهد التعليم، بدءا بالكتاتيب والمكتبات العامة، كإنشائها وإيقاف الكتب
الشرعية بها، والصرف على الطلبة والمعلمين. فقد كانت المساجد أول وقف في اإلسالم، حيث بني
الرسول صلى هللا عليه واله وسلم مسجد قباء، ثم بنى مسجده صلى هللا عليه واله وسلم، وكان الناس
يتسابقون إلى إقامة المساجد والصرف عليها.
)4 (
)1(
الذهبي، مصدر سابق، الجزء السابع، ص ۱۱۰.
)2(
ابن منظور، لسان العرب، دار صادر، ۱䖿۹م ، ص 44.
)3 )مي علي محمود حسين، الوقف كمصدر التمويل مع التطبيق مصر، رسالة ماجستير، القاهرة، ص
.۱۸
)4(
مي علي محمود حسين، مرجع سابق، ص ۲۱.15
أما في العصر األموي فقد قام الخليفة وليد بن عبد الملك ببناء الجامع األموي بدمشق الذي أنفق
)1 )عليه أموال كثيرة.
احتضنت مؤسسة األوقاف المساجد التي تحتاج الي رعاية، الي جانب القيام ببناء مساجد جديدة،
والتي ساهمت بدور فعال في انتشار العلوم المختلفة، حيث كان المسجد عبارة عن مدرسة تقام فيها
حلقات التعليم.
فقد تكفل الوقف بالتمويل الالزم سواء فيما يخص النفقات الرأسمالية، أو النفقات الجارية من رواتب
وصيانة ومكافآت وبجانب إنشاء المساجد ساهم الوقف في إنشاء الكتاتيب، وكانت ملحقة بالمساجد،
) 2 )وهي تشبه الي حد كبير المدارس االبتدائية في الوقت الحاضر، ويتم تمويلها بأموال الوقف.
کثرت األوقاف في العصر األموي التساع الفتوحات اإلسالمية، لذا أنشئت إدارة خاصة لإلش ارف
على األوقاف، وقد خضعت إدارة األوقاف اإلشراف السلطة القضائية مباشرة.
)1(
عبد الرحمن بن عبد العزيز الجربوي، الوقف والحضارة االسالمية، مجلة البيان، العدد ۳۱۲ ،۲۰۱۳ /4 / ۸ م،ص ۱䕹 .
)2(
عبد العزيز علوان سعيد عبده، اثر الوقف في التنمية االقتصادية واالجتماعية، رسالة ماجستي، جامعة أم القري،
المملكة العربية السعودية، 1417ه/۱۹۹۷م، ص 5 .16
المبحث الثالث: عالقة العلماء في بني امية ودولتهم
المطلب األول: العلماء في العصر االموي
األموي بكثير من العلماء على امتداده الزماني والمكاني، يأتي في طليعتهم جيل
ُ
زخر العصر
ا واضحة على الحياة السياسية واالجتماعية
ً
الصحابة الكثيرين الذين عاصروا هذه الدولة، وتركوا آثار
فيها، وجيل التابعين الذين أخذوا عنهم، وورثوا منهم، ونشروا علومهم وتراثهم.
ونالحظ أن أبرز الخلفاء األمويين كانوا من العلماء، بل من كبارهم وسادتهم مثل: معاوية بن أبي
ه، ومروان بن الحكم وابنه عبد الملك
ُ
َر علمه وِحلم
نك
ُ
سفيان الصحابي الجليل كاتب الوحي ومن ال ي
بن مرو ان، وعمر بن عبد العزيز، وغيرهم.
