أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - احمد رأفت بهجت - السينما المصرية و أحلام الكوزموبوليتانية !!!















المزيد.....


السينما المصرية و أحلام الكوزموبوليتانية !!!


احمد رأفت بهجت

الحوار المتمدن-العدد: 6802 - 2021 / 1 / 31 - 11:32
المحور: الادب والفن
    


الكوزموبوليتانية التى أصبحت اخيرا مثار اهتمام الفنون والآداب المصرية مازالت تعانى غموضا فيما يتعلق بمعناها هل هى تعدد الثقافات في المجتمع الواحد ليصبح الشخص الكوزموبوليتانى هو متعدد اللغات والثقافات المتمسك بتقاليده وموروثاته ؟ أم هى رؤيه متكاملة يسعى الغرب من خلالها إلى فرض أساليب حياته بعد أن يجعلها تعبر الحدود إلى أماكن استأصلت منها ثقافات المنشأ حول الحياة التقليدية والتمركز حول العائلة والوطن والدين لتحل محلها حياة مختلطة ثقافيا تتجسد فيها مختلف الأفكار والتقاليد والعقائد الغربية وما يصاحبها من ابتكارات فنية وفكريه واقتصاديه..( د. سامي زبيدة " الكوزموبوليتانية في الشرق الأوسط "/ ديسمبر 1997 ).

الأمر الذي يذكر بعض المفكرين العرب بكلمات المنظرى -جياترى تشاكرافورتى- الذي قال فيها: أن الكوزموبوليتانية هى العنصرية الجديدة، ( د. جوزيف مسعد " أستاذ السياسة والثقافة العربية في جامعة كولومبيا بالولايات المتحدة الأمريكية ، مقال عن فيلم سلطة بلدي الأهرام ويكلى العدد رقم 866 الصادر 28 فبراير 2008 ).

يبدو أن الواضح الوحيد بالنسبة لنا هو أن الكوزموبوليتانية في مصر أصبحت اخيرا مصدرا لموضوعات كثير من الأعمال السينمائية التى جسدت أجواء وشخصيات في أماكن شهدت ما قبل ثورة يوليو التحاما بين الأجانب والمتمصرين واحتواء بعض فئات المجتمع المصري في مناطق محدده من القاهرة والإسكندرية ، بحيث أصبح من المتعارف عليه أن السينمائي الذي يسعى للعالمية والتمويل الخارجي والجوائز المهرجانية عليه بطريق الكوزموبولتانية فهو الأنجز والأضمن والأسهل ، شريطة أن تتوفر لعمله عناصر ثابتة عليه إلا يتجاهلها أو يحيد عنها !!

رغم أن أصداء الكوزموبولتينانية سنجدها في كثير من الأفلام المصرية وفي مقدمتها أفلام الايطالي المتمصر " توجو مزراحى " خلال الثلاثينيات وفي العديد من أفلام "يوسف شاهين" الذي يعتبر نفسه فنانا كوزموبوليتانيا" أنا أبويا عربي وستي ايطالية والمدام فرنساوية وبتتكلم شوية روسي على شوية اسباني وبما إنى إسكندراني يبقي طبعا بتكلم يونانى عن حواره في فيلم اسكندرية كمان وكمان ".

فإن ما شهدته السينما المصرية في العقد الاول من القرن الحادى والعشرين كان مجمله نعيا على نهاية الكوزموبوليتانية في مصر باعتبارها ملحما رئيسيا "للزمن الجميل" الذي فقدناه باجوائه وثرائه المعمارى وشخصياته وفي مقدمته بطبيعة الشخصية اليهودية التى جاء التعامل معها إما بشكل مباشر ورئيسي وإما بشكل غير مباشر ولكنه ملموس ومؤثر.

كنت أتوقع أن تهتم السينما المصرية بعد أن تخلصت من بعض التابوهات الرقابية بمؤلفات أديبنا الأشهر "إحسان عبد القدوس" التى تناولت الكوزموبوليتانية من خلال المجتمع اليهودي في مصر من الأربعينات وحتى منتصف الثمانينيات , والتي تعتبر بمثابة وثائق من التاريخ الاجتماعي والسياسي ليهود الطبقة الوسطى في مصر إبان تلك الفترة (( د/ رشاد عبد الله الشامي )) الشخصية اليهودية في أدب(( إحسان عبد القدوس ( ص 128 كتاب الهلال 1992 )) وهى تحديداّ القصص القصيرة بعيداّ عن الأراضي 1951 ,و أين صديقتي اليهودية وأضيئوا الأنوار حتى نخدع السمك ولن أتكلم ولن انسي ضمن المجموعة القصصية الهزيمة كان اسمها فاطمة وكانت صعبة ومغرورة- 1985. بالإضافة إلى رواية لا تتركني هنا وحدي التى كتبت قبل توقيع معاهده السلام مع إسرائيل بعد أشهر ونشرت بعدها في نفس العام 1979.

