أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - رياض الدبس - أفكار أوليَّة في مقاربة مفهوم الكرامة















المزيد.....

أفكار أوليَّة في مقاربة مفهوم الكرامة


رياض الدبس

الحوار المتمدن-العدد: 6854 - 2021 / 3 / 30 - 14:51
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


ترتبط كلمة "الكرامة " بالإنسان منذ ولادته بوصفه كائناً مكرماً ومحترماً، أو ينبغي أن يكون كذلك، وربما كان هذا الارتباط سبباً في تقدم الكرامة بوصفها شعاراً في حراك شباب الربيع العربي منذ ما يزيد على عشرة أعوام. تقودنا هذه الأهمية المحورية التي يحتلها هذا المفهوم إلى التساؤل عن دلالاته؛ فما هي الكرامة؟ وما هو مفهوم الكرامة؟ متى تسمو ومتى تهدر؟
تمهيداً لمحاولة تلمس بعض الأفكار التي تدور في فلك هذا المفهوم، يمكن أن ننطلق من حقيقة تاريخية مفادها أن المفهوم تطور مع تغير حياة البشر وعملية بنائهم لوجودهم وطبيعة العلاقة القائمة بينهم؛ فهو عند اليونان والرومان وفي القرون الوسطى، مختلف عمَّا هو في عصر النهضة والتنوير. وقد ساهمت بعض النصوص الدينية في تمايز مفهوم الكرامة سلباً وايجاباً، وبتقديرنا ظل تعدد الأديان وتبايناتها وصراعاتها والتطرف والتكفير من أكثر المصادر هدراً للكرامة بصورة عامة، وهذا هدر أصبح أكثر خطورة بصورة خاصة بعد استثمار السلطات للدين، وما أقامته وتقيمه من تحالفات، ربما كان أخطرها التحالف الثلاثي القائم على (الأصوليات، والعصبيات، والاستبداد). ولا تزال البشرية، وفي منطقتنا بشكل خاص، تعيش خطر هذا التحالف في صورة هدرٍ للكرامة.
يعتقد بعض الباحثين أن المفهوم الحديث للكرامة الإنسانية شق طريقه مع الثورة الفرنسية (١٧٨٩) التي أطلقت شعارات الحرية والعدالة والإخاء، وتجاوز تأثيرها فرنسا إلى أنحاء أوروبا كافةً، وإلى عدد من دول العالم، وبنسب متباينة، وكانت لإيرلندا الأسبقية في ادخال الكرامة مادة في دستورها عام ١٩٣٧، تلتها المانيا حيث نص دستورها " كرامة الإنسان هي أمر لا يمس به واحترامها وحمايتها هي واجب كل سلطات الدولة". لم يتبلور المفهوم في تلك الفترة حتى من الناحية النظرية، وبقيت نزعة التمييز على أساس الدين والعرق واللون موجودة مع النزوع للهيمنة والاستعمار، وقد برزت هذه النزعة حتى عند بعض الفلاسفة والمفكرين والأدباء البارزين في أوروبا.
ثم تبلور المفهوم نظريا في أعقاب الحرب العالمية الثانية التي كانت نموذجاً لهدر كرامة البشر بكل أشكال الهدر التي عرفتها البشرية بصورة تفوق حتى الخيال، ويعرف الجميع حجم الموت والدمار والخوف والجوع وانتهاك الحريات والكرامات.
بعد انتهاء الحرب تمت صياغة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وصدر في ١٩٤٨/١٢/١٠. وساهمت في صياغته بشكل رئيس بعض الدول التي كانت منخرطة في الحرب، وامتنعت بعض الدول عن التصويت لصالح تمريره. وكأن هذا الإعلان الوضعي كان بمثابة تكفير عما جرى من هدر لإنسانية الإنسان من جهة، واعتراف صريح ان الكرامة الإنسانية هي أساس الحرية والعدل والسلام في العالم من جهة اخرى. ومن أبرز ما جاء في هذا الميثاق :" يولد جميع الناس أحراراً متساوين في الكرامة والحقوق وقد وهبوا عقلاً وضميراً وعليهم أن يعامل بعضهم بعضاً بروح الإخاء " (م١)؛ " لكل فرد الحق في الحرية وسلامة شخصه" ( م٣)؛ "لا يجوز استرقاق أو استعباد أي شخص ويحظر الاسترقاق وتجارة الرقيق بكافة أوضاعها" (م٤ )؛ " لا يُعٌَرض أي إنسان للتعذيب ولا للعقوبات أو المعاملات القاسية أو الوحشية أو الحاطة بالكرامة" (م٥ )؛ " لا يجوز القبض على أي إنسان أو حجزه أو نفيه تعسفياً "(م٩)؛ " لكل فرد حق التمتع بجنسية ما، ولا يجوز حرمان الشخص من جنسيته تعسفاً أو إنكار حقه في تغييرها " (م ١٥)؛ " لا يجوز تجريد أحد من ملكه تعسفاً" (م ١٧ ) .
انها وثيقة إنسانية بامتياز بموادها الثلاثين التي توضح مفهوم الكرامة.
تسمو الكرامة باحترام الإنسان بوصفه كائناً حراً مقدراً لذاته، في مجتمع يسوده القانون والعدالة مجتمع يعزز دور الفرد واستقلاله وارتباطه بكل ما هو انساني وفق الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
تسمو الكرامة بإقرار الحقوق المكافئة لها وتطبيق شقيها الطبيعي والقانوني واحترام الحريات الفردية والعامة التي تخضع للعقد الاجتماعي والتي يتنازل الفرد بموجبها طوعا عن جوانب من حريته.
تتعزز الكرامة بامتلاك الارادة الحرة التي تجعل الفرد إنسانا فاعلاً في عملية البناء الاجتماعي: " الناس احرار متساوون بالكرامة والحقوق"، "ولقد كرمنا بني ادم".. هذا ما أقرته الأديان والقوانين وحقوق الانسان. ويعني التكريم صون الحق الطبيعي للإنسان في الحياة وعدم تعرضه للاعتداء والقتل وتأمين حاجاته الأساسية، وحرية التنقل، والاختيار، والتعبير عن الراي.