وكان كثير ممن يحوط هؤالء الخلفاء من العلماء والفقهاء الذين لم يقتصر دورهم على تعليم العلم
وتدريسه، بل مارسوا السياسة، وعرفوا طرقها، فقلل ذلك من شهرتهم في مجال الفقه والدرس، وإن َظ َّل
بعضهم يحتفظ بمكانته في ذلك الميدان ومن هؤ الء العلماء بعض الصحابة الذين كانوا قريبين من
معاوية أثناء حكمه، مثل: حبيب بن مسلمة الفهري، والنعمان بن بشير األنصاري، والمغيرة بن شعبة،
وعمرو بن العاص، ومسلمة بن مخلد األنصاري، وفضالة بن عبيد األنصاري، وغيرهم -رضوان هللا
عليهم- كما كان من القريبين من معاو ية بعض أبناء الصحابة األعالم، مثل: الحسن والحسين ابني
علي بن أبي طالب، وعبد هللا بن عباس، وابن الزبير.
ن كثرة،
ْ
و
َ
ْص
ُح
من العلماء في العصر األموي جماعة من النابهين ال ي
َ
ِهر
ُ
ومن جيل التابعين اشت
مثل: خارجة بن زيد بن ثابت، والقاسم بن محمد بن أبي بكر، وعبيد هللا بن عبد هللا بن عتبة بن
مسعود، وسالم بن عبد هللا بن عمر بن الخطاب، وأبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث، ونافع مولى
عبد هللا بن عمر، وعاصم بن عمر بن قتادة، ومحمد بن كعب القرظي، وسعيد بن يسار، وسعيد بن
المسيب، وسعيد بن جبير، والحسن البصري، وابن سيرين، والزهري، والشعبي، ورجاء بن حيوة،
وعطاء بن رباح، وعكرمة مولى ابن عباس، وميمون بن مه ارن، وطاوس اليمني، وكثير غيرهم.
وبعض هؤالء العلماء من التابعين كانوا من القريبين من الحكام ومن المشيرين عليهم، والواعظين
لهم، والناصحين والمنكرين عليهم. كما تولى بعض هؤالء العلماء وظائف الحكم واإلدارة والقضاء،
وكان بعضهم بمنزلة الوزراء والمشيرين عند بعض الخلفاء، رغم تعدد محاوالت بعض هؤالء العلماء 17
الفرار من قربهم من الخلفاء، وكانت مكانة اآلخرين عظيمة عند بني أمية حتى كان عبد الملك بن
بالشيء أفعله بأهل الم
ّ
مروان يقول: إني ألهم دينة لسوء أثرهم عندنا؛ فأذكر أبا بكر بن عبد الرحمن
بن الحارث بن هشام المخزومي فأستحي منه، فأدع ذلك األمر.
وكان عمر بن عبد العزيز -رحمه هللا- يريد أن ينقل الخالفة إلى أحد هؤالء العلماء البارزين
القاسم بن محمد بن أبي بكر أو ميمون بن مه ارن، وحرص هشام بن عبد الملك على أن يصلي على
ه: طاوس اليمني، وسالم بن عبد هللا بن
ّ
اثنين من هؤالء العلماء تصادفت وفاتهما أثناء رحلة ح ِج
عمر.
كم
ُ
إن هذه المكانة الرفيعة التي نالها العلماء في العصر األموي ال تنفي أن بعضهم كان ينتقد الح
ا منهم قد لقي في عص
األموي أو يثور عليه، وأن عدد ا، ولكن ظلت هذه اإلساءات ً
ً
أو تعذيب
ً
رهم إساءة
ا، ومعظمها كان من نصيب هؤالء الخارجين على سلطان الدولة
ً
محصورة في نطاق ضيق دائم
والمشايعين ألعدائهما مثلما حدث مع سعيد بن جبير، وعبد الرحمن بن أبي ليلى اللذين شاركا في
ُ ثورة ابن األشعث فقتلهما الحجاج، وقد تكرر األمر نفسه - في العصر العباسي
فيما بعد - على نحو
ا كأبي حنيفة النعمان، ومالك بن
ً
ا وتعذيب
ً
أشد، فلقي بعض البارزين من عظماء علماء اإلسالم عنت
أنس، وأحمد بن حنبل، وغيرهم.
