أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - أحمد عمر النائلي - التطرف الديني : مقاربة سيميائية















المزيد.....

التطرف الديني : مقاربة سيميائية


أحمد عمر النائلي

الحوار المتمدن-العدد: 6808 - 2021 / 2 / 7 - 20:49
المحور: قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
    


جهد مميز قام به الدكتور عبدالله بريمي Abdellah Berrimi ، استاذ السيميائيات والتأويلات بجامعة مولاي اسماعيل بالكلية المتعددة التخصصات - الرشيدية بالمغرب ، وذلك لقيامه بترجمة كتاب
"" سيميائيات الأصولية الدينية : خطاباتها ، بلاغتها ، وقوتها الاقناعية ""
الصادر عن دار كنوز المعرفة للنشر والتوزيع ، والذي جاء في 160 صفحة من القطع المتوسط، لمؤلفه السيميائي البرفسور الايطالي ماسيمو ليوني Massimo Leone، الاستاذ بجامعة تورين Turin الايطالية و جامعة شنغهاي Shanghai الصينية ، وصدر هذا الكتاب باللغة العربية عام 2016 .
وهو اضافة مهمة للمكتبة العربية والتي تفتقد مثل هذه الدراسات السيميائية المعنية بالتطرف الديني ، والتي عاشتها المنطقة العربية منذ عشرات السنين, وخاصة بعد فشل التوجه القومي بانتهاء المشروع الناصري ،وظهور الثورة الايرانية وحرب أفغانستان ،والتي شحذت الفكر المتطرف ووظفته لهذه الحرب .
حيث حاول المؤلف معرفة كيفية إنتاج المعنى الاصولي لحظة انبثاقه وتداوله وتلقيه ، و اعتمد في منهجه السيميائي على السيميائيات التوليدية والتأولية والثقافية وسيميائيات الكون ؛ لتفحص صيرورة المعنى في البناء الأصولي ، سواء أكان ديناميا أو تأوليا ، مستخدما الاستنباط والاستقراء (وأعتقد أن الإبعاد Abduction كان حاضرا أيضا ، بما أنه اعتمد فعل التأويل) .
لقد استطاعت الاصولية الدينية أن تقدم عالما معنويا كونيا بديلا ، يتضمن اقتراح أسلوب حياة يقوم على التآصر والتضامن ، لم تستطع الحياة العصرية أن تقدمه ، ويجعل من الحياة ممكنة خارج بعدها النفعي والبيولوجي ، حيث توصلت هذه الدراسة السيميائية الى أهم نتيجة بحثية (وكما أزعم) ألا وهي :
أن الاصولية الدينية لاترتبط بلغة أو دين ما ، بل هي ظاهرة تخص كل الشعوب ، وليس كما يسوق المخيال الجمعي الغربي بأن الاصولية هي ظاهرة اسلامية فقط وليست ظاهرة بروتستانتية أو يهودية مثلا ؛ فرغم أن الادبيات الغربية تعود بالاصولية الدينية الى المسيحية إلا أن المخيال الجمعي يربطها بالاسلام ؟ وهذا أمر خطير كما يرى المؤلف ؛ لانه سيزيد من إنكفاء المسلمين في الغرب على أنفسهم وزيادة العنف ضدهم .
والأصولية الدينية ليست معنية بالدين فقط ، فهي متمثلة في أنساق أخرى مثل الشيفونية الوطنية العرقية .
ونشير ومن خلال هذه الدراسة إلى أن السيميائيات الاصولية الدينية تقوم على تبني استراتيجية التكرار ضد استراتيجية البروز ، وتعمل على إيقاف التاريخ عند الزمن الماضي وتقديم أنموذج تاريخي ما ، يتم إنتقاؤه وتكراره ، كما تؤمن بإيقاف واحتكار حركة التأويل لصالح جماعة ما ، وادعاء امتلاك خطاب الحقيقة ، ونبذ الاحتمال ، فهي تدعي اليقين الذي يعتمد على القراءة المباشرة الحرفية للنصوص المقدسة ، بعيدا عن أية تأويلات غير مباشرة ، لذلك فهي تنبذ التوجهات العرفانية الصوفية لاعتمادها التأويل المتعدد ، فيتحول الانسان الاصولي بذلك وبعد ترسخ وشيوع خطابه عبر الزمن وبشكل غير واعي (حالة اللاوعي) إلى أن يكون متحدثا باسم الإله ونائبا عنه ،فلا يناقش كل مسلماته التي انتقل منها ولا يؤمن بالعيش المشترك مع الآخر ، فيدخل في صراع مع كل جديد لا ينتمي للحظة الماضوية ، والتي تمثل قمة الطهرانية والتعالي ، بمقارنتها مع كل اللحظات التاريخية اللاحقة بعدها ، حيث يتم رفض إخراج الخطاب الديني من سياق لحظة انبثاقه التاريخية ليكون خطابا مستداما يتضمن كل ماهو عام وأخلاقي
