أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - مهند طلال الاخرس - صاحب الصافرة والزمن الجميل 2-2















المزيد.....

صاحب الصافرة والزمن الجميل 2-2


مهند طلال الاخرس

الحوار المتمدن-العدد: 6864 - 2021 / 4 / 9 - 02:44
المحور: سيرة ذاتية
    


اخترقت سيارة صاحب الصافرة جحافل المتقاطرين للمدرسة وكذلك زامورها، كان زامورها مميزا، كان يعرفه الطلبة من كل الاعمار والفئات، كنا نُسعد حين يضغط صاحب الصافرة على زامور سيارته، كنا نفرح اكثر حين يخترق جموع الطلاب موبخا احدهم بعبارته الشهيرة " ولك يا مشحر زيح عن هالطريك، قبرت اهلك مسقعك" كانت تلك العبارة رفيقة دربه ولسانه عندما يركب السيارة ويخترق جموع الطلبة، كان كمن يريد ان يلفت انتباه المارة لنفسه او انها كانت سلامه الخاص للجميع.... اعتقدها كانت كذلك واكثر...

والحقيقة كنا نحن السعداء اكثر بتلك النظرات التي تخترق زجاج السيارة وتغبط او تحسد او تحقد على من بداخلها، كنا فخوربن بدورنا بتلك العلاقة مع صاحب تلك الصافرة، كان بعضنا يمشي على الغيم حين يركب سيارة صاحب تلك الصافرة، وكان البعض من البغض لا ينام حين يرانا في تلك السيارة...

الفصل الاجمل كان في تلويحات جموع الطلبة ونحن نتجاوزهم على مهل، لكن الفصل الاكثر جمالا كان حين تلمحك طالبات الجيش الاخضر ويتقافزن على الرصيف محدقات بركاب تلك السيارة...
كانت طالبات الجيش الاخضر تعرف سيارة صاحب الصافرة حق المعرفة!
كانت سيارة صاحب الصافرة السيارة الوحيدة المسموح لها بدخول مدرسة البنات الثانوية المحاذية والملاصقة للمدرسة الاعدادية الاولى والثانية، كانت هذا التجاور بين مدرسة الذكور والاناث مدعاة لحوادث ومشاكل كثيرة!؟

كان هذا التجاور مدعاة التميز الوحيدة لطلاب الاعدادية الاولى والثانية، وكان هذا التجاور مصدر فخرهم في مواجهتنا، كانت مناقب الاعدادية الثالثة كثيرة وكثيرة جدا، كنا ننتقي اجملها للرد عليهم حين مقارعتهم؛ كنا نصمت طويلا وهم يتحدثون عن افضال تلك الميزة بالنسبة للاعدادية الاولى والثانية(ميزة مجاورة مدرسة البنات)، كنا ننصت وندعهم يتحدثون، كانوا يسهبون ويطنبون، كانت مخيلتهم تسرح وتمرح وكثيرا ما تشط وتجنح، وعندما تعود مخيلتهم ادراجها كنا نبتسم ونقول لهم : دعكم من كل هذا الهراء، لا احد لديه مثل ما لدينا ولن نطيل عليكم بالرد، يكفي ان نقول لكم لدينا ما تتمنون في احلامكم....
لدينا صاحب الصافرة...

كان صيت صاحب الصافرة على كل لسان بالمحبة والثناء وجمال الحضور، كان صيته عابرا للاسوار متجاوزا لكل الحواجز ...

وصلنا المدرسة باكرين، استدعيت فرقة الكشافة قبل طابور الدوام وتوجهت بهم نحو غرفة النشاط في اجتماع عاجل وسريعا انضم الينا صاحب الصافرة، طلب الينا مهام متعددة بالاضافة الى الدهان..

كان نصيبي ان احضر قطع من اشجار التين والزيتون من كروم عين الباشا للحفر عليها بالنار وتزيينها بخارطة فلسطين وعلامة النصر او القدس او حنظلة او كلها مجتمعة، او رسم مجموعة من الصور الوطنية على لوحات من الخشب بواسطة التفحيم او الحرق وجعلها براويز تزين ذلك المعرض الدائم الذي تغص به غرفة النشاط.

كانت غرفة النشاط تليق بها كل الاسماء، فهي الصومعة وهي المأوى والمطعم والملاذ وهي عرين الكشاف وهي المعرض والمتحف والاهم انها كانت مركز المدرسة ومحط اهتمام الجميع كونها عرين صاحب الصافرة.

كانت غرفة النشاط كصاحبها مركز الحدث، وكانت هذه الاهمية تتصاعد وتتضاعف عند التحضير لفعاليات يوم النشاط المدرسي والمهرجان الرياضي العام الذي تقيمه مدارس الوكالة مجتمعة.