يعزز الوعي الكرامة ويصونها وكذلك يفعل الفكر، والمعرفة، والممارسة الأخلاقية، والعقلانية؛ فالمواقف النبيلة يقوم بها إنسان نبيل امتلك الإرادة الحرة والكرامة، ويموت العبيد وهم يمجدون أسيادهم، وبموتهم يموت فعلهم، لأن الأفعال النبيلة فحسب هي التي تعيش بعد موت صانعيها الذين يحرصون على إعلاء الأخلاق من أجل تطور واستمرار الحياة الإنسانية.

استمراراً لسلسلة السمو بالكرامة نصل الى المجتمع المدني بوصفه فضاءَ ارتقاءِ الحرية والكرامة وسموهما، لأنه ميدان النشاط الحر والتباين والتوافق على أسس سلمية، وبوصفه قاعدة الدولة العمومية التي تصون الكرامة والحرية.
وايضا نقول إن كرامة الإنسان مرتبطة بسمو الأوطان وسيادتها، وحيادية الدولة ووطنيها وعمومتيها، وبالعلاقات بين الدول والشعوب القائمة على الاحترام المتبادل لتحقيق المصالح والمنافع المشتركة؛ فكرامة الفرد من كرامة وطنه كما ان كرامة الوطن من كرامة أفراده.

