|
بحث في الدولة _ السلطة - المجتمع
معتز حيسو
الحوار المتمدن-العدد: 1628 - 2006 / 7 / 31 - 05:55
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
تقديم: إن ما آلت إليه المجتمعات البشرية في سياق تطورها التراكمي القائم بشكل أساسي على مفاعيل التناقض الداخلي من جانب ،والتناقض بين الداخل والخارج من جانب آخر .وذلك بفعل التناقض والتفاعل المتبادل بين كافة البلدان الخاضعة في تطورها إلى ظروف موضوعية ،ومناخات طبيعية بمستوياتها المتعددة والمتنوعة الاجتماعية و السياسية والإقتصادية ،وبفعل ديناميكية المجتمعات الداخلية وقابليتها للتطور المتناسب،والمستجيب للمتغيرات الأساسية والعامة ،والخاضعة بصيرورة تطورها إلى قانون التطور المتفاوت المتناسب مع إمكانيات وقدرات كل مجتمع بشكل منفرد والمبني على آليات الترابط والتوسط في المستوى الكلي والعام لكافة التجمعات الإنسانية القائمة على التطور اللانسقي.والتي تخضع بشكل أو بآخر إلى المتغيرات والتطورات المتسارعة بفعل القفزات الهائلة والثورات المتواصلة للعلوم الإنسانية والتكنولوجية، وثورةالإتصالات والمعلوماتية بأشكالها المختلفةومستوياتهاالمتطورة بشكل مستمر ،والتي بات من الصعب إن لم يكن من المحال على بلدان كثيرة التواصل مع هذه المتغيرات المتسارعة ومواكبتها ،والتي تزيد باستمرار من اتساع الفجوة الحضارية بين المجتمعات والتي أخذت تهدد بشكل واضح مجتمعات كثيرة بالخروج من دائرة الفعل التاريخي، والحيز الجغرافي في بعض الأحيان ،وانحسار فاعلية هذه البلدان على الإستهلاك الإستهلاكي .وذلك بفعل تزايد شدة الإحتكار ،وزيادة حدة التراكم ،واحتكار التقنية الفائقة التطور في عدد محدود من الشركات العملاقة وبعض الدول المتطورة .والتي أدت وتؤدي بشكل ملحوظ إلى زيادة انتشار التخلف والفقر على المستوى الكوني بناء" على عولمة رأس المال و قانون القيمة ،الذي يؤدي إلى مجموعة من الأزمات أهمها في المرحلة الراهنة :¬ـ زيادة حدة تمركز رؤوس الأموال ،وزيادة نسبة الاستقطاب على المستوى الكوني ،وعولمة الفقر المترافقة مع إنخفاض المستوى الاستهلاكي مما يؤدي إلى ازدياد حدة أزمة الفيض الإنتاجي وإتساع أزمة الكساد العالمي أمام إستشراء مظاهر الإستهلاك الفردي في جانب آخر ،وزيادة الإحتياجات التي يفترض أن تكون متناسبة مع مظاهر التطور الحاصل القائم على الفيض الإنتاجي المتطور والمتجدد والمتنوع باستمرار...... . إن مجمل التطورات والمتغيرات الكونية ،وبالتحديد في البلدان المتطورة صناعيا" والتي سارت بخطى متسارعة حينا"،ومتباطئة أحيانا"اخرى ،من دون إلغاء مفاعيل التناقض الأساسية الفاعلة(الداخلية_الخارجية )والتي يمكننا أن نكثفها بانهيارالمنظومة السوفيتية وسيادة قانون السوق القائم على تعميم الرأسمالية كنمط إنتاج وحيد أمام المجتمعات البشرية كافة.على الأقل في المرحلة الراهنة ,مما يستدعي بالضرورة استبعاد التفكير في بناء أو العمل على بناء نماذج إشتراكية تقوم على المراهنة بتزايد حدة التناقض الداخلي للرأسمالية القائم (بين قوى الإنتاج وعلاقات الإنتاج )والتي من المفترض أنها وصلت كما يزعم البعض أو أنها ستصل قريبا" إلى حالة من التناقض المعيق لعمليات التطور الصناعي والتطور بشكل عام بفعل زيادة حدة التفاوت في تمركز الثروة والتباين الشديد في توزيعها وبالتالي زيادة حدة الفقر التي تصل إلى درجة المجاعة ضمن فئات كبيرة ومتزايدة باستمرار . إن مجمل هذه المتغيرات تستدعي قراءة جدية و جديدة لمجمل التطورات الحاصلة ، وتأثيرها على دور مؤسسات الدولة . والذي يفترض منا الإجابة على مجموعة كبيرة من التساؤلات الهامة. 1ـــــــ تحديد أشكال وأنماط الدولة: ــــــــــــــــــــــــــ إن الوقوف على إمكانية تحديد أنماط الدولة من خلال صيرورة تطور المجتمعات البشرية ، وقد كانت بمؤسساتها المتنوعة والمتعددة ،وبأشكالها الأولية والراهنة هي أحد التمظهرات لتطور كافة الشعوب التي عبرت عن مدى تطورها، و يمكننا القول بأن الدولة كانت أحد التعبيرات والتمظهرات المعبرة عن تطور التجمعات البشرية ،والتي تعبر عن حاجة فعلية لوجود مؤسسة الدولة وتكريسها وفق السياق الطبيعي لتطور أشكال التجمعات البشرية قبل ظهور الأشكال الأولى للدولة .التي أخذت تترسخ بفعل ضرورة ضبط التناقضات الإجتماعية المتنامية والمزايدة . فالدولة ليست ظاهرة طفيلية على هامش المجتمع تستوجب الإستئصال وليست هي( الفكرة الأخلاقية الموضوعية إذ تتحقق،هي الروح الأخلاقية بصفتها إرادة جوهرية تتجلى واضحة لذاتها ،تعرف ذاتها وتفكر بذاتها وتنجز ماتعرف لأنها تعرفه ./هيغل/ ) . بل هي نتاج تطور تاريخي للمجتمعات البشرية ،وهي تعبير عن حاجة ضرورية وموضوعية لضبط آليات الصراع بين الأفراد والمجموعات والفئات .... المكونة للمجتمع .ولضبط وتحديد الصراع(السياسي _الاقتصادي _العسكري....) على المستوى الدولي . بمعنى آخر كان ظهور الدولة تعبيرا" حقيقيا"عن التطور المجتمعي القائم على التناقض المصلحي بين الفئات الإجتماعية المتنوعة والمختلفة .ومن هنا يمكننا أن نرى بأن / مؤسسة الدولة/ وعلى مسار سيرورتها التاريخية لم تكن مستقلة عن الصراعات الدائرة في المجتمع ، بل كانت إنعكاسا" موضوعيا" لحالة التناقض في القاع الإجتماعي , و كانت باستمرار أداة قمع متعدد الأشكال لممارسة الهيمنة الطبقية ،كهدف رئيسي وأساسي. أي كانت الدولة و ما زالت حتى الآن تعبيرا" عن أداة سيطرة طبقية ،بأشكال وتمظهرات مختلفة ،و تعبيرا" عن مصالح الفئات المسيطرة والمهيمنة . بذلك يمكننا أن نرى بأن تطور المجتمعات البشرية وانتقاله النوعي من نمط إنتاجي إلى أخر كان يترافق مع أشكال مختلفة لشكل السلطة السياسية المعبرة عنه فعليا" في شكل الدولة . وبهذا نرى بأن أشكال الدولة كانت متغيرة عبر الصيرورة التطورية للتجمعات الإنسانية في النمط الواحد والأنماط المختلفة ،مع بقاء بعض السمات الخاصة لكل مجتمع ، دون أن يعني أيضا"غياب التقاطعات المشتركة فيما بين البلدان لنلاحظ إنه وفي النمط الواحد يوجد تمظهرات وتجليات متعدد ومتنوعة لأشكال مختلفة للنمط الواحد . ونعني هنا بمفهوم النمط ( تموضع الدولة المعبرة عن نمط إنتاج اقتصادي محدد، تكون الدولة فيه بمختلف مؤسساتها وقطاعاتها تعبيرا" عنه .وإن هذا التباين والاختلاف في أشكال الدولة يمكننا أن نرده إلى أسباب متعدد :التراث الثقافي المتنوع بأبعاده المتعدده ومستوياته المختلفة . التطور الاقتصادي في إطار التناقض البنيوي المؤسس والقائم على التناقضات الاقتصادية . الترابط والتشارك بين المجتمعات . التفاعل والتأثر المتبادل لمجتمع ما على المجتمعات الأخرى جدليا" . التطور الحضاري ( ثقافي _علمي _لغوي _تكنولوجي . تأثير الوعي الإيديولوجي على النظم والحكومات السياسية ومدى استفادة النظم السياسية من الوعي الأيديولوجي لتكريس سلطتها السياسية .....) . يمكننا وبتحديد أكبر أن نلاحظ بأن النمط الرأسمالي على سبيل المثال والخاضع لقانون التطور المتفاوت على المستوى العام والكوني يتم التعبير عنه بالشكل العام وفق نظم سياسية جمهورية عموما". إن ما نود توضيحه هو إن الأشكال السياسية تتعدد وتتمظهر بأشكال مختلفة ( ديمقراطية،شمولية،أولغارشية ...) وهذه الأشكال المتعدده للنظم السياسية والمعبرة عن نمط سياسي محدد هي تعبيرا" عن نمط إنتاج اقتصادي هي بالضرورة خاضعة إلى أشكال وعي اجتماعي محددةومتحددة بوعي طبقي يتمظهر بأشكال إيديولوجية متعددة. لكن الإشكالية الأهم والتي تعاني منه شعوب المنطقة هي استمرار نظم سياسية استبدادية على مدار قرون متعددة،ومع تبدل الأنماط الاقتصادية وتطورها كانت تتغير أشكال النظم السياسية وأشكال الدول بما يتلائم ويتناسب مع المعطيات الاقتصادية المعبرة عن واقع اقتصادي متبدل ومتطور ومتغير دائما"لكونه المحدد الأساسي لأي تغيير سياسي في شكل النظم المتعاقبة. ـ هل يمكننا أن نرد استمرار ظاهرة الاستبداد إلى سيادة وعي أيديولوجي محدد (ليس المقصود هنا النظم الشمولية التي سادت فيها إيديولوجية إشتراكية فقط) أم أن لعامل المناخ دورا" مؤثرا" ،كذلك مستوى التطور الاجتماعي...أو مجموع العوامل المترابطة (إيديولوجية _مناخية_مستوى التطور الاجتماعي، سياسية ، اقتصادية ...) تعطي في الناتج الإجمالي والمحصلة النهائية أشكال حكم محدده. يمكننا أن نلاحظ بأن التحليلات التي اعتمدت الإنثربولوجياوالتحليل الإستشراقي رغم أهميتها بقيت غير مكتملة. ومن هنا يمكننا أن نرى بأن الإنسان الشرقي كما وصّفه أرسطو يتميز بسمات العبيد وكان هذا سببا" في استمرار الحكم الاستبدادي إضافة إلى أن ماركس ميز الشرق بالنمط الآسيوي المتمثل بدوره بأشكال سياسية استبدادية سببها اجتماعي ومناخي... مرتبطا" بوجود الأنهار التي أفضت وأكدت ضرورة وجود وسيادة حكومات مركزية تتحكم بالمواصلات وقنوات الري وتصريف المياه .ولهذا كانت هذه البلدان التي سادت فيها أشكال حكم استبدادية متجذرة تاريخيا" ،ومترابطة مع سيادة وعي ديني يساهم في سيادة ذهنية الخضوع للمطلق (السماوي.الأرضي )إضافة إلى ارتباط الفرد المباشر بخدمات الحكومات المركزية الذي كرس بالشكل العام أشكال نظم استبدادية قمعية .. السؤال المهم الذي يفرض نفسه :هل السمات الواردة لها الدور الأساسي في إعاقة تطور مجتمعات الشرق الآسيوي، وذلك لإنضاج أشكال سياسية معبرة عن البنى الاقتصادية والسياسية والإجتماعية القائمة .أم أن هذه السمات بالإضافة إلى عوامل إقتصادية وسياسية ....راهنة تتكرس بفعل فئات محددة مارست وتمارس فعل الهيمنة والسيطرة على مختلف المستويات و المرتبطة بنيويا" بحكم الترابط والتشارط الدوليين بمنظومة علاقات دولية تكون فيها تابعة ومرتهنة ومعبرة بنفس الوقت عن سياسية دولية دعمتها سابقا" في تثبيت هيمنتها الطبقية...... ـ بالتأكيد لا يمكننا الفصل بين راهنية العلاقات السياسية والمظاهر الإجتماعية ، وبين المحدد العام بمكوناته الأساسية المعبر عنها اقتصاديا" وبشكل رئيسي بالمستوى السياسي . وفي إطار العلاقات الدولية وميل البنى المجتمعية المعبرة عنها بالعلاقات الدولية على كافة المستويات إلى التجانس والتماهي مع الميول العامة .ولكن مع بقاء هذا الميل مرتبطا" في المرحلة الراهنة بمدى عمق المفاعيل الداخلية المختلفة ومدى تأثيره على ميولها الداخلية العامة وقدرتها على التغيير والتطور المترافق والمواكب مع مجمل المتغيرات العامة .إضافة إلى مدى تأثير الضغوط العامة بميولها الأساسية والرئيسية وتداخلها وتفاعلها مع الأوضاع الداخلية عبر تسارع التطور المعبر عنه بازدياد حدة الترابط العام ،والذي يقودنا إلى أن نحدد بأن كافة الأشكال السياسية الراهنة هي تعبير حقيقي عن أنماط سياسية تكون بدورها انعكاسا" وتجليا" وتعبيرا" عن المحدد الأساسي بميوله وتمظهراته المختلفة . 2_دور الموروث في آليات الممارسة النظرية والسياسية . ــــــــــــــــــــــــــــــــ تعبر المجتمعات الإنسانية بصيرورة تطورها ، عن مكنوناتها الداخلية ومفاعيلها المتنوعة والمتعددة.وبالتالي يكون المحقق واقعيا"تعبيرا"عن عمق الترابط البنيوي الداخلي وتمظهراته الموضوعية وعن إمكانيات مجتمع بعينه على إقامة الفصل والقطع مع المخيال التاريخي الماضوي الذي يكون بمعظم الأحيان عامل كبح وإحباط لمسار التطور، في وقت يفترض أن يكون معبرا" عن التطور الراهني، ومستشفا"ومستشرفا" للتطور المستقبلي المبني على تصورات ودراسات واضحة وموضوعية تكون معبرة عن إمكانية وفاعلية المفاعيل الذاتية المترابطة والمتشارطة مع الميول العامة . لقد استطاعت الكثير من المجتمعات إقامة الفصل والقطع النسبي مع الماضي بأشكاله المختلفة ، وقد ساهم القطع ، والتجاوز المعرفي (الفلسفي _العلمي ) بشكل واضح في خلق إمكانيات حقيقية في بناء فكر جديد يقطع مع فكر وعقل الماضي وأساليب وأشكال التفكير الماضوية .ولن نجافي الحقيقة عندما نؤكد بأن معظم المجتمعات التي حققت تطورا" واضحا" كان للعامل الثقافي والفلسفي الدور الأساس في إنجاز القطع المعرفي المتجاوز للماضي،والمتحررة من سيطرة الذهنية السلفية وآليات التحليل والممارسة الفكرية الماضوية.وأسست لبناء معارف فكرية وأشكال وأنماط من التفكير المتجدد القائم على نقد ونقض البناء المعرفي الماضوي .وبذلك يمكننا أن نؤكد بأن أي عملية فكرية تحتاج إلى جهود نظرية تقوم على النقد والنقض للمساهمة في تشيد بناء معرفي جديد ومتجدد .هذا يقودنا إلى القول بأن أنساق التطور المعرفي مفتوحة دائما" على التطور والتغير .ويمكننا التأكيد أيضا"بأن المفتاح الرئيسي والبوابة الحقيقية لتجاوز الإستنقاع والركود المعرفي والذهني يتمثل في إقامة الحد على المفهوم وإقامة الفصل والقطع المعرفي مع الماضي لتكوين وتأسيس آليات إدراك وتحليل علمي يساهم في بناء آليات تفكير موضوعي وعقلاني ،يساهم في تحطيم التابوات والذهنيات المتبلدة والمتحجرة ،المتوارثة والتي مازلت تحكم وتتحكم بمفاعيل تطور الكثير من المجتمعات ، وتقيم الحواجز في وجه التطورات والمتغيرات المتجددة .يمكننا التأكيد هنا بأن هذه الحواجز لم تعد قادرة على الحد من رياح التغيرالراهنةو المقبلة ، والمتخذة أشكالا" مختلفة وحاملها الرئيسي الثورة العلمية والتكنولوجية .والتي ساهمت في تحطيم الحواجز المعيقة والمبنية على القطع المعرفي ، وعلى التطور المفتوح والمتحرر من الذهنية السلفية ،والمؤسسة موضوعيا" على التطور التقني والعلمي ..... لقد خضعت المجتمعات العربية بشكل عام إلى أشكال من الوعي الديني على مدار عقود طويلة ،( و المنطقة العربية نقطة انطلاق للأديان التوحيدية الثلاث ) ولكن ما يمثل نقطة الخلاف يتجسد في استمرار الوعي الديني وسيطرته على آليات التفكير وأساليب الحياة، مراحل زمنية تكاد لا تنقطع على مسار سيرورة هذه المجتمعات تاريخيا" ،ونلاحظ مفاعيلها بشكل واضح حتى الآن، وذلك بخلاف الدول التي أسست وعيا" علميا" متجاوزة الوعي الديني بإقامة القطع المعرفي المبني على ثورات ثقافية وعلمية متواصلة ومتلاحقة ، كان من نتائجه انحسار الوعي والإدراك الديني على المستوى الذاتي للإنسان، وانحساره على ممارسة الطقوس الإيمانية بعيدا" عن الحياة السياسية ، وبالتالي إقامة الفصل بين الدين والدولة بخلاف ما نلاحظه في بلداننا العربية حتى الآن من سيطرة الفكر الديني على آليات التفكير والممارسة النظرية والسياسية ومحاولة إجراء مصالحة بين الفكر العلماني كما يشاع وبين الفكر الديني ، والتي تواجه الكثير من المصاعب إذا لم نقل استحالة هذه المزاوجة . إن محاولة تسييس الفكر الديني ومحاولة بعض رموزه المتشددين التأكيدبإستمرار على إمكانية إقامة دولة دينية تبنى في اسسها النظرية والمعرفية والممارساتية على نموذج الدولة الإسلامية الذي كان سائدا" في صدر الإسلام والتي تعتبر المثال الناجع وكأن عجلة التاريخ وصيرورة تطوره توقفت عند تلك اللحظة التاريخية ،وتلك التجربة بالتحديد،وكأني بالتاريخ يعود القهقرى، هذا إضافة إلى سعي بعض النظم العربية إلى إضفاء الصفة الإسلامية على نظمها العلمانية شكلا"(القومية ، الثورية) ويتمثل في ممارستها السياسية أيضا" بالتقرب من بعض التيارات الإسلامية لتكريس خلل في التوازن السياسية المجتمعية العلمانية . لن نتوسع كثيرا" في هذه النقطة ولكن يجب التنويه بأن الدولة النموذج والمتماثلة مع الفكر الإسلامي الحقيقي كانت فقط في عهد الرسول (ص) وعهد أبو بكر الصديق والخليفة عمر بن الخطاب فقط لكن ومع تسلم الخليفة عثمان بن عفان مقاليد السلطة بدأت الدولة الإسلامية تأخذ نموذجا" مختلفا"عن النموذج الذي حاول الرسول (ص)تكريسه واقعيا"، أما مرحلة الخليفة علي ابن أبي طالب فإنها كانت تعج بالتناقضات السياسية والاقتصادية .... . وتعزز الميل المخالف للأشكال والمضامين التي أرادها الرسول محمد ( ص) مع تسلم معاوية مقاليد الحكم والبدء في بناء الدولة الأموية ، التي عزز بعض حكامها الوراثة في الخلافة الإسلامية ، إضافة إلى تكريس آليات الحكم باسم الله، وتطورت لاحقا" ليصبح الحاكم ممثلا" لسلطة الله بالمواكبة مع سيادة الفهم الجبري على الممارسة السياسية للحكام الإسلاميين في مواجهة المعارضة القدرية لبعض الفئات الإسلامية ، وترافق مع التيار الجبري تأكيد السلطات الاستبدادية على مسار تطور الدولة الإسلامية وتفارقها عن الفكر الإسلامي النموذجي القابع في المخيال الفردي وعلى المستوى المجتمعي. وحتى الآن نلاحظ وعلى نطاق واسع (وهذا كان وما يزال له أثر كبير على تفكير الغالبية من أفراد المجتمع) سيادة الفكر التوحيدي، والذي يتجلى ويتجسد في الفرد الحاكم والذي بات الأخير يتماهى بالصفات الألوهية ، ويكرسها بشكل ملموس الممارسة اليومية للمواطنين ،التي تتجلى في إضفاء صفات القدسية على الحاكم ،الفرد المطلق ...وسادت فكرة مؤداها أن الحاكم يمثل الإرادة الإلهية ، والخيار الإلهي ، والذي يستوجب الطاعة ، والولاء المطلق حفاظا" على وحدة المجتمع. وقد ساهم في تعزيز هذه الميل في بعض بلداننا ولدى البعض من الحكام سيادة الفكر الشمولي ، والذي عزز بدوره فكرة الفرد المطلق الذي أسس لاحقا" لنظم استبدادية تتمثل على سبيل المثال ( أولغارشية، هيمنة عسكرية ، هيمنة مطلقة للفرد ...)في منطقتنا منها الفكر التوحيدي الجبري ، فكرة المستبد العادل ،الفرد الممثل لطموح وآمال كافة أبناء المجتمع والذي عززه أخيرا" الفكر السوفيتي، الذي قاد نسبيا" إلى ترسيخ الفكر الاستبدادي والفكر الشمولي المتمثل في تحطيم فكرة الفرد (الأنا) المواطن الاجتماعي ، أمام تأليه وتقديس القائد(الأمين العام ) وترسيخ فكرة الأنا الغائبة في المجتمع والذائبة في الكل والمتمحورة في الأصل حول الفرد الحاكم الناطق باسم الكل ، و المعبر عن المجتمع ، والناطق باسمه ، و الحامل لصفات المقدس .....لخ. لنلاحظ بأن ما هو سائد حاليا" ليس وليد لحظه تاريخية راهنة، وليس محدد ببعض السنوات بل يعود إلى سيرورة تاريخية طويلة ساهم فيها الممارسات العامة للدولة المركزية لفترات زمنية طويلة تتعلق بأسباب (مناخية ،إجتماعية، سياسية، سيكولوجية ، إقتصادية ....) . وهذا لايعني مطلقا" بأن نظمنا الحالية تحكم باسم الدين أو تمثل سلطة دينية ،وتسعى إلى قيام دولة دينية ، وهذا على الأقل في بعض الدول ولكنها تستفيد وبشكل واضح وملموس من مزاوجة الوعي الديني بمنظومته المعرفية ، مع شكل الدولة القائمة على أساس (علماني )مفترض موضوعيا". لقد استفادت النظم السياسية القائمة من المنظومة المعرفية الدينية بتمثلها الهوية الإسلامية وإضفاء الصفة الإسلامية على هوية الدولة القائمة ( ولايعني هذا أبدا" التقليل من شأن الإسلام والإنجازات التي حققها الإسلام في سيرورته التاريخية ، لكن الهدف هو توضيح دور بعض جوانب الفكر الإسلامي وتأثيرها على الأشكال السياسية التي حكمت المجتمعات العربية ، وعلى تأثيره العام والإجمالي ،وبالتالي آليات الممارسة السياسية والنظرية للكل الاجتماعي ودوره في بناء أشكال الدولة التي تقوم بتكريس الوعي الديني ، ويمكننا أيضا" التأكيد بأن المنظومة المعرفية والأخلاقية الدينية مازالت تؤثر وبشكل واضح ، وتتداخل في تأثيرها مع المنظومة المعرفية القومية والسوفيتية على مختلف التشكيلات السياسية في المجتمع حتى يمكننا أن نستخلص بأن مداركنا المعرفية وآليات ممارستنا النظرية مازالت تخضع بشكل واضح إلى وعي أصولي قبلي بشكليه(الديني ، والسياسي النظري ) والذي يفترض منا العمل على تدقيق آليات ممارستنا النظرية وأدواتنا المعرفية ، وآليات عملنا السياسي . والبدء بإنتاج نظري ومعرفي يقوم على نقد ونقض المنظومة المعرفية التي ما زالت تحكم ممارستنا السياسية ، والعمل على إنتاج هوية معرفية منسجمة ومعبرة عن المناخ الراهني وتقوم على ترسيخ فكرة الأنا ، الفرد البناء والديمقراطي الحر الذي لا يخضع إلى سلطة معرفية غيبية ، وإلى سلطة سياسية تكرس هذا الوعي من خلال تكريس وتعزيز سلطات استبدادية ،شمولية تغيب دور الفرد ليتلاشى في الشخصية الكلية والجمعية . والتأكيد أيضا" على ضرورة المساهمة النظرية لتجسيد فكرة الدولة الحديثة القائمة على الفكر العلماني الديمقراطي، وقد تم تلقيح الفكر الماركسي عربيا" من خلال تجسيد فكرة وسلطة الفرد الواحد المطلق ، الذي قاد إلى تقديس شخص الأمين العام في الأحزاب الشيوعية (والقومية )عموما" ، من خلال تمازج الفكر الأحادي (التوحيدي) ،للمقدس الإلهي مع الفكر الشيوعي ،وإلباسه العباءة البدوية ، والفكر العروبي بأشكال مختلفة ومتخلفة ،حتى تحولت الماركسية العربية (الفكر المتمثل في الممارسة السياسية الحزبية الشيوعية) إلى فكر عقائدي مذهبي يخضع لآليات التقديس نفسها التي تخضع لها كافة المنظومات المعرفية المحلية ، ومعظم المسلكيات والممارسات الإجتماعية . متحولة إلى نص مقدس ومطلق على أرضية الفكر التوحيدي ، محولة النسبي إلى مطلق، وعلى أرضية التخلف الذهنيات العربية بشكل عام تحولت الماركسية ، واللينينية إلى تابوات مقدسة وإلى عباءات معرفية مؤقتة تتناسب مع الطقوس الشعبية ، متحولة إلى مذهب وعقيدة معرفية خاضعة إلى شروطنا الإجتماعية والسياسية والمعرفية ، وتتلبس لبوس منطقتنا العربية ، وهذا لايعني إننا كنا قادرين على إنتاج نص معرفي يتلائم مع واقعنا ، بقدر ما يعني تكييف نص معرفي محدد ليتناسب مع واقعنا المتخلف(مجانسة الواقع مع النص )وهويتنا الثقافية ومورثنا السياسي الاستبدادي ، حتى بات فكرا" راكدا" وآسنا" ، غير قادرا" على مواكبة التطور والتغيير ، باعتباره نصا" معرفيا" مقدسا" . ليتحول القسم الأعظم من الماركسيين العرب إلى أصوليين ماركسيين ، لا يختلفون في شيء عن الأصوليين الإسلاميين والأصوليين المسيحيين ..