علاء عبيس راضي كاظم الجبوري
الحوار المتمدن-العدد: 6837 - 2021 / 3 / 11 - 21:41
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
مزاياه وعيوب الانظمة الفيدرالية
مقدمة
اتجهت الكثير من الدول وعلى اختلاف انظمتها السياسية الى تبني النظام الفيدرالي كشكل للدولة والادارة , يرجع ذلك الى مجموعة اسباب وان اختلفت بين دولة واخرى الا ان معظمها جاءت نتيجة المشاكل السياسية-الاقتصادية-الاجتماعية-الاثنية-القومية- وغيرها اذا يوفر النظام الفيدرالي حلا لمجموع هذه المشاكل, الا انه وعلى الجانب الاخر يتسم بمجموعة عيوب جعلت من الدول الاخرى تتخوف من الاتجاه اليه وتبنيه , مما يستلزم منا بيان تلك المزايا والعيوب , مما يستوجب ذكره هنا ان بعض تلك السمات والعيوب قد تختلف ما بين دولة واخرى وذلك يرجع الى طريقة فهم النظام الفيدرالي من قبل القائمين على السلطة والثقافة السياسية لهم, هناك مجموعة مزايا لهذا النظام وهي:
اولا: مزايا الفيدرالية
1- يعد هذا النظام ضرورة بالنسبة للدول الكبيرة خاصة اذا كانوا افرادها غير متجانسين تماما, حتى قيل ان هذا النظام يمكن تطبيقه على قارة بأكملها بنجاح , وهو ما تحقق في الولايات المتحدة الامريكية.
2- يحقق النظام الفيدرالي التوازن بين مصلحة الدولة ومصلحة الوحدات المكونة , اذ ينظم العلاقات بين المستويات الادارية المختلفة وتتقسم الحقوق والواجبات فيما بينها وكذلك الصلاحيات ونمط العلاقة من الاعلى الى الادنى وبالعكس اذ يحدث نوع من التنسيق والتكامل والتعاون بين المستويات المختلفة بصورة طوعية دون اكراه او فرض او تشدد عكس الانظمة المركزية.
3- تسمح الدولة الفيدرالية بالجمع بين مزايا الدولة الموحَّدة ومزايا الدولة المركبة, حيث تأخذ من الدولة الموحدة مبدأ الاحتفاظ بوحدة الدولة ككيان واحد كبير وقوي في النطاق الدولي، وأيضاً في الاحتفاظ ببعض السلطات في المسائل الداخلية الهامة، وتأخذ من الدولة المركبة مبدأ إعطاء قدر كبير من الاستقلال للولايات في السيادة على إقليمها بما يرضي مواطنيها ويحقق مصالحهم.
4- تتميز الانظمة الفيدرالية بالمرونة في مواجهة الظروف المتغيرة, فدساتير كل من (الولايات المتحدة1789م- وسويسرا 1848م- كندا 1867م – استراليا1901م) والتي هي من بين اطول الدساتير عمرا في العالم, فعلى على الرغم من المشاكل التي واجهتها الا انها أي الفيدراليات الاربع اضافة الى المانيا قد ظهرت درجة من المرونة والقدرة على التكيف.
5- يتميز النظام الفيدرالي بأن الدستور المكتوب لا يمكن تعديل بعض أجزاءه من قبل الحكومة الفدرالية بمفردها, تحتاج التعديلات الرئيسية التي تؤثر على الوحدات المكونة بصفة عامة إلى موافقة أساسية منها بالإضافة إلى الحكومة المركزية, فالدستور هو الذي يقوم رسميا بتخصيص السلطات التشريعية بما فيها السلطات المالية لمستويي الحكومة بما يضمن قدراً من الاستقلال الذاتي الحقيقي لكل مستوى, غير أن الأنظمة الفدرالية تختلف بشكل كبير في طريقة ومدى تعريفها للسلطات المميزة لكل من المستويين.
6- يقلل النظام الفدرالي من المركزية الزائدة في السلطة ، ويمنح السكان حريات أوسع في تسيير شؤونهم الداخلية ، ويزيد من الممارسة الديمقراطية ، إلاّ أنه يعاب عليه وجود ازدواج في السلطة ، أي وجود سلطتين اتحادية وإقليمية ، وعدم التجانس في التشريعات العامة مع وجود فرصة لقيام منازعات بين السلطات الاتحادية والإقليمية ، لكنه رغم ذلك يمنع الاستبداد والانحرافات
7- يوفر النظام الفيدرالي لمواطني الدولة الاتحادية جنسية واحدة هي (جنسية الاتحاد) وهي احد الاثار المترتبة على انفراد حكومة الاتحاد بالسيادة على الصعيد الخارجي والداخلي، لان موضوع الجنسية يعد من ملامح (التوحد) التي ينطوي عليها الاتحاد الفيدرالي وينسجم مع طبيعة الدولة الاتحادية.