ا خالدة على
ً
ولم تقتصر رعاية األمويين العلم على رعاية العلماء وإجاللهم، وإنما امتدت لتترك آثار
تطور بعض العلوم اإلسالمية ذاتها، حيث كان لبني أمية دور بارز في ازدهارها ونموها .
المطلب الثاني: العلماء والجماهير
ا أخرى دليالً على
ً
ا، أو قربهم منهم أحيان
ً
وكما كانت تأثي ارت العلماء ومعارضتهم األمويين أحيان
حيوية هذه الجماعة وتأثيرها الكبير في المجتمع اإلسالمي، فقد كان التصاقها بالجماهير وتعلق الناس
بها وتجاوبهم معها دليالً آخر على أن المجتمع اإلسالمي في العصر األموي لم يكن على ما يصوره
َّى عليه هشام بن عبد الملك،
ًا، فإنه لما توفي طاوس اليمني بمكة، وصل
ا وعبث
ً
بعض المؤرخين لهو
لم يتهيأ إخراج جنازته لكثرة الناس حتى وَّجه أمير مكة بالحرس، ولقد كان عبد هللا بن حسن بن
ِزّق رداؤه
ُ
الحسن بن علي يضع سرير طاوس على كاهله، وقد سقطت قلنسوة كانت على أرسه، وم
من خلفه. 18
ولما مات الحسن البصري تتبع الناس جنازته، حتى لم تقم صالة العصر بالمسجد الجامع بالبصرة
في وقتها النشغال الخلق بدفنه، وما علم أنها تركت منذ كان اإلسالم إال يومئذ.
وامتد نشاط الحركة العلمية وتأثير العلماء آنذاك إلى شتى أنحاء الدولة اإلسالمية، ففي خراسان
"كان الضحاك بن مزاحم الهاللي صاحب التفسير الفقيه له مكتب عظيم فيه ثالثة آالف صبي،
ا يدور عليهم إذا
ً
وكان يركب حمار أعيا".
الخالفة
ّ
يتأكد لنا من خالل عرضنا السابق مدى المكانة المشرفة التي نالها علماء اإلسالم في ظِل
األموية، فبين الحكام والجماهير عاش العلماء حياة يسودها االحترام والمودة والقربى؛ ولذلك ال نعجب
الخالفات التي جاءت
ّ
إذا علمنا أن الخالفة األموية كانت من أجل في تاريخ اإلسالم رغم المدة القليلة
ا من الزمن!
ً
التي عاشتها هذه الدولة، إذ لم تتجاوز قرن
المطلب الثالث: دور العلماء في الحركة الفكرية للدولة االموية
كان العصر األموي امتدادا لفترة الخالفة ال ارشدة، وهو عصر صغار الصحابة الذي بدأ من والية
معاوية بن أبي سفيان سنة 41 هـ إلى الوقت الذي عرضت فيه بوادر الضعف في الدولة األموية
وذلك في أوائل القرن الثاني الهجري.
ً، ولم يأل الخلفاء واألم ارء جهدا في
لقد كانت الحياة العلمية على اختالف أنواعها سائرة سي ارً حسنا
تشجيع مسيرتها وتعزيزها، واعتنوا بحسن خدمتها وإيضاحها مما جعل عصرهم عصرا تنتعش فيه
دولة العلم، وحظوا بصحبة كثير من الصحابة ونخبة علماء التابعين، واستفادت الدولة منهم وأفادوا،
ً واسعا في
وكانوا يكرمونهم ويؤيدونهم في دفع نشاط الحركة العلمية، فتنوع اإلنتاج العلمي يومئذ تنوعا
مختلف العلوم: من تفسير وحديث وفقه وعربية وغيرها، وكل علم في رقي وتكامل وظهرتظاهرة بذور
التدوين العلمي في معظم العلوم، وتبينت مشاهدها ومدارسها .