بل أشد تعصبا" . ولكون الماركسية تمثل فكرا" علميا" متطورا" متجاوزا" لما هو راهن ، مواكبا" للتطور ومتجاوزا" له ومستغرقا" للمعارف العلمية ، وبكونه أداة معرفية تساهم في تحليل الواقع الموضوعي الملموس ، للوصول إلى نتائج معبرة عن الواقع وآفاق تطوره ، فقد تحولت بفعل تخلف وكسل الكثير من الماركسيون العرب إلى أداة خشبية لاتتلائم مع مجريات اللحظة التاريخية الراهنة ، وغير قادرة على استيعاب التطورات الراهنة والمتسارعة ، بل تحولت إلى أداة إعاقة لآليات التطور والتغيير الذهني والمعرفي ، الغير قادر على إدراك وفهم وتحليل التطورات الراهنة باستناده إلى نص مقدس غير قابل للتعديل أو التطوير أو التجديد ، لتبقى الماركسية للكثير من مثقفينا ، الملاذ الوحيد للخلاص مما هو راهن ومن سيادة النظم الاستبدادية ، من خلال توحيد اليسار العربي والعالمي ، للقيام بالمهام العربية المتجددة ( التوحيد، الاشتراكية )والمهام العالمية الأممية (إنجاز الثورة الاشتراكية العالمية )، بعيدا" كل البعد عن إدراك الظروف الموضوعية ، ومسارات وميول تطورها الراهني ، وبعيدا" أيضا" عن المهام الراهنية التي يستوجب العمل عليها، من دون إغفال الترابط بين المستويين الراهني والإستراتيجي . 3_الدور الوظيفي للدولة: ـــــــــــــــــ قبل البحث في الدور الوظيفة للدولة ، الذي من الممكن أن يقودنا إلى طرح افتراضات نظرية للأدوار والمهام التي يمكن لمؤسسات وبنى الدولة القيام بها ، بمعنى ، أن الدراسة الوظائفية للدولة تقودنا إلى بحث وتناول مسائل قد تبدو غبر ملموسة ، لكننا في نطاق وإطار هذا البحث نعتبرها ضرورية ومشروعة ، وتحديدا" في ظروف محلية وإقليمية ودولية تتغير بشكل دراماتيكي متسارع ، تضع حتى مفهوم الدولة باختلاف أشكاله ومستوياته تحت المسائلة والبحث ؟ فماذا نقدم ونحن في ظل ما هو متعارف عليه بدول (مجتمعات ) دون الدولة . ـ علينا إذا" وقبل الشروع في بحث المهام الملقاة على عاتق مؤسسات الدولة بشكل عام أن نطرح السؤال التالي : إلى أي درجة يمكننا أن نطلق على دولنا الراهنة مفهوم الدولة .وإلى أي درجة يمكننا الفصل بين الدولة بشكل عام والسلطة ؟ بمعنى آخر هل يمكننا تناول مفهوم الدولة بعيدا" عن تحديد دور النظم السياسية (السلطة )في تحديد شكل الدولة ، والذي نفترض بأنه متأثرا" بالكثير من المؤثرات الإيديولوجية بتنوع مشاربها وبناها المعرفية ، والدولية التي تضع الدول المتقدمة منها والمتخلفة تحت وطأة المتغيرات التي تفترض منها( ويُفْرض عليها ) التغيير المستمر بما يتلائم مع الظروف الدولية . فهل سيكون أصحاب القرار المتشبثون بمناصبهم تاريخيا" قادرون على مواكبة هذه المتغيرات . _ يمكننا أن نلاحظ في مجتمعاتنا العربية بأن دولنا (التعميم هنا لا يلغي الاستثناء ) تعاني من وجودها الاستثنائي ، بكونها خارج الإطار التاريخي بالفعل وتقع ضمن المجال التاريخي، والحيز الجغرافي بالقوة فهل وجود الحيز المكاني والزماني لتجمع إنساني محدد يبرر إطلاق مفهوم الدولة على هذا التجمع ، أم إن مفهوم الدولة يحتاج لتحديده قضايا متنوعة ومختلفة اخرى .إن بلداننا تعاني من قصور في مفهوم الدولة الذي بات إطلاقه على دويلاتنا يمثل مصطلح إشكالي . لأننا نعاني من نظم سياسية تعيش على هامش التاريخ وضروراته الموضوعية. فهل يمكننا إقامة الفصل بين السلطة السياسية أو( مجموع السلطات)، وبين الدولة القائمة( ونؤكد هنا (الدولة كمفهوم )يحتاج بدوره إلى بحث ) . _ ان دولنا [الدولة السياسية ( كافة المؤسسات التي تمثل الهيكل السياسي للدولة) ] تعاني من أمراض وأورام واضحة للعيان ، وتتمثل في تضخم دور الأجهزة الأمنية واحتكار مراكز صنع القرار والهيمنة على المؤسسات،الخاضعة بدورها لوعي إيديولوجي له جذوره التاريخية البعيدة والعميقة . إن دولنا لم تخرج بأشكالها عن الأشكال المتوارثة المتمثلة في (الاستبداد ، الشمولية.... ) والممتدة تاريخيا"وجغرافيا" في منطقتنا العربية وفي الذات العربية التي بات فيه الفرد يتماثل في سلوكه مع سلوك /العبيد/ الخاضع إلى سلطات داخلية وخارجية، يمكن أن نقاربه بخضوعه إلى سلطة غيبية ، وسلطة المؤسسات العنفية والقهرية ، التي عممت الخوف وثقافة الخوف التي باتت شائعة لدينا ، والتي ولّدت جميعها سلطات رقابة داخلية تتحسس المناخ العام ( السياسي ، الأمني على وجه الخصوص )بحيث تضع وتحدد الضوابط والحدود ذاتيا" وقد تستطيل هذه الضوابط والحدود إلى درجة الرعب والرهاب الغير مبرر لدرجة حتى لو توفرت مناخات وإمكانيتا التغير الموضوعية لايمكن للإنسان (الفرد) تجاوز حالة الخوف المزمنة . إذا"لايمكن إقامة الحد على مفهوم الدولة قبل أن نقيم الحد على مفهوم السلطة (الزمكانية- والماوراء زمكانية ).إن مفهوم السلطة بات هو المهيمن والمسيطر على أدواتنا وعلى لحظات تطورنا المتقطعة ،وبات يشكل الهاجس الرئيسي الذي يحتاج إلى حل ، لكون السلطة القائمة أفرغت المجتمع من جميع خصائصه وتمايزا ته واحتوت إضافة إلى ذلك كافة المؤسسات والهيئات ممسكة بيدها القرارات جميعها ، وأصبحت سيطرتها المعممة تمثل كيان الدولة ككل والذي ينحصر في النهاية في شخص القائد الملهم . فهل هذا الشخص ومن يديرون شؤون الدولة ومؤسساتها ، ومصالح المواطنين يمثلون شرائح المجتمع وفئاته بشكل عام وكامل . أم أن من يتربع سدة السلطة يمثل مجموعة التناقضات التحتية المتأججة في القاع الاجتماعي ، لكون الدولة ليست ورما" طفيليا" على جسد المجتمع ، بل نتاج تطور اجتماعي وحاجة ضرورية للحد من إمكانيات تفجر التناقضات بشكل انفجاري قد تؤدي إلى تشظي بنى المجتمع ، لذلك يمكننا أن نقول بأن الدولة نتاج تناقضات إجتماعية ولكن وجودها لايعني بالضرورة وجودا" لضرورات إنسانية و لخدمة الإنسان بشكل عام .بل لإدارة مجموع التناقضات و الصراعات الإجتماعية ، بما يحقق الإستقراروالتوازن والهيمنة لفئة (سياسية، إقتصادية ،عسكرية ...) محددة من المجتمع وتتبدل هذه الفئة وتتغير وتحل مكانها فئات اخرى حسب المراحل التي تمر فيها الدولة وفق الصيرورة التاريخية لتطور المجتمع ، لنصل إلى اللحظة الراهنة، التي تمثل السلطات الراهنة بخضوعها المباشر أو الغير مباشر إلى سلطة رأس المال المهيمن والمسيطر ، والذي يتجلى بأشد أشكاله تخلفا" في منطقتنا ، ليأخذ الشكل الاستبدادي الإستقطابي والإقصائي، عن طريق النهب المباشر والغير مباشر . ولهذا يمكننا القول بأن معظم السلطات السياسية الراهنة تتحكم بها نسبيا"هيمنة سلطة رأس المال ، والذي يكرس على المستوى الكوني أشكالا استقطابية تختلف حدتها بين دولة واخرى . ولكن أكثر إشكالها تناقضا" يتمثل في نظمنا السياسية لكونها نظما" تابعة ومهمشة على المستوى الدولي . وإقصائية ،احتكارية ،قمعية على المستوى المحلي، ولكونها تمتثل وتخضع لسلطة رأس المال من الناحية السياسية والإقتصادية ..وبنفس الوقت مازلت تعاني من الهيمنة الإيديولوجية في معظم السياسات المتبعة ،إضافة إلى تزايد تضخم دور هذه النظم عموما" ، وبعض السلطات والأجهزة خصوصا"( الأمنية )، مما قاد إلى تراجع وتلاشي دور المؤسسات الإجتماعية والمدنية الموجودة بحكم الضرورة . ويمكننا أن نلاحظ بأن دور الفرد (الحاكم ) اللامتناهي والذي بشخصه تتمثل ، وتختصر كافة مكونات الدولة ، وتتجلى هذه السمات في بلدان من المفترض أن يكون للدولة فيها دورا" متراجعا" مع تقدم وتطور المراحل التي يتم تجاوزها . لنرى بأن هذه البلدان تحديدا" ساد فيها نموذج الدولة الشمولية المتضخم ، مترافقا" مع تضخم لدور السلطة السياسية والسلطة الأمنية تحديدا" ،وسلطة الفرد (الحاكم المطلق )وهذا ما نلاحظه في معظم البلدان العربية التي استمدت النموذج السوفيتي (الستاليني) حصرا". والمعمم على منظومة أوروبا الشرقية (الاشتراكية المحققة )، والتي كان من المفترض أن يكون للفرد (المواطن_الإنسان ) دورا"متناميا"بشكل تصاعدي ، في عملية البناء الوطني ، أمام تراجع دور السلطات السياسية والأجهزة الأمنية وهيمنة دور الدولة الشمولي ، وسلطة رأس المال . ولكن ومن الملاحظ بأن دور السلطة المتضخم باستمرار تمحور حول سلطة الحزب ليتحول لاحقا" مع الهيمنة الشبه المطلقة في الدولة الشمولية إلى الهيمنة المطلقة للفرد الحاكم ، مترافقا" أيضا" مع تراجع دور المجتمع الذي يتم التعبير عنه بالمؤسسات الإجتماعية المدنية والسياسية المتحررة من سيطرة أجهزة الدولة القمعية ،والذي يتشكل في الأساس بجهد الإنسان الحر (الفرد _الذات )بكونه أساس بناء المجتمعات الإنسانية الحقيقية ،ليذوب الفرد في الكل ، ويتلاشى ، بخلاف كافة الطروحات النظرية التي سادت في بداية القرن الماضي لمعظم المفكرين الماركسيين والشيوعيين حول إمكانية تضاؤل دور الدولة (كسلطة قمع طبقي ) . ـ نعود إلى مفهوم السلطة المتمثل بهيمنة فئة محددة ، والتي هدمت وشوهت أشكال الدولة وأدوارها ومؤسساتها ولم تكن هذه السلطات تمثل تمثيلا" حقيقيا" البنى التحتية للمجتمع وما يعتمل فيه من تناقضات ، و أيضا" لم تكن تمثل تاريخيا" الانعكاس الموضوعي والحقيقي للقاع الاجتماعي ، بل كانت تمارس سياسة نهب وشفط وتهريب الموارد المحلية وإيداعها في البنوك الخارجية ، مما يحد من عملية التراكم المالي داخليا"، وتحوله إلى رأسمال إنتاجي ، وتمارس أيضا" سياسة القمع والتخويف والترهيب المعممة على كافة المستويات ، وبمختلف الأشكال ليتحول المجتمع إلى قاع متصحر وبرك آسنة _إذا"يمكننا أن نحدد بوضوح بأن مجتمعاتنا تعاني من تضخم لدور الدولة ، وهيمنة النظم السلطوية الاستبدادية خصوصا" ، يهيمن عليها هاجس إيديولوجي ، تمت صياغته في مرحلة تاريخية ، وبما يتناسب مع تلك المرحلة ،أما والواقع الدولي دائم التغير ، وما كان موضوعيا" في مرحلة ما فأنه يغدو في مرحلة اخرى رؤية وإيديولوجية متخلفة تحتاج إلى تدقيق ومراجعة شاملة . وفي حال انعدام هذه المراجعات للإيديولوجيات المذكورة والتي تعتبر أحد أسباب استمرار هيمنة النظم الشمولية فإن قاطرة التاريخ العمياء لاترحم أحدا"، ولاترحم المتخلفين عنها .وهذا ما نلاحظه في المرحلة الراهنة . فبعد زوال المنظومة السوفيتية، نلاحظ بأن معظم دول أوروبا الشرقية تحاول جادة الانضمام إلى إحدى التكتلات الرأسمالية، وتحديدا" الإتحاد الأوربي ، وذلك لأكثر من اعتبار، وما زالت نظمنا السياسية محافظة وبشدة على التراث العائد إلى حقبة الحرب الباردة، والقائم بشكل أساسي على الخطاب القومي ، والتنموي المستقل ،وتجاوز الرأسمالية من دون إنجاز البنية التحتية لبناء الإشتراكية والتمسك بخطاب المرحلة الثورية بعيدا" عن الممارسة السياسية الديمقراطية (خطاب مفرغ من محتواه ومن مضمونه ..) والتي فشلت في إنجاز كافة هذه القضايا والمشاريع ( السياسية والإقتصادية والإجتماعية ..) وبقيت في إطار الشعارات المفرغة من مضمونها والتي أدى التمسك الشكلي والزرائعي بها إلى التضحية بالحياة الديمقراطية ،والمشاريع البشرية والتنموية ، وإقصاء المجتمع وتشكيلاته السياسية والمدنية .. عن حقها في الممارسة السياسية في مناخها الديمقراطي الطبيعي ،مستخدمة سياسة التخويف والقمع المعمم ، إضافة إلى المساهمة بأشكال مختلفة ولأسباب متنوعة في سيادة ثقافة الفساد والإفساد وتكريسها بشكل عملي على المستوى العام ، والذي أصبح إحدى السمات البارزة لمجتمعنا والمتشكل وفق تراتبية هرمية ، مشكلة مجموعة من الحلقات المترابطة والمتداخلة ،متضافرة مع تحول السلطة إلى النموذج السلطاني ، وتكريس السلطة الشمولية الممسكة بزمام كافة المؤسسات وكافة الخيارات السياسية الخاضعة إلى الرغبات الإرادوية الفردية لأشخاص محدودين ، مترافقا" مع تراجع دور الدولة الإجتماعي وزيادة حدة التفاوت الإجتماعي ،و تغول السلطة السياسية والأمنية ، وغياب المجتمع بكافة فئاته عن ممارسة أدواره الطبيعية ، وتلاشي دور المؤسسات المدنية التي تم احتكارها من قبل السلطات المعنية ، وتحويلها إلى أبواق لتأكيد وتأبيد سياسة النظم القائمة بعد أن تم تهميش هذه المؤسسات واحتوائها . _ بعد هذا يمكننا أن نساهم وإن كان بشكل محدود في صياغة مفهوم الدولة ودورها الوظيفي تجاه المجتمع ، وبما ينسجم ويتلائم مع المتغيرات الموضوعية التي تفترض منا أخذها بعين الاعتبار ،وإلا فنحن مهددون بالخروج ليس فقط من التاريخ بل من الجغرافية .. إذا انطلقنا من مفهوم الدولة وهو بتقديرنا يحتاج إلى الكثير من الجهد لإقامة الحد عليه وتوضيحه فإن مفهوم الدولة يخضع كغيره من المفاهيم الىالتغير والتغيير والتطوير بما يتلائم مع التطور الاجتماعي والإقتصادي والسياسي و... ولكنه مازال يخضع إلى مجموعة من التعريفات التي لم يتم تجاوزها ، وبكون صياغته تتم بناء على مجموعة من المصالح الاقتصادية والسياسية .. فهو يتحدد بناء" على نمط الدولة وشكلها و يعبر عن هيمنة رأس المال ويشرعنها في إطار قانوني ، ودستوري و في إطار سياسي واقتصادي و لجم التناقضات الاجتماعية المعبر عنها بالحركات والتنظيمات السياسية المعيقة لهيمنة رأس المال المترابط مع السلطة السياسية السائدة . ويجب أن نحدد هنا بأن المفهوم يجب أن يكون متوافقا" مع شكل ومضمون ونمط الدولة الحالي ، والتي يمكن تحديدها بكونها مجموعة من المؤسسات والأجهزة الناتجة عن تناقضات طبقية ، وتعمل بسياساتها المختلفة على الحماية المقوننة لمصالح الفئات الطبقية المهيمنة . في هذا الإطار يمكننا أن نعمل على إيجاز دور مؤسسات الدولة في مرحلة تاريخية في غاية الخطورة .وتحتاج بالضرورة إلى مساهمات جدية للعمل على حل إشكاليات الدول الشمولية ، والعقائدية ، وبما يتناسب مع الميول الموضوعية لمجمل التطورات العامة .والتي يمكن عرضها وتناولها بشيء من الإيجاز ،وقد يكون أهمها العمل على صياغة دستور وقانون ناظم للدولة يقوم على التعددية السياسية ، وحرية المشاركة السياسية لكافة القوى السياسية والمجتمعية والتي تقوم على كسر حلقة إحتكار واحتواء السلطة للحفاظ على وحدة وتماسك المجتمع والوطن لترسيخ فكرة بناء دولة حديثة وحضارية وعلمانية يكون فيها كافة الموطنين دون استثناء ، مسؤولين أمام القانون وتحت سقف القانون وخاضعين بنفس السوية للمسائلة والمحاسبة ،وإرساء فكرة المواطن المواطنة، من خلال الاعتراف به ، كفرد وإنسان يجب أن يتمتع بكافة حقوقه التي نص عليها الدستور ، وحفظتها له شرعة حقوق الإنسان ويعامل على أساس أن الإنسان قيمة مطلقة ، والحرية يجب أن تكون سمة عامة ، وأساسية ، وجوهرية يجب التقيد بها ، وإرساء دعائمها على مجمل مساحة الوطن للوصول إلى بناء وطن يمثل جميع مواطنيه ، ويساهم في بنائه كافة المواطنين ، بوصفهم مواطنين أحرار ومتساويين ، من خلال ترسيخ مبدأ المشاركة لجميع المواطنين . وبالتأكيد فأن هذا السياق من الخطاب يحتاج إلى ترسيخ وممارسة الفكر الديمقراطي ، الحر النابع من صميم التجربة الإنسانية لترسيخ الديمقراطية المبنية على حقوق المواطنة أولاً وواجباته ثانيا" ، ومن دون الفصل بين الحقوق والوجبات ، بل من خلال الربط الجدلي بينهما . وهذا يحتاج بدوره إلى تشريع وقوننة ، وإرساء التداول السلمي لسلطة ،و العمل على إرساء دعائم المناخ السياسي المناسب الذي يوفر حرية الممارسة السياسية في ظل مناخ ديمقراطي تعددي يعبر عن حاجة المجتمع وضروراته ، بعيدا" عن فرض حالة الطوارىْ ، والأحكام العرفية ، والمحاكم الإستثائية ، والتي بالضرورة تميل إلى الزوال مع زوال النظم الإستبداية ، والشمولية ، والدكتاتورية ، وبدايات تأسيس وتكوين المجتمعات و النظم الديمقراطية في هذه البلدان التي غيبت عنها قسرا" الممارسة السياسية ، بمناخاتها الديمقراطية ويجب التأكيد بالضرورة على أهمية فصل السلطات الثلاث ( التشريعية والقضائية والتنفيذية ) وعدم هيمنة السلطة التنفيذية على باقي السلطات . ومن الأهمية بمكان التأكيد على إقصاء ، وإبعاد الأجهزة الأمنية عن ممارسة الهيمنة والسيطرة على مفاصل الحياة اليومية لمؤسسات الدولة ، والمجتمع المدني ، وعلى حرية المواطن ، والتي باتت تشكل هاجسه اليومي وحصر دورها في حفظ الأمن الوطني فقط ، والذي يعتبر من مهمات كافة المواطنين ، في اللحظات الحرجة التي تحتاج إلى كافة الجهود دون استثناء . أما في ظل الحالة الراهنة ، فأن الأجهزة الأمنية ، وكما نرى فإنها تحولت إلى كابوس حقيقي يضغط على أنفاس المواطنين ، وبشكل أوضح فقد تحولت الدولة إلى دولة أمنية ، وهذا بحد ذاته يحتاج إلى تدقيق ومراجعة ، لنزع الذرائع التي تبرر هيمنة الأجهزة الأمنية ، وبالتالي بقاء هذه النظم الذي ينحكم استمرارها ، باستمرار دور الأجهزة الأمنية القابضة على زمام الأمور ، وتعمل على بث الرعب والخوف من انقسامات والصراعات الطائفية . هذه النظم هي من ساهم ويساهم في تكريس الوعي الطائفي على مدار عقود من الزمن ، وبالتالي فإن المهمة الملحة والضرورية هي إرساء فكرة المواطن ، والمواطنة (الفرد) ، بعيدا" عن الانتماءات الطائفية والعشائرية والأمنية .....في وطن تسوده الحرية والديمقراطية ، والتماسك الوطني ، ونقدر بأن هذه المسائل ، والمهمات ، هي من المهمات الملحة ، والهامة ، والتي يفترض على كافة القوى الاجتماعية والسياسية العمل عليها ، وتوجيه فعاليات القوى السياسية والمدنية لتكريس فكرة المصالحة الوطنية بين قوى المجتمع الديمقراطية والوطنية ، والتأسيس لفكرة الحوار الديمقراطي الحر ، والبناء ، والمسؤول ، والبعيد عن المحسوبيات ، والمصالح الشخصية ، لبناء وترسيخ القواسم المشتركة، وعلى أساس لقاء وطني واسع وعام . إضافة إلى ذلك يجب العمل على تأكيد مفهوم حرية العمل السياسي و حرية التعبير عن الرأي ، والفكر ، في وسائل إعلام ( مسموعة ، مرئية ، مقروءة..... ) حرة ،ومستقلة وضمان حرية تأسيس الأحزاب السياسية ، والهيئات والجمعيات المدنية، في مناخ حر وديمقراطي ، يكون تعبيرا" عن حالة تأسيسية للخروج من حالة الإستنقاع والركود التي نعيشها بشكل يومي . ومن دون أن يعني هذا الوقوع في مطب الفوضوية ،والعبثية، وغياب القانون ، ولكن يجب التأكيد بأن الدستور والقانون الناظم للبلاد هو من مسؤولية الجميع ، وممثلا" للجميع ،ومقررا" من قبل الجميع عن طريق الصياغة و التصويت والانتخاب الحر والديمقراطي . وهذا يحتاج إلى مناخ ديمقراطي ، يمهد إلى مؤتمر وطني ديمقراطي يعبر عن كافة القوى السياسية والمدنية ...ويجب التأكيد على فكرة إرساء العقد والتعاقد الاجتماعي ، المبني على أساس الدستور والقوانين الناظمة وإقامة الفصل بين الجيش ، وسلطة الرئاسة ، وحصر دور الجيش في حفظ أمن الوطن والحدود ، ونزع الصفة العقائدية عنه ، وعدم تحويله إلى قوة تكرس هيمنة الحزب الحاكم، أو فئة محددة مهما كان وضعها ، ومكانتها في المجتمع . والتأكيد على ضرورة وأهمية الفصل بين السلطات ( التشريعية والتنفيذية والقضائية ).. وللتنويه فقط : إن تناول المستوى السياسي أولا" كأحد المهام لبناء الدولة الحديثة ، يعكس أهمية المستوى السياسي لكونه يمثل المستوى الرئيسي في لوحة الصراع الدائر ، سواء" على المستوى المحلي أو على المستوى الدولي . ويعكس أيضا" أهمية تجاوز الإشكاليات السياسية الراهنة ، وحالة الفقر السياسي والاقتصادي والإقصاء التي يعاني منها المواطن بشكل عام ، وبكونه يشكل المفتاح الأساسي لتجاوز معظم الأزمات ، والاختناقات ، التي يعاني منها المجتمع ..