8- لا يلغي النظام الفيدرالي كلية الوحدات الداخلة في الاتحاد بل تحتفظ كل وحدة منها بقسم من السيادة, ما يمكنها من أن تبرز كدولة في مظهرها الداخلي بنظامها التشريعي, الإداري والقضائي وهكذا , فالدستور الفيدرالي يضمن الاستقلال الذاتي لكل الوحدات الداخلة التي شاركت في إعداده, وهذا في أطار الدستور الاتحادي تملك الوحدات الداخلة في النظام الفيدرالي حق تنظيم نفسها بكيفيات تتحقق مع مصالحها وأهدافها الخاصة, بشرط أن لا يتعارض مع ما يعتبره الدستور الاتحادي كثوابت, أما في المجال الخارجي فأن الدولة المكونة للاتحاد تفقد شخصيتها الدولية وبالتالي فالمجتمع الدولي لا يتعامل إلا مع الكيان الجديد دولة الاتحاد.
9- تمثل الفيدرالية الحل المثالي والواقعي للمجتمعات المتعددة التي يشكل فيها التنوع ازمة قد يؤدي الى التفكك والانفصال, فالفيدرالية تجمع بين كل اطراف التنوع في اطار اتحادي يقع في منطقة الوسط ما بين الاتحاد الكامل وبين الاستقلال التام ضمن اطار الدولة الفيدرالية الواحدة.
10- تحقق الفيدرالية خبرة واسعة في الشؤون الدستورية اذ ان استقلال الولايات في كثير من الامور الداخلية يجعل كل ولاية مستقلة بتشريعاتها ولكل منها دستورها الخاص- ولاشك ان القوانين والنظم التي تثبت نجاحها في احدى الولايات ستسري على الولايات الاخرى فتعم الفائدة.
ثانيا: عيوب الفيدرالية
تبقى الفيدرالية كشكل للدولة وادارتها خاضعة للمقارنة بين المزايا التي توفرها والعيوب الناتجة عنها وهذا امرا طبيعيا وفقا لما يقدمه اصحاب هذا الاتجاه او ذاك من حجج يستندون اليها, فكثرة المزايا لا يعني خلوها من العيوب اذ يستشهد اصحاب هذا الاتجاه بمجموعة دول تبنت النظام الفيدرالي الا انها فشلت في ذلك واخرى لا زالت تعاني من مشاكل وثالثة غدت فيها الفيدرالية معضلة لمشكلة الاقليات وادارة التنوع بدل من حلها, الا انه يستلزم الاشارة الى ان بعض تلك الحجج المقدمة تتعلق بالقائمين على السلطة واختلاف المجتمعات ومستوى الثقافة الموجودة داخل كل دولة, بالتالي تختلف عيوبها من دولة الى اخرى الا ان العيوب المشتركة بين كل الانظمة الفيدرالية تتمثل في:
1- تعدد التفسير للدستور: قد يثير تطبيق الدستور الفيدرالي مسائل كثيرة فيما يتعلق بتفسير نصوصه ورقابة احترامه و عليه فإن القضاء الدستوري هو المختص بكفالة احترام الدستور ورد الاعتداءات التي قد تقع عليها وتفسيرها بما يتفق ومضمونها ووجه المصلحة المقصودة منها.
2- تتسم عملية توزيع السلطات-الاختصاصات-الصلاحيات بين الحكومة الاتحادية والاطراف (الولايات-المحافظات-الاقاليم- الجماعات-اللاندر-المقاطعات....الخ) وتثبيتها في الدستور بالتعقيد بسبب التعارض الشديد بين نزعتي الوحدة والاستقلال, لذلك تعتبر عملية التوزيع جوهر الفيدرالية واساس بناء الانظمة الفيدرالية ونجاحها او العكس, فهي جوهر الاي دستور فيدرالي.
3- تعزيز النخب المحلية التي تسيء استخدام السلطة: يمكن أن تسيء الحكومات المحلية استخدام السلطة لتحقيق مكاسب خاصة على حساب الصالح العام. ومن الصعب دائماً استئصال الفساد، لا سيما على مستوى الولايات أو المقاطعات أو الأقاليم، حيث يكون متجذراً في شبكات محلية ويحدث بعيداً عن أعين سلطات مكافحة الفساد الوطنية, وفي بلدان يعتمد فيها ناخبون كثيرون اقتصادياً أو اجتماعياً على نخب محلية )نتيجة تحكم تلك النخب مثلاً بإمكانية الحصول على عمل أو أرض أو غيرها من السلع, يتمثل التحدي الأكبر في ضمان أن الحكم اللامركزي هو ديمقراطية لامركزية، وليس حكم أقلية لامركزي أو دكتاتورية لامركزية.
4- ان السلطات الواسعة للحكومات المحلية تعوق بلورة رؤية تنموية شاملة على مستوى الدولة ككل, اضافة الى ان التنوع الكبير الذي تعززه السياسات المحلية يعسر صوغ هوية وطنية وهو ما يطرح بشكل مزمن إشكالية الانتماء الوطني.
