أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حازم ضاحي شحادة - امرأةٌ تصغي إلى حديثٍ عادي















المزيد.....

امرأةٌ تصغي إلى حديثٍ عادي


حازم ضاحي شحادة

الحوار المتمدن-العدد: 6837 - 2021 / 3 / 11 - 11:38
المحور: الادب والفن
    


بدأ كلُّ ذلكَ حينَ تأثَّرتُ لأوَّلِ مرَّةٍ في الصِّبا بالمسلسلاتِ والأفلامِ التي تتحدَّثُ عن القراصنةِ وأردتُ أن أصبحَ قرصاناً..

كنتُ أقصُّ عليها مُوجزاً مُتواضِعَاً عن تاريخِ أحلامِي وهيَ تضعُ باستغراقٍ عجائبي (المانيكور) فوقَ أصابعِ قدميها.

أشعلتُ سيجارةً وتابعت:

ـ هكذا يا عزيزتي رحتُ أتخيلُ نفسي بربطةٍ مَعصوبةٍ على الرأسِ واقفاً في مقدمةِ السفينةِ الشراعيةِ والمدى الأزرقُ الرحيبُ كلّهُ.. مُلكِي.

ـ للحياةِ طريقتها في تبخيرِ الأحلام..

مَع مرورِ الأيَّامِ أدركتُ أنَّ جزيرة الكنزِ أبعدُ مما تخيّلت أمّا السفنُ الشراعية فما عاد لها وجودٌ سوى في المَتاحفِ البحريةِ والقراصنة في هذا الزمنِ باتوا مُقرفين يرتدون بزِّاتٍ رسميّةٍ وربطات عنق.

من نافذة الغرفةِ تسلَّلَ بعضُ الضوءِ عقبَ ساعةٍ ماطرةٍ فأصبحَ لونُ دخانِ السيجارة المُتعرّجِ صعوداً أزرق، أمَّا المرأة فَبَدت وهي تُمرِّرُ الفرشاةَ الصغيرةَ على إصبعِ قدمِها اليُسرى الصغير.. أشهَى.

ـ بَعدَ فترةٍ منَ الزَّمنِ شاهدتُ محمود عبد العزيز يُمثِّلُ دورَ رأفت الهجّان وباتَ من الضروري أن أصبحَ جاسوساً كي أخدمَ بلادي.

رحتُ أتخيّلُ نفسي أنيقاً، وسيماً، أضاجعُ نساءَ الطبقةِ المخمليةِ الإسرائيليةِ اللعينة وفي ذاتِ الوقتِ أنقلُ المعلوماتِ الضرورية لمصلحةِ الوطنِ والمواطن ممَّا يجعلُ نكاحِي لنساءِ الأعداءِ نضالاً بحدِّ ذاتهِ وفتحَاً عظيماً.

ـ كما صرتِ تعرفينَ.. للحياةِ طريقتها في تبخيرِ الأحلامِ.

مع مرورِ الزمن، اكتشفتُ أنَّني لستُ أشقر ولا وسيماً بما فيهِ الكفايةِ كي أصبحَ جاسوساً مثلَ رأفت الهجان أمّا الأناقةُ فبيني وبينها ما صنعَ الحدّاد لكن حينها كانَ لا بدَّ أن أصبحَ عظيماً مثلَ أحدهم.. من يا ترى؟

حينَ أنهت صديقتي وضعَ المانيكور على أظافرِ قدمها اليسرى قامَت بتعديلٍ خفيفٍ على نتفِ القطنِ المُوزَّعةِ بينَ الأصابعِ ثمّ راحت تنفخُ برويّةٍ كي يجفَّ الطلاءُ الأحمرُ بسرعةٍ وبعدَ دقيقةٍ أو أقلّ.. بدأت بالثانية.

شعرتُ بحاجةٍ إلى بعضِ النبيذِ وكانَ في الزجاجةِ بقايا من أمسٍ العاصف كبعتُ ما فيها دفعةً واحدة وأشعلتُ سيجارة ثانية ثم أردفت:

ـ في مراهقتي، قرأتُ وسمعتُ كثيراً عن الإسكندرِ ذي القرنين، فاتحِ العالم بأسرهِ وباتَ من الواجبِ أن أفتحَ العالمَ وكلُّ ما كنتُ بحاجتهِ أباً عظيماً كفيليب كي أرثَ جيشهُ العرمرم وعَالماً قديماً لا وجودَ فيه للأمريكيتين و... حنكة عسكرية.

حين قلتُ لأبي:

ـ سأصبحُ ملكاً للكونِ كالإسكندر وعليكَ أن تكونَ إمبراطوراً كفيليب حتى تورثني جيشكَ الجرّار بعد أن يطعنكَ الخونة في كرشكَ حتى الموت..

نظرَ إليَّ باشمئزازٍ وقال..

ـ أيّ ذنبٍ اقترفتهُ حتى أرسلَ لي الله وغداً مثلك ليكونَ ابني؟

وهكذا أيتها الحلوة.. تخلَّيتُ عن فكرةِ فتحِ العالم. من يومها هو من يفتحني.

أنهت وضعَ المانيكور على أظافرِ قدمها اليمنى وكما فعلت قبلَ قليلٍ قامَت بتعديلٍ خفيفٍ على نتفِ القطنِ المُوزَّعةِ بينَ الأصابعِ ثمّ راحت تنفخُ برويّةٍ كي يجفَّ الطلاءُ الأحمر..