القاهرة الخديوية

ولكن الذي حدث أن النجاح الذي حققه فيلم "عمارة يعقوبيان 2006 "المأخوذ عن رواية علاء الدين الأسواني ذائعة الصيت محلياّ وعربياّ وعالمياّ والمعروفة بنفس العنوان جعل الكثيرين يسيرون على هديه بأساليب ربما تتباين في ظاهرها ولكن تتفق مع كثير من تفاصيلها هناك فيلم "هليوبوليس 2009" تأليف وإخراج احمد عبد الله وفيلم داود عبد السيد رسائل البحر 2010 ويمكن أن نضيف الجزء الخاص بعلاقة الطفلة اليهودية بجارها المصري بفيلم البيبي دول 2008 والفيلم التسجيلي الطويل "سلطه بلدي" إخراج ناديه كامل 2007 الذي تم تقديمه في عروض خاصة داخل مصر وخارجها وحقق نجاحاّ كبيراّ في مهرجانات سينمائية دولية عديدة.

و رغم الاختلافات الدرامية والإنتاجية بين هذه الأفلام هناك وجه رئيسي للتشابه يتركز حول التراث المعمارى الذي شيده الأجانب ثم أصبح يتداعى مع ثورة يوليو 1952.

فان الإمساك بوقائع التاريخ حين تسلط الكاميرا الضوء على التراث المعمارى الكوزوموبوليتانى في مصر خصوصا في القاهرة وحى مصر الجديدة والإسكندرية يعد انجازا هاما كمصدر من مصادر المعرفة العلمية أو التاريخية وتتضاعف قيمته عندما يصبح جزءا رئيسيا من دراما الأفلام ومجسدا حيا لمغزاها ودلالتها الفكرية لذلك يبدو أن عنوان "فيلم عمارة يعقوبيان"المستمد من اسم عمارة شهيرة في القاهرة كان بداية مهمة لتعامل السينما مع تراث العمارة في مصر ليس باعتباره مجرد خلفيه جماليه للأحداث كما كان في مئات الأفلام المصرية السابقة وإنما أيضا كمعبر عن مرحلة لها خصوصيتها الاجتماعية والثقافية والاقتصادية.

يمهد فيلم عمارة يعقوبيان لأحداثه بمقدمة بالأبيض والأسود ترصد تفاصيل النقوش الجميلة لعمارة من الطراز الاوروبي الكلاسيكى الفخم الشرفات تحتل عده نواصي لأهم شوارع القاهرة الخديوية في وسط المدينة تفاصيل لا ترتبط بعمارة يعقوبيان التى أسسها عميد الجالية الأرمنية وقتها.

المليونير جاكوب يعقوبيان" عام 1934 حيث أن القائمين على الفيلم بدأوا تنفيذه وجدوا أن تصميم العمارة الحقيقة التى تحمل اسم "يعقوبيان" في شارع طلعت حرب (سيلمان باشا سابقا) بوسط القاهرة لا يحمل ملامح الجمال التى تتناسب ووصف الأديب علاء الأسواني في الرواية عن موسوعة ويكيبديا فوقع اختيارهم على عمارة أخرى بنفس المنطقة وتقديمها باعتبارها عمارة يعقوبيان ومع ذلك فان كلمات الراوي الفنان يحي الفخراني التى تصاحبها تلتزم بوصف الأسواني للعمارة في روايته ربما بعض الاختلافات تطول وصف سكان العمارة قبل ثورة يوليو فهم عند علاء الأسواني صفوة المجتمع في تلك الأيام وزراء وباشاوات من كبار الإقطاعيين ورجال صناعه أجانب واثنين من مليونيرات اليهود احدهما من عائلة موصيرى المعروفة بينما يختزل الراوي في الفيلم وصف إقطاعي عن الباشاوات.