5- ان توسع قاعدة المشاركة في الصلاحيات وتدني المراقبة والقيم واخلاقيات العمل العام في بعض الفيدراليات يسمح لعدد اضافي من الموظفين بسرقة الاموال العامة دون محاسبة, لذا يعتقد (غولدسميث) " ان المحاسبة والشفافية تتوفران في الانظمة المركزية بصورة اكثر من الانظمة اللامركزية الفيدرالية", مما يعني زيادة في حدة الفساد على مستوى الدولة الفيدرالية على عكس المركزية لقلة عدد الاشخاص في تلك الانظمة التسلطية.
الخاتمة
يبقى النظام الفيدرالي كغيره من الانظمة في ادارة الدولة مختلف عليه وله من الانصار والمؤيدين وعلى الجانب الاخر معارضين ومنتقدين لهم وكل منهم يقدم حججه واسبابه, الا ان الباحث يرى ان النظام الفيدرالي يسهم في معالجة بعض القضايا والمشاكل التي تعاني منها الدول الا ان المشكلة تكمن في الية وتصميم الفيدرالية ابتداء من تضمينها في الدستور وتقبلها كنظام للحكم والادارة سياسيا-مجتمعيا وما بين طبيعة النظام السياسي السائد ونمط الاحزاب هل هناك تعددية حزبية مقيدة ام مفرطة , لذا فأن العيوب تكمن غالبا في التطبيق وليست في التنظير لذا فهو ينجح في دول ويفشل في اخرى وهو امرا طبيعيا للغاية شأنه شأن الانظمة الاخرى.
قائمة المصادر
1. اسماء حسين محمد, دراسة تحليلية عن الفيدرالية والفساد في إفريقيا : السودان ونيجيريا نموذج, المجلة العربية للعلوم السياسية, جامعة بحري, الخرطوم, السودان, 2013, ص144.
2. ابتسام محمد عبد العامري, الفيدرالية واشكالية العلاقة بين المركز والاقليم في العراق, مجلة العلوم السياسية, كلية العلوم السياسية, جامعة بغداد, العدد(51) , 2016, ص156.
3. اثمار كاظم الربيعي, الفيدرالية الالمانية والمشروع الفيدرالي المقترح في العراق (دراسة مقارنة), مجلة دراسات دولية, مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية, جامعة بغداد, العدد(40), ص134.
4. اسماعيل المحمد, الدولة الاتحادية (الفيدرالية), مجلة الحوار , العدد(71), نوروز مركز الثقافة و الإعلام, 2018, ص4.
5. بلند ابراهيم حسين شالي, العلاقة بين الحكومة الاتحادية والحكومات المحلية في النظم الفيدرالية دراسة حالة العراق, منشورات مركز كردستان للدراسات الاستراتيجية, السليمانية, العراق, 2014, ص13.
6. جورج اندرسن, مقدمة عن الفيدرالية, ترجمة مها تكلا , تحرير مها بسطامي وماري جويل زهار, منتدى الاتحادات الفيدرالية, اوتاوا, كندا, 2007, ص3.
7. خضر حاجي رسول وعبد الغفور كريم علي, الفيدرالية ملاحظات قانونية وموضوعية عامة, مجلة جامعة كركوك للدراسات الانسانية, العدد(1) المجلد (4), السنة(4), 2009, ص101.
8. رونالد واتس, الانظمة الفيدرالية, ترجمة غالي برهومه ومها بسطامي ومها تكلا , منتدى الاتحادات الفيدرالية, اوتاوا, كندا, 2006, ص8.
9. عبد المنعم ابو طبيخ, توزيع الاختصاصات في الدولة الفيدرالية دراسة مقارنة, رسالة ماجستير, كلية القانون والسياسة, الاكاديمية العربية المفتوحة, الدنمارك, 2009, ص21.
10. الفيدرالية, المؤسسة الدولية للديمقراطية والانتخابات , الكراسات الأساسية لبناء الدستور, 2015, ص6.
11. قحطان أحمد الحمداني ، المدخل الى العلوم السياسية ، دار الثقافة للنشر والتوزيع ، عمان ، الاردن ، ط1، 2012 ، ص 190-ـ191 .
12. ماجد نجم عيدان وحسام شكر امين, إشكالية التجربة الفيدرالية في العراق, مجلة كلية القانون للعلوم القانونية والسياسية, جامعة كركوك, العدد(المجلد), العدد(12), ص228.
13. محمد بشير الشافعي ، القانون الدستوري والنظم السياسية السودانية، ج1، منشاة المعارف، الاسكندرية، 1970، ص120-121, نقلا عن عبد العظيم جبر حافظ, الفيدرالية في العراق المعوقات والممكنات, المصدر نفسه.
14. محمود الطائي, اضواء على الاوراق الفيدرالية, ابحاث حول الفيدرالية, مؤسسة افاق للدراسات والابحاث العراقية-مطبعة ثامن الحجج , ط2, 2010, ص67.
15. معمر مهدي صالح الكبيسي, توزيع الاختصاصات الدستورية في الدولة الفيدرالية, منشورات الحلبي الحقوقية, بيروت, ط1, 2010 , ص17.
#علاء_عبيس_راضي_كاظم_الجبوري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
اليوتيوب
لينكدإن
تيلكرام
تمبلر
بلوكر
الموبايل