اختفى حزامُ الضوءِ خلفَ غيمٍ رمادي داكن وعاودَ المطرُ إغواءَهُ القديم.

من على الطاولةِ المجاورة لنافذة الغرفةِ حيث كنتُ جالساً أدخِّنُ أخذتُ هاتفي المحمول وبحثت في مقاطعِ الموسيقى المحفوظة عن كونشيرتو البيان للرفيقِ موزارت فلم يَطُل بَحثِي وبعدَ أن ضغطتُ على بدءِ التشغيلِ أشعلتُ سيجارةً جديدة.

كانت ساقاها شبهُ متلاصقتين حين قامت بِرفعِهمَا رويداً رويداً مُستديرَة باتّجاهِ حافةِ السرير ثمّ أنزلتهما وبقيت جالسةً على ذي الحالِ فكانَ ظهرها ناحيتي وفي مرآة الخزانة استطعتُ أن أرى صورة نصفيةً للقسمِ الأيسرِ من جسدها العاري وهي مشغولة بوضعِ المانيكورِ على أصابعِ اليدين.

شجرةُ الإيكدينا الوحيدة في الحديقةِ المتواضعة التي أمامَ الغرفة كانت تميلُ مع عصفِ الرياحِ الذي اشتدَّ واستمرَ هطولُ المطر..

كان مطراً غزيراً وجميلاً يليقُ بيومٍ سوريٍّ عتيق.

ـ دارت الأيّامُ ومرّت الأيّام ثمَّ شاهدتُ مارلون براندو يُمسِّدُ بيديهِ على رأس تلك القطة ويداعبها فقفزتُ عن الأريكةِ مُوقعاً منفضة الرمادِ وصرختُ:

ـ وجدتها، سأكونُ عرّاباً لمنطقةِ الشرق الأوسط، كلُّ ما عليَّ فعله هو أن أقتلَ الناسَ الذينَ لايحبونني.

بعدَ أن هدأ انفعالي وفكرتُ قليلاً اكتشفتُ أنني أجبنُ من ذلك بكثير وللأسف، لن أصبحَ العرَّابَ أبداً.

حينَ انتهت من طلاءِ أظافرِ يديها نَهضت عن طرفِ السريرِ وتوجّهت إلى الحمّامِ فارتجّت مؤخِّرتُها نتيجةِ لفعلِ النهوضِ والمشي وحينَ أصبحت في الداخلِ أغلقت الباب.

ـ يا لها من عاصفةٍ في الخارج.

قلتُ ثمَّ سحبتُ من سيجارتي نفساً عميقاً وأضفت:

ـ في تلكَ المرحلةِ من عمري سيطرَت على عقلي فكرةُ العَظَمَة وكانَ لا بدَّ أن أصبحَ عظيماً كأحدهم وحينَ شاهدتُ ذات يومٍ فيلماً لجوني ديب يمثلُ فيه شخصية الدون خوان دي ماركو ابتسمتُ بمكرٍ لأنَّه ما كانَ عليَّ إلَّا أن أضاجعَ ألفَ امرأةٍ بمختلفِ الطرقِ والأساليب وستتناقلُ البشرية أخبار مغامراتي النسائية....

فجأةً.. فتحت صديقتي بابَ الحمَّامِ بعنفٍ واندفعت باتجاهي ثمَّ حينَ أصبحت قربَ الطاولةِ تماماً أخذت من يدي ما تبقى من السيجارةِ ثم أسندت كوعَ يدها اليمنى على ظهرِ أصابع اليدِ اليسرى بعد أن مالت بخصرها قليلاً وعبّت التبغَ ثم قالت:
ـ بماذا تفضّلت حبيبي؟

كانَت مَلامِحُها تدلّ على الغضبِ لكن، رغمَ ذلك، بدت أجملَ من أيِّ وقتٍ مضى فقلتُ بعد أن نهضتُ عن الكرسي واقتربتُ منها حتى صرتُ ملاصقاً لها:

ـ لوهلةٍ اعتقدتُ أنني أحَدِّثُ نفسي في مونولوجٍ ماطر.

كنتُ أقولُ..
ـ بعدَ أن اعرفتكِ صرفتُ النظر عن كل ما فاتَ وأدركت كم كانَ عظيماً أوسكار وايلد حين قال..

ـ (كُن نَفسك، بقيّة الأدوارِ تمَّ توزيعها).



#حازم_ضاحي_شحادة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- فادي جودة شاعر فلسطيني أمريكي يفوز بجائزة جاكسون الشعرية لهذ ...
- انتهى قبل أن يبدأ.. كوينتن تارانتينو يتخلى عن فيلم -الناقد ا ...
- صورة فلسطينية تحتضن جثمان قريبتها في غزة تفوز بجائزة -مؤسسة ...
- الجزيرة للدراسات يخصص تقريره السنوي لرصد وتحليل تداعيات -طوف ...
- حصريا.. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 المبارك وجميع القنوات ال ...
- الجامعة الأمريكية بالقاهرة تطلق مهرجانها الثقافي الأول
- الأسبوع المقبل.. الجامعة العربية تستضيف الجلسة الافتتاحية لم ...
- الأربعاء الأحمر -عودة الروح وبث الحياة
- أرقامًا قياسية.. فيلم شباب البومب يحقق أقوى إفتتاحية لـ فيلم ...
- -جوابي متوقع-.. -المنتدى- يسأل جمال سليمان رأيه في اللهجة ال ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حازم ضاحي شحادة - امرأةٌ تصغي إلى حديثٍ عادي