وفي الوقت الذي يساعد فيه تطبيق ميثاق حقوق الإنسان على اعتزاز الإنسان بإنسانيته وحريته، فإن خرق هذا الميثاق من قبل الدول والمؤسسات، أصبح صورة من صور هدر الكرامة (خاصة في مجلس الأمن بسبب تناقضات دول الفيتو فيه، والتي أصبحت جزءً من عملية هدر الكرامة الانسانية بمجملها).
وثمة صور متعددة لهدر الكرامة الإنسانية، توَّلد بمجملها شعوراً بأن الهيئات الدولية أصبحت عنصراً في عملية الهدر، منها: تباين مصالح بعض الدول وهيمنة الأكثر قوة وتأثيراً، وتعدد أنظمة الفساد والاستبداد، وازدياد دور الطغاة، ونهب الخيرات والثروات داخليا وخارجياً، وعسكرة العالم والفضاء، والتسابق لتقديم العنف على السلام الدولي، والاستئثار بالثروة بدل التوزيع العادل، والشعبوية بدل العقلانية.
ويظل أكثر أنواع هدر الكرامة الإنسانية بشاعةً هو هدر كرامة الأوطان من قبل قوة خارجية، أو نشوب حروب داخلية فيها، أو الهيمنة الاقتصادية على ثرواتها ونهبها من قبل الطامعين في الخارج أو السلطات التسلطية المستبدة. والنموذج الاكثر فظاعةً هو نهب للثروات ومصادرة الحريات ونشر الفساد وتغييب القانون تحت يافطة الديمقراطية والحرية والاشتراكية وفي هذه الحالة تهدر كرامة الوطن والمواطن معاً.
وتشكل قوى الارهاب والتطرف الديني، والعصبيات الاقصائية، والسلطات التسلطية وتحالفاتها، مصادر رئيسية لهدر الكرامة.
ونذكر أيضا من الظواهر التي ادخلت البلاد والعباد في دوامة هدر الكرامة تلك القوى الإيديولوجية العقائدية بتسمياتها المتعددة والتي اهتزت فكرياً ومعرفياً مع الهزات والتغيرات الدولية، واصيبت بانفصام بين النظرية والتطبيق، وبشكل خاص تلك التي تمسك بزمام السلطة، وما اقامته وتقيمه من تحالفات فيما بينها أو مع قوى دولية وإقليمية.
الهدر الأكبر لكرامة الفرد والاوطان يتجسد في القتل، والإرهاب، والتمييز، والخوف، والفقر، والجوع، والبطالة، والجهل، والانقياد، وكل كابوس يلاحق المهدورين حتى الموت. والأكثر تضرراً وقهراً وهدراً لحريتهم وكرامتهم وانسانيتهم، هم الأطفال والنساء، وهم الأكثر استلاباً لإرادتهم. وتندرج المساعدات المشروطة بمواقف، ومساعي الإغاثة المقرونة بالتباهي، في إطار هدر الكرامة بما تحمله من إذلال لهؤلاء المحتاجين.
تشكل الحربان العالميتان، والحروب الأهلية في رواندا ويوغسلافيا السابقة، وحروب الابادة والتهجير والجوع في بلدان الثورات العربية وما نتج منها، نماذج حديثة فاقعة على هدر الكرامة الإنسانية. ولا بد من الإشارة هنا إلى أن تقاعس المجتمع الدولي عن حماية الجماعات التي تتعرض للإبادة هو تواطؤ على الكرامة الإنسانية.
تمثل مجتمعاتنا العربية واخرى مماثله لها في العالم نماذج واقعية لمعاينه المفهوم بسموه وهدره بعيدا عن فلسفته ونظريته؛ فالواقع هو الاصدق وهو الذي ينطق بمضمونه إيجابا وسلباً ومن مجمل ما ينطق به واقعنا: الحروب، والاحتلالات، ونهب الثروات، والاعتقالات، والتهجير، والاغتيالات، وسلب الممتلكات، والتعذيب، والتكفير، والقتل، وغياب القانون، والتهجير القسري، وإرهاق البشر بالضرائب، والحرمان من الجنسية، وسلب الممتلكات، والسرقات، والسجن، والتمييز حسب الجنس أو العرق أو الدين، وعدم احترام الاخر وعدم فهم الاختلاف، وكل هذه نماذج هدرٍ للكرامة الإنسانية.
يمثل التابعون المتسلقون الانتهازيون ادوات السلطان وعيونه، بما يقومون به من افساد وتجني وبيع الذمم من اجل منافع صغيرة، يرونها بسبب ضعفهم وجبنهم كبيرة، نموذج هدر مقيت لكرامتهم وكرامة الاخر، المؤسف حقا أن بعضهم من أصحاب الشهادات الذين وجدوا ان رضا سيدهم أهم من الكرامة، واعتقدوا واهمين أنهم أصبحوا مكرمين بالمكان الذي اوصلتهم اليه وضاعتهم.
يضاف إلى هؤلاء نموذج سلوكي آخر للهدر يتجسد في من يعتقِلُ ويضطهِد ويقتل الاحرار باسم الوطن، من يفرق ويشرذم باسم وحدة الأمة، من ينهب الممتلكات العامة باسم الاشتراكية، ومن يزهق الأرواح ويسبى النساء ويحرق الرجال ويفتتح دور الدعارة وجهاد النكاح باسم الإسلام وبناء دولة الخلافة، ومن يستبيح الأرض ويقسم البلاد ثأراً باسم بشراً قضوا منذ قرون، ومن يجعل الأعوج على اليمين اعوجاً على اليسار باسم التجديد، الفاعل والمفعول به مهدورا الكرامة.

أخيرا بين الهدر والسمو تشكل "الشعوب" عبر تطورها التاريخي خطاً بيانياً متعرجاً صاعداً، محورة النضال لتحيق الحرية والكرامة وسيادة القانون والإنصاف، ولها بالشعوب التي حققت تقدما في هذا المجال عوناً ونصيراً رغم مواقف أنظمتها المختلف أحيانا. ويعتبر وعي مفهوم الكرامة الإنسانية مقدمة ضرورية لتحق



#رياض_الدبس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أفكار أوليَّة في مقاربة مفهوم المكرامة
- صناعة العنف والتطرف
- من تعطيل الإصلاح إلى تعطيل الثورات
- الثورات العربية وعقلانية التاريخ
- قراءات في مفهوم الحرية
- السودان العميق وضحالة البشير


المزيد.....




- مفاجأة غير متوقعة.. شاهد ما فعله ضباط شرطة أمام منزل رجل في ...
- بعد فشل العلاقة.. شاهد كيف انتقم رجل من صديقته السابقة بعد ت ...
- هيئة المعابر بغزة ومصدر مصري ينفيان صحة إغلاق معبر رفح: يعمل ...
- لماذا يتسارع الوقت مع التقدم في السن؟
- بلجيكا تبدأ مناقشة فرض الاتحاد الأوروبي عقوبات ضد إسرائيل
- رداً على -تهديدات استفزازية- لمسؤولين غربيين .. روسيا تعلن إ ...
- تغطية مستمرة| الجيش الإسرائيلي يستعد لاجتياح رفح ويدعو السكا ...
- غارات إسرائيلية ليلية تتسبب بمقل 22 فلسطينيا نصفهم نساء وأطف ...
- أول جولة أوروبية له منذ خمس سنوات.. بعد فرنسا، سيتوجه الرئيس ...
- قاض بولندي يستقيل من منصبه ويطلب اللجوء إلى بيلاروس


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - رياض الدبس - أفكار أوليَّة في مقاربة مفهوم الكرامة