اوكل لاخرين مهمة الاعداد والتدريب على بعض الالعاب الرياضية والبهلوانية والجمباز وبرع في هذا المضمار ذلك الثنائي المكون من جهاد سليم نصار ومحمد يونس، وتولى اخرين جمع التبرعات بغية اصلاح الزجاج المكسور وتوفير مستلزمات الدهان، والتحق اخرون ب ابو عبدالله حارس المدرسة بغية اصلاح بعض الدروج المكسرة وتوزيع مكانس النظافة على الصفوف...، وتولى اخرون اعداد مجلة الحائط بعد ان زودهم صاحب الصافرة بأهم العناوين والموضوعات اللازمة لذلك ومن بينها صورة لياسر عرفات واخرى لصدام حسين.

كان الجميع يحبذ الاشتراك بتلك المهام التي يتولى تنفيذها صاحب الصافرة مباشرة، كان الجميع يحاول ذلك بما فيهم انا، لكن الحظوة كانت دائما من نصيب جوقة الغناء بقيادة محمد العزازمة وطاقم قلاية البندورة والسحلب وهو طاقم متعدد المواهب والمهمات!.

اقترب مني صاحب الصافرة وطلب مني ان استعين بصديقي سائد وببعض طلاب صفه من المدرسة الرابعة بغية مساعدتنا على رسم تلك الصور الوطنية الجميلة على جدران المدرسة بحجة اننا نتشارك نفس المبنى، والحقيقة اننا لم نكن نملك من يحسن الرسم بهذا المستوى، كان سائد يعرف هذا تماما، لكنه كان يجهل ان الحضور البهي والجميل والعابر لكل حارات المخيم، والمتجاوز لكل اسوار المدارس، والذي يمثله صيت صاحب تلك الصافرة كاستاذ ومدرس للرياضة والنشاط والفن والكشافة في المدرسة الاعدادية الثالثة هو السبب الخامس والاهم لكل دعواتنا ورجائنا في ان يكون نصيبنا باكمال الدراسة في الاعدادية الثالثة وملعبها الترابي وتحت ظل صاحب تلك الصافرة .

بتقاعده ورحيله من الاردن الى فلسطين لم يغب اثره في قلوب محبيه من اصدقائه وزملائه والجحافل من ابنائه الطلبة، وبقيت حكاياه شرق النهر تملأ افواه الجميع وتشعل ذاكرة الحنين الى ايام الزمن الجميل، لكن القدر اراد للحكاية الاجمل ان تكون على ثرى فلسطين؛ ففي سنة ٢٠٠٢ وفي عز انتفاضة الاقصى عاد صاحب الصافرة للظهور من جديد!

كان صاحب الصافرة يقود سيارة متهالكة وبسرعة فائقة يتطاير من عجلاتها الشرر، لحقت بها سيارة جيب عسكرية بعد ان اخذت احتياطاتها اللازمة.

اعطى قائد دورية الجيب العسكري اوامره للجندي السائق بالتريث والسير خلف تلك السيارة على مهل بغية ملاحظة ما يجري بها، اقترب الجيب من السيارة فأصبح جميع من في الجيب العسكري يتمايلون ويغنون مع الاغنية المنبعثة من مسجل السيارة المتهالكة ذات الشرر المتطاير.

اقترب الجيب العسكري اكثر واكثر حتى التصق بالسيارة المتهالكة، كانت اصوات كل من في السيارة ايضا تتمايل وتردد مع صوت المغني :
"ياراية شعبي المرفوعة
في غزة وفي مرج عيون...
رح نملا بالثورة الكون...
اصبح جميع من في السيارتين يردد:
يا راية شعبي المرفوعة..."

كان الجميع يردد ويحور ويحرف مقاطع الاغنية كما لو انهم على علم باسرارها وحكايتها...
لوهلة بدا وكأن من في السيارتين فرقة تدربت وتمرست على اداء هذه الاغنية في احد حواري مخيم البقعة...

طال الطريق مسافة سمحت للجميع بأن ينتهي من الاغنية عند مدخل مدينة نابلس، كانت الاجواء ملتهبة والانتفاضة مشتعلة وزاد من اشتعالها في ذلك اليوم تلك المعلومات الصادرة عن الاحتلال والتي تهدد وتتوعد باحتلال نابلس وباعادة اجتياح مدن الضفة الغربية باكملها...

على مدخل نابلس اسرع الجيب العسكري حتى تجاوز السيارة المتهالكة، كان من في تلك السيارة قد بدأوا لتوهم ترديد اغنية اخرى، كانت كلمات تلك الاغنية لجوليا بطرس وفيها تقول: "بنرفض نحنا نموت
وقولولو رح نبئا
ارضك والبيوت
والشعب اللي عم يشئا ..."