وفي علم التفسير :كان على رأس علمائه الصحابي أبو العباس عبد هللا بن عباس، وتتلمذ على
يديه جلة التابعين.
) 1 )يقول ابن تيمية: وأما التفسير فإن أعلم الناس به أهل مكة ألنهم أصحاب ابن عباس.
)1(
مجموع الفتاوى. 13 /34719
ً من الطالب كان لهم أثر كبير في نشر العلم، حيث أنشأوا عدة حلقات
وقد ترك ابن عباس عددا
للدراسة كان الطابع الغالب عليها هو طابع الجد في دراسة القرآن الكريم، وكان كل واحد منهم مدرسة
مستقلة بنوع خاص في علم التفسير.
كما تراه في واقع سعيد بن جبير رحمه هللا، الذى رزق علم القرآن وكان مرجعا في التفسير
والقراءات.
فعن ميمون بن مه ارن رحمه هللا قال: قد مات سعيد بن جبير وما على األرض أحد إال وهو
) 1 )محتاج إلى علمه.
وقال إسماعيل بن عبد الملك: ”كان سعيد بن جبير يؤمنا فى شهر رمضان فيقرأ ليلة بقراءة عبد
هللا بن مسعود، وليلة بق ارءة زيد بن ثابت، وليلة بق ارءة غيره، وهكذا أبدا“ً
)2(
وكان أمير المؤمنين عبد الملك بن مروان سأل سعيدا بن جبير أن يكتب إليه بتفسير القرآن،
فكتب، وبقي ذلك التفسير فى ديوان الدولة يستفيد منه الناس.
والزم مجاهد ابن عباس وعرض عليه القرآن ثالث عرضات من أوله إلى آخره، يوقفه عند كل
)3 )آية، فيسأله عنها وعن وقت نزولها وأسباب النزول، فيحفظ ذلك ويكتبه
، وروى ابن أبي مليكة،
قال: رأيت مجاهدا سأل ابن عباس عن تفسير القرآن ومعه ألواحه، فقال ابن عباس: اكتب، حتى
سأله عن التفسير كله.
كما اشتهر في تلك الفترة من بين أعالم علماء التفسير زيد بن أسلم الذي كان له كتاب في التفسير
وعنه أخذ مالك.
بن كعب نسخة كبيرة فى التفسير
ّ
وأبو العالية رفيع بن مه ارن الرياحى الذي روى عن أُبي .
)4(
)1(
سير أعالم النبالء. 4 /325
)2(
ابن خلكان،وفيات األعيان وأنباء أبناء الزمان، الجزء األول والثاني، دار صادر، بيروت، الطبعة األولي، ۱۹۰۰م
371/2
)3(
الحركة العلمية في بالد الحجاز في العصر األموي. نقال عن حلية األولياء 3/279 ، وتاريخ دمشق 16/127
)4(
ينظر: المصدر السابق 1/87 -8820
ومحمد بن كعب القرظي الذى كان من المقربين إلى الخليفة عمر بن عبد العزيز رحمه هللا لمعرفته
السابقة به حين كان عامالً على المدينة. فلما ولي الخالفة كان يذهب إليه، ويتحدث معه في الزهد
والقصص والتفسير الذي اشتهر به.
ويالحظ في هذا العصر بداية شيوع ثقافة تدوين تفسير القرآن بال التحرج، وكثرت صحف التفسير
من حينه، مع تميزها بال خلو من األقوال الباطلة غالبا، والعناية باآلثار المسندة، والتركيز على بيان
معاني مفردات القرآن الكريم من خالل أقوال العرب وأشعارهم، وإبراز جوانب كثيرة من علوم القرآن
كالقرآءات والناسخ والمنسوخ وأسباب النزول وغيرها،وقلة االختالفات في التفسير.