وبالتالي فإن البوابة الحقيقية ، والضرورية للمساهمة في بناء نموذج يقطع مع النماذج القديمة تكون البوابة الحقيقية لإرساء ممارسة نظرية وسياسية تتجاوز الفهم السياسي القديم ، وتؤسس على قراءة نظرية وسياسية متجددة بعيدا" عن الشعارات الأيديولوجية لإنتاج فكر نظري وسياسي يتناسب مع الواقع السياسي الجديد والمتجدد باستمرار. بالتالي فإن تناول الإشكالية السياسية يشكل المدخل لإرساء إمكانيات افتراضية لآليات تشكل شكل الدولة المقبلة ، المفترضة والتي تستوجب العمل على التوضيح والتركيز على نقاط الخلل التي يجب الإضاءة عليها ليتم تجاوزها لاحقا" ، وبذلك رأينا بأن صلب الأزمة المحلية هي أزمة سياسية ، ناتج مفاعيل داخلية مبعثها ومولدها آليات الفهم السياسي للنخب الحاكمة التي أسست وتأسست على ممارسة سياسية تقوم على استئصال جذور العمل السياسي لكافة الأطراف والفاعليات والتمثيلات السياسية المعارضة ، من خلال آليات الممارسة المتبعة خلال عقود سابقة ... ولا تنحصر الأزمة في المستوى السياسي بل تمتد بجذورها إلى المستوى الإقتصادي الذي تتحدد بناء" على مستوى تطوره معظم الفاعليات السياسية والإجتماعية ومدى تطور و عمق هذه المستويات بكونه يشكل الأساس الموضوعي لآليات الإدراك و التحليل السياسي والممارسة السياسية ، المعبرة بالشكل الملموس عن الواقع بحركته المتغيرة باستمرار . وهذا يدفعنا إلى الدخول أيضا" في إشكالية الأزمة الاقتصادية التي يعاني منها مجتمعنا ، والناتجة عن ( الشكل ) الإقتصادي المتبع لدينا. لم نستعمل هنا مفهوم النمط ( الإقتصادي) وذلك لأن اقتصادنا لم يتشكل تاريخيا" ، وحتى الآن على أساس ، أو وفق نمط اقتصادي واضح المعالم ، ومحدد ، سواء كان اشتراكيا" أو رأسماليا" ، ولم يتم وفق خطط إقتصادية ذات توجه يهدف إلى بناء اقتصادي يعبر بتطوره عن نمط اقتصادي محدد، بل كان وما زال إقتصادا" ريعيا" خاضعا"إلى قرارات وقراءات سياسية مبنية على مصالح فئات إجتماعية معينة، متحكمة بمعظم القرارات السياسية والإقتصادية ، والسبب المهم والأساسي في عدم استعمال مفهوم (نمط ) هو عدم وجود طبقة إجتماعية (لها موقعها الإقتصادي المميز ) مهيمنة تكون قادرة على إنجاز وإرساء نمطاً اقتصادياً مهيمنا" ... وقد تم إتباع آليات اقتصادية تقوم على الخطط الخمسية المستمدة من التجربة السوفيتية ، وتحويل القطاعات الصناعية المحدودة إلى قطاعات عامة تسيير بإشراف الدولة ،( أجهزة ، وأفراد يمثلون سلطة الدولة ) وفق سياسية التأميم والإصلاح الزراعي والذي أدى لاحقا" إلى تفتيت الملكيات الزراعية والتي لم تترافق مع تطوير القطاع الزراعي والتي كان من المفترض إتباع خطوات محددة وواضحة لتطويره ولكن ما كان سائدا" هو ترك المزارعين لأقدارهم ولتأثير العوامل المناخية وعدم تحديث وتطوير المعامل المؤممة أو إعادة هيكلتها بما يتناسب مع التطور التقني الحديث ، إضافة إلى إهمال إحداث قطاعات إنتاجية جديدةلإستيعاب الأيدي العاملة الوافدة إلى أسواق العمل . وبناء" على ما ورد فإننا نلاحظ ، بأن المؤسسات المعنية لتطوير القطاعان الصناعي والزراعي لم تكن في المستوى المطلوب لتطوير هذان القطاعان، وباقي القطاعات الأخرى وهذا عائد بالضرورة إلى إشكالية بنيوية تنحكم بها الفئات التي تمتلك إمكانية إصدار القرارات، ويضاف إلى هذا ضعف إمكانيات وقدرات العاملين في القطاعين المذكورين .. وفي المحصلة نلاحظ الفشل الذي آلت إليه ليس فقط القطاعات الإنتاجية ( الزراعية والصناعية ) بل التراجع العام والفشل الواضح على كافة مستويات الحياة الإجتماعية ... وبالتالي يمكننا القول بأن المشروع الإقتصادي للدولة كان يهدف إلى ترسيخ وتوسيع دور الدولة في العملية الاقتصادية ، من خلال سياسة الإصلاح الزراعي ، وسياسة التأميم التي حققت في بدايتها مصالح فئات واسعة من الشعب ، ولكن نتائجها على المدى البعيد كانت كارثية على المستويات الإجتماعية كافة ، والتي لم تنحصر فقط في توسع قاعدة الفساد ، بل طالت كافة الشرائح الإجتماعية ، وأدت إلى تقليص دور البرجوازيات المحلية ، والحد من الاستثمارات الإنتاجية والمالية والخدمية ...المحلية والخارجية ، وتقييد حركة الرساميل بمعظم أشكالها ، وانتماءاتها القومية .. والنتائج كما نراها الآن ، وليست خافية على أحد ، ويمكن تحديدها بفشل قطاع الدولة الصناعي والزراعي ، وفشل الإنتاج الزراعي والصناعي الخاص والفردي ، وتراجع دور البرجوازية المحلية ، ومنع الرساميل الوطنية والأجنبية من الإستثمار في الأسواق المحلية بشكل مباشر أو غير مباشر ( من خلال سيادة عراقيل إدارية وسياسية وسيادة الفساد والروتين والبيروقراطية .....) وإتباع سياسة انكماشية في سياق التطوير القائم على الاقتصاد المتمحور حول الذات ، ولكن بأسوأ أشكاله . إذا" باختصار لقد فشلت الفئات المسيطرة من القيام بمهمات التنمية التي تحملت مسؤولياته . ويمكننا عرض أسباب هذا الفشل بإيجاز: -الفساد المعمم _ سيادة البيروقراطية والروتين _ تحول قطاع الدولة إلى مصدر للنهب ومراكمة الثروات الشخصية _ تدني معدلات التراكم المالي في قطاعات الدولة _ شفط الثروات / المالية / وتحويلها إلى الخارج ما يؤدي إلى عدم القدرة على تطوير القطاعات الإنتاجية المحلية وإنشاء قطاعات إنتاجية جديدة _ التخلف التقني والتكنولوجي لوسائل الإنتاج _ تخلف مستوى التأهيل للعمال ، /عدم توفر الإمكانية اللازمة للشرائح العمالية على التعامل مع التقنية ، والتكنولوجية الراهنة، المتطورة /معلوم بأن قوى العمل الحية تحتاج بصورة دائمة إلى إعادة تأهيل لتبقى على الدوام قادرة على التعامل مع التطورات التقنية المتلاحقة / ..... وهذا يؤدي بدوره إلى ازدياد ، وتفاقم نسب البطالة بشكل كبير قياسا" إلى حجم القوى العاملة الحية . ويمكننا أن نرى بأن عمق الأزمة الاقتصادية يتجلى بانعدام تحويل / النقد/ إلى رأسمال إنتاجي ، لأن عملية التحويل هذه تحتاج إلى توظيف /النقد / في العملية الاقتصادية ، وتحديدا" في الصناعة ( غياب تمركز وتركيز الرساميل) . ان هيمنة القرار السياسي على السياسات الاقتصادية ، والذي كان من المفترض أن يحقق كما هو مزعوم تنمية اقتصادية ، وبشرية عامة من خلال إدعاء الفئات المسيطرة القائم على أساس فكرة اللحاق بالبلدان الصناعية المتقدمة ،بشكل مستقل ، لكن مع تباطؤ سيرورة النمو الاقتصادي المحلي والعربي ، والتي عجزت عن انجاز المشروع التنموي ، وعن إنشاء تكتل اقتصادي عربي ، أو إقليمي ، في مرحلة من التوازنات الدولية المناسبة موضوعيا" ، لقيام تكتلات اقتصادية على حدود وهوامش الدول الشرقية / المنظومة السوفيتية /، لكن الخلل البنيوي للفئات المسيطرة قاد إلى التراجع والفشل في معظم جوانب ومستويات الاقتصادية ، والاجتماعية . إن تخلف التنمية البشرية عامة ، والنمو الاقتصادي خاصة ، وأمام توسع الفجوة الحضارية والرقمية والاقتصادية والسياسية .... بين بلداننا والبلدان المجاورة بالحد الأدنى يستدعي منا التوقف للتدليل على إمكانيات تجاوز الواقع الاقتصادي والسياسي والاجتماعي عموما" ، بمختلف الجوانب والمستويات والأدوار التي من المفترض أن تقوم بها المؤسسات والجهات المسؤولة في الدولة ، وهذا كما أسلفنا يدخل في المستوى الافتراضي الذي يخضع إلى المتغيرات في الشروط الموضوعية القائمة ، وتحديدا" السياسية . وبناء" على المتغيرات المفترضة في الممارسة السياسية التي تؤسس إلى القيام بمجموعة من السياسات الاقتصادية خاصة والاجتماعية عموما" ، والتي يفترض أن تكون متناسبة ، أو تتناسب مع الميول الموضوعية العامة والتي يمكن إيجازها _ ب : _ المحافظة على دور الدولة في القطاعات الأساسية ( التعليم ، الصحة ، النفط والطاقة ، والسيطرة على المصادر المائية ..) _ خصخصة القطاعات الإنتاجية والخدمية التي تستوجب ذلك ، وبيع القطاعات التي يمكن للقطاع الخاص متابعة العمل فيها وتطويرها . _ إفساح المجال أمام مشاركة البرجوازيات المحلية / القطاع الخاص / بما يتناسب مع العملية التنموية التي تؤسس لها السياسات الاقتصادية لدولة بشكل عام . _ فتح المجال أمام الرساميل والاستثمارات الخارجية / المالية والإنتاجية / بناء" على الخطط المرسومة لتطوير الاقتصاد المحلي . _فتح الأسواق المحلية للبضائع الخارجية بعد القيام بمجموعة من الإجراءات التي تحمي القطاعات الإنتاجية والصناعات المحلية (الحماية الجمركية ) . _ تطوير القطاعات القائمة وتحديثها ، والعمل على إعادة هيكلتها من جديد بما يتناسب مع التطور التقني الدولي . _العمل على تأهيل وتطوير القوى العاملة بما يتناسب مع التطور التكنولوجي الراهن . _الاعتماد على الصناعات التي تمتلك سمات مقارنة ، وتمتلك القدرة التنافسية دوليا". _العمل على إنشاء تكتلات اقتصادية ، أو الانضمام إلى تكتلات اقتصادية إقليمية ، أو عربية . _ تطوير القطاع الزراعي وإدخال التقنية الحديثة إليه. _الاهتمام بتطوير الخدمات السياحية . _الاهتمام بتطوير القطاعات الخدمية وتفعيلة لخلق الشروط المناسبة للاستثمار والتبادل السلعي والنقدي والمالي ( شبكة الاتصالات و الموصلات _ المصارف _ ...) _ إنشاء قطاعات إنتاجية جديدة تعتمد على تحويل وتوظيف الرأسمال الإنتاجي المتراكم في هذه القطاعات ( رأس مال إنتاجي ـــ رأس مال إنتاجي موسع [ والعمل على زيادة مركزة وتمركز الرساميل] ) من خلال تطوير هذه القطاعات وتوسيعها . _ العمل على الحد من تهريب الأموال من خلال وضع قوانين تحدد آليات التوظيف والاستثمار و العمل على تحديد آليات حركة الرساميل وإخضاعها إلى السياسات الاقتصادية المحلية التي تهدف إلى تطوير البناء الاقتصادي وإعادة التراكم والتوظيف محليا"لفترات محددة .... يمكننا بإيجاز تحديد الرؤية السياسية لتطوير وتجديد التوجهات الاقتصادية لكون الاقتصاد المفترض إتباعه هو اقتصاد ليبرالي ، مع الحفاظ على دور الدولة كضابط وموجه مرحلي للتخفيف من حدة التناقضات المتوقع حدوثها في حالات الانفتاح الاقتصادي المرتقب ، والذي يفترض تغيير سياسي عام يقوم على الديمقراطية السياسية التي تفتح المجال أمام حرية المشاركة السياسية والعمل النقابي حصرا" والمعبر في حقيقته عن الفئات العاملة . والمنفصل عن أجهزة الدولة ، والذي يساهم في تشكيل وتطوير العمل النقابي المتناسب مع التوجهات الاقتصادية الجديدة . ولا يقتصر البحث في المستويين السياسي والاقتصادي ، لكن ولكون هذين المستويين يحددان مجمل عمليات التغيير الاجتماعي فإن باقي المستويات الاجتماعية ترتبط بنيويا" بهذين المستويين ، وإن العمل على انجاز تحليل للواقع السياسي والاقتصادي الراهن يفترض بالضرورة ترابط كافة المستويات والمجالات الاجتماعية ، بما يتناسب مع العمليات الحاصلة عليهما على أرضية الترابط العضوي والبنيوي بين مختلف مجالاتها ، والتأثير المتبادل فيما بينهما . 4_ واقع الدوله الراهن في ظل العولمة والثورة المعلوماتية : ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـ لقد عبرت الدول عن ذاتها من خلال تجلياتها و تمظهراتها المختلفة ، وعبر مراحل تاريخية مختلفة . إن التعدد النمطي الذي تمظهرت أجهزة الدولة به ، كان معبرا"موضوعيا" عن التطور الاجتماعي ، وحاجته إلى جهاز أو مجموعة أجهزة تمارس أدوارا" مخففة ، وضابطة لحدة التناقضات السائدة في المجتمع في محاولات دائمة لإظهار فوقية و استقلالية هذه الأجهزة عن المجتمع بوصفها مكوّن له عوالمه المختلفة . لكن ولكون أجهزة الدولة ومؤسساتها ، يفترض أنها تمارس دورا" قانونيا" ودستوريا" مستقلا" عن تأثير تناقضات مراكز القوى وتمثيلاتها في البنى الإجتماعية المجسدة للقاع الاجتماعي ، فإن هذه الأجهزة كانت تمثل وتعكس بشكل جلي ، وعلى مدار المراحل التاريخية لصيرورة الدولة المتمثلة في ( السلطة )مصالح الفئات الطبقية المهيمنة والمسيطرة ، إضافة إلى أنها كانت وبشكل عام ترتبط وفق مصالحها المادية والسياسية بفئات إجتماعية وطبقية محددة ، مشكلين تحالفا" طبقيا". ولهذا نلاحظ بأن اختلاف شكل الدولة المعبر عن نمط اقتصادي محدد والمتجلي بأشكال ومستويات مختلفة وفق تباين مستوياتها السياسية والإقتصادية ... لهذا يمكننا أن نميز بين دولة العبودية والدولة الإقطاعية والبرجوازية ...ولكل من هذه الدول أنظمتها السياسية المختلفة شكلا" والمتوافقة مضمونا" في تمثيلها السياسي والطبقي ( سياسيا" ،اقتصاديا") لمصالح الفئات الطبقية المهيمنة سواء تمظهرت بملكية العبيد أو ملكية الأراضي أو ملكية رأس المال التجاري أو رأس المال الصناعي .... فكل أشكال الملكية الواردة وغيرها كان ومازال يتم التعبير عنها بأشكال من التمثيل السياسي . إن النظم السياسية معبرة بالضرورة عن مستوى التطور الاجتماعي بكافة مستوياته ، وأبعاده ، مترافقة ومتلازمة مع الإيديولوجيا الدينية التي تمتد على مدار سيرورة النظم السياسية بالقوة و بالتشريع الديني ( المسيحية أو الإسلامية أو اليهودية ..) لذلك كنا نلاحظ وما زلنا بأن النظم تقوم على قائمتين أو ركيزتين أساسيتين متلازمتين هما السياسة والدين على أساس من فعل الترابط المتشارط ، وعلى أساس التمثيل المصلحي المتبادل . إن هذا الترابط بين السلطة السياسية وسلطة رجال الدين ، المتمثلة في شكل الدولة هو نموذجا" متقدما" في صيرورة تطور الدولة لأنه فيما قبل هذه المرحلة ساد أشكال من الحكم ( مصر الفرعونية، البابلية ، الكنعانية، الفينيقية ...) يحكم فيه الإنسان بكونه الله ، فإن الشخص الحاكم كان يحكم بوصفه إلها" . ومع تصاعد التطور والنمو ضمن الصيرورة التاريخية صار الحاكم يمثل سلطة الله على الأرض ، وأصبح لاحقا" يحكم بسم الله ، بالتوافق المصلحي مع من يمثل الله على الأرض من رجال الدين . وكانت هذه نقلة متطورة بالمقارنة مع سابقتها من أشكال الحكم ، لتكون السلطة السياسية الأرضية معبرا" عن السلطة الإلهية، ويترافق مع هذا الشكل من النظم أشكالا" من الوعي الاجتماعي الذي يقدس السلطة الدينية ، والسلطة السياسية ، ويعتبر الخروج عن دائرة المقدس كفرا" ومخالفة للأوامر الإلهية . إن ما نحاول الإشارة إليه هو إن معظم السلطات والأنظمة السياسية لم تكن يوما" ذات صفة أحادية ، أي تنحصر مهماتها في جانب أحادي بشكل محدد سواء كان سياسيا" أو دينيا" . إنما كانت تؤسس لسيطرتها من خلال النهوض بالمستويين وتعمل على الاستفادة المتبادلة منهما ، من خلال تغليب أحدهما على الأخر بما يتلائم مع الظروف الموضوعية للواقع الاجتماعي عموما" والسياسي بشكل خاص .... وحتى عندما قامت الثورات العلمية والمعرفية بعملية القطيعة المعرفية ( البستمولوجية ) بين الوعي الديني والوعي العلمي ، ولأن هذا لم يعني في المطلق عدم توفر إمكانية التوظيف السياسي للمستوى الديني . ولكن ماهو متجليا" ظاهريا" هو إقامة الفصل بين الدين وسلطة الدولة[ السلطة الدينية والسلطة السياسية] ، وإبقاء حرية ممارسة الشعائر الدينية من الحقوق الفردية والشخصية للإنسان . ولذلك نرى بأن السلطات السياسية تحتاج في محاولتها إلى فرض سيطرتها إلى التدخل بمستويات مختلفة ( الدينية ، سياسية ، أمنية ، عسكرية ، إقتصادية ....) والتوافق في هذه المستويات في لحظة تاريخية معينة ، أو التناقض والتفارق بينهما يحدده الوقع المجتمعي بإمكانياته المتفاوتة من جانب ، ومن جانب آخر يعود إلى ( الهيمنة)السيطرة السياسية للدولة إلى تتمثل بسيطرة أجهزتها المتنوعة . ولهذا نرى بأن الدولة عبّرت بأشكالها المختلفة والمتنوعة عن كل مرحلة تاريخية معينة ومحدده وفقا"لآليات ترابط بنيوية وعضوية معبرة عن مصالح متنوعة لفئات متعددة ومحددة بمستويات مختلفة على المستوى الداخلي والخارجي ، والذي تمثل بمجموعة من السياسات المعبرة عن مستوى التطور المجتمعي سياسيا" وإقتصاديا" بشكل مترابط بنيويا" ، ومحدد بهيمنة إقتصادية لنمط اقتصادي مهيمن ، ومتطورة بما يتلائم مع تطور وسائل وقوى الإنتاج المتمثلة أيضا" بإرتبطها بالثورات العلمية الموظفة في مجالات التطور التقني والصناعي بما يحقق زيادة في التراكم المالي المتحول إلى رأسمال يتم توظيفه في توسيع دائرة التصنيع والإنتاج . والذي قاد لاحقا" إلى هيمنة سلطة رأس المال المتحول إلى رأس مال مالي نتيجة فيض الإنتاج على المستوى العالمي ، وازدياد وارتفاع معدل الربح في أسواق المال وانخفاضها في القطاعات الإنتاجية، وارتفاع وتيرة النزعة الاستهلاكية لدى شرائح اجتماعية محدودة ، و انخفاض المعدلات الإستهلاكية لما يزيد عن 80% من سكان الكرة الأرضية والي أدت إلى غياب التوافق بين القدرة الإستهلاكية والطاقات الإنتاجية المتزايدة والتي أدت إلى أزمة فيض إنتاجي على المستوى الدولي العام . وبناء"على قاعدة التراكم الموسع للإنتاج السلعي والمؤدي إلى الفيض في الإنتاج على المستوى العام ، والتراكم الموسع لفائض رأس المال المعبر عن ازدياد مستويات الربح ، مترافقا" مع زيادة حدة إنتشار ظاهرة /التمييل / في إطار حركة رأس المال الذي ينحو بتجاه النزعة المالية من خلال هروبه إلى أسواق المال و المضاربات المصرفية والبورصة للتسريع في عملية التراكم النقدي ، والذي أدى إلى زيادة حدة الاستقطاب مستفيدا" من تسارع التطور التكنولوجي وثورة الاتصالات و المعلوماتية ، ومن القدرة الهائلة في إمكانيات انتقال الرساميل بسرعة مذهلة مما يساهم في تسريع عملية دوران رأس المال المتباطئ في دورته الصناعية ، ونرى أيضا" وبالتوازي مع زيادة حركة رأس المال وتوجه الرساميل الىالعمل والتوظيف في القطاعات الإنتاجية الفائقة التطور على شاكلة شركة مايكروسوفت ...... والتي تحقق أرباحا" بمعدلات مرتفعة،والتي ترتبط وتقوم على الحد الأدنى من القوى العاملة العالية التأهيل ، وإنتاجية مرتفعة ، وكلفة منخفضة ..... قد يكون هذا العرض ظاهريا" وشكلانيا" بعيد عن أهداف البحث ، ولكن في الحقيقة هو في صلب الموضوع ، وهو يؤثر وبشكل كبير على دور الدولة حاليا" ، ونلاحظ تأثير التطورات الحاصلة في الحقول التكنولوجية المتنوعة ، والمتسارعة في تطورها بمختلف مجالاتها ومستوياتها المتعددة ، والتي توظف في خدمة قطاع المال والمضاربات ... في الأداء الوظيفي للأجهزة الدولة ، والتي لها الأثر الأكبر في هذا البحث . وقبل التدقيق في أثر التطور التكنولوجي ، وحركة رأس المال ، ودور الشركات على دور ووظيفة الدولة ، سنقف عند تحديد بعض المهام الأساسية للدولة ( النظم ، السلطة ) .على مدار عقود متعددة ، والتي من خلال رصد المتغيرات التي طرأت على هذه المهام يمكننا حصر ، وتحديد المتغيرات الحاصلة على أشكال ووظائف الدولة الراهنة . ـ لقد انحصرت مهام معظم الدول وخاصة الشرقية منها في حماية الأمن الداخلي ، وأمن الحدود ، والدفاع عنها ، والتحكم بالشؤون الداخلية وإدارة الشؤون السياسية الخارجية ، والهيمنة على الاقتصاد بكافة قطاعاته ومستوياته من خلال التوجيه والإشراف والتخطيط .... مبدئيا" نلاحظ تقاطع واضح في هذه المهام بين معظم الدول في الفترات السابقة وتحديدا" قبل الثورة الصناعية .... وبداية تشكل وتبلور النمط الرأسمالي بشكل واضح . لكن المفارقة التاريخية الأولى والتي حكمت وأسست إلى تزايد حدة اختلاف بين مجموع الدول الأسيوية والدول الغربية هو استمرار ظاهرة الاستبداد السياسي وسيادة حكم الطغاة والحكم المطلق بأشكاله المتعددة ( الثيوقراطية ، الأوتوقراطية ....) وتجذر أسس الدولة المركزية ( المسيطرة والمهيمنة ) على معظم المجالات سواء منها السياسية والإجتماعية والإقتصادية تحديدا" أو المتمثلة في ( الري ، مد الأقنية ، الجسور ، السدود ، الاتصالات ...) ولهذه العوامل وغيرها دورا" متزايدا" لتلك الأشكال من الدولة الاستبدادية والمركزية ، هذا إضافة إلى انعدام الملكيات الزراعية وسيادة أشكال الحيازة الزراعية ، والتي أسست إلى انعدام قيام إقطاعيات و(نمط إقطاعي متبلور ) في المنطقة .