فتقل التفاصيل الآنية( المتعلقة بلحظة انبثاق الخطاب) لصالح العموميات القليلة المستدامة .
إن خطاب الاصولية الدينية وانطلاقا من تبنيه للحظة الماضوية والتي انبثق منها الخطاب ينبذ التكنولوجيا والديمقراطية ، فهي بالنسبة إليه خطاب مغاير ومعادي ، وكذلك ينطبق ذات الشئ على اللغة والمفردات المستخدمة والملابس ، حيث تصبح اللغة والملابس المتعلقة بلحظة انبثاق الخطاب أكثر طهرانية وقداسة .
والسيميائية الاصولية تقوم على بلورة المعنى عبر الافعال، وعندما تعجز عن إقناع الأخر بهذا البناء الكوني المعنوي الاصولي تذهب الى ممارسة العنف لافتقادها الحجة .
وهي لا ترتبط بالمحيط المعرفي الكهنوتي فقط ، بل بالجانب الانفعالي والتداولي .
ورغم أن المعاجم والمصطلحات والممارسات العلمية في الغرب والتي تناولت الاصولية الدينية لم تنسبها للاسلام واللغة العربية ، إلا أن المخيال الجمعي الغربي ربط مفهوم الاصولية بصفة عامة بالتطرف الاسلامي ، وخاصة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر ، هذا وقد لاحظ مؤلف هذا الكتاب (ماسيمو ليوني) أن أغلب الكتب والدراسات التي أنجزت حول الاصولية الاسلامية كانت عام 2013 ، أي بعد أكثر من عشر سنوات على أحداث الحادي عشر من سبتمبر ، فهل هذا النتاج العلمي مربوط بحدث الربيع العربي ، والذي كان في أحد وجوهه اصوليا .
ونشير هنا الى أن الخطاب الاصولي امتلك البلاغة والإقناع الى المستوى الذي جعل الشباب الغربي يذهبون الى الموت بكل ثقة واقتناع، فيتحول المجرد (الشهادة) لديه من جانبه النظري إلى المتحقق (الاستشهاد) في جانبه العملي ، فالخطاب الاصولي يحسن الاختزال في الطرح والتبسيط ، ويطرح الحقيقة المطلقة ويستجيب لحاجات وجودية انثربولوجية لم تقدمها الحياة المعاصرة ، فهو يخلق علائق أخرى ، غير علائق الدم أو السياسة ، ألا وهي علائق الاخوة الدينية ، لتخلق بنيوية الجماعة الدينية دفء وطمأنينة وامتلاكا للحقيقة الوجودية المطلقة .
هذا وقدمت الاصولية رؤية متعالية عامة في تبنيها لرؤية الكون المعنوي المحيط .
و ظاهرة الاصولية الدينية قد تكون نتيجة للتطرف والمغالاة في حالة اللاروحية التي يعيشها الانسان المعاصر ، حيث تم استبعاد الانسان الروحي لصالح آتون الرأسمالية والربح والمادة والاستغراق في اللذة الحسية ، لذلك يرى ماسيمو ليوني أن مواجهة الاصولية الاسلامية لا يمكن أن يكون باستخدام العنف والقوة ضدها ، بل بالبحث عن خطاب الاصولية الروحية الايجابية في الدين الاسلامي واستعادتها وترويجها وترسيخها ؛ لتكون رادعا لخطاب الكراهية والعنف لدى جماعات هذه الاصولية ، فتتحول الاديان الى خزان روحي يتم استخراج كل شئ منه ويتم توظيفه في العيش الانساني المشترك القائم على قيم الخير والسلام.
والدراسة السيميائية لظاهرة الاصولية تسعى إلى معرفة كيفية بناء المعاني وتداولها وتلقيها في كل الظواهر الاصولية ، أي البحث عن البناء المعنوي المشترك بينها مما يؤهلنا إلى تفسيرها والتنبؤ بها وربما التحكم بها .
لذلك نطرح في الختام السؤال المهم وهو :
ماهي البنية العميقة المشتركة لكل فعل اصولي ، سواء أكان دينيا أو غير ذلك؟ ، وماهي ظروف انتاجه؟ ، فهل هو حالة وجودية يقتضيها وجود الجماعات باعتبار أن أية جماعة هي حالة إنكفاء ؟، وهذا مايسعى إليه الدرس السيميائي وهو إقتفاء بناء المعنى الاصولي وبلاغته وإقناعه عبر غرف التواصل الاجتماعي ، والتي استطاع من خلالها انجاز فعل الاقناع مقارنة بألات الاعلام الضخمة المغايرة له .
ولا ننسى أخيرا أن نشكر الدكتور بريمي على هذه الترجمة ، والتي ستساهم في زيادة تفهم السيميائيات الثقافية وخاصة ظاهرة الاصولية الدينية ، ونتمنى أن يمنح اللسان العربي ترجمة أخرى تقع في ذات السياق ..