يخلق الفيلم مع هذا الجزء معادلا مرئيا ليس له علاقة بالراوية يحوى مجسما لنجمة داوود على حائط ليسس له وجود في العمارة الحقيقية كما يضيف لقطات متحركة لمقابلات بعضها بين حاخام ومجموعه من الارستقراطيين اليهود مما يعطى إحساسا بان الفيلم كان يسعى منذ بدايته إلى ترسيخ التواجد اليهودي في مخيلة المتفرج في ظل تحاشي الأسواني التعامل معه بشكل مباشر داخل أحداث روايته وعندما يركز الفيلم على تداعيات ثورة يوليو من خلال بعض السكان القدامى والجدد يصل ببطل الفيلم ابن الباشا السابق وهو يصرخ وسط أهم ميادين القاهرة الخديوية البلد بقت مزابل من فوق ومن تحت مسخ أحنا في زمن المسخ و بطبيعة الحال لا يستثنى الفيلم من هذا المسخ سوى المغنية اليونانية القديمة" كريستين"( النجمة يسرا ))التى تنشر بأغانيها الفرنسية ومواقفها الإنسانية جوا من الصفا والأمل وسط أجواء شديدة القتامة والاضطراب.

مصر الجديدة

وتتخذ ضاحية مصر الجديدة مرحا لأحداث" فيلم هليوبوليس "التى تتمحور حول المظاهر الحضارية التى شيدها الخواجات في هذه الضاحية منذ بداية القرن العشرين ثم بدأت تتهاوى مع رحيلهم بعد قيام ثورة يوليو دون أي إشارة ولو بالقول إلى مشيد الضاحية البلجيكي الشهير(( بارون امبان)) الذي كان هاويا ومغرما بعلم المصريات والآثار والولع بالصحراء أو أن يقدم لنا ولو صوره ثابتة لأهم منجزاته المعمارية فندق هليوبوليس وقصر البارون اللذان يبعدان وإلى يومنا هذا بمثابة مثال فريد على أن الكوزموبوليتانية الحقيقية هى التى تخلق حوارا بين الحضارات ولا تعي للتسيد والهيمنة على كل ماعداها من حضارات أخرى.

فطراز فندق هليوبوليس كان بمثابة مزيج فريد من الطراز المغربية والعربية والأوروبية في وحده متجانسة تهدف إلى ملائمة الظروف الجوية والبيئية ونشر الإحساس العربي في محاولة المحافظة على التقاليد الاجتماعية للحياة المحلية المصرية بينما كان "قصر البارون" مستلهما من طراز المعمار في معابد الهندوسية والكمبودية.

يكتفي الفيلم بلقطات عابره من إحدى مناطق "هليوبوليس" المعروفة بالكوربة يصورها احد أبطال الفيلم (إبراهيم) بكاميراته أثناء إعداده لبحث عن الأقليات في مصر الهدف منه التأكيد على أن مصر الجديدة فقدت حيويتها وثراءها بعد رحيل الخواجات عنها وأنها على حسب الأجندة السياسية لكاتبه وللشركة المنتجة التى تتوارى وراء ما يسمى بالسينما المستقلة _ مازالت طارده للأقليات بعد مرور سنوات طويلة من انحصار أعدادهم إننا في مواجهه حوار يجريه الباحث الشاب مع واحده من سكان المنطقة وهى الأجنبية المتمصرة العجوز "فيرا" التى تبادره بعامية مصريه سليمة:" عايزة أسالك سؤال هو أنت بتعمل بحث عن الأرمن ولا عن اليهود ؟؟

سؤال يوحى مباشره بأنها تعيش هاجس ما تعرض له الأرمن واليهود من اضطهاد ومذابح مما يبرر لها حالة التوجس والخوف التى تجعلها ترفض فيما بعد أن يصورها الباحث الشاب لتوثيق حواره وفي إخفائها ما يعبر عن شعائرها الدينية في حجرة مغلقه.

ويجيب الباحث الشاب بحياء: أنا بعمل بحث عن الأقليات في مصر إزاي التركيبة الاجتماعية قبل الثورة؟ أنا شايف الموضوع مهم خصوصا بعد الأحداث الأخيرة دون أن يفسر لنا طبيعة تلك الأحداث هل يشير إلى حدث طائفي عارض أو عمل إرهابي ضد بعض السواح ارتبط بفترة إنتاج الفيلم عموما تأتى ملحوظته لتؤكد ديمومة ما يحدث في مصر من اضطهاد ضد الأقليات والأجانب وهو ما يدفع المرأة إلى الاعتراف له دون أن يطلبها الشاب:" بذلك أنا مش عايزة حد يعرف أن أنا يهودية الكل هنا في المنطقة يعرف أنا خواجاية وبس اتفقنا ؟

ثم تبادره بلهجة بها كثير من التأنيب وربما السخرية لكن أنت توك (فجأة) ما عرفت أن فيه أجانب وأقليات ثانية كانت موجودة في مصر واختفت؟" سؤال تتسرب منه إشارات غامضة فما هى الأقلية التى تضعها في مجال المقارنة مع هامشية التواجد اليهودي في مصر ؟ وما هو مغزى وصف اختفت التى تطلقه