والمفارقة هنا هي في استمرار هذه الأشكال السياسية والاقتصادية رغم تغير تمظهراتها وتجلياتها شكلانيا" التي لم تؤثر في عمق التركيبية الاجتماعية والسياسية والاقتصادية ، لنلاحظ انه يترابط مع هذه الأشكال هيمنة الوعي ( الما قبلي ) والذي ما يزال يجد له الأسس والمقومات المناسبة ليشكل تمظهرا" وتحالفا" لأشكال النظم السياسية القائمة والي عجزت عن مواكبة المتغيرات الدولية . _ ونلاحظ بوضوح انه ما تزال نظمنا السياسية الممثلة للدولة تحاول عدم التخلي عن الدور المهيمن على المجتمع من خلال فرض وتأكيد استمرار الاستبداد ، والسلطة المركزية للدولة ومن خلال تكريس مبدأ الاحتواء والاستتباع لكافة المؤسسات المدنية والسياسية ... بمعنى آخر فرض الهيمنة على الاقتصاد والسياسة في المجتمع بآليات تفكير ، وممارسة سياسية تجاوزها منطق التاريخ . يمكننا الآن تحديد التفا رق بين المجتمعات العربية ، والمجتمعات الغربية ، وتحديدا" الأوربية بكون الأخيرة لم تعرف على مدى صيرورتها التاريخية الطويلة هيمنة سلطات استبدادية على فترات زمنية طويلة ، لكن يمكننا من خلال إطلاعنا على تاريخ معظم الدول الأوربية إنها لم تخضع إلى هيمنة نظم استبدادية إلا لفترات أو لحظات زمنية محدودة . بل إنه من الملاحظ بأن معظم الدول وبالتالي المجتمعات الأوربية مرت في سيرورة تطورها بمراحل نمو طبيعية ، وخضعت لفعل التراكم التاريخي لمستويات التطور المعرفي والثقافي والعلمي والإقتصادي .... محققة قفزات وثورات متعددة ومتلاحقة متجاوزة بذلك مراحل التخلف السابقة (عصور الظلام ) محدثة عمليات من القطع المعرفي من خلال التطور الفلسفي والمعرفي ( البستمولوجي ) والثورات العلمية مع الفكر الديني ليصار إلى تأسيس وبناء نظم سياسية تقوم على بناء معرفي وفلسفي ضخم شارك فيه فلاسفة عظام على شاكلة ( هيغل ، أرسطو ، سقراط ،ماركس ، انجلز ، ..........) متجاوزة في ذلك عقدة الفكر السلفي من جهة ، وقامت على توظيف المعارف الفلسفية ، والعلمية في بناء التطور الصناعي والتقني من جهة اخرى ، والذي ساهم وعزز لاحقا" إمكانيات البحث العلمي .. لتساهم في تعزيز إمكانيات التوسع والتطور الصناعي والتكنولوجي المدني والعسكري . ومع توسع دائرة حركة الرأسمال وبالتالي النمط الرأسمالي ، ترسخ وتطور المفهوم الليبرالي المرتبط عضويا" وبنيويا" مع النمط الاقتصادي الرأسمالي وأشكاله السياسية ومع المبدأ الذي تكرس مع تطور الرأسمالية الذي يؤكد على حرية العمل الصناعي والتجاري ( دعه يعمل دعه يمر ) وكان دور الدول ينوس بين دور محدد وموجه للاقتصاد بحركة متقدمة حينا" ومتراجعة حينا" آخر وذلك بما يتناسب مع الظروف ومراحل التطور الاقتصادية وحسب الظروف الخاصة لكل بلد . ومع أزمة الكساد العالمي في عام / 1929م / وظهور النظرية الكنزية والتي تم بموجبها تعميق دور الدولة في دعم القطاعات الصناعية ، واستيعاب البطالة المتزايدة باستمرار انطلاقا" من النظرية العامة في التشغيل والفائدة والنقود ، والعمل على الحد من سلطة السوق ... استمر العمل بالنظرية الكنزية حتى مشارف السبعينيات من القرن الماضي ووصول الرئيس الأمريكي رونالد ريغان ومارغريت تاتشر في بريطانيا إلى السلطة والذي ترافق مع إهمال النظرية الكنزية ،وظهور نظريات اقتصادية جديدة تدعو إلى الحرية الكاملة والمطلقة للسوق ، والى تحرير رأس المال من الرقابة ، وتحديد دور الدولة ، وإبعادها عن السياسة الاقتصادية الجديدة المتمثلة في ( النيو ليبرالية ) والتي أسست إلى مرحلة جديدة تمثلت في سيادة القطب الرأسمالي بشكل أحادي بعد انهيار المنظومة السوفيتية ، ومجموع الدول الشرقية الملحقة سابقا" بالدولة السوفيتية سابقا" . ولايمكن إغفال دور الدول الرأسمالية في مرحلتها الاستعمارية وعن مسؤوليتها المباشرة في تخلف الدول المستعَمرة، وذلك من خلال استتبا ع هذه البلدان وربط حركة تطور هذه البلدان بعجلة التطور الصناعي الغربي وشفط المواد الأولية إلى مصانع الدول الغربية ، وتحويل المستعمَرات إلى بلدان استهلاكية و( سوق لتصريف البضائع الأوربية ) وتأكيد وترسيخ العلاقات التبعية بينها و بين البلدان الأوربية بكونها تمثل دول المركز والبلدان العربية والدول المستعمِرة عموما" إلى دول الأطراف و[مخزن للمواد الأولية ] . إن خروج المستعِمر من هذه البلدان لم يكن يعني مطلقا" إجراء القطيعة مع الدول الاستعمارية ، ولكن ما لاحظناه وما نلاحظه إن البلدان المتحررة من سيطرة الاستعمار ، حافظت على علاقات متفاوتة نسبيا" مع الدول الاستعمارية ، ومحافظة على كونها خزانا" للمواد الأولية . ولم يترافق التحرر من الاستعمار بالتحرر السياسي بل ترافق بالإجمال باستمرار نظم استبدادية متماهية مع جذور هذه الأشكال التاريخية ، ومؤكدة استمرار السيطرة الطبقية القائمة على الإرتهان السياسي ، والتبعية الاقتصادية، إضافة إلى التناقضات الداخلية للنظم السياسية واستشراء مناخ الفساد والقمع ...والذي أدى إلى التخلف على كافة المستويات وفشل هذه النظم في انجاز مشروعها التنموي الذي طغى على السطح من دون أن يحدث تغييرا" في عمق المجتمع العربي لأنه في حقيقة الأمر ، بقي مشروعا" وهميا" ترافق مع تراجع المشروع التحرري ، وانتكاس المشروع الديمقراطي .... ـ لقد تعزز النظام الشمولي العربي المرتبط بنيويا" مع عمق الاستبداد المتأصل تاريخيا" والمرتبط مع تراثٍ ثقافي مساعد على استمرار الأشكال السياسية الراهنة ، وإن تغيرت نسبيا"وعلى المستوى الشكلاني فقط ، وأيضا" من خلال اقترانه بالنظام السوفيتي المغيب للديمقراطية ، وكافة أشكال الحريات السياسية ، مؤكدا" على دور السلطة المتمثلة بالأحادية الحزبية المعبرة عن المشروع التغيري ، والتي تم اختزالها واختزال المجتمع ، والدولة في شخص الأمين العام ، مما أدى في حقيقة الأمر إلى غياب ليس فقط لدور المؤسسات ، بل إلى غياب دور الفرد وتذويبه الشخصية الفردية في الشخصية المجتمعية الكلية ، والتي تم تجسيدها في شخص مطلق القرارات والصلاحيات ....والذي تمظهر في أشكال السلطات المركزية والمتمحورة حول ذاتها وذات الأمين العام ، الذي تهيمن فيها السلطة التنفيذية على باقي السلطات . إن ما نود التوصل إليه هو إن مجموع الدول الأسيوية ، سواء المتخلفة منها أو المتطورة نسبيا" ، إضافة إلى المنظومة السوفيتية ، لم تستطع أن ترسي دعائم النموذج الديمقراطي في علاقاتها الداخلية ، و علاقاتها البينية ، بخلاف الدول الرأسمالية الغربية ، والتي قادها تطورها التكنولوجي بشكله الليبرالي والنيولبرالي ، والذي خضع في مراحل تطوره إلى أزمات متعددة ، تفاوت دور الدولة فيها أدى إلى تشكيل وتدعيم أشكالا" من الديمقراطية المتناسبة مع مستويات التطور الاجتماعي بشكلِ عام والإقتصادي بشكلٍ خاص ، والذي يعتبر المحدد لمجمل الأشكال السياسية . إن هذا السرد التاريخي يمكن اعتباره مدخلا" لتحليل واقع الدولة الراهن ودور السلطة السياسية بشكل عام ، والذي أخذت تتوضح معالمه بشكلٍ متزايد وتحديدا" في البلدان المتطورة . إن البحث في دور الدولة في المرحلة الراهنة يتحدد بموجب آليات حركة التطور الإقتصادي بشكلٍ عام ، وبحركة رأس المال بشكلٍ خاص ، والذي بات يشكل الأن أحد العوامل الأساسية والضاغطة على القرارات السياسية والإقتصادية ، ليس في الدول الطرفية فقط ، والتي تعاني من ضغوط مركبة ومتراكمة ومتزايدة ، بل في الدول الصناعية المتقدمة ، والتي تعاني بدورها من ضغوط متزايدة من الحرية المطلقة لحركة رأس المال المنفلت من عقاله ، والمتجاوز للقوانين التي صيغت بما يتلائم مع حركته الخاصة ، سواء منها المحلية أو الدولية ، ليصل إلى حدود تدمير هذه القوانين والتي من الممكن أن تؤدي بصيرورته إلى الهلاك الذاتي والدمار الموضوعي الناتج عن زيادة التراكم ، والمؤدي إلى استقطاب يتزايد طردا" مع حجم التراكم ، والذي يقوم في الأساس على التطور اللامتناهي للتكنولوجيا إضافة إلى تمركز الإحتكارات وتمحورها حول قطاعات إنتاجية محددة تسيطر عليها بعض الشركات والدول المحددة والمحدودة . ان الميول الظاهرية لحركة رؤوس الأموال على المستوى الدولي تميل في صيرورتها إلى تجاوز القوميات بأشكالها ودولها وحدودها الراهنة منطلقة" من تحطيم الحواجز الوطنية و تشكيل الوحدات القومية ،والتي نلاحظ نهاياتها في اللحظة التاريخية الراهنة ، وذلك من خلال تراجع أداء المؤسسات الدولية في ضبط الرساميل العابرة للحدود ، والتي تتمثل في استثمارات إنتاجية أو خدمية ،أو الرساميل في أسواق المضاربة . حقيقة ان تحطيم الحواجز والحدود الدولية سواء منها الوطنية أو الحدود القومية لاتقوم ، ولا تبنى وفق رغبات ذاتية ، أو وفق سياسات إرادويةو، ولكن تقع في إطار المنظور الواقعي والموضوعي لتطور الحركة التجارية من شكلها الأول ( المركنتيلية ) وحتى الآن، فإنها تبنى وتقام في سياق موضوعي لصيرورة التطور الاقتصادي ، ومن خلالها تبرز سلطة رأس المال بكونه قوة مهيمنة ـ اقتصادية أولا" وسياسية ثانيا" . وما تجاوزه للأطر القومية إلى رحاب الفضاء العالمي ، إلا ومن خلالها كان يفرض قوانينه الخاصة المتجاوزة للسياسات المرسومة ، والمحددة في اطرها الوطنية ، ولمتجاوزة أيضا" للسياسات الدولية المرسومة والتي باتت تشعر في حقيقة الأمر في تهميش ، أو تراجع نسبي لدورها في ضبط آليات نزوع الرساميل ، والاستثمارات المحلية . وباتت السلطات السياسية تشعر بخطر حقيقي من هيمنة الشركات العملاقة ، والشركات العابرة للقومية ....على القطاعات الأساسية داخل الدول الصناعية والتي أخذت تهدد معظم الحكومات الغربية بشكل واضح من جراء سيطرة هذه الشركات على القطاعات الأساسية ، والتي تمارس سياسة التهديد المستمر بنقل الرساميل المالية والتوظيفات المباشرة الىبلدان اخرى تتمتع بموصفات مشجعة للاستثمار ، وتحمل إمكانية تحقيق فائض قيمة مرتفع ، ومعدلات ربح مرتفعة ( ويمكن ملاحظة تراجع معدلات توظيف الرساميل في القطاعات الصناعية ، وهروب هذه الرساميل بتجاه أسواق المضاربة والتوظيفات المصرفية ، متمظهرة على شكل رساميل مالية ) وهذا الميل يعبر في حقيقة الأمر عن فيض الإنتاج ، وانخفاض معدلات الربح ، وانخفاض القدرة الإستهلاكية للفرد على المستوى الكوني ، وتزايد خيالي للأرباح في أسواق المال .في هذه النقطة تحديدا" نرى الخطر الأساسي لرأس المال على سياسات الدول الصناعية ( المتقدمة ) والتي أخذت تفقد تدريجيا" سلطتها في رسم سياساتها الداخلية الاقتصادية تحديدا" ، متراجعة باستمرار أمام تزايد هيمنة الرساميل على القطاعات الأساسية ، وتهديدها المستمر للحكومات السياسية في سياق آليات تطور موضوعي لحركة الرساميل المهمشة لدور السلطات السياسية ، وانحسار دورها في توفير المناخات السياسية والاقتصادية ببناء ها التحتي والخدمي لصالح رأس المال ، لتحقيق معدلات ربح باتت مهددة بشكل مستمر بالتراجع ، إضافة إلى هروب الرساميل من الرقابة والقوانين المفروضة على حركته متحولا" إلى أشكال معولمة تقوم على أسباب أساسية ومحددة تعبر عن أزمة حقيقية يعاني منها رأس المال الصناعي ( المنتج) في البلدان المصنعة والتي يمكن إيجازها في : _ ارتفاع كلفة الإنتاج في بلدان المراكز الصناعية وذلك للتطور التقني الكبير في المتضمن في وسائل الإنتاج والتي تقود إلى إرتفاع أسعارها ،و ارتفاع معدلات الاجور وارتفاع مستوى الضمان والتأمين . ـ فيض في الإنتاج بشكل مستمر . _ فيض الرساميل . _ انخفاض معدلات الربح . _ محاربة أنصار البيئة للتلوث البيئي ، والذي يقود إلى العمل على التخفيف من حدة التلوث البيئي والذي يشكل بدوره تكاليف إضافية على سعر المنتج ....... مجمل هذه الأسباب وغيرها كثير تفترض وتفرض بنفس الوقت على الرساميل التوجه إلى بعض البلدان التي تتمتع بموصفات مشجعة للاستثمار ، والتي تتلخص بانخفاض معدلات الأجور _ توفر المواد الأولية _ توفر البنى الخدمية المشجعة للاستثمار ( المصارف ، شبكة اتصالات متطورة، شبكة موصلات ....) . _ توفر القوى العاملة المدربة ومؤهلة تقنيا" بما يتناسب مع واقع التطور التكنولوجي _ حكومات سياسية تساهم في تسهيل الاستثمارات وحركة الرساميل ، وتحد بنفس الوقت من دور النقابات ، والجمعيات البيئية . _ توفر القدرة الشرائية . _ قرب هذه البلدان من أسواق التصريف إذا لم تكن أسواق التصريف موجودة ضمنها .....لخ. ويمكننا أن نلاحظ بأن هذه المواصفات تتوفر في مجموعة محددة من البلدان الصناعية ، والتي تشكل مجموعة البلدان الطرفية المندمجة ، والتي حققت نموا" اقتصاديا" في أواسط القرن العشرين ، مستفيدة من المناخ الدولي ، ومناخ الحرب الباردة . وهذا ما يشكل حقيقة ، وفي الأساس التهديد المباشر لهيمنة الحكومات الغربية (الصناعية ) . وهذا يقودناالى طرح التساؤل التالي : إذا كانت الحكومات والدول الغربية الصناعية تعاني من تراجع في أدوارها ، وتزايد في تهميشها أمام تزايد سلطة رأس المال ، وأمام حرية حركة رأس المال ( الإنتاجي والمالي ) والمتجلية في نشاطات وآليات اشتغال الشركات العابرة للقومية ، والمتعددة القومية من جهة ثانية وهما تعبيران موضوعيان لميول حركة رأس المال ( المالي _ الإنتاجي ) والذي يعبر عن سياق موضوعي لصيرورته ، ( إذا كان حال الحكومات الغربية كما أوضحنا ، فما هو وضع حكوماتنا المحلية ؟ ) . بداية لايمكن تعميم أسباب تراجع دور السلطات السياسية في البلدان الصناعية ، على بلداننا ، وعلى حكوماتنا ، رغم أنه لا يمكننا أن نرفض آثار التطور والترابط العام والدور الذي يمارسه رأس المال بأشكاله المختلفة (المالي ، إنتاجي ، سياسي ) وأن نرفض الترابط العام لسياق التطور الكلي على المستوى الكوني ، وبالتالي آثار هذا الترابط سواء كانت إيجابية أو سلبية . في حقيقة الأمر باتت حكوماتنا وسلطاتنا السياسية تعاني من تهميش واضح ، ومكشوف للجميع ، وهذا التراجع خاضع إلى تغيرات موضوعية في بنية الاقتصاد المحلي المرتبط بالمناخ الاقتصادي والسياسي العام ، وتزايد الدور الذي يلعبه رأس المال والآثار التي يتركها على الصعد الاجتماعية كافة كما هو معبر عنها في البلدان الصناعية، رغم أن رأس المال يشكل أحد الركائز الأساسية لسلطة السياسية ، ولكن بأشكال ومستويات تختلف عن أشكال وميول حركته في المركز . وبكونه لا يميل إلى التراكم المحلي الناتج عن تطور في القطاعات الصناعية ، ويمنع من حدوث التراكم المحلي إنتشار ظاهرة النهب المتزايدة باستمرار ، وشفط الرساميل الوطنية وإيداعها في البنوك الخارجية لتساهم بتوسيع وزيادة سرعة رساميل الدول الصناعية ، وحرمان بلداننا من فوائد التراكم ودوران هذه الرساميل داخليا". إذا" قبل الدخول في حيثيات دور الدولة محليا" يجب التنويه بأن ما ينطبق على الدول الرأسمالية المركزية فيما يخص تراجع دور الدولة بحكم تزايد دور رأس المال المالي _ والصناعي الموظف في الشركات المتعددة الجنسية _ الشركات العابرة للقومية ، ينطبق على سلطاتنا السياسية ، لكن ليس وفق منظور ميكانيكي ، بل في إطار تحليل موضوعي لأثر حركة رأس المال بشكل خاص والحركة الاقتصادية المترابطة على المستوى العالمي بشكل عام ، وفي إطارتمفصلهما مع المستوى السياسي، وانعكاسهم على مسار التطورات المحلية عامة ودور السلطة خاصة . إن مجمل التغيرات الدولية السياسية والإقتصادية المتمظهرة بانهيار المنظومة السوفيتية ، وتراجع التجربة الاشتراكية المحققة / رأسمالية الدولة / وتضاؤل حلم الكثير من الدول المتخلفة التي كانت تطمح إلى انجاز مشروع تنموي يتسم / شكليا" / بسمات اشتراكية ، مما أكد في الحقيقة على الميول الموضوعية لتساع وتعميق النمو الرأسمالي وتمدد هيمنة الدول الرأسمالية ، وتوسع دائرة حركتها ، وامتداد نفوذها عالميا" مما يعني أن إمكانيات النمو في الدول النامية أصبحت محددة بنمط اقتصادي واحد ، وان كان بأشكال مختلفة ، ويتمفصل مع الميول الاقتصادية الرأسمالية المعولمة ميول سياسية معولمة تتجسد في أشكال ليبرالية تتوافق مع الأشكال الاقتصادية الأنفة الذكر . هذا يفترض بالضرورة تراجع دور الدولة الذي كان يفترض أن يتأسس عربيا" للقيام بمهام التنمية الإجتماعية بهدف اللحاق بالدول الصناعية ، ولكن ومع تزايد نفوذ سلطة رأس المال ، واتساع دائرة الهيمنة السياسية للقطب الواحد ، والسياسات الليبرالية بدأ مشروع الدول القومية العربية و ( القومية عموما") يتراجع ، وأسباب هذا التراجع إضافة إلى ما ذكرنا كثيرة، ومعظمها يتمحور حول التناقضات والمفاعيل الداخلية الخاصة بنظمنا السياسية ،مما يؤدي إلى انحلال أشكال وأنماط الدول الراهنة وتشظيها ليصار إلى بناءها بأشكال مختلفة تتناسب مع المتغيرات والميول العالمية ، وما يؤكد هذا هو أن معظم نظمنا فشلت في مرحلة الحرب الباردة من انجاز مشاريعها التنموية مما أدى إلى زيادة الفجوة الحضارية والصناعية .... بين بلداننا وبين البلدان الصناعية ، مما يؤكد بأن فكرة اللحاق بالغرب لم تعد واردة ، ولم تعد تدخل في إطار التحليل المنطقي مطلقا"، إضافة إلى تراجع رصيد المدرسة التبعية الذي يقوم على الاقتصاد المستقل. ويتمفصل الفشل في انجاز المشاريع التنموية مع تحطيم الحياة الديمقراطية ، وإشاعة سلطة الخوف ، والاستبداد . وهذا الترابط بين هذين المستويين أدى منطقيا" إلى غياب المجتمع عن ممارسة دوره الحقيقي في الحياة السياسية العامة، والتي تعتبر أحد الروافع الحقيقية في بناء تأسيس وبناء مناخ اجتماعي عام مناسب لتور المشاريع التنموية والإجتماعية إن تراجع المشروع التنموي الذي كانت تحمل لوائه بعض الفئات الإجتماعية ( الممثلة للسلطة ) ومن خلاله كانت تسيطر على المفاعيل الأساسية للدولة وعلى المجتمع بشكل عام ، وكانت تحشد لهذا المشروع القاعدة الإجتماعية الواسعة ، والداعمة له ، ولكن بإخفاق هذا المشروع والذي تمظهر وتجلى على الصعيد الاجتماعي بعدم تحقيق التنمية البشرية والذي أدى إلى زيادة نسب البطالة ، وتدني مستوى المعيشة ، وازدياد نسب الفقر وتراجع نسبة المشاركة العامة ، واتساع دائرة الفساد وتمركز الثروات المنهوبة .... وبالتالي إلى انحسار القاعدة الإجتماعية الأساسية لإنجاز المشروع التنموي موضوعيا" لسيطرة السلطة على هذه الفئات . _ لقد انفردت نظمنا السياسية بأشكال من السيطرة على مجتمعاتنا من خلال الهيمنة على المؤسسة العسكرية ، والاعتماد على الأجهزة الأمنية بشكل رئيسي مما يعني أنها لم تسيطر بشكل حقيقي من خلال مشاريع بشرية تنموية ، أو من خلال تكريس الديمقراطية الإجتماعية ، بوصفها السبيل المباشر لنهوض الاجتماعي على كافة المستويات ... إن اعتماد التنمية التي تم إتباعها وفق الخطط الخمسية مع بدايات تسلم الأحزاب القومية زمام السلطة لم يدم طويلا"، واتخذت سيطرة هذه الأحزاب عموما" أشكالا" أمنية وقمعية ، مما أدى إلى تدمير المفاعيل الأساسية والحقيقية للحياة السياسية ، والذي ترافق مع الهيمنة والسيطرة والاحتواء لكافة مفاعيل الحياة العامة والمؤسسات والنقابات .... وتحويلها إلى مداخل حقيقية لبسط سيطرتها من خلال التدجين والاحتواء ... وبذلك يمكننا أن نحدد بأن تراجع نظمنا السياسية عن سيطرتها ، والذي يترافق مع انخفاض وتراجع دور مؤسسات الدولة، يتمحور في مستويين : 1_ المستوى الدولي : وهو يفترض ويفرض بالضرورة مزيدا" من التدخل وبأشكال مختلفة سياسيا" واقتصاديا" وتحت ذرائع مختلفة ، وبشكل يتساوق مع المتغيرات الدولية الموضوعية . وبالتالي فإننا نرى بأن الحدود لم تعد الأساس الوحيد لمقياس الدولة الوطنية بل في مدى القدرة على المحافظة على حقوق المواطنة لجميع المواطنين وإمكانيات الارتقاء المستمر والمتنامي في تطوير وترسيخ هذه الحقوق، وأيضا" مدى المشاركة في الحياة السياسية والمدنية ، وبمعنى آخر فإن دولنا المعبر عنها بالنظم السياسية القائمة يتراجع أدائها على كافة المستويات ، حتى أنها لم تعد قادرة على الحفاظ على حدودها ، ونرى بأنها عاجزة بشكل حقيقي أمام مجمل التطورات التكنولوجية في الحفاظ على استقرار صورتها أمام مواطنيها ، وأنها تتعرى من جراء ثورة الاتصالات والثورة المعلوماتية أمام مواطنيها وأمام الرأي العام الدولي ، وبالتالي فإن المحافظة على الحدود من التعرض المباشر والغير مباشرللإعتداء ، وبأشكال مختلفة لم تعد الهدف الوحيد بل هي وسيلة متخلفة أمام أشكال الغزو الجديد بأشكال تقنية فائقة التطور ، وبالتالي فإن الخصوصية التي كانت تتمتع بها دولنا لم تعد محصنة من الاختراق بل أصبحت هشة ، وغير قادرة على مواجهة التدخلات المتزايدة ، والمتطورة في أشكالها ومستوياتها ، وأصبحت عارية ومفضوحة أمام شعوبها ،وأمام الرأي العام ، وهذا ما يساهم في حقيقة الأمر في تعثر أداءها القائم على السرية والخصوصية ، ومن ناحية اخرى فإننا نرى أن الضغوط المتلاحقة باستمرار من قبل الدول المهيمنة بات واضحا" ، وهذه الضغوط ليست بالضرورة تعبيرا" حقيقيا" عن نوايا طيبة ، بل تعبر عن أهداف ومصالح دولية في منطقتنا ، والتي قد تتقاطع مع مصالح شعوبنا في لحظة تاريخية معينة ، وتحديدا" على مستوى تحجيم النظم الاستبدادية . يمكننا بأن نفترض بأن المصالح الدولية في منطقتنا تتخذ طابع سياسي أكثر مما هو اقتصادي ، بمعنى آخر بأن، منطقتنا تتمتع بموقع جيو سياسي مهم لعدة أسباب ( المشروع الصهيوني ، تكريس المعطيات الموضوعية للتحكم بالقرار الأوربي، من خلال السيطرة على منطقة الشرق الأوسط والسيطرة على مصادر الطاقة النفطية ...) وبالتالي فإن إمكانية تكريس وتفعيل نظم ليبرالية معبرة عن مصالح الدول المهيمنة للوصول إلى استقرار نسبي لايمكن التكهن بنتائجه وتحديدا" على أرضية تزايد حدة الاستقطاب المحلي ، والذي تكرسه المرحلة المقبلة إضافة إلى إمكانية إعادة تقسيم دول المنطقة ، وإعادة تشكيلها وفق مكوناتها الأولية ( عشائرية ، إثنية ، طائفية .....) مما يحولها إلى بؤر دائمة التوتر . إن انحسار وتراجع دور النظم السياسية المحلية على بسط نفوذها وهيمنتها على المجتمع يتزايد ، وسوف يتزايد باستمرار وتحديدا" مع توسع دائرة المشاركة الاقتصادية المعبرة عنها بمشاركة واسعة لقطاع الخاص والبرجوازيات المحلية ، وأصحاب الرساميل ، وهؤلاء فقدوا أدوارهم الطبيعية منذ أواسط القرن العشرين جراء المد الثوري والقومي والوطني، إضافة إلى إمكانية تزايد حجم التوظيفات الدولية للرساميل الدولية ( رأس مال تابع لدولة محددة )إضافة إلى رساميل خاصة / فردية / والتي هي بحاجة حقيقية إلى مجموعة من التغييرات السياسية تكون كفيلة بتغيير المناخ السياسي العام والذي يفترض أن يكون مناخا" مناسبا" للاستثمارات بكافة أشكالها المالية والخدمية والصناعية ، وتحديدا" توفير البنى الخدمية المساهمة في تسريع حركة الرساميل ( إعادة الهيكلة المصرفية بشكلٍ مستمر ، تحديث شبكة الاتصالات والموصلات ، تحديث وتطوير القوانين الإدارية والسياسية بشكلٍ عام لتؤمن الحرية والأمان للاستثمارات الخاصة) . إن مجموع هذه العوامل وغيرها هي بطبيعة الحال تدخل في إطار المؤثرات الخارجية الضاغطة على الدور الوظيفي للدول الطرفية ، والنظم السياسية بشكلٍ محدد في إطار جملة من المتغيرات الدولية (( التكنولوجية ، الاقتصادية و بشكلٍ عام سياسية )) الضاغطة بتجاه تحجيم وتحديد دور سلطة الدولة ، وبالتالي فإن قراءة واقع الدول ، وتحديدا" الدول المحدودة الشرعية أصلاً ، والمراهنة على إمكانيات أن تلعب هذه الدول أدوارا" محلية ودولية مهمة بات بحكم الماضي . [أمامنا جملة من المتغيرات والمعطيات الدولية الاقتصادية (التكنولوجية) والسياسية] وعليه فإن من الضروري العمل على تأسيس وتطوير مجتمعاتنا لتكون تعبيراتها الإجتماعية والسياسية عن طريق العمل المؤسساتي هي الضامن الأمثل أمام تضاؤل دور هذه الدول والتدخلات الخارجية التي تفترضها المتغيرات الدولية ، وبالضبط هي الضامن الوحيد للحفاظ نسبيا" على التماسك الإجتماعي والحد من حدة وشدة التناقضات الناتجة عن هذه المتغيرات والتي سيتحمل نتائجها المواطنين بالدرجة الأولى ، وعليه فإن أهمية المشاركة السياسية والمدنية لمجتمعاتنا تكمن في هذا المضمار ، ليس فقط في مواجهة النظم السياسية الراهنة والقائمة فقط ولتخفيف من شدة هيمنتها على المجتمع فقط ، بل وفي إطار مواجهة المتغيرات الدولية ، في إطار البحث عن المداخل المناسبة لتفعيل وتطوير مشاركتها الدولية اقتصاديا" وسياسيا"... بما يتناسب مع المعطيات والإمكانيات المحلية والدولية . _ أما فيما يتعلق بإمكانيات تراجع أداء النظم السياسية الطرفية والتي تعود إلى المستويات المحلية المتمفصلة مع مجمل المتغيرات والظروف الدولية ، يمكننا التأكيد بأن الأسباب التي تؤدي إلى تضاؤل دور الدول الصناعية ليست هي بالضبط التي تقود إلى نفس النتائج محليا" لكنها تقع تحت العوامل المسببة للتغيير دوليا" . 