#أحمد_عمر_النائلي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سيميائية جسد المرأة
- العالم بعد كورونا : قراءة في كتاب -ورقات من كورونا - لمؤلفه ...
- النص الأدبي بين الإستقلال والتأثر وفق نظرية هارولد بلوم
- عندما يكتب السجين روايته : إبراهيم الزليتني أنموذجاً
- الفلاسفة يتدبّرون جائحة كورونا : الشيوعية العالمية بديلاً لل ...
- قراءة في كتاب - دروس في الألسنية العامة
- الذعر الأخضر
- الإعلام وإمكانية صناعة القيم


المزيد.....




- بالتعاون مع العراق.. السعودية تعلن ضبط أكثر من 25 شركة وهمية ...
- مسؤول إسرائيلي حول مقترح مصر للهدنة في غزة: نتنياهو لا يريد ...
- بلينكن: الصين هي المورد رقم واحد لقطاع الصناعات العسكرية الر ...
- ألمانيا - تعديلات مهمة في برنامج المساعدات الطلابية -بافوغ- ...
- رصد حشود الدبابات والعربات المدرعة الإسرائيلية على الحدود مع ...
- -حزب الله-: استهدفنا موقع حبوشيت الإسرائيلي ومقر ‏قيادة بثكن ...
- -لا استطيع التنفس-.. لقطات تظهر لحظة وفاة رجل من أصول إفريقي ...
- سموتريتش يهاجم نتنياهو ويصف المقترح المصري لهدنة في غزة بـ-ا ...
- طعن فتاة إسرائيلية في تل أبيب وبن غفير يتعرض لحادثة بعد زيار ...
- أطباق فلسطينية غيرتها الحرب وأمهات يبدعن في توفير الطعام


المزيد.....

- الكونية والعدالة وسياسة الهوية / زهير الخويلدي
- فصل من كتاب حرية التعبير... / عبدالرزاق دحنون
- الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية ... / محمود الصباغ
- تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد / غازي الصوراني
- قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل / كاظم حبيب
- قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن / محمد الأزرقي
- آليات توجيه الرأي العام / زهير الخويلدي
- قراءة في كتاب إعادة التكوين لجورج چرچ بالإشتراك مع إدوار ريج ... / محمد الأزرقي
- فريديريك لوردون مع ثوماس بيكيتي وكتابه -رأس المال والآيديولو ... / طلال الربيعي
- دستور العراق / محمد سلمان حسن


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - أحمد عمر النائلي - التطرف الديني : مقاربة سيميائية