علم الفقه :رسم العصر األموي ضرورة المرجعية العلمية األصيلة الموثوقة التي تعرض عليها
النوازل والقضايا المفتقرة إلى تحقيق المناط الخاص، وتمثلت ذلك في واقع المدينة النبوية بالوضوح،
فإنها تفوقت بأئمتها الفقهاء السبعة الشهيرة: سعيد بن المسيب )ت 94 هـ( وسليمان بن يسار )ت107
هـ( وسالم بن عبد هللا )ت 106 هـ( والقاسم بن محمد )ت 120 هـ( وعروة بن الزبير )ت 94 هـ(
وعبيد هللا بن عبد هللا بن عتبة بن مسعود )ت بعد 90 هـ( وخارجة بن زيد بن ثابت )ت 100 هـ(
ولما كان اجتهاد هؤالء الفقهاء اجتهادا جماعيا لهيئات الفتوى قدمهم المسلمون على غيرهم في
جل المسائل العلمية ويثوبون إليهم عند حلول الخطوب والمعضالت والوقائع المستجدة، وكاد يكون
قولهم بمثابة االجماع، ال سيما وهم يمثلون حلقة الوصل الرئيسة بين جيل الصحابة وبين جيل أئمة
المذاهب الفقهية على اختالف بلدانهم.
ً عن ابن المبارك قال: كان فقهاء أهل ال ا، فنظروا
مدينة سبعة...إذا جاءتهم المسألة دخلوا فيها جميع
فيها، وال يقضي القاضي حتى يرفع إليهم، فينظرون فيها، فيصدرون.
)1(
وكان زيد بن أسلم رحمه هللا من مشاهير الفقهاء بالمدينة؛ وهو أحد الفقهاء الذين دعاهم الوليد بن
) 2 )يزيد رحمه هللا إلى دمشق ليسمع فتاواهم في قضايا فقهية.
وتشير األخبار إلى أنه كان من المألوف في العصر األموي تبادل الرسائل في المسائل الفقهية،
ويبدو أن بداية تأليف كتب الفقه المصنفة حسب األبواب الفقهية كان في أواخر القرن األول الهجري،
اري )1)
َ
ُخ
الب
ْ
ِحيح
َ
ايا ص
َ
ب
َ
َ ْش ِف خ
اِري في ك
َ
اني الَّدر
َ
ع
َ
كوث 2/49َ ر الم
)2(
الحركة العلمية في بالد الحجاز في العصر األموي نقال عن تاريخ اإلسالم. 5/25121
إذ يذكر ابن قيم الجوزية رحمه هللا: أن مصنفا ه كان في ثالثة أسفار، وأن فتاوى ً للزهري في الفق
الحسن البصري كانت في سبعة أسفار مرتبة على أبواب الفقه“
)1 (
دوا لمدرسة ال أري، منهم علقمة بن قيس واألسود بن يزيد، وكان على
ّ
ومن تلك الفترة برز فقهاء مه
أرس هؤالء: ربيعة بن أبي فروخ، وكان الناس يلجأون إليه عند عدم وجود نص، فسمي ربيعة الرأي
)2(
ًر له، ولذلك قال مالك: ذهبت حالوة الفقه منذ مات ربيعة.
، تقدي ا
)3(
ويتجلى من هذا أن العصر األموي هو عصر البناء والتأسيس لنشأة المدارس الفقهية الكبرى،
وخاصة في المدينة النبوية والكوفة التي كانت النواة األولى لمدارس الفقه، إذ عليهما يدور جل فقه
الصحابة كما ت اره في كتب تاريخ التشريع اإلسالمي، وسمي الحجازيون بأهل الحديث لوضوح شدة
اهتمامهم باألثر من ال أري والنظر وك ارهيتهم للمسائل االفت ارضية لم تقع بعد، وعرف الع ارقيون بأهل
الرأي الستكثارهم من القياس ومهاراتهم فيه مع قلة العناية بالروايات نظرا لبعد العراق عن منبع
الوحي. فهاتان المدرستان هما السلم التدريجى لتأسيس المذاهب الفقهية.
علم اللغة العربية :كانتعلوم العربية من أسرع العلوم في النهوض في العصر األموي، نظ ار لحدوث
االتصال الثقافي الواسع المؤثر بين العرب وبين األمم التي دخلت شعوبها في اإلسالم بعد الفتوحات
االسالميه وشدة احتياجها إلى تعلم الدين، ولضرورة إيجاد صلة التواصل والتعارف والتفاهم بين الرعاة
والرعية، مما جعلت اللغة العربية أن تسود سيادة مطلقة تجري بها المخاطبات والمكاتبات، فدعت
الحاجة إلى وضع بعض ضوابط وقواعد نحوية – على يد أبي األسود – لضبط األلسن واستقامتها،
وصيانة اللغة من اللحن والعجمة في العربية األصيلة، ووضع التشكيل والتنقيط واإلعجام للحروف،
ثم شاركه فيه إلى مستوى الكمال يحيى بن يعمر، ونصر بن عاصم بأمر وتوجيه من الحجاج بن
يوسف الثقفي، ونبغ مبتكرون في كثير من ضروب الشعر كأمثال جرير والفرزدق وغيرهما، وكما
أسهمت حركة تعريب الدواوين إسهاما كبيرا فى تضاعف االهتمام باللغة العربية وتعلمها مما أدت
إلى ظهور مدرسة جديدة في الساحة؛ وهي مدرسة طبقة كتاب الدواوين والرسائل الفنية وعلى رأسهم
عبد الحميد الكاتب األديب .
)1(
المصدر السابق. نقال عن إعالم الموقعين. 1 /26
)2(
سير أعالم النبالء 6/91
)3(
ينظر الحركة العلمية في بالد الحجاز في العصر األموي. نقال عن البيان والتبين للجاحظ، 1 /10222
هذا، وقد احتضنت الحركة العلمية في مسيرتها الطيبة ميادين أخرى ذات أهمية قصوى نالت محل
العناية واإلقبال كذلكا في تلك الحقبة مثل: السيرة واألنساب والمغازي دليال على مدى حركة علمية
ناشطة، وكان للدولة األموية في ذلك – بعد هللا – فضل عظيم ودور حاسم في ترقية العلم وأهله.23
الخاتمة
ال يختلف الباحثون المنصفون على أن تاريخ الدولة األموية في حاجة ملحة إلى إعادة تقويم
وتنقيح و ارسة موضوعية، إذ ال يغيب عن البال أن التاريخ األموي كتب في العصر العباسي.
ودارس التاريخ ال يخفى عليه ما قام به األخباريون الشيعة بوضع كثير من الروايات التي تسيء
إلى األمويين، وما قام به العباسيون كذلك في سبيل طمس مآثر األمويين.
ومن أجل ذلك اختلف الباحثون في حكمهم على العصر األموي بين مؤيد يعلي من مكانتهم
ويرفعهم إلى فوق ما يستحقون، ومعارض ال يرى لهم أي فضل أو مكرمة، بل يرى في فترة حكمهم
صفحة قاتمة في سجل التاريخ اإلسالمي الحافل.
لكن باستعمال الميزان الشرعي الدقيق الذي ينزل الناس منازلهم التي يستحقونها باإلنصاف والعدل،
ً من الم ازيا والنواقص، والمحاسن والمساوئ تيسر لنا فهم
يمكن القول أن التاريخ األموي كان مزيجا
التطور اإلجمالي لهذا العصر.
ً في التمهيد للنهضة العلمية التي
كان للحركة العلمية في العصر األموي دو ار كبي ار وبار از جدا
سادت في العصر العباسي. فعلى الُّرغم من أن العصر الذهبي للعلوم والحضارة اإلسالمَّيين كان في
بارز في التمهيد لهذا االزدهار والتهيئة له، إذ أنهم أرسوا أسس
ٌ
فقد كان لألمويين دور
ّ
العهد العباسي
التراث ال الذي بنى عليه العباسيون. ومن أهم هذه التطُّو ارت التي هيأت للنهضة العلمية العباسية
ّ
علمي
حركة التعريب في عهد عبد الملك بن مروان، الذي جعل من اللغة العربية لغة رسمية للدولة أصبحت
ً بإنشائ
الوليد كثي ارً أيضا
َ
تستخدم في كل أصقاعها من المشرق إلى المغرب، كما ساهم ه المدارس
والمستشفيات تحت رعاية الدولة التي ساهمت هي األخرى في النهضة اإلسالمية الالحقة. وقد كان
تدوين العلوم وتعريبها للمَّرة األولى،
ّ
من أهم اإلنجا ازت في تطوير الحركة العلمية في العصر األموي
هولة، كمان
ُ
وهو ما أتاح لعلماء العرب والمسلمين االطالع عليها بس أن اتساع الدولة ودخول شعوب
جديدة في اإلسالم أتاح التعرف على حضاراتها واالستفادة من تلك المعارف في تطوير الحضارة
اإلسالمية.
إجماالً العلوم الدينية واللغوية والتاريخ والجغ ارفيا
ّ
كان من أهم مجاالت االزدهار في العصر األموي
والفلسفة والطب. وقد انقسمت الحركات العلمية في هذا العصر إلى أربع حركات، وهي الحركة الدينية 24
)المعنية بعلوم الدين، مثل تفسير القرآن واألحاديث والتشريع( والتاريخية )المعنية بتوثيق التاريخ
والقصص والمغازي ونحوها( واألدبية )المعنية بالشعر والنثر وما إلى ذلك( والفلسفية )المعنية بالمنطق
خلفاؤهم أو أم ارؤهم
َ
دعم
َ
ميلوا إلى دعم العلوم، فلم ي
َ
والكيمياء والطب وما شابهها(. لكن األمويين لم ي
ُ سوى الحركتين األدبية والقصصية من بين متعهم ويجذبهم سوى
كن ي
َ
كل هذه الحركات العلمية، فلم ي
ُستثنى من هذه
الشعر والخطب والقصص، ورَّبما كان ذلك بسبب نزعة عربية جاهلية عندهم، وال ي
بشَّدة الحركات
َ
سوى خالد بن يزيد بن معاوية، الذي كانت لديه نزعة فلسفية فوق نزعته األدبية، ودعم
العلمية في مجاالت الط الحركة
َ
ب والكيمياء والفلك، باإلضافة إلى عمر بن عبد العزيز الذي دعم
الدينية. 25
المصادر والمراجع البحثية
1 .عمر بن سليمان العقيلي، تاريخ الدولة األموية، مكتبة الملك فهد الوطنية، الطبعة الثانية
1437ه/۲۰䕤م
2 .ابن حزم األندلسي، الفصل في الملل واألهواء والنحل، الجزء الرابع، دار الجيل، بيروت
3 .الجاحظ :البيان والتبيين، األجزاء )۱ ،۲ ،۳ )تحقيق عبد السالم محمد هارون، مكتبة
الخانجي، القاهرة
4 .تغريد السويل، بدرية القحطاني، نورة التميمي، التعليم في العصر األموي، جامعة اإلمام
محمد بن سعود اإلسالمية، ۲۰䕮م
5 .عمر بن سليمان العقيلي، تاريخ الدولة األموية، مكتبة الملك فهد الوطنية، الطبعة الثانية
۲𫢊ه/۲۰䕤م.
6 .ابن عساکر :(تهذيب تاريخ مدينة دمشق، الجزء الرابع، هذبه :عبدالقادر بدران، دار السيرة،
بيروت، الطبعة األولى، ۱۳۹۹م، الجزء الثالثة وستين
7 .ابن كثير(، البداية والنهاية، األجزاء) ، دار الكتب العلمية بيروت، لبنان، الطبعة األولي،
�ه/۲۰۰۱م ، الجزء التاسع
8 .ملكة أبيض، التربية والثقافة العربية اإلسالمية في الشام والجزيرة، دار العلم للماليين، بيروت،
الطبعة األولى ۱۹۸۰م
9 .محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي، سير أعالم النبالء، المحقق حسان عبد المنان، الجزء
الخامس، بيت األفكار الدولة
10 .مكي أقالنية، النظم التعليمية عند المحدثين في القرون األولى، مطبعة طوب بريس،
الطبعة األولى، ۲۰۰۲م
11 .سعيد اسماعيل علي، معاهد التربية اإلسالمية، دار الفكر العربي، القاهرة، ۱۹۸۹م
12 .محمد الحسيني عبد العزيز، الحياة العلمية في الدولة اإلسالمية، وكالة المطبوعات،
الكويت، ۱۹۷۳م
13 .محمد موسى أحمد، تطور الفكر التربوي، عالم الكتب، القاهرة، الطبعة األولى،
䕮۲𫗚
14 .حسن عبد العال، التربية اإلسالمية في القرن ال اربع الهجري، الشركة المتحدة، القاهرة،
۱۹۷۸م
15 .حسين هادي محمد العواجي، النفقات المالية للدولة اإلسالمية في العصر األموي،
رسالة ماجستير، كلية الدعوة وأصول الدين الجامعة اإلسالمية، المدينة المنورة
16 .سعد مرسي أحمد، سعيد إسماعيل علي، تاريخ التربية والتعليم، عالم الكتب، القاهرة
۱۹۸۰م
17 .سعد سعيد جابر الرفاعي، مصادر وأساليب تمويل التعليم في العصور اإلسالمية
األول ، رسالة ماجستير، كلية التربية، جامعة أم القرى، مكة المكرمة
18 .محمد بن إسماعيل األمير، سبل السالم شرح بلوغ المرام من جمع أدلة األحكام،
الجزء الثالث، دار الكتاب العربي بيروت، الطبعة الرابعة، 1407ه
19 .مي علي مح مود حسين، الوقف كمصدر التمويل مع التطبيق مصر، رسالة
ماجستير، القاهرة
20 .عبد الرحمن بن عبد العزيز الجربوي، الوقف والحضارة االسالمية، مجلة البيان،
م ۸ / 4 /۲۰۱۳ ،۳۱۲ العدد
21 .عبد العزيز علوان سعيد عبده، اثر الوقف في التنمية االقتصادية واالجتماعية، رسالة
ماجستي، جا معة أم القري، المملكة العربية السعودية، 1417ه/۱۹۹۷م
22 .ابن خلكان، وفيات األعيان وأنباء أبناء الزمان، الجزء األول والثاني، دار صادر،
بيروت، الطبعة األولي، ۱䖿۰م



#أيمان_حسون_محمد_عبدالرضا (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- جملة قالها أبو عبيدة متحدث القسام تشعل تفاعلا والجيش الإسرائ ...
- الإمارات.. صور فضائية من فيضانات دبي وأبوظبي قبل وبعد
- وحدة SLIM القمرية تخرج من وضعية السكون
- آخر تطورات العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا /25.04.2024/ ...
- غالانت: إسرائيل تنفذ -عملية هجومية- على جنوب لبنان
- رئيس وزراء إسبانيا يدرس -الاستقالة- بعد التحقيق مع زوجته
- أكسيوس: قطر سلمت تسجيل الأسير غولدبيرغ لواشنطن قبل بثه
- شهيد برصاص الاحتلال في رام الله واقتحامات بنابلس وقلقيلية
- ما هو -الدوكسنغ-؟ وكيف تحمي نفسك من مخاطره؟
- بلومبرغ: قطر تستضيف اجتماعا لبحث وجهة النظر الأوكرانية لإنها ...


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - أيمان حسون محمد عبدالرضا - الحياة الأجتماعية للعلماء في العصر الأموي