لم يعد قائد دورية الجيب العسكري يقوى على الانتظار، استدار برأسه للخلف مخاطبا الجالسين في الخلف سعيد وشاح وابراهيم قرقش وزياد لافي:" لا، هيك كثير، مش معقول هالحكي، عرضلي هالجيب قدام هالسيارة وخليها توقف تنشوف مين اللي متربي نفس تربايتنا".

توقفت السيارات على نحو احدث ازمة في السير، وفجاة انطلق الرصاص وتكرر حتى صاح قائد دورية الجيب العسكري : وحد الله؛ استاذ عبد الله استاذ عبدالله!!

كان الجميع على موعد مع القدر، كان قائد الدورية المقدم اسامة البدو وافرادها جميعا من ابناء مخيم البقعة ومن طلاب الاعدادية الثالثة بالتحديد.

كان ضباط الدورية يتبادلون القبلات والعناق الحار مع استاذهم صاحب الصافرة حين عاد المقدم اسامة البدو نحو الدورية واعاد تعبئة مخزن الكلاشنكوف واطلق العنان له من جديد، وحين افرغ طلقات المخزنين كان الثلاثة الاخرون قد فرغوا من نوبة العناق والبكاء مع صاحب الصافرة، حينها تقدم اسامة من صاحب الصافرة وقبّل يديه وطبع قُبلة اخرى على جبينه في استعراض لطوله الفارع ومحبته الجمة، كانت سيرة صاحب الصافرة وصِيته من ذلك النوع العابر للقلوب والمتجاوز لكل انواع الحدود...


كانت الاعدادية الثالثة متقدمة على الجميع ، كان الفضل في كل هذا يعود لصاحب تلك الصافرة وحارس الذاكرة وصاحب الاثر الذي لايزول الاستاذ الفاضل عبد الله غريفي -رحمه الله- الذي انتقلت روحه لبارئها قبل ايام.

رفعت الاقلام وجفت الصحف، ولم يبق ما يقال إلا كثيرا من الذكريات وبعضاً من التفاصيل المطوية تحت غبار السنين، لكن برحيله عنا وانتقاله الى السموات العلا كان لابد من بعض القول وفاءً وعرفاناً لذكراه ولايام الزمن الجميل، فأنا والله جبانٌ في فراق أحِبّتي، وإن كنتُ في غير الفراق شجاعُ.

لروحه الرحمة ولنا جميعا حُسن العزاء.



#مهند_طلال_الاخرس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- صاحب الصافرة والزمن الجميل 1-2
- صنع الله ابراهيم 1970، لحن الرجوع الاخير
- النخلة العاقر
- صاحبي الذي رحل
- حمامة تصعد الى السماء
- مارادونا في حواري المخيم!
- صلاة العشاء في ساحة الشهداء
- شخصية الجزائر الدولية
- الأنَفةُ الجزائرية: مولود قاسم مثالاً
- ايفا شتال: أُممية لم تغادر الجبل
- الى اين ذهب ماجد؟
- تسابيح من حنايا الجزائر
- قف، هنا المخيم.. (ج2)
- قف، هنا المخيم..
- حين ترحل البيارق
- إرث من الرماد؛ تاريخ السي اي ايه
- رغيف الثورة
- كل يوم كتاب؛ ظلام تحت الضوء
- كل يوم كتاب؛ الغضب والأمل
- كل يوم كتاب؛ الوتر المشدود، بكر ابو بكر


المزيد.....




- حمزة يوسف.. الوزير الأول بإسكتلندا يعلن أنه سيستقيل من منصبه ...
- مصادر لـCNN: حماس تناقش مقترحًا مصريًا جديدًا لإطلاق سراح ال ...
- رهينة إسرائيلية أطلق سراحها: -لن أسكت بعد الآن-
- لا يحق للسياسيين الضغط على الجامعات لقمع الاحتجاجات المناصرة ...
- باسم خندقجي: الروائي الذي فاز بالجائزة العالمية للرواية العر ...
- بلينكن يصل إلى السعودية لبحث التطبيع مع إسرائيل ومستقبل غزة ...
- ظاهرة غريبة تثير الذعر في تايوان.. رصد أسراب من حشرات -أم أر ...
- مصري ينتقم من مقر عمله بعد فصله منه
- لردع الهجمات الإلكترونية.. حكومة المملكة المتحدة تحظر استخدا ...
- الدفاع الروسية تعلن تحرير بلدة في دونيتسك والقضاء على 975 جن ...


المزيد.....

- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن
- بصراحة.. لا غير.. / وديع العبيدي
- تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون / سعيد العليمى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - مهند طلال الاخرس - صاحب الصافرة والزمن الجميل 2-2