2ـ أما داخليا" كما أسلفنا فإن معظم نظمنا السياسية ، والتي اعتمدت سياسات قومية وحاولت إقامة المشاريع التنموية باءت بالفشل المتضافر مع انكسار المشاريع الديمقراطية ، فإن هذه العوامل تساهم في تحجيم نظمنا في الاستمرار في بسط سيطرتها على المجتمع كما كانت في السابق ، والتي أصبحت عاجزة عن تحقيق الحد الأدنى من شروط المواطنة والاستقرار المعاشي ، وساهم في هذا أيضا" تخلع القطاعات الإنتاجية وتراجع دور مؤسسات الدولة التي أصبح من الممكن أن تفتقد الضرورة لأسباب وجودها الحقيقي في تأمين أساسيات المواطن الضرورية ، وبالتالي فهو يفتقد تدريجيا" إلى الأساس الفعلي التي تم عليه بناء نظامه السياسي والاقتصادي ، وبتخليه عن هذا الدور فإن الفئات الاجتماعية المستفيدة من قطاعات ومؤسسات الدولة آخذة في التناقص والتساقط التدريجي والتخلع مسببة تصدعا" في هيكلية هذه المؤسسات، ويضاف إلى هذه العوامل الأشكال السياسية المتبعة ، والتي تتخذ أشكالا" أمنية وعسكرية كأشكال لسيطرة على مفاصل المجتمع والتي تتجسد في احتكار الحياة السياسية تحت يافطة مشاركة هشة وسطحيةلقوىسياسية لا تعبر عن المجتمع ، و باستخدام الأساليب الأمنية أدت إلى إقصاء المجتمع عن ممارسة الحياة السياسية والقضاء على الفاعليات السياسيةالحقيقيةوالمعبرة عن تطلعات الفئات والشرائح الإجتماعية الواسعة بكافة تجلياتها وتمظهراتها ، والهيمنة على كافة المؤسسات وتحويلها إلى أدوات تساهم وتؤسس إلى إعادة إنتاج وتجديد هذه النظم السياسية المسيطرة، إضافة إلى اعتمادها على أشكال وإشكاليات مذهبية في خدمة استمراريتها لنصل إلى نظم شمولية دكتاتورية مؤسسة على خطاب تنموي عاجز وخطاب قومي يتمظهر في ترويج الشعارات الطنانة ، وخطاب اشتراكي يفتقد إلى مقوماته الأساسية ، وفاقدا" مشروعيته من خلال تحطيم الحياة السياسية الديمقراطية ، والمشاركة المجتمعية ، والتي من المفترض أن تكون حاملة للمشروع التنموي لكونه يعبر عن أهدافها ومصالحها ، ولكن ومع تحطيم مكونات ومقومات هذا المشروع وصلنا إلى الدرك الأسفل في الترتيب الدولي بمجمل المعايير الاقتصادية والسياسية .... هذه المعطيات التي تتضافر مع المتغيرات الدولية أفرزت إمكانيات التدخل الدولي في قضايانا الداخلية ( يمكن أن نقول أنه لم يعد هنالك شيئا" داخليا" وخاصا" ) . إن هذه الأشكال من فرض السيطرة لم تعد تتناسب مع الأوضاع الدولية المستجدة والمتغيرة باستمرار ، والتي يمكن اعتبارها مدخلا" محمولا" بأسباب خارجية، قد يكون فيها الموطنون آخر المشاركين ، وأول المتأثرين فيها . إذا" يمكننا القول بأنه إذا لم تبادر النظم السياسية الراهنة إلى التغير ، وهذا وارد حسب المعطيات الراهنة لأداء هذه النظم نسبيا" ، وإذا كانت مجتمعاتنا قد فقدت قدرتها على المشاركة ، وعلى إمكانية تشكيل مناخ وأشكال من التغيير المناسب لمصالحها جراء معادلة الضعف الراهنة للقوى الإجتماعية عموما" فإن باب التغيير مفتوحا" على مصراعيه ، والمتحكم بهذا التغيير وبأشكال الصراع طرفين _ فئات مستفيدة محليا" وعلى رأسها المتحكمين في النظم السياسية والقرارات الاقتصادية _ وأطراف خارجية لها مصالح حيوية في تغيير الخارطة الجيو سياسية والاقتصادية بما يتناسب مع مصالحها ، والتي قد تكون نسبيا" وفي مرحلة مبكرة تحقيقا" لرغبات الكثيرين ،ولكنها تستلزم بالضرورة عملا" دؤبا" من كافة المعنيين بعملية البناء الجديد المؤسس على المجتمع وللمجتمع للمساهمة الجدية لصياغة نظرية وسياسية واقتصادية تقوم على دراسة نظرية تساهم في فهم الواقع الراهن ، وتعمل على إنجاز مشروع يحدد دور الدولة ومؤسساتها ، ويعمل على تفعيل دور المجتمع عبر تشكيلاتها المختلفة وفقا" للظروف المحلية والدولية ، وأمام حركة التغيير وميولها المتسارعة لا ينفع أن ندس رؤوسنا في الرمال. 5_ السلطة ومؤسسات الدولة : ــــــــــــــــــــــ _ ميزنا سابقا" بين مفهوم السلطة وبين مفهوم الدولة ، وحاولنا إقامة الفصل بينهما ، وذلك لكون السلطة ( الثيوقراطية _ الأوتوقراطية ..) والسلطات القائمة في بلداننا تحديدا" تتماهى فيها الدولة بمفهومها العام مع أصحاب القرار ، وبذلك يصعب علينا في ظل هذا التماهي إقامة الفصل ، لكن على مستوى الممارسة النظرية ، فإن الفصل في هذا المستوى مسألة ضرورية ، والعمل على ترسيخه في الممارسة النظرية ، والممارسة السياسية لتأسيس وعي يقوم على إن السلطات السياسية لاتقوم مقام الدولة ، ولا تحل محل المؤسسات المدنية ، وحتى لو تجلى وتمظهر في مرحلة زمنية معينة ، بأن السلطة السياسية تماهت مع الدولة ومارست هذه السلطة فعل السيطرة التي تغيب المؤسسات المدنية لتتمظهر بأشكال من الهيمنة المختلفة ، رغم أن هذه السلطات ( البرجوازية الصغيرة العسكرية ) تفتقد في الحقيقة إلى إمكانية الهيمنة وتحديدا" على المستوى الاقتصادي ، وتجلى هذا بعدم إنجاز مشروع اقتصادي واضح (رأسمالي ، إشتراكي ..) على مدار عدة عقود .... ولكن سياسيا" فإن هذه السلطة تقوم بفعل السيطرة الأمنية بغطاء إيديولوجي ....وبما أننا نخضع لحكم استثنائي وهو لا يعتبر نموذجا" أو شكلا" طبيعيا" لشكل السيطرة السياسية في السياق العام ، فهي إذا" تعبيرا" عن أشكال سيطرة سياسية خارج إطار السياق العام للتطور الطبيعي للأشكال السياسية ، ومع إمكانية محافظة سلطة سياسية على أدوات السيطرة المتنوعة فإن آفاق تطورها تبقى مسدودة لعدم إمكانية استمرار هذه النظم في أشكال السيطرة الراهنة لأنها متنافية مع الأشكال العامة لسيطرة السياسية ، ولعدم قدرتها على السيطرة السياسية بأشكالها الطبيعية لأنها تفتقد إلى الشرعية لوجودها ، والذي يفترض أن يكون مؤسس على الاعتراف الشعبي ، وتتناقض مع بنيتها الداخلية المتناقضة والمتشظية بحد ذاتها . _ إذا كنا نستطيع إقامة الفصل نظريا" بين السلطة والدولة، فهل باستطاعتنا إقامة الفصل بين السلطة والمؤسسات ؟ قد يكون هذا التساؤل واردا" في بلداننا ولكن على المستوى العام للتطور البشري وللبلدان المتقدمة بشكل خاص فإن هذا التساؤل تم تجاوزه بفعل التطور الطبيعي والتاريخي في أغلب البلدان المتقدمة بتجاربها عن كافة البلدان منطقتنا ، وأسست نظما" سياسية تعبر عن ميول التطور العام لمجتمعاتها ، بحيث لا تتماهى مؤسساتها مع هذه السلطات ، بل تبقى على درجات معينة من التمايز القائم على الفصل بين السلطات . وبالمقابل فإننا نعاني من أزمة حقيقية تتجلى في هيمنة وحيدة الجانب وتتمثل في هيمنة السلطة التنفيذية على باقي السلطات . هذا من ناحية ، ومن ناحية اخرى من السلطة التي تقوم عليها مجموعة أو فئات محددة لا تخضع إلى أية سلطة فهي بذلك خارج مجال مفاعيل كافة السلطات المعرفة اجتماعيا" . فتطور هذه المؤسسات مرهون بآفاق تطور السلطة السياسية المسيطرة . وعجزها عن ممارسة دورها الحقيقي والطبيعي يكمن في كونها لا تعبر عن الفئات الاجتماعية التي تمثلهم ، بل لا تعدو أن تكون أداة سلطوية وأيديولوجية لممارسة فعل السيطرة المشوه في الجوهر . وبذلك يمكننا القول بأن نظمنا السياسية تقوم بفعل احتجاز فعلي لتطور المؤسسات. مما يدلل بأن المؤسسات والمجتمع عموما" يقعان تحت فعل إعاقة للّتطور الطبيعي ، مما يؤدي بشكل آلي وتلقائي إلى احتجاز تطور مفاعيل المجتمع ، ولذلك فإن أولى درجات التطور الطبيعي لمجتمع يقوم على المؤسسات هي كسر حلقة الإحتكار والهيمنة السائدة على المؤسسات المدنية ، ونزع الغطاء الإيديولوجي لتتحول المؤسسات المعنية في سياق وإطار عملها المتخصص والهادف إلى تمثيل حقيقي للفئات الإجتماعية صاحبة المصلحة والدفاع عن مصالحهم ، وذلك في إطار توجهات تهدف إلى إرساء وتنظيم مؤسساتي فاعل لا تنطوي تحت أي غطاء أيديولوجي سلطوي ، ويعمل على كسر هيمنة النظم السلطوية على كافة المؤسسات . إن هذا العمل ينطوي على كثير من النتائج السلبية والإيجابية معا". سلبية على نظم سياسية كان استقرارها يقوم في أحدى مرتكزا ته على تحويل المؤسسات الإجتماعية إلى عوامل تدعم استقراره من خلال ممارسة وعي اجتماعي مضلل وربط هذه المؤسسات بسياسات السلطة القائمة ، ولذلك فإن تحويل هذه المؤسسات بآليات عملها الحالية إلى آليات عمل تقطع مع هذه النظم لتحقيق مصالح إجتماعية ، سياسية ، اقتصادية ، لفئات مهمشة ومفقرة يخفف من حدة الهيمنة للسلطات القائمة ، وبالضرورة فإن هذا التغيير لا يكون واضح المعالم وحقيقي إلا إذا كان محايثا" ومتضمَنا" في إطار وسياق تغيير اجتماعي عام وسياسي بشكل خاص في مجتمعات تخضع إلى نظم شمولية . ويجب أن ننتبه هنا إلى أن ضرورة هذا التحول يفترضه ويفرضه مجموع التحولات الاقتصادية التي تنزع بميولها الواضحة في تبني سياسات اقتصادية ليبرالية ، وبالضرورة يجب التنويه بأن الليبرالية الاقتصادية لا تتوافق مع هيمنة السلطات السياسية على المؤسسات كما هو سائد في مجتمعاتنا ، بل تستوجب إطلاق حرية كافة المؤسسات الإجتماعية ، ليكون لها الدور الفاعل في التخفيف من حدة الصراع بين الاستثمارات الخاصة ، وما تخلقه من تناقضات إجتماعية ، لتخفيف من حدة الاستغلال في القطاعات الخاصة وإن الفصل القائم بين المؤسسة السلطوية والمؤسسات الإجتماعية في الكثير من البلدان المتقدمة، إذا لم نقل كافة البلدان بإستثناء بلداننا ، كان نتيجة صراعات سياسية طويلة قادها العمال في البلدان الرأسمالية .ويجب التنويه إلى ضرورة المحافظة على دور أساسي للدولة في إطار ضبطها لهذه الاستثمارات ولحركة الرساميل المكونة . والتي تؤسس لمركزة الرساميل والاحتكارات ، إضافة إلى جانب مهم وهو إبقاء سيطرة دولة ( المؤسسات ) على القطاعات الأساسية . أما الجانب الإيجابي في هذا التحول فإنه سيكون في نسبة محددة منه لصالح الفئات الاجتماعية التي سيتم تحرير طاقاتها في مواجهة الظروف المستجدة وآفاق التطور المستقبلي ، وتحديدا" إذا قلنا بأنه من الصعب العمل في إطار وسياق سياسات ليبرالية اقتصادية ، والبقاء على أشكال وسياسات وممارسات تؤبد الأشكال القائمة ، لأنه وكما نعلم أن المستوى الاقتصادي في العموم له الدور المحدد للمستوى السياسي في أشكال ممارسته المختلفة . ويضاف إلى هذا أيضا" بأنه من غير الممكن المحافظة على بقاء وتأبيد هيمنة أشكال سياسية تقوم بلإنغلاق على الذات تحت ذرائع مختلفة ، في ظل متغيرات دولية تنحو بتجاه الليبرالية ، ولذلك يفرض الميل العام على المستوى الدولي الإسراع في صياغة سياسات تعمل على مواجهة الواقع الدولي ، والأشكال السياسية القائمة ( سياسية ، اقتصادية ) لتخفيف من حدة التناقضات المتوقع حدوثها مستقبلا" ، والتي تفترض العمل على المساهمة في تشكيل المناخ الجديد ، والذي يكمن في تحرير الطاقات المجتمعية ،والتأسيس لمجتمع المؤسسات المستقلة ضمن استراتيجية واضحة المعالم.
6_ الهيمنة الأيديولوجية : ـــــــــــــــــــ يندرج تحت مفهوم الإيديولوجيا الكثير من المعارف الإنسانية المتحولة إلى أشكال من الإيديولوجيا ، والتي كان لها دورا" مؤثرا" على مسار تطور الإنسان بشكل عام ، ولا يمكننا أن نستثني شعبا"لم يخضع في سيرورة تطوره إلى هيمنة أيديولوجية، ولا يمكننا فصل الإيديولوجيا بكونها منظومة معرفية ، يقوم على أساسها تحليل معظم الظواهر والوقائع الإجتماعية .. في محاولة لإخضاع السياق الواقع ، والعام للتطور وتطويعه للمنظومة الأيديولوجية السائدة. إن المفاهيم المعرفية ، وأدواتها التحليلية في بداياتها تتشكل كفكر منفتح جديد ومتجدد وثوري على القيم والمفاهيم المعاصرة لظهوره في بداياته الأولى ( دينيا" ، علميا".. ) ولكن تصبح الفروق واضحة وكبيرة بين اللحظة الأولى لبداية تشكل المنظومة المعرفية المحددة وبين اللحظة الراهنة في سياق تطور الفكر النظري وتحديدا"عند امتلاكه السلطة و الأدوات المادية للسيطرة ،أو في حال تجاوز التطورات الإجتماعية بمساراتها العامة المنظومة المعرفية المعنية فتتحولا" بذلك إلى منظومة معرفية مغلقة لا تستجيب لمعطيات التطور ، والارتقاء الاجتماعي ، تتحول آنئذٍ المفاهيم المعرفية المكونة للمنظومة المعرفية إلى تابوات جامدة غير قابلة لتغيير والتطور ، ومتحولة أيضا"إلى عوامل معيقة لعوامل التطور على المستويات الفكرية والسياسية ...، ولهذا يمكننا القول بأن الوعي في بديات تكونه الأولى يكون له وظائف محددة بدلالة معرفة المحيط الإجتماعي، وللإجابة عن التساؤلات والإشكاليات المرهقة للتفكير الإنساني ، وعندما يعجز الوعي البشري عن الإجابة عن بعض التساؤلات ، وتحديدا" المسائل الكبرى ( الوجود ، الكون ، الله ...) نلاحظ أنه يبدأ في مسيرة خضوعه إلى القوى الخارجية، لتتحول لاحقا" إلى قوى ضاغطة ومخيفة تسيطر على آفاق تطوره المعرفي . وليصار إلى تحويلها إلى قوة مطلقة خارجة عن نطاق الإرادة الإنسانية ، ومعلوم بأن الإنسان بالشكل العام يميل بطبيعته إلى الركون للمطلق ، والاعتراف بالمطلق في بدايات الوعي الأولى ، وإذا افتقد الإنسان في حياته للمطلق فإنه يحول النسبي إلى مطلق ، وكأنه محكوم في سياق تطوره إلى سيطرة المطلق المادي أو الغيبي . وهنا تكمن الأزمة الإشكالية . وإذا كانت البشرية في لحظات تكون معارفها الأولى قد خضعت إلى سيطرة الطبيعة باعتبارها القوة المطلقة التي لايمكن التحكم بها ، وبالتالي يفترض الخضوع لها ، وإيجاد سبل لتقرب منها بوسائل وأشكال مختلفة تلافيا" لمخاطرها . نلاحظ هنا بأن فكرة ( الخلق ، الخالق ) وحقيقة وجود قوة ما ورائية يخضع الكون لها ليتحول المطلق إلى القوة الغيبية الوحيدة المهيمنة من خلال تكريس هيمنة وعي ديني ( أرضي أو سماوي ) وقد تكون المفارقة بأن كافة المعارف البشرية بأشكالها المختلفة في بدايات تشكلها كانت تجيب على الكثير من التساؤلات الملحة حينذاك ، ولكن مع التطور الاجتماعي العام ، ومع تفتح الآفاق المعرفية توضع المنظومات المعرفية في موقع المسائلة و لعدم قدرتها على الاستجابة للواقع ، ولعجزها عن تجاوز إشكالياته تتحول إلى فعل إعاقة ، وعلى هذا يمكننا أن نقول بأن صيرورة التطور المعرفي والفلسفي للفكر الإنساني تتجاوز المعارف البشرية المعيقة للتطور الإنساني بتحولها إلى ( معارف مغلقة ، ومفاهيم إيديولوجية ) لاترى الواقع إلا من خلال منظورها الأحادي ، وإخضاع السياق العام للتطور لهذه المفاهيم . وهنا تكمن الخطورة الحقيقية للفكر المتحول إلى أيديولوجيا دوغمائية . وبطبيعة الحال عندما نقول بمفهوم الإيديولوجيا وهيمنتها ، لا نحدد أيديولوجيا بعينها ، بل كافة أشكال المعارف والمنظومات المعرفية المتحولة إلى أيديولوجيا مغلقة لا تتواكب مع التطورات الحاصلة وغير قادرة عن الإجابة عن تساؤلات المرحلة الراهنة . وكما أسلفنا سابقا" نعود لنؤكد بأن البشرية خضعت في سيرورة تطورها إلى أيديولوجيات متعددة . ولكن هل الهيمنة الأيديولوجية أمر مفروغ منه ، وقدر البشرية الخضوع لأحد أشكالها ؟. من الملاحظ بأن الإنسان في سياق تطور المجتمعات المتطورة قد تجاوز ( أقام قطعا" معرفيا" مع الفكر الغيبي ) إشكالية الخضوع للفكر الديني بكونه المحدد النهائي للتحليل ، ولايعني هذا بالضرورة تجاوز كافة الأفراد في المجتمع الفكر الديني ( الإيديولوجيا الدينية وأيديولوجيات أخرى )، لأن ذلك يعود إلى الواقع الموضوعي لكل مجتمع بعينه ، وإلى مستوى تطور الأفراد بشكل خاص ، وإلى مستوى التطور العام الذي وصل إليه المجتمع بشكل عام ، لنرى بشكل واضح بأن الكثير من الشرائح والفئات الإجتماعية في بلد متطور مازالت تخضع في آليات تفكيرها ، وممارستها إلى أساسيات الفكر الديني . بالمقابل نرى فئات وشرائح وأفراد في المجتمعات المتخلفة قد أقاموا الحد في آليات تفكيرهم ونمط حياتهم مع المفاهيم الدينية ، وأقاموا قطيعة معرفية مع الفكر الفلسفي والديني المؤدلج ، وبالتالي فإنه يجب القول بأن هذا الموضوع وما يرتبط به يخضع إلى النسبية في التحليل ، بمعنى أنه لايمكن لمجتمع ما أن يتجاوز بمجمله الفكر الديني ، متحولا"فقط إلى معتقدات فردية خاصة يتعامل بها الإنسان بعيدا" عن الممارسةالإجتماعيةو السياسية المحددة للتطور ، ومن دون أن تفرض هيمنتها لتكون محددة لآليات الوعي العام وتطوره ، لتبقى في سياق طقوس وشعائر وممارسات تأخذ الطابع الذاتي للإنسان . وبالتالي فإن إقامة الحد ، وإقامة القطيعة البستمولوجية مع المفاهيم الماضوية المعيقة للتطور تقع على عاتق المفكرين اللذين بدورهم يساهمون بنشر معارف لها دورا"أساسيا" في تشكيل الوعي المناقض للأفكار والمفاهيم المشكلة للأيدولوجيا والمترافق بطبيعة الحال مع سياق التطور العام للمجتمع . وعلى هذا الأساس يمكننا تحديد الأهمية الكبرى للثورات المعرفية والعلمية ، والتي أقامت القطيعة المعرفية مع الماضي المعرفي المؤدلج، والتي كان من خلالها ، وبناء" عليها يتم صياغة آليات الممارسة بأشكالها العامة ، والتي أسست للتغيرات الحقيقة في المفاهيم العامة للقاع الاجتماعي ، والتي من خلالها تم نسف جملة من المفاهيم المصمتة التي لاتقبل الجدل والحوار حولها . إضافة إلى المفاهيم الأساسية للبنى المشكلة للبناء الفوقي ، وهذا ما نلحظه في تبدل المنظومات المعرفية المتحولة إلى منظومات معرفية تقوم على العلم ، والعلمانية المتجاوزة لكافة أشكال ومستويات الممارسة النظرية في التأسيس للمجتمعات . ولهذا نلحظ أهمية القطع المعرفي المتجاوز للبنى المعرفية السلفية لإعادة بناء" منظومات معرفية جديدة قائمة على النقض العلمي للسلفية بكافة أشكالها ومستوياتها ، والتي أصبحت تشكل عوامل إعاقة لتطور الفكر الإنساني ، والمجتمعات البشرية بشكل عام ، وبناء مفاهيم ومقولات ومنظومات معرفية محددها الأساسي العلم ، ومصلحة الإنسان لذاته . إذا كنا عرضنا آنفا" ضرورة وأهمية تجاوز هيمنة الأيدولوجيا السلفية والدينية بشكل خاص على المفاصل الأساسية لسياق التطور الإنساني ، وصولا" إلى إلغاء هيمنتها على التوجهات الأساسية المحددة للتطور ، والمبنية والمترافقة بالضرورة مع إمكانيات التطور الإنساني المفتوح . فإن هذا لايعني بالمطلق تغييب منظومات معرفية هامة كان لها دورا" أساسيا" في رسم صيرورة وتطور الإنسانية ، سواء" فشلت هذه المنظومات في صياغة مشاريعها أو حالفها النجاح . المهم هو أن المنظومات المعرفية التي أرست وأسست لممارسات تعتمد وتقوم على أدوات معرفية وسياسية محددة مازلت المرحلة الراهنة تفترضها ؟ بمعنى آخر : إذا كانت المنظومات المعرفية الما ورائية لم تعد تستجب لضرورة ومقتضيات العصر رغم هيمنتها على مساحات زمنية طويلة لكنها مازالت تفرض وجودها على مساحة مهمة من التفكير الإنساني ، وممارساته وآليات تعاطيه مع الواقع ، لكنها وبحكم التطور الإنساني أصبحت أو كادت تصبح ميولا" متنحية أمام تطور الفكر الإنساني ، وامتلاكه لأشكال وعي متطور ، يقوم على التحليل العلمي للظواهر بشكلها العام ، من دون أن يعني هذا عدم إمكانية التعايش المتجاور والمتداخل لأشكال التفكير المتباين والمتناقض أحيانا" . إن المجتمعات البشرية في سياق تطورها العام لم تقف عند حاجز التفكير الغيبي بل تجاوزته بإجراء قطيعة بستمولوجية تقوم على النقض المعرفي للفكر القروسطي ، ويختلف مستوى وعمق هذا القطع بين مجتمع وآخر ، متناسبا" مع مستوى عمق التأسيس النظري والفلسفي والمعرفة العلمية من ناحية ، ومع مستوى التطور التقني الذي يؤسس بدوره إلى مجتمعات تختلف بشكل كبير عن المجتمعات الماقبل صناعية ، إضافة إلى عامل مهم يتمحور حول أشكال النظم السياسية المسيطرة ، ومدى مساهمة الفرد في الحياة السياسية ..... بينما نرى أن بعض المجتمعات ومنها المجتمعات العربية مازالت تعيش حالة من التعايش المركب بين مستويات وأشكال من الوعي المختلفة ، والمتناقضة ، مترافقا" مع ارتكاس المشروع التنموي رغم أن حالات معينة من التعايش الإثنوغرافي ضمن المجتمعات تعكس الغنى الاجتماعي وتنوعه ، في إطار التطور المتنامي للمجتمعات ، لكن في حالات إنحكام الحاضر واحتجازه لمنظومة معرفية ماضوية تستلزم بالضرورة أدواتها المعرفية ، فإنها تتحول إلى أزمة حقيقية ، وتتفاقم بتكريسها فعليا" في الممارسة السياسية للسلطات السياسية الشمولية، وبالتالي فإن إحدى المهمات المعرفية الأساسية لعاملين في الحقل المعرفي هو التأسيس لمعرفة علمية تقوم على نقد ونقض الفكر السلفي . ولايعني هذا بالمطلق بأن القاع الاجتماعي الذي يعتمد آليات تفكير مغلقة نسبيا" سوف يقطع مع منظومته المعرفية ، ولكن بالضرورة سيتم التأثير والتغيير الطارئ على المنظومة المعرفية بشكل تراكمي ، في هذه الحالة سوف يتم التأسيس بناء" على آليات عمل معرفية مختلفة في تعاطيها مع الإشكاليات المختلفة بمنظومات وآليات وأدوات معرفية مؤسسة على وعي علماني . وكما أسلفنا فإن هذه المهمة ليست المهمة الوحيدة بل تواجهنا مهمات اخرى ، لكون الهيمنة الأيديولوجية لا تنحصر فقط في شكلها الديني بل تتعداها إلى أشكال من الهيمنة المختلفة ، تأسست وفق قواعد وبنى معرفية علمانية متمثلة في الفكر القومي الذي تمظهر بأشكال مختلفة . ولقد مر الفكر القومي في انعكاساته على بعض المجتمعات بنتائج إيجابية ، وذلك لضرورة المستوى القومي في الممارسة السياسية ، والتصنيع الذي يؤسس في بداياته إلى الوحدات القومية ويسعى إليها ، ولنا في التجارب الأوربية والغربية بشكل عام بعض النماذج التي يمكننا الوقوف عليها . لقد نشأت الدول القومية وتطورت مستغرقة مساحة زمنية طويلة ، لكن في اللحظة الراهنة فأنه من الملاحظ بأن المفاعيل القومية وميولها العامة والأساسية وتحديدا" في البلدان المتطورة ، آخذةً بالتراجع ، والتي مثلت وعبرت عن مرحلة متقدمة وثورية بالقياس إلى المرحلة الإقطاعية. أما الآن فإنها لم تعد تستجب لمتطلبات المرحلة الراهنة ، وإلى ضرورات التطور العالمي بمستوياته المختلفة ، وتحديدا" على المستويات الاقتصادية ، والذي تتجلى فيها سيطرة رأس المال متمظهرة" كقوة عالمية معولمة.بطبيعة الحال فإن هذا التطور كان مترافقا" بتطور ونموٍ معرفي متناسب ومتحالف مع معظم مراحل التطور التي عايشتها تلك المجتمعات من دون أن يعني عدم وجود الصراعات الداخلية والبينية بأشكالها الإثنية والمذهبية والسياسية ...لكن و بنتائج تطورها العامة فإنها حققت مستويات متقدمة من التطور الاجتماعي بكافة أبعاده ومستوياته أما في مجتمعاتنا العربية فإن وقائع تطورها في السياق العام ، وفي مراحله المختلفة فإنها لم تعرف السياق الطبيعي للتطور ، ولذلك نرى بأن سياق التطور بشكله العام لم ينجز قطعا" معرفيا" ، ولم يستطع أن يفتح آفاقا" حقيقية للتطور الطبيعي ، وتحديدا" على مستوى أنماط الإنتاج الاقتصادية ، وذلك لعجز وأزمة تعود إلى بنية الفئات البرجوازية المتحكمة في القرار السياسي ، والتي أدت على مستوى النتائج الاجتماعية بتفاصيلها المختلفة ، وبفعل تحكّم سلطات سياسية تتجدد وتجدد سيطرتها بفعل التعايش السلبي لأفراد المجتمع ، وعلى أساس استقرار اجتماعي مؤسس على القمع ، وبفعل إنحكام المجتمعات العربية بشكل عام إلى نظم سياسية استبدادية ( شمولية ) تتباين بأشكال ومظاهر تختلف في بعض الجزئيات ، والمتطاولة على مدار قرون من الزمن وليس عقود . ( يجب الانتباه فقط لاختلاف أشكال السلطات السياسية وتمظهراتها المختلفة ، مع بقاء المضمون على حاله بشكل عام ولكن قد يطرأ عليه بعض المتغيرات السطحية ...) فإنها أسست إلى مجتمعات راكدة ومتعايشة على الانقسام التناقضي . أن مجتمعا" يعتمد نظامه السياسي على الديمقراطية في تسيير شؤونه الداخلية وتجاوز إشكالياته المحلية ، يكون التنوع الإثنوغرافي فيه تعبيرا" عن الغنى الإجتماعي المبني على التعايش السلمي . وتتحول إلى واقع سلبي ذو نتائج كارثية في حال اعتماد الفئات السياسية الحاكمة على ممارسة سياسية تقوم على الإحتكار والاحتواء والتغييب لفئة إجتماعية أو لفئات .. ليتحول في لحظة معينة إلى بركان موقوت قابل للانفجار في أي لحظة . لقد تأسست المشاريع القومية في المنطقة العربية مستفيدة" من الشروط الدولية القائمة على الثنائية القطبية في محاولة لبناء مشروع تنموي عربي ، ولكن ولأسباب كثيرة فشلت معظم المشاريع العربية رغم توفر الشروط والمناخات المناسبة في أواسط القرن العشرين لبناء وتطوير مثل هذه النماذج القومية ... لكن يجب التأكيد هنا بأنه ليس المقصود البحث في المشاريع القومية على المستوى الاقتصادي، لكن المقصود البحث في أشكال الهيمنة المعرفية ، والتي اتخذت الطابع القومي ، والتي أنتجت أوربيا" بلدانا" متطورة ومتجاوزة حتى لأشكال الوعي القومي ، ولكن في بلدان المشرق العربي ، فإن الوقائع وصيرورة تطورها اختلفت كليا" .فإنه بفعل الاستعمار تأسست الحركات والقوى القومية ( من ضمن القوى السياسيةالاخرى الموجودة) على امتداد البلدان المستعمرة ، وبعد الاستقلال الناتج عن المقاومة المحلية ، وبفعل التناقضات والصراعات الدولية ثانيا" . لم نشهد تأسيس وحدات ما فوق وطنية ، تتجاوز الفهم الوطني ، بل تأسست بلدانا" ومجتمعات تستقر وتستمر على التناقض بين نزوع وميول فكرية قومية ( مؤد لجة ) وممارسة سياسية قطرية . بمعنى أنه تم تكريس فكر التجزئة التي أسست لها الدول المحتلة في منطقتنا ، ولذلك نلاحظ بأن الفكر القومي بأحزابه وتياراته المتنوعة كرس واقعيا" الانقسام العربي ولم يستطع إنجاز مشروعه القومي . إضافة إلى ذلك فإن السلطات السياسية الممثلة لتيارات قومية تماهت مع النظم السوفيتية والأوربية الشرقية مستفيدة من أشكالا" محددة للسيطرة السياسية الشمولية ، ولذلك فإننا نلاحظ بأنه ومع تزايد وتيرة التخلف عن التطور العالي بالنسبة لبلداننا ومجتمعاتنا ، ومع تزايد وتيرة وحدة الانقسامات المحلية والقومية فإن وتيرة الخطاب القومي تتزايد لدى بعض التيارات القومية دون الانتباه إلى نقطة مهمة تؤشر إلى إن حدة الانقسامات والاختلافات البينية قد وصلت إلى درجة غير قابلة إلى التوحيد ، وبذلك فإن البقاء والتأكيد المستمر على الشعارات القومية لايعني أبدا" بأن صيرورة تطورنا تقودنا إلى التوحيد القومي ، بل من الملاحظ بأن الميول العامة للتطور تنحو بتجاه التكتلات الإقليمية ( إفريقية ، خليجية ، شرق أوسطية ..) . ومع أهمية وضرورة إنجاز مشروع التوحيد القومي ، لكنه ومع تغير المناخات العامة ،وبعد كل التراجعات والإنكسارات التي واجهت المشروع القومي العربي فإنها تحولت إلى مجرد خطاب مفرغ من محتواه ، ولايعني ما يتضمنه من أقوال ، بل يتناقض مع مضمونه ، متحولا" إلى عامل إعاقة لتطور في البنى الوطنية التي أسست في الخطاب السياسي القومي إلى نواة للمشاريع القومية ، وبالتالي فإنها لم تحقق المشروع القومي ، وفشلت في إنجاز المشروع الوطني . وفي ظل المناخ العام تحول الخطاب القومي إلى جملة من الشعارات التي لا تعني مضمونها ، بل إن سياق تطور الفكر القومي الذي يتجسد عيانيا" ، وبشكل ملموس يتمظهر بأشكال تتناقض مع مضمون وجوهر الفكر القومي ذاته ويعود هذا التناقض ليس إلى جملة التناقضات في مضمون هذا الفكر وفي جوهره ، بل أيضا" في سياق تطوره العام الذي يتجاوز أشكال التفكير القومي بمضامينه المختلفة ، وبمجموع تجاربه المتعددة ، وهذا لايعني بالضرورة انتفاء الظواهر القومية ، والعمل على تطويرها سواء على مستوى التنسيق السياسي أو على صعيد إنجاز التكتلات الاقتصادية ، وأيضا" لايعني تهديم التجارب ذات السمة القومية التي حققت نسبيا" بعض النجاحات، لكن الإشكالية الأهم هي في إمكانية تبني الخطاب القومي المؤسس على فكرة التوحيد الجغرافي ، والمبني على بعض المقومات والسمات( التاريخ المشترك، اللغة ، الأرض ....) ومع أهمية هذه العوامل في البناء القومي ، لكن في سياق التطور التاريخي ، فإن الممارسة السياسية للسلطات المحلية ، مازلت ترى بأن التاريخ يتمحور حول ذاتها ، وأيضا" السياسيات التبعية التي مورست على مجموع بلداننا ( اقتصاديا" ) وممارسة سياسة الاحتواء لنظمنا السياسية من الخارج ، والتماثل الإقتصادي المتخلف بين البلدان العربية ، والفوارق والتباينات الاقتصادية بين البلدان الزراعية والصناعية وبين البلدان النفطية إضافة إلى الممارسة السياسة للنظم ذات النزوع القومي والتي تعتمد المشروعية الثورية ، وتؤسس لرؤية قطرية ، ذاتية ، محلّوية ، بمعنى أن المشاريع القومية في المنطقة العربية تقوم على التناقض بين تبني الفكر القومي واعتماد ممارسة سياسية قطرية من مخلفات المرحلة الاستعمارية ، مما زاد من شقة التباعد بين الدول العربية ، مما يؤكد بأن الممارسة السياسية للنظم العربية الحاكمة كانت وما زالت تعمل بما يتناقض مع مضمون الخطاب القومي ، والمتحول بممارسته السياسية إلى مجموعة من الشعارات الدعائية للحصول على المشروعية المحلية والقومية ، وهذا يقودنا إلى التأكيد على أهمية عاملين أساسيين يكونان بمثابة الضامن للعمل بالفكر القومي كمشروع إستراتيجي ، ويكون له الدور المخفف من حدة التناقض والاستقطاب على المستوى الدولي في مواجهة الفجوة الحضارية والتكنولوجية والتقنية ، بين مجموع البلدان العربية ، والبلدان الغربية ، والذي يفترض العمل على تأسيس بنى اقتصادية إقليمية تقوم على أساس التكامل المتبادل ، والذي يساهم في قيام التكتلات الاقتصادية للرأسمال بنوعية الخاص ( الفردي والخاص ) والرأسمال الدولي ... ـ العمل على البدء لتغيير الخارطة السياسية الحالية للانتقال من النظم الشمولية إلى نظم سياسية تعتمد الديمقراطية القائمة على المشاركة المفتوحة بمستوياتها السياسية والاقتصادية ، بعيدا" عن الأشكال الأيديولوجية الدوغمائية التي تحولت إلى عوامل إعاقة وكبح حقيقية في سيرورة التطور . هذا يؤكد بأن الأزمة ليست في فكرة العمل القومي فقط ، بل في الأشكال التي تم على أساسها بناء الممارسة القومية ، وهذا يقودنا إلى ضرورة العمل على صياغة رؤية مشتركة ، لأشكال عمل مشتركة ، تنطلق من الذات الفردية ، وبالضرورة فإن هذا يفترض بأن الدول القومية بأشكالها الحالية تخضع إلى تحولات جدية ، وصلت لحالة من التشظي والانكسار لمشاريعها ، وبناء عليه يجب العمل على تأسيس ، أو البدء في تأسيس أشكال جديدة تعتمد بصورة رئيسية على الإنسان الفرد ، الفاعل في المشروع المؤسس على الحياة الفردية والعامة القائمة على سيادة الحريات السياسية والحريات العامة . ولايعني هذا إن مجتمعاتنا لن تعيش مخاض ولادة جديدة ، بل وتأكيدا" على هذا فإننا سنواجه الكثير من المصاعب والأزمات لإعادة بلداننا إلى سياق التطور الطبيعي المترابط مع الميول العامة، والمعبرة بنفس الوقت عن ذاتنا الإنسانية ، والإجتماعية ، والتي يقع عليها عبئ إعادة البنى الجديدة ، وفق رؤى واستراتيجيات جديدة تقوم على بناء المشروع الديمقراطي ( الاجتماعي والسياسي ) . _ وبالعودة إلى المضمون الأساسي لسياق النص، فإننا نلاحظ بأن تشابها" وترابطا" موضوعيا" تجسد فعليا" في الممارسة السياسية للنظم السياسية الراهنة ، وبرامج الأحزاب المعارضة متمظهرا" بالتماهي في الهيمنة الأيديولوجية ( القومية العربية ، والشيوعية ذات الميول القومية ) نؤكد هنا بأننا لانعني بالأيديولوجياالمضمون الفكري للمنظومة المعرفية المحددة ، والتي كان لها في سياق التطور التاريخي أدوارا" راديكالية في مراحل تاريخية معينة ، بل المقصود بالضبط اللحظة التاريخية التي تتحول فيها المنظومة المعرفية إلى وعي عقائدي متحولا" إلى عقيدة مقدسة لا تتوافق مع مجريات التطور الموضوعي بأبعاده المختلفة والمتنوعة ، وبنفس الوقت يعمل على تكريس الوعي الزائف للواقع البعيد والمبتعد بنفس الوقت عن التحليل العلمي وآليات الممارسة المنهجية الموضوعية والعلمية مما يؤدي إلى تحويلها إلى عوامل مثبطة لسياق التطور الموضوعي للمجتمع . وبالتالي فإن بإمكاننا الخلوص إلى أن المرحلة الراهنة لاتحتمل ، ولا تستغرق في مضمونها أيديولوجيات شمولية كان لها الدور المسيطر والمهيمن في مراحل تاريخية سابقة أدت في سياق تطورها إلى نتائج سلبية ومدمرة للبنى الإجتماعية ، متضافرا" فيها البعدين الذاتي والموضوعي ، وعلى المستويين المحلي والدولي بفعل تناقض الميول السياسية والاقتصادية المختلفة ، والقائمة على التناقض بين نظم شمولية ، ونظم ليبرالية.. وصولا" إلى المضمون الفعلي للواقع الراهن الذي يدلل على أن السياق العام للتطور الراهن بميوله المختلفة والمتفاوتة ، يقوم على الانفتاح العالمي القائم على التبادل الحر ، والمبني أساسا" على الحرية المتزايدة لرأس المال ،كسلطة باتت مهددة لأشكال السيطرة السياسية الراهنة ، والذي يقود بفعل هذه الحرية لرأس المال القائم على المستوى الفائق لتطور التكنولوجي والتقني إلى زيادة حدة الاستقطاب العالمي ، وزيادة حدة الإحتكار ، وتمركز الرساميل في مراكز محددة من العالم ، وهذا يعني بالضرورة أن أشكال المواجهة الحقيقية لهيمنة رأس المال ، سيكون على المستوى الكوني ، والذي يفترضه ويرسّخه تزايد حدة الاستقطاب والاحتكار العالمي ، والذي يفترض بالضرورة توسع قاعدة قطب الشعوب المفقّرة في مواجهة مخاطر رأس المال المعولم . هذا يقودنا كما نلاحظ للانتقال إلى ضرورة صياغة استراتيجية تقوم على بعدين أساسيين، هما المستوى السياسي والمستوى الاقتصادي. بعيدا" عن هيمنة المستوى الأيديولوجي بوعيه الزائف . ويؤكد هذه الحالة الانهيار لأشكال الدولة التي كانت تقوم على الفهم الأيديولوجي ( القومي ، الشيوعي ، الديني ) مما يقودنا إلى التفكير بأن المرحلة المقبلة تفترض وعيا" سياسيا" مختلفا" يقوم على نهج وممارسة سياسية ومدنية موضوعية ،( بعيدة عن الفهم والإدراك المقدس الذي لا يقبل النقد أيا" كانت انتماءات هذا الفكر ) شريطة أن يكون متوافقا" مع الميول العامة للتطور والتي يكمن عمادها الأساسي في الإنسان الحر ، والمنعتق من كافة القيود المحددة والمؤطرة لممارسته السياسية والنظرية . من دون أن يعني هذا الانفلات والتحلل من الراوبط الضابطة ، بل يعني إعادة تشكيل الإنسان والذات الإنسانية المتحررة من الدوغمائية السابقة ، وصولا" إلى تشكل جديد للفكر والذات ، يقوم على البناء والمشاركة المجتمعية القائمة بشكل أساسي على مصلحة الإنسان المجتمعي في سياق سيرورة تطور المجتمع الطبيعي ، الذي تتمحور ركائزه الأساسية حول الفرد المتحرر والمسؤول أمام القانون ، والمشارك بوصفه يتمتع بحقوق المواطنة الكاملة من موقعه ككائن إنساني ذو قيمة مطلقة في تأسيس القانون وإلى ما هنالك من قضايا تتعلق بحياة المواطن في مجتمعه . ومن الضروري في هذا السياق التأكيد على أهمية الإنسان بكونه ذاتا" مطلقة القيمة للانتقال من مفهوم الإنسان بذاته إلى مفهوم الإنسان لذاته ، ولا نرى في الحقيقة تناقضا" في أن العمل السياسي يتمحور حول آليات الممارسة السياسية للفرد الممثل في فئة اجتماعية معينة ، وبالتالي في طبقة اجتماعية تستغرق فهما" سياسيا" ونظريا" يكون معبرا" عن مصالح هذه البنية الاجتماعية المتناقضة في مصالحها مع مصالح فئات اجتماعية اخرى بما يتلائم مع الترتيب الاجتماعي الهرمي ، ليُصار إلى الانتقال من مفهوم ( الفئة، الطبقة ، البنية ، ..) بذاتها ، للانتقال إلى حيز تكون فيه المفاهيم السابقة قد انتقلت إلى وعي ذاتها ومصالحها لتكون معبرة عن ذاتها ولذاتها بما يخدم ويؤسس لقيام بناء اجتماعي تقوم البنى الاجتماعية فيه على فكرة محورها الأساسي الإنسان لذاته ، والذي يفترض بالضرورة تجاوز كافة أشكال الممارسات السياسية القائمة على إلغاء أو تغييب الفرد وتذويبه في الكل الاجتماعي العام ـ بمعنى : لنصل إلى التوحيد بمستوياته المختلفة والمتعددة ،يجب الإقرار بالتعدد القائم على الاعتراف بلأنا بكونها نقطة الانطلاق الأساسي ، والتي تم تغيبها في كافة أشكال الممارسات الشمولية بتمظهراتها الوطنية والقومية ، والتي تأسست على منظومات معرفية مختلفة ، تحولت في نهاية المطاف إلى أيديولوجيا مغلقة بأشكالها الدينية والقومية والشيوعية ، والتي أسست بالفعل إلى غياب الفرد ، وذوبانه في الكل الجمعي الخاضع إلى فهم دوغمائي . والأخطر في هذه النقطة هو عندما يتشكل الإنسان في ظل تشابك وترابط هذه الأشكال المختلفة ، ليتمظهر كإنسان متناقض في منظومته الإعتقادية التي تقوم على تعايش الوعي الديني أو الشيوعي بفهم( ستاليني [بكونها تمثل آليات تفكير]) لينتقل حقل الصراع إضافة إلى الحقول الإجتماعية المتخالفة في منظوماتها المعرفية المؤدلجة ، والمتعايشة سلبيا" في الحقل الاجتماعي ، إلى أن يتمحور هذا التناقض في الذات الإنسانية الواحدة ، في الفرد الواحد ليخلق حالة من التشظي والتناقض الداخلي للإنسان ، والمنعكس بشكله العام من الواقع الاجتماعي الموضوعي ، إضافة إلى بقاء هذا الصراع بشكله الأوسع بين البنى الإجتماعية في سياق ممارستها السياسية اليومية . ـ إذا": ما نريد التأكيد عليه ، يتمحور حول نقض الفكر الأيديولوجي المهيمن ، المعيق للتطورالاجتماعي ،والذي يحد من آفاق تطور المعرفة الإنسانية بمحتواها المعاصر ، والمستشرف للمستقبل ، والتأسيس لأشكال من الممارسة النظرية المتوافقة والمعبرة عن الميول العامة للمجتمع ولمصالحه العامة ، وفقا" لمقتضيات التطور المتسارع ، والذي يفترض بأن النقد والنقض هو الخطوة الأولى في سياق انفتاح التطور المجتمعي للعمل على ترسيخ فكر يقوم على أسس علمية جديدة . وبالضرورة فإن سياق التطور التاريخي بمراحله المختلفة والمتعددة ، وبشكله الهابط والصاعد ، هو المعبر الحقيقي عن الإمكانيات الإجتماعية والذاتية ،بناء"على نقطة أساسية ، بأنه لا يوجد شيء أيا" كانت سماته خارج التاريخ ، أو خارج الزمن ، أو خارج نطاقنا الجغرافي يتحكم في التطور البشري ، وتحديدا" عندما ينعتق الإنسان من التابوات والمقدسات المعرفية الكامنة في القاع الاجتماعي والذاكرة الجمعية . لأن الإنسان الحر والمجتمع الحر المقونن على أساس مصلحة الإنسان المتكامل مع الكل الإنساني بكونه المعيار الأساس في نشوء وتشكل وتطور البناء المجتمعي الذي يفترض أشكالا" متجددة تتناسب مع روح اللحظة الراهنة وجوهر وروح العصر. ـ السلطة ومؤسسات المجتمع المدني : ـــــــــــــــــــــــــــــــ قبل الدخول في بحث الترابط العلائقي بين السلطة الممثلة للدولة ، وبين المؤسسات المدنية ، يجب التنويه بأن المقصود بمؤسسات المجتمع المدني هو كافة التشكيلات السياسية والنقابية والحقوقية .... والتي تتوسط العلاقة بين القاع الاجتماعي وبين أجهزة السلطة الممثلة للدولة . لقد شهدت المجتمعات الإنسانية تطورا" للمؤسسات المدنية في سياق تطور تاريخي موضوعي وطبيعي ،و بفعل خضوعها إلى أشكال من النظم السياسية المختلفة ،والمتناقضة ،مما أدى إلى التباين في إدراك مفهوم المجتمع المدني ، بين هذه الأنظمة ( الشمولية و الليبرالية... ) وليعود مفهوم المجتمع المدني لتداول مع نهوض حركة التضامن البولندية ، لتعود معه الخلافات الكامنة حول مفهوم المجتمع المدني ، وعلاقتها بالدولة بناء"على آراء العاملين في الحقل الثقافي بشكل عام، والأكاديمية بشكل خاص ، والموزعة حاليا" حول الماركسيين الذين يرون في غالبيتهم بأن المجتمع المدني هو نتاج المرحلة البرجوازية ، ووجود المجتمع المدني مرتبط بوجود الدولة ( بوصفها جهازا" للقمع الطبقي ) والدولة شكل من أشكال السيطرة الزائلة ،ومع زوال الدولة فإن مؤسسات المجتمع المدني المترافقة في وجودها مع وجود الدولة فإنها زائلة بالضرورة ، إضافة إلى إن بعض الآراء توصّف مؤسسات المجتمع المدني بكونها تساهم في تذرر المجتمع ، خلافا" للهدف الأساس ألا وهو إقامة وتوسيع عمل الأحزاب الشيوعية ، يضاف إلى هذا حاليا" علاقة الناشطين في هيئات ومؤسسات المجتمع المدني وعلاقاتهم بالمؤسسات والهيئات الدولية ، والتي يعتبرها الكثير من الشيوعيون الأرثوذكسيين ملمحا" سلبيا" يشار إليه بتهمة الارتباط والتعامل مع الخارج أما الأطراف الأخرى وهي متنوعة وغالبيتها كانت متواجدة سابقا" في حقول الممارسة السياسية الحزبية، فإن عملها في المستويات المدنية للتأكيد على أهمية مؤسسات المجتمع المدني من ناحية ، وردا" على الممارسات السلطوية ذات الطابع الشمولي لأصحاب الفكر القومي ، والذين قاموا بدمج واضح بين الفرد والدولة ( السلطة ) مغيبين المجتمع والفرد ( وردا" على مفهوم الحزب الواحد ) ، ويتمثل هذا الرد من خلال إعادة دور الهيئات المدنية وتفعيلها بشكل منفصل عن هيمنة أجهزة سلطة الدولة بقدر المستطاع . وقد يرى البعض بأن هكذا أشكال من النشاط تعبر عن ارتكاس في العمل السياسي المباشر نتيجة الكثير من الأسباب الذاتية والموضوعية . إذا" يعود مفهوم المجتمع المدني إلى الصدارة مع بدايات نهاية التجربة السوفيتية ، وردا" على آليات الممارسة الشمولية القائمة على احتكار السلطة ومركزتها . أما عربيا" فإن تصدّر مفهوم المجتمع المدني الحياة السياسية لا يختلف كثيرا" عن أسباب ظهوره في بلدان أوربا الشرقية ، مضافا" إليها إخفاق المشاريع القومية والشيوعية بوجه خاص ، وغياب الدور الوظيفي الإيجابي لمؤسسات الدولة القائمة على الاستبداد والتسلط مماهيا" بين المجتمع المدني والديمقراطية ، والقائم على فصل المؤسسات المدنية عن سلطة الدولة لتكون الوسيط بين القاع الاجتماعي وأجهزة الدولة التسلطية . يمكننا القول بأن الفارق الأساسي بين البلدان الغربية ( المركزية ، والبلدان المندمجة ) والبلدان المتخلفة يكمن أولا"ـ في السياق الطبيعي لتطور مؤسسات المجتمع المدني القائمة على الفصل بين سلطة الدين وسلطة الدولة والفصل أيضا" بين مؤسسات المجتمع المدني وبين السلطة الممثلة للدولة ، بآليات حكمها ونظمها المختلفة ، وانتشار الأحزاب السياسية الغير عقائدية من دون أن نعني عدم وجود بعض الأحزاب العقائدية ( الدينية ، الشيوعية ، القومية ) . وبالتالي عدم وجود ظاهرة احتواء مؤسسات المجتمع المدني من قبل السلطة السياسية في تلك البلدان . أما فيما يخص واقعنا ، وحتى اللحظة الراهنة ،فإن مجتمعاتنا تعاني من إشكالية أساسية ومهمة تتمثل في ترسخ وتجذر ظاهرة ( القمع والإستبداد) بأشكال سياسية و سلطوية مختلفة ، قد يكون أبرزها حاليا" يتمثل في السلطة الشمولية القائمة على حكومات عسكرية تدعم وجودها واستمرار سيطرتها ، بالترابط مع الأجهزة الأمنية القابضة على المفاصل الأساسية للمجتمع والدولة ، إضافة إلى جانب مهم يتمثل في إشكالية إنحكام المجتمع ومؤسسات الدولة إلى سياسية تسلطية وشمولية تقوم على تقديس القائد وتأليهه . واختزال الوطن والمواطنة في شخص واحد يكون المعبر الأوحد عن المجتمع وأهدافه وصيرورته . إذا" وباختصار فإن الحكم الاستبدادي الفردي والشمولي الممتد في عمق التاريخ العربي أسس إلى ظاهرة نعاني منها بشكل واضح تتمثل في سيادة مفهوم الطاعة( الولاء بمفهومه السلبي ) المتماهي في جوانب محددة منه بالتسليم والخنوع المرتبط بغريزة القطيع . وهذه الظاهرة التي قاربها أرسطو ، ومن خلالها وسم بها بلدان الشرق التي يحمل سكانها سمات العبيد ، والتي يمكن أن تبين بأن أهم أسبابها هو امتداد ظاهرة الحكم الإستبدادي في منطقتنا ، والذي يتمظهر حاليا" بأشكال شمولية مستحدثة ، وبأشكال حداثية واستثنائية تتمثل في ظاهرة إحتواء واحتكار مؤسسات المجتمع المدني من قبل الأجهزة السلطوية ، وتحويلها إلى حقول أيديولوجية تخدم تأبيد السلطة السياسية القائمة . وتحويل المؤسسات المدنية بشكل عام من مؤسسات تعمل على خدمة العاملين فيها إلى مجالات عمل تؤبد سيطرة السلطة السياسية المتحكمة بأجهزة ومؤسسات الدولة بالعموم . وبالتالي فإن كافة المؤسسات المدنية يتم تحجيم عملها وآفاق تطورها الطبيعي بما يتلائم ومصالح الفئات المسيطرة على زمام الأمور في الدولة . وقد يكون أحد الأسباب لهذه الظاهرة في بلداننا ، هو سيادة النظم العقائدية القائمة على اختزال المجتمع بكامل فعالياته في سلطة شخص واحد يحتكر تمثيل مصالح وأهداف الحزب والدولة والمجتمع ... والخروج من هذه الإشكالية يمكن اختصاره في . أولا": كسر مسار الإحتكار والإحتواء من قبل الأجهزة السياسية والأمنية ، والانتقال إلى أشكال مؤسساتية تعمل في إطار خدمة مصالح المجتمع في مواجهة التناقضات التي تعززها النظم السياسية الراهنة على المستويات الإجتماعية والسياسية والإقتصادية ..وللتخفيف من حدة التناقضات بعد أن عجزت النظم السياسية القائمة من معالجتها وتفادي تناقضانها على الفئات الإجتماعية . والتي غيبت وقضت على مظاهر الحياة الديمقراطية بكافة أشكالها ومظاهرها ومستوياتها . ومن هذا التحديد يمكننا أن نتناول أهمية ظواهر إحياء المجتمع المدني ، التي تقوم على الربط بين الديمقراطية وبين المجتمع المدني ، رغما" أن المجتمع المدني بمؤسساته المختلفة هو ظاهرة مرتبطة فعليا" بتطور المجتمعات الرأسمالية ، وبالتالي فإنها لا تحقق الديمقراطية المتخيلة في أذهان مثقفينا ، بقدر ما تحقق حالة من التوازن بين السلطة السياسية القائمة من جهة وبين الأحزاب والنقابات المجتمعية و(المجتمع بالشكل العام ) من جهة أخرى ، إضافة إلى تخفيض حدة التناقضات الاقتصادية الناتجة عن الاستقطاب الناتج عن شدة الاستغلال الذي يمثل سمة النظام الرأسمالي بأشكاله النموذجية الليبرالية وأشكالها الشمولية العقائدية في بلداننا إن ظاهرة ربط المجتمع المدني بالديمقراطية ، ينتج عن احتواء المؤسسات المجتمعية واحتكارها من قبل نظم سياسية محددة عيانيا" . وبالتالي فإن كسر هذا الاحتواء يمكن أن يؤدي إلى الديمقراطية التي لايمكن أن نراها إلا بوصفها أداة لتطور وارتقاء المجتمع وليست هدفا" نهائيا" نسعى إليه . ثانيا" : لقد تأسس النظام العربي عموما" على القمع وعلى احتكار السلطة ، مما قاد إلى قمع كافة الأحزاب والقوى والتمثيلات السياسية والمدنية المعارضة ، والتي تشكل الجوهر الديناميكي للمجتمع ، وبغيابها ينفرط عقد التوازن الاجتماعي ( المجتمع السلطة ) مما قاد إلى تغيب المجتمع بأفراده ومؤسساته عن الحقل السياسي ، ومع استمرار ظاهرة القمع واحتكار السلطة القائمة على الهيمنة الأمنية أدى إلى إضعاف وتفتيت القوى المجتمعية ،وأمام تعزز الظاهرة الشمولية والأمنية ، فإننا نشهد تحول فئات كبيرة ومتعددة كانت تعمل في الحقول السياسية إلى العمل في حقول العمل المدني . إذا" فإن انتشار ظواهر النشاط والعمل في المستويات والمجالات المدنية يقوم بجانب مهم منه على تراجع وانكسار المشاريع السياسية لأحزاب المعارضة ( الشيوعية والقومية ) أمام تغول هيمنة أجهزة السلطة السياسية والأمنية ، واحتكار مؤسسات الدولة . وهذه النقطة بالتحديد تمكننا من التوقف على فارق مهم في سياق التطور الطبيعي لمؤسسات الدولة المشكلة للبناء الاجتماعي بشكل عام ، والغير خاضعة لهيمنة سلطات شمولية ، وكانت تعبيرا" عن سياق تطور طبيعي للمجتمعات الغربية ، وبآليات متناسبة مع اللحظة التاريخية المحددة . وأما فيما يخص مجتمعاتنا فإن الدولة بمؤسساتها المختلفة تم احتوائها من قبل السلطة السياسية . وبالتالي فإن انعتاق المؤسسات الممثلة للفئات الإجتماعية يتحدد في كسر الاحتواء وسيطرة والهيمنة والتي تتمظهر في سيطرة (الأجهزة الأمنية، والسلطات التنفيذية عموما") على كافة المؤسسات ، والتي تم أدلجتها بما يخدم استمرار وتأبيد سيطرتها . و الخطوة الأولى في إعادة إحياء المجتمع المدني بمؤسساته المختلفة ،تتمثل في فصلها عن الأجهزة السلطوية لتحقيق التوازن المجتمعي للوصول إلى الشكل الأدنى من الديمقراطية ، ولكن بالنظر إلى السياق التاريخي للتطور الأوربي فإننا نلحظ بأن العمل على النطاق المحلي ، في هذا السياق وفي هذه الأطر يمكن أن يكون خارج السياق التاريخي الطبيعي للتطور المجتمعي ، ولا تحقق الأهداف المرسومة ، والمراد تطبيع المجتمع على مقاسها ، وعليه فإن المهمة الأساسية تكمن في كسر حلقة احتواء واحتكار المؤسسات المدنية . وعليه فإن فاعلية هذه المؤسسات تتجسد في تماسك المجتمع الذي يعبر عن أفكاره بممارسات سياسية ومدنية تنسجم مع أهدافه ومصالحه . وبهذا يمكننا القول بأن التوازن الاجتماعي بين أجهزة الدولة المهيمنة والمسيطرة بقوة الأجهزة الأمنية على كافة المؤسسات وعلى القاع الاجتماعي ، يكمن في فصل المؤسسات السياسية والمدنية عن هيمنة الأجهزة التنفيذية ، والتأسيس لممارسة سياسية تقوم على التعددية القائمة على الديمقراطية والإعتراف بالآخر ، واستعادة الفئات الاجتماعية لنشاطها وديناميكيتها الطبيعية في أشكال ممارسة طبيعية معبرة عن حقيقة ميول الفرد ومصالحه التي /قد/ تتجسد في مؤسسات عمل ميدانية يفترض وجودها سياق تطور طبيعي للمجتمع بشكل عام ، وبما يتلائم مع الواقع المحلي المترابط والمتشابك مع الواقع الدولي ومؤسسة على الديمقراطية والعدالة الاجتماعية المعززة للتحالف الوطني الهادف إلى بناء دولة حديثة تقطع مع كافة أشكال الإقصاء والشمولية والعنف . تؤسس إلى مفهوم جديد للوطن والمواطنة الذي يقوم على حق المشاركة للجميع، وصيانة حقوق المواطن بشكل كامل وتام والعمل بما يخدم ويفتح آفاق التطور . ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــ عمل مؤسسات الدولة في واقع معولم : ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ _ إن جملة المتغيرات الحاصلة على أدوار الدولة الوظيفية ، تفترضها موضوعيا" المتغيرات العامة على المستوى الكوني ، وتحديدا" في بلدان المركز ، والمتغيرات في بنية المجتمع المحدد ، والمراد بحثه بشكل عام ، والذي يشكل حلقة الترابط والتواصل والتوسط مع حلقات المجتمع الدولي . وعليه فإن السياق الموضوعي للتطور ونتائجه في اللحظة التاريخية الراهنة ، ومن دون إجراء قطيعة مع المراحل التاريخية السابقة ، ومدى تأثيرها على حركة تطور المجتمعات ، هي بالإجمال عوامل مؤثرة في سيرورة تطور أي مجتمع ، ولذلك فإن اللحظة الراهنة بمستوييها الموضوعي العام والذاتي المرتبط موضوعيا" بالسياق التطوري العام تشكل الأساس الموضوعي لتحليل كافة الظواهر الإجتماعية . ــ إذا" :فإن البحث في واقع الدولة عموما" والدولة المحلية بشكل خاص ، وإشكالية تعاطيها مع المتغيرات الدولية يفترض منا البحث في العوامل والأسباب المحددة والمؤثرة في آليات عملها وسياق تطورها العام، وبهذا فإن اللحظة الراهنة بمستوياتها الاقتصادية والسياسية والعسكرية والتقنية .... تشكل الأساس المحدد لدراسة وبحث انعكاس وتأثير هذه العوامل على مستويات تطور وأداء السلطات المحلية التي مازالت تتعاطى مع المجتمع المحلي والمجتمع الدولي بناء" على آليات تفكير تجاوزها المنطق السياسي ، متناسية اللحظة الراهنة وآفاق تطورها ، وكيفية التعامل مع الواقع المتطور والمتغير لتصل إلى إشكاليات حقيقية تحد وتحتجز إمكانيات التطور المجتمعي بشكل عام ولذلك فمن الضروري تحديد العوامل المؤثرة والمحددة سياسيا" في آليات التطور وكيفية صياغة مهمات الواقع المحلي وتحديدها : 1ـ انهيار التجربة السوفيتية والتي كان لها الدور البارز والأساسي في إعادة رسم آليات اشتغال سياسية واقتصادية واجتماعية في المنظومة الشرقية التابعة للسوفيت سابقا" ، وكافة البلدان التي استمدت أنظمة حكمها الشمولية من التجربة السوفيتية ، ولذلك فإن انهيار هذه التجربة أحدث موضوعيا" ما يشبه عملية القطع التاريخي مع مرحلة كان يسودها توازن دولي قائم على الثنائية القطبية والمترافقة مع لحظة الدخول في نمط رأسمالي معولم يفرض هيمنته كونيا" بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية . لقد وضع الإنهيار السوفيتي مجموعة الدول التي كانت تتوازن على هامش التناقضات الدولية أمام تحديات إشكالية ، ولذلك فإن تأثير هذا الإنهيار ترك آثارا" واضحة على مجمل مستويات تطور البلدان ذات النهج السياسي الشمولي ، وشكل اقتصاد المخطط المؤسس لرأسمالية الدولة ووضعها أمام تحديات حقيقية في مواجهة مصير السلطة والمجتمع . 2_ المشروع القومي : كان المشروع القومي الأوربي نتاج المرحلة الرأسمالية ، والتي يشكل فيها السوق المتوسع عاملاً أساسياً ، وقد ترابط المشروع القومي الأوربي السياسي مع تطور التقنية الصناعية البرجوازية ، لتشكل لاحقا" حلقة تشارط موضوعية وأساسية في تلازم صيرورة آليات ارتقاء تطور المشروع القومي السياسي والاقتصادي ،متجاوزا" الحدود الوطنية والقومية ، وصولا" إلى تجاوز وتحطيم إشكالية الحدود على المستوى العالمي ، لنصل إلى اللحظة التاريخية الراهنة والتي لا تعتبر فيها الحدود الجغرافية لدولة الوطنية أساسا" موضوعيا" للاستقلال ، بقدر ما تعني قدرة البلد أو الدولة على المنافسة وغزو الآخر اقتصاديا" وسياسيا" وثقافيا" ...وبالتالي فإن انفتاح الحدود أمام المتغيرات الراهنة يعتبر خارج نطاق الإرادة والرغبة الذاتية ، بل يتشكل في الحيز الموضوعي للمرحلة الراهنة ، ولذلك فإن التطورات التكنولوجية والتقنية الراهنة ، واستغلال الشركات العالمية العملاقة ( المتعددة القومية ، والعابرة للقومية ..) المسيطرة على ثلثي حركة رأس المال العالمي ، الغير خاضع بالأساس إلى سيطرة الحكومات ، والذي تجاوز كافة الحدود الجغرافية للدول الوطنية لدرجة قد يكون في المرحلة التاريخية القريبة الميل الوطني والقومي بالمفهوم القديم قد يصبح ميلا" متنحيا" . إذا ـ إن اللحظة الراهنة تفترض إخضاع المفهوم القومي بآلياته القديمة إلى الّنقد والتدقيق لأن التطور الراهني تجاوز منطقيا" الآليات السابقة للفكر والممارسة المستندة إلى رؤى قومية تحولت في المرحلة الراهنة إلى عقيدة مغلقة . وهذا يؤسس لفكرة أساسية مفادها بأن مرحلة العمل القومي ، والمشاريع القومية بآليات الممارسة السابقة قد تجاوزتها اللحظة التاريخية الراهنة و التطور التاريخي عموما" ، بفعل فشل هذه التجارب بحد ذاتها، وبفعل سقوط التجربة السوفيتية الحامية والداعمة لهذه التجارب إضافة إلى التغير الحاصل على المناخ الدولي العام سياسيا" واقتصاديا" ... وأخيرا": النقطة الأهم والمتمثلة في توسع سيطرة سلطة رأس المال وتمركزها مع تزايد شدة الإحتكار وحدته ، وتحوله إلى سلطة عولمية أسست لظهور السلطة المعولمة والهيمنة الأحادية لنمط الإنتاج الرأسمالي المعولم ، إضافة إلى مجموعة من العوامل الذاتية للتجارب التي تأسست على الفكر القومي ، والتي يمكن اختصارها ب: _ تحول الفكر القومي إلى عقيدة غير قابلة للتطور بما يتلائم مع السياق الموضوعي للتطور . _ سيادة النظم الشمولية الاستبدادية . _ تحطيم مفهوم الفكرة الديمقراطية ، وتغيب مفهوم الفرد الحر بكونه الأساس الموضوعي للبناء الاجتماعي ، وتذويبه في معادلة الكل الاجتماعي ( المسلوب الإرادة ) . _ سيطرة المؤسسة الأمنية على المجتمع ، وتحويل المؤسسة العسكرية إلى مؤسسة عقائدية لخدمة ولتأبيد السلطة الفردية _ العجز الحقيقي والواضح في بناء المشروع القومي المؤسس نظريا" على مفهوم الوحدة العربية . _ تراجع وتلاشي المقومات الحقيقة لقيام الوحدة ( اقتصاديا" ، سياسيا" ، اجتماعيا" ..) . ونؤكد هنا بكون المستوى الإقتصادي هو المستوى المحدد لكافة مستويات التطور الأخرى ، والملاحظ على المستوى العربي غياب التكتلات الاقتصادية التي تؤسس للإندماج العربي ، وهيمنة احتكار السلطة ، وانعدام فكرة التداول السلمي لسلطة ، وتأكيد حالات الاستئثار بالسلطة وإقصاء وتهميش دور القوى المعارضة والقوى الإجتماعية بشكل كامل، وبشكلٍ عنفي ، وإبعاد المجتمع عن السياسة ، واحتواء كافة المؤسسات المجتمعية وتحويلها إلى منابر أيديولوجية تؤبد استمرار النظم القائمة ، وبالتالي ترافق المشروع القومي بتجاربه العيانية مع إلغاء الديمقراطية بحدودها الدنيا ، واعتبارها مرحلة لاحقة من مراحل التطور ، والتغاضي عن كون الديمقراطية وحرية الفرد وتمتعه بحقوقه يشكل الأساس الموضعي لكافة المشاريع التنموية والتحررية والوحدوية . _ فشل المشاريع القومية في انجاز المشاريع التنموية بفعل مفاعيل وأسباب داخلية وخارجية . _ تكريس فكرة الحدود الوطنية المعيقة أساسا"لمشروع التوحيد العربي أو حتى لفكرة التكامل العربي ، والتي تعتبر من نتاج المرحلة الاستعمارية ، بشكل منسجم مع فكرة تأبيد سلطة الحاكم الشمولية والمطلقة . _ التأسيس لتحالفات إقليمية ( خليجية ، افريقية .. ) وبالضرورة لايمكن اعتبار هذه التحالفات سلبية بالعموم ، وقد يكون من الممكن في حال تطورها ( سياسيا" واقتصاديا" ) أن تكون خطوة في طريق التكامل العربي . ـ عجز بعض التجارب القومية عن انجاز المشروع التحرري الوطني بشكل كامل . ـ لذلك يمكننا القول بأن المشروع القومي بمفاهيمه وأدواته السابقة، قد تحول إلى يافطات وشعارات دعائية لا تعبر عن الواقع الموضوعي لمجمل التجارب القومية ، إضافة إلى تغير المناخات الدولية العامة والتي تجاوزت الفهم القومي المذكور ، وتؤسس إلى فهم كوني عام يقوم على الترابط والتكامل والتكتل والتنافس .. والتي تقف بجانب منها على التناقض والاختلاف في الوحدة . _ لذلك فإن العجز العام للمشاريع القومية لأسباب موضوعية وذاتية يدفع إلى التفكير والتأسيس معرفيا" إلى صياغة استراتيجيات لتجاوز الواقع الراهن وتشمل البنى المعرفية اجتماعية والفكر السياسي والممارسة السياسية للنظم المحلية . إضافة إلى جانب مهم يتمثل في أهمية التأسيس لفهم وممارسة سياسية للقوى الإجتماعية المعنية في العملية التغيرية ، ويجب التأكيد بأن التغيير السياسي هو خطوة ضرورية وأولوية أساسية لدخول في تغير آليات العمل والتنسيق الاقتصادي على المستوى المحلي والعربي ، والقائمة على التكامل المبني والمؤسسة لتكتلات اقتصادية تقوم على مفهوم اقتصادي وسياسي ينسجم مع الواقع الموضوعي العام . 3_ يترافق انهيار المشروع السوفيتي وتراجع المشاريع القومية بمفاهيمها العقائدية والتجارب الشيوعية عموما" والتجارب المرتبطة بنيويا" بالمنظومة السوفيتية ، مع التراجع أيضا" في بحث المفاهيم النظرية والمرجعيات المعرفية التي استندت إلها معظم التجارب الشيوعية ، مما أدى إلى حدوث قطيعة نظرية وسياسية مع المفاهيم الأساسية للفكر الذي تأسست عليه الأحزاب الشيوعية، و التي تقوم أحيانا" على النقد المنطقي وأحيانا" على ردود الأفعال التي تخضع إلى الأثر الذي تركه انهيار التجارب الشيوعية ، ويمكننا أن نلاحظ بعض عمليات المراجعة النظرية للمنظومة المعرفية والمفاهيمية للماركسية والمفاهيم الشيوعية بشكل عام ، للعمل على تأسيس منظومات معرفية جديدة تقوم على نقد ونقض الفكر الإشتراكي بعموميته في محاولة للإستجابة لضرورات اللحظة الراهنة موضوعيا".وأحيانا" لرد الإعتبار للمنظومة المعرفية الماركسية خصوصا" والشيوعية عموما" أمام المد الأصولي والعولمة الرأسمالية . من دون أن يعني هذا غيابا"كاملا" لدور اليسار بل نجد أنه مازال لليسار دورا" واضحا" في الكثير من بلدان العالم ، لكن يجب التنويه بأنه في اللحظة الراهنة تقوم بعض النخب بدراسة النصوص الماركسية لتأكيد أهميتها ، وتأكيدا" على قدرتها على مواكبة المرحلة الراهنة و لتعزيز الروابط بين الفكر الماركسي ومهمات اللحظة الراهنة موضوعيا" بعيدا" عن الفهم الدوغمائي للماركسية والتاريخ كما عبرت عنها سابقا" معظم التجارب الشيوعية ، وبناء" على تأسيس نظري جديد للمفاهيم الماركسية تقوم على فهم مغاير وجديد للظروف الراهنة ، لإيجاد آليات عمل جديدة تنسجم مع روح الماركسية ، بعيدا" عن الفهم النصي ، والتقديسي للنصوص الماركسية الذي أدى إلى تحويل المنظومة الماركسية إلى مفاهيم عقائدية تتنافي وتتناقض مع التطور التاريخي المتنامي ، ويجب علينا تفعيل هذا الجانب لدينا وتجاوز التقصير السابق والعمل على التأسيس الحواري الموثق لإنتاج منظومة معرفية قادرة على إدراك الواقع الراهن بمعطياته الجديدة والمتجددة ، وآليات تطوره الموضوعية والعامة ، والعمل على إيجاد مخارج لأزماتنا البنيوية والتأسيس فعليا" لنقد الفكر الديني (ليس المقصود هنا نقد الفكر الديني بوصفه معتقدا" إيمانيا" ، بل المقصود الفكر الديني المؤدلج والمسيس ، والمترسخ بفعل مساهمة النظم الرسمية بشكل المباشر أو غير المباشر )، والتوجه المباشر لموجهة التيارات الدينية العنفية القائمة على تعظيم فكرة الموت ، ومواجهة الغرب بحجة الكفر ، وتحميلها مسؤولية الإرهاب على المستوى العالمي ، والتي ساهمت فعليا" في تكريس وتدعيم البعض من هذه التيارات بعض الحكومات الغربية والمحلية بما يتناسب ويخدم مصالحها . يجب التأكيد على قضية مفادها بأن أي فكرة أو منظومة معرفية تبقى ضمن حيز التداول والفاعلية الإجتماعية ، وتعبر عن ضرورة إجتماعية طالما أنها تشكل حاجة وضرورة للإنسان ، وتجاوزها إلى حالات أرقى يبقى مرهونا" بالتطور الاجتماعي عموما" ، ولذلك فإنه ليس بالإمكان قسر الواقع الاجتماعي على نبذ الحالات السائدة إرادويا" ، والتي تتمثل في الفكر الديني ، الإثني ، العشائري ..، بل يجب التأكيد على أن وجودها يتلازم مع إهمال المؤسسات الاجتماعية للدولة على القيام بمهماتها تجاه مواطنيها ، وعجزها عن التأسيس لفهم وطني يستغرق ويتجاوز كافة أشكال وأنماط التفكير المتخلفة عن الفهم الوطني المتناسب مع المرحلة الراهنة ، ولذلك يلجاْ الإنسان إلى حالات وأشكال إجتماعية أهلية ، وما قبل وطنية ، وبقائها يتمثل في كونها تشكل حاجة ضرورية للإنسان ، ويترافق هذا مع غياب واضح لدور قوى اليسار بشكل عام . وتجاوزها يبقى كما أسلفنا رهن بالتطور الاجتماعي عموما، وهذا يذكرنا فعليا" بمحاولات السوفيت في تغيب آليات التفكير الديني والمذهبي والقومي ، ولكن ما رأيناه عيانيا" وبشكل ملموس بعد انهيار التجربة السوفيتية ، بأن تطور الواقع الموضوعي لم يتجاوز أشكال وأنماط التفكير الماقبل وطنية ، ولذلك نرى فعليا" عودتها بشكل صريح وبقوة إلى سطح المجتمع السوفيتي بعد أن كانت كامنة في القاع الذهني للفرد خصوصا" والمجتمع عموما"، وطبعا" هذا لا ينحصر فقط في التجربة السوفيتية ، بل يشمل كافة المنظومات السياسية الشمولية والاستبدادية ، التي حاولت قمع التطور الموضوعي والطبيعي لمجتمعاتها ، ومحاولاتها لقسر وتطويع التطور الواقعي بما يتناسب مع المعارف النظرية السائدة ، ومع مصالح تلك النظم على كافة المستويات . ـ بعد هذا العرض لأسباب فشل التجارب القومية نرى أنه من الضروري توضيح دور الدولة في مرحلة تاريخية ، تختلف بمعطياتها العامة عن كافة المراحل الماضية ، مما يفترض تحديد آليات جديدة للقيام بالدور الوظيفي للدولة بمؤسساتها المختلفة . إن مجموع الدول الغربية وحكوماتها لا تتأثر بنفس الدرجة الذي تخضع لها باقي الدول ، وتحديدا" الدول التي اتبعت سياسات اقتصادية موجهة ومخططة مركزيا" ، تتحكم بها جهات محددة من أجهزة الدولة وذلك لكون القطاعات الصناعية والإنتاجية تخضع إلى سياسيات ليبرالية يكون فيها السوق المعيار الضابط لّتوازن ضمن القطاعات الداخلية ، البينية ، وبين البنى الاقتصادية الدولية ، والتي تخضع بدورها إلى التنافس والاندماج و الاعتماد على الميزات المقارنة للسلع ، وارتفاع المستوى التقني والتكنولوجي ، وتوفر البنية التحتية المناسبة للاستثمار ، والمستوى المتطور لتأهيل القوى العاملة الحية .... ونرى إن الحكومات الرأسمالية ( الغربية ) تتعامل مع مجمل المتغيرات الطارئة على المستوى الاقتصادي بمرونة واضحة ، بحيث لا تترك هذه المتغيرات خللا" بنيويا" ، وتحديدا" أمام الحرية المطلقة لرأس المال( المالي المضارب والصناعي والإنتاجي عموما") الذي بات المهدد الأول لسلطة الدولة . أما في البلدان ذات النظم الشمولية ، والبلدان التي ما تزال تخضع إلى أشكال حكم من مخلفات الحرب الباردة ، وأمام مرحلة راهنة سمتها الأساسية التغير والتغيير بشكل متسارع ومستمر ، فإن بناها الداخلية آخذة في الإنهيار والتشظي المتدرج حينا" المتسارع أحيانا" ، وبشكل كارثي في بعض اللحظات التاريخية بفعل مجموعة من التحديات المفروضة عليها محليا" ودوليا" ، وإذا كان الخطر الأكبر للدول الرأسمالية المركزية هو سلطة رأس المال المنفلت من عقاله ، والذي تحول إلى سلطة شبه مطلقة، فإن دولنا تعاني من عوامل أكثر حدة وتأثير على إمكانيات استمرارها بآلياتٍ سمتها الأساسية الركود وعدم التغيير المتناسب مع ضرورات المرحلة ، وتأتي في مقدمة هذه العوامل إنهيار المنظومة السوفيتية ، تشظي المشاريع القومية ،عدم مواكبة التطور التكنولوجي والتقني والصناعي الفائق التطور الذي خلق فجوة كبيرة جدا" بين البلدان الصناعية الغربية والبلدان المتخلفة لذلك فإن الفجوة الحضارية والرقمية ... كبيرة جدا"ومتزايدة بتسارع مستمر ، ولذلك لم يعد في مقدور بلداننا إعادة طرح التساؤل عن كيفية ردم هذه الهوة والعمل على الفكرة القائمة على اللحاق بالغرب، مع تحفظنا على الآليات والأشكال التي من خلالها تطرح مشاريع تجاوز الفجوة الصناعية والحضارية ، بل يجب العمل على كيفية إيجاد موطئ قدم في التوازنات الدولية الحالية في صناعات تمتلك الميزات المقارنة ،وكيفية الاستفادة من تنوع الموارد المحلية الممتلكة قيم تنافسية أمام المنتج الغربي المستورد ، وإيجاد صيغ للتعامل السياسي مع هذه الدول تختلف عن السلوك السياسي الذي كان يعتمد على الاستفادة من التناقضات الدولية ، وتحديدا" بعدالإستقرار الواضح للرأسمالية كنمط إنتاج عالمي لايمكن الخروج منه الإبتجاوزه عبر سياق التطور الطبيعي والموضوعي التي تخضع له المجتمعات البشرية ...، بل المطلوب الاندماج البنيوي في السياق العام للتطور و العمل على سياسات تخفف من حدة التناقضات الناتجة عن آليات التطور الرأسمالي ، والذي يؤدي إلى زيادة حدة عدم الاستقرار، ومن المؤكد بأن مجتمعاتنا سوف تخضع لهزات في بناها الاجتماعية والسياسية والاقتصادية في البداية ، ولكن ومع التقدم التدريجي في آليات ومستويات التطور فإنه سوف يتم تلاشي هذه التناقضات تدريجيا" ونسبيا" . ويكمن الخلاص من هذه التناقضات بتجاوز النمط الرأسمالي بشكل كامل إلى نمط اقتصادي أرقي وأكثر عدالة لا يقوم على الاستغلال وتزايد حدة الاستقطاب المحلي والدولي مع تزايد وتيرة التطور. _ ويمثل قانون القيمة المعولم أحد العوامل الأساسية المؤثرة بل والمحددة بشكل رئيسي على سياسات بلداننا ،ذلك ناتج الفرق الكبير بين المستوى الصناعي والتكنولوجي المتقدم للغرب ، والقوى العاملة العالية التأهيل ، والتي تتعامل مع أحدث ابتكارات العلوم البشرية ، والتي تخفّض بشكل واضح من الاعتماد الواسع والكبير على القوى الإنتاجية الحية ، وتعمد إلى تخفيض أعدادها إلى الحدود الدنيا ، وتتميز أيضا" بزيادة حجم الإنتاج مضاف إليها تقنية متطورة وانخفاض في أسعار السلع الناتج عن الأسباب المذكورة وغيرها لم يذكر . إذا" : لايمكن لحجم ونوعية إنتاجنا مواجهتها وفق الأوضاع الراهنة ـــ إذا" : تطور تقني ، زيادة في الإنتاج ، انخفاض في عدد قوى العمل الحية ، تطور في جودة السلع ، انخفاض في أسعار السلع ، انخفاض التكلفة ، بدائل رخيصة تعوض عن المواد الأولية الطبيعية ..، أجور مرتفعة ، قدرة شرائية عالية ، قوى عاملة عالية التدريب والتقنية .... هذه العوامل وغيرها، يؤكد على اتساع الفجوة بين واقعنا بعموميته ، وواقع البلدان الرأسمالية الغربية . وبما إن إمكانية الاستقلال والانعزال باتت شبه معدومة على المستوى الدولي ( اقتصاديا" وسياسيا" ) فإن تأثير قانون القيمة المعولم سيترك آثارا" كارثية إذا لم يتم التعاطي معه بشكل جديد ومتلائم مع المتغيرات السياسية والاقتصادية الراهنة والمتبدلة والمتغيرة باستمرار والتي لا تخضع إلا لمفهوم التغير وعدم الثبات لتحقيق التوازن الذي يقوم على تطوير الصناعات الإنتاجية والخدمية ، والتي تمتلك سمات مقارنة تكون من خلالها قادرة على دخول أسواق التنافس الدولي ، وإيجاد أشكال من التكتلات الإقليمية ،للتخفيف من حدة التناقضات الدولية ، إضافة إلى التأسيس لممارسة سياسة تقطع مع الأشكال الوصائية والشمولية والعقائدية السابقة ، لأن التمسك بها يشكل عائقا" حقيقيا" أمام تطور مجتمعاتنا ، والتأكيد على أهمية التنوع الديمغرافي والمناخي والبيئي.. والاستفادة القصوى من هذا التنوع ومن الواقع الراهن . ويضاف إلى العوامل المهددة لدور السلطات والحكومات السياسية عامل آخر مهم ، ويتجسد في سلطة رأس المال ، وهيمنته المادية والمعنوية والسياسية والإقتصادية ، ويتجلى أثره بشكل واضح على مراكز صناعة القرار ، ويخفف من سيطرة وهيمنة الحكومات السياسية ، ويحولها إلى أدوات لخدمة الاستقرار العام المساعد والمساهم في توسيع وتعميق استثمار وتوظيف الرساميل المحلية والدولية . وبحكم تحول رأس المال إلى سلطة شبه مطلقة مستفيدة من الثورة المعلوماتية والتكنولوجية ، وثورة الاتصالات ، والتي من خلالها بات رأس المال أكثر حرية وأكثر قدرة على الحركة والتنقل والمساهمة في مجالات المضاربة والتوظيف على المستوى الدولي .... وأصبح يشكل العامل الأكثر أهمية في تهديد استقرار الحكومات الغربية ، والتي تخضع بشكل مباشر إلى سلطة رأس المال ( المالي والإنتاجي ) والمتمثل في الرأسمال المضارب والرأسمال الموظف في الشركات المتعددة الجنسية ، والشركات العابرة للقومية واللتان بدورهما لا تخضعان للضوابط القومية ، والحدود الوطنية ، وتقوم هذه الشركات أثناء القيام بأعمالها بإختراق كافة الحدود والحواجز الوطنية والقومية .ومع التطور المتسارع لثورة الاتصالات ، فإن حركة الرساميل باتت أكثر حرية في حركتها ، وبالتالي باتت أكثر تهديدا" للحكومات المعيقة في اللحظة الراهنة لحركتها المالية والإنتاجية ، ولذلك فإن تحول هذه الرساميل إلى مناطق أخرى من العالم تكون أكثر استقرارا" لحركة التنقل والتوظيف المالي يخلق كوارث اجتماعية في البلد التي يخرج منها رأس المال مهاجرا". ومن الممكن أن تشكل الرساميل الموظفة في بعض المناطق فقاعات صناعية وتحديدا" في المناطق المتخلفة أي أن الرساميل الوافدة تكون أحيانا" غير قادرة على إنجاز مشاريع تنموية تخدم تطوير البلدان المعنية وتحديدا" في ظل غياب دور فعلي وواضح للدولة ومؤسساتها ، والتي هي بالأساس لاتشكل مناطق جذب لاستقطاب الرساميل وذلك لكثيرٍ من الأسباب . ولذلك تحاول الحكومات السياسية بشكل عام العمل على توفير المناخات المستقرة والمناسبة للاستثمار والتوظيف وذلك للحد من ظاهرة هروب الرساميل الموظفة محليا" تلافيا" للإختلالات البنيوية الناتجة عن ظاهرة هروب الرساميل إلى مناطق استثمار أخرى وإخضاع الرساميل الوافدة إلى الأسواق المحلية للإستثمار إلى سياسات الدولة التي يتم فيها الإستثمار والتوظيف المالي وبما يتلائم مع السياسات الاقتصادية المرسومة محليا" .ولذلك ومن هذه النقطة بالتحديد فإن أثر الرساميل وحركتها بات واضحا" على كافة الدول في اللحظة الراهنة . وبناءً على هذا ، فإذا كان أثر حرية حركة الرساميل واضحٌ إلى هذه الدرجة ، على البلدان والدول الغربية المتطورة ، فما هو حجم تأثيره على بلداننا ..؟ يجب بداية أن نؤكد بأن الخيارات المتوفرة لدينا باتت محدودة ، إذا لم نقل أنها باتت شبه معدومة ، وخارج إطار الرأسمالية الراهنة بتقديرنا لا يوجد خيارات ، وأمام انعدام الخيارات يفترض التعامل مع الواقع الراهن والموضوعي بما هو عليه ، والعمل بالقدر المستطاع على الاستفادة من كافة المقومات ، والعوامل التي تخدم الاستقرار والتوازن المحلي ، ويمكن إيجازها ب: _ المحافظة على سيطرة الدولة على القطاعات الأساسية ( الطاقة ، التعليم ، الصحة ، قطاع الخدمات والتأمينات وقطاع الصناعات الأساسية ...) مع التأكيد على أهمية تغيير نهج السياسة الاقتصادية المتبعة حتى هذه اللحظة ، والتأكيد على مشاركة الرأسمال الخاص في زيادة وتيرة النمو المحلي وفق برامج اقتصادية تتناسب مع المستوى الطاقات والإمكانيات المحلية ، وتتناسب مع آفاق وميول التطور العام . _ العمل على تأسيس المناخات المشجعة على عودة الرساميل المهاجرة لتساهم من خلال توظيفها في الاستثمارات المحلية في زيادة معدلات النمو ، والتراكم المحلي النقدي والبضاعي . _ العمل على توفير البنية التحتية والخدمية المشجعة على جذب الاستثمارات والرساميل الأجنبية والوطنية المهاجرة والمكتنزة و التي تقع خارج إطار العملية الإنتاجية وخارج السوق ، فهي مرحليا" محكومة بعطالة مؤقتة لعدم توفر المناخات المناسبة . _ إعادة توظيف الأرباح في تطوير القطاعات الإنتاجية ، أو في إنشاء قطاعات إنتاجية جديدة . _ توسيع القطاعات الإنتاجية ، والعمل على إعادة هيكلتها بما يتلائم مع المناخ السياسي والاقتصادي الراهن _ تأهيل وتطوير وتدريب القوى العاملة الحية . _ إنشاء قطاعات إنتاجية جديدة . _ الاستفادة من الميزات المقارنة لبعض الصناعات المحلية . _ توفير القطاعات و البنى الخدمية المشجعة في جذب واستقطاب الرساميل والاستثمارات بأشكالها المختلفة ( قوى عاملة مدربة ومؤهلة وفق المعايير الدولية ، شبكة اتصالات متطورة ، نظم إدارية تساهم في تسريع العمليات الإجرائية ، نظم محاسبية تتوافق مع المقاييس الدولية ،تطوير آليات الأعمال المصرفية ، وتسهيل عمل المصارف الخاصة ، التخلص من البيروقراطية والفساد والروتين المعيق لسير عمليات الاستثمار ، ويشكل حالات من عدم الثقة في الواقع والقدرات المحلية ، وضع خطط ونظام ضريبي جديد يراعى فيه نسب ومعدلات الضريبة ، بشكل يساهم في تشجيع استقطاب الرساميل لتوسيع وتعميق عمليات الاستثمار ) . _ تعديل وإلغاء بعض القوانين المعيقة لعمليات التوظيف والاستثمار بكافة أشكاله ومستوياته . _ التأكيد على أهمية زيادة معدلات الإنتاج وفق المواصفات التنافسية . _ إيجاد آليات وصيغ تكتلية على المستوى الإقليمي ( اقتصادية ) ، وصيغ عمل وتنسيق مشترك يساهم في التخفيف من حدة التناقضات الراهنة والمتوقعة مستقبلا" . _ توظيف الثروات الوطنية في المشاريع التنموية الوطنية . _ إطلاق حرية العمل السياسي والنقابي بعيدا" عن هيمنة واحتكار أجهزة الدولة ومؤسساتها . _ تحسين القرة الشرائية للمواطنين ، والوضع المعاشي بشكل عام . _ اعتماد الديمقراطية في مواجهة التناقضات والأزمات الراهنة ( إثنية ، عرقية ، مذهبية ، سياسية ، اقتصادية..) . والتأسيس لمناخ سياسي حر وديمقراطي ، يتلائم مع المناخ الدولي العام ، يقطع مع الشمولية والاستبداد ، والقمع ... ويفتح الباب أمام المشاركة المجتمعية العامة والواسعة ، في الممارسة السياسية والمدنية ، وتوفير المناخ الديمقراطي المناسب والذي يشكل الأساس الحقيقي لبناءٍ اجتماعي متطور ومتحرر في كافة جوانبه ومستوياته . ـــ إذا" المناخ السياسي والاقتصادي حاليا" يفرض ويفترض الانتقال إلى آليات عمل سياسية و اقتصادية تقطع مع كافة الأشكال السابقة، وتساهم فعليا" في الخروج من الفهم السياسي السابق والذي يقوم على مجموعة كبيرة من التناقضات والسلبيات ، والتي من الممكن أن نطلق عليها بأنها كانت تعاني من جملة من الأمراض الكامنة في آليات التحليل والتراكيب و في الفهم السياسي بشكل عام ، وهي بتقديرنا من مخلفات المراحل السابقة ، والتأكيد على ضرورة العمل لإيجاد مخارج حقيقية وفعلية تساهم في التخفيف من حدة التناقضات في الداخل ، وبين الداخل والخارج، الذي لم يعد في الإمكان الفصل بينهما ، والاستجابة العقلانية لإيجاد أشكال من التكامل الاقتصادي ، التي توفر على مجتمعاتنا حدة التناقضات ،والمعاناة التي يؤكدها ويفترضها تخلف بلداننا ، وازدياد سعة وحدة الفجوة الحضارية والصناعية والرقمية والتكنولوجية بين الشمال والجنوب . وأمام التراجع الواضح لدور الدولة بأجهزتها ومؤسساتها المختلفة ،و أمام الضغوط المتزايدة لسلطة رأس المال المهيمنة عالميا" ، وبينما دول وبلدان كثيرة تجاوزتنا في إرساء مقومات وأسس التقدم والتطور القائمة على المشاركة المجتمعية الواسعة ، وعلى حرية العمل السياسي والمدني بكافة أشكاله ومستوياته والغير خاضع لهيمنة أجهزة الدولة ، مما يشكل أساسا" حقيقيا" في التخفيف من حدة الاستغلال والاستقطاب والتناقض الناجم عن النمط الرأسمالي المهيمن . إن مجتمعاتنا مطالبة بتحقيق الحد الأدنى من الانسجام مع المناخ الدولي العام ،وذلك لتحقيق التوازن الداخلي المساعد للتطور والتنمية التي تقوم في الأساس على حرية وحق الفرد في المشاركة ، وفي ضمان حقوقه بالمواطنة الكاملة... لكون الفرد يشكل الأساس الموضوعي لأي مشروع سياسي أو تنموي اقتصادي ، يعتمد المنهجية والبرنامجية في التعامل مع الواقع الراهن . ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ في نهاية هذا البحث يجب التأكيد على نقطة أساسية تكمن في أن التغيير هو السمة الأساسية للمرحلة الراهنة ، وكما نعلم بأن التاريخ لا يعيد نفسه إلا على شكل مهزلة.. و لا يمكننا أيضا" أن نستحم بماء النهر مرتين لذلك فأن التغيير الأن يختلف بآلياته وسماته عن آليات التغيير السابقة ولكن الصيرورة التاريخية مازالت تؤكد بأن الفاعل في سياق حركة التاريخ ، والتغيير العالمي هو الممتلك لمفاعيل القوة ( سياسية ، اقتصادية ، عسكرية ...) وهذا بالطبع لا يغيّب دور باقي الأمم في سيرورة التغيير التاريخي ، ولكن المحدد الأساسي لمستوى وآليات ومنهجية التطور ، يحدده من يمتلك زمام المبادرة والقوة . وهذا يعني بالضرورة بأن التغيير يمتلك صفات إيجابية يعبر من خلالها الإنسان عن الإرتقاء في سلم التطور التاريخي فمن الممكن أن تعتبر مرحلة تاريخية معينة انتكاسة في السياق الطبيعي للتطور ، وبالضبط هذا ما نلحظه أحيانا" في بعض اللحظات التاريخية ، والفواصل الزمنية ، وتحديدا"عندما تتحكم في مسار وسياق الحركة التاريخية قوى عمياء تحكمها القوة وتحركها فقط نوازع الربح ، والهيمنة والسيطرة ، والذات المتضخمة والمتمحورة حول نفسها متعامية عما حولها وتنتهك مقدسات الشعوب وتراثهم الحضاري . وإذا كان من غير الممكن الوقوف في وجه قاطرة التاريخ العمياء المنفلتة من عقالها ، فإنه ليس من الضروري والحتمي التسليم بأنه بالقوة فقط تتحقق المصالح الكبرى ، لأن نتائج القوة التدميرية نفسها في لحظة محددة تكون عنصر إعاقة لحركتها الذاتية ومفاعيلها الداخلية ، إضافة إلى وجود دور أساسي يكمن في قوة إرادة الإنسان نفسه ، وفي إمكانياته الذاتية على الاستفادة من القوة المسيطرة ، وتحديدا" إذا لم يكن بالإمكان السيطرة على مفاعيل هذه القوة ، لأنه وبلحظة تاريخية معينة قد تتقاطع هذه القوة العمياء مع مصالح مجتمعات مقموعة ومهمشة ، وهنا تكمن المفارقة في سيرورة الحركة التاريخية ، ولنا في هذه المرحلة على ذلك أمثلة ملموسة . إذا" : فإذا كان السياق الطبيعي لحركة وتطور التاريخ الإنساني في العموم له اتجاه واحد ومحدد ، ولايمكن أن يعود إلى الوراء فإن من يمتلك زمام التاريخ هو من يمتلك مقومات القوة ، والقوة حاليا" يمتلكها رأس المال المعولم المدعوم بمختلف أشكال القوة التي تحوله إلى سلطة شبه مطلقة تتحكم في آليات الحركة الإنسانية على المستوى الكوني عموما" . وبقدر ما يبعث هذا الكلام على التشاؤم فإنه يؤكد على أن التاريخ البشري يمثل لحظة زمنية في حيز جغرافي يتكثف بشكل مستمر . ولا مجال للعودة إلى الوراء ، لأن حركة التاريخ لا تخضع إلى إرادات ورغبات ذاتية ، بل تمثل سياق تطور موضوعي ينحكم إلى معايير محددة ، قد لا يكون في هذه اللحظة الراهنة لنا دورا" في صياغتها ، ولكن من الممكن أن يكون أمامنا مجالا" للبقاء في إطار السياق التاريخي والجغرافي المحدد بمفاعيل القوة والضغط الخارجي الذي يحاول رسم العالم على صورته ووفقا" لمقتضيات مصالحه وآليات تطوره المتنامية والمتسارعة. وإذا كان العالم يدور في إطار لوحة رأسمالية ليبرالية متوسعة ، فإنه لا يوجد مجال للخروج عن إطار السياق العام ، بل من المفترض البحث عن آليات سياسية واقتصادية تربطنا بعجلة الحركة التاريخية القائمة على التناقض والتحالف ، التنافس والاندماج لمواجهة التناقضات والتخفيف من آثارها السلبية عموما" وإذا كانت حركة التاريخ ترسمه وتحدده الدول المتقدمة ، والمتحكمة بمراكز القوة وصناعة القرار ، فإن التاريخ يساهم في صياغة الإنسان بشكل عام ، وكلما تمركزت أدوات ومفاعيل القوة والقمع والسلطة فإن دائرة التهميش والاستقطاب والاستغلال تتوسع ، ولذلك نخلص إلى نقطة مفادها : إن التاريخ في صورته المقبلة لن يبقى خاضعا" للقوى المتحكمة باللحظة الراهنة ، بل سيساهم في تحديد سيرورته الفئات المفقرة والتي تشكل إحدى أهم نتائج فرط الإحتكار والاستغلال ، وهذا ما نلحظ بداية تشكله في بلدان العالم ، ولكون لكل منطقة ولكل شعب ظروفه الخاصة التي يتميز بها ، وآليات تطوره الخاصة لكن تبقى في الشكل العام سمات محددة للتطور، يحددها الترابط الكلي والعام للتطور الإنساني . ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
#معتز_حيسو (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مصر.. بدء تطبيق التوقيت الشتوي.. وبرلمانية: طالبنا الحكومة ب
...
-
نتنياهو يهدد.. لن تملك إيران سلاحا نوويا
-
سقوط مسيرة -مجهولة- في الأردن.. ومصدر عسكري يعلق
-
الهند تضيء ملايين المصابيح الطينية في احتفالات -ديوالي- المق
...
-
المغرب يعتقل الناشط الحقوقي فؤاد عبد المومني
-
استطلاع: أغلبية الألمان يرغبون في إجراء انتخابات مبكرة
-
المنفي: الاستفتاء الشعبي على قوانين الانتخابات يكسر الجمود و
...
-
بيان مصري ثالث للرد على مزاعم التعاون مع الجيش الإسرائيلي..
...
-
الحرس الثوري الإيراني: رد طهران على العدوان الإسرائيلي حتمي
...
-
الخارجية الإيرانية تستدعي القائم بالأعمال الألماني بسبب إغلا
...
المزيد.....
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
-
الخطاب السياسي في مسرحية "بوابةالميناء" للسيد حافظ
/ ليندة زهير
-
لا تُعارضْ
/ ياسر يونس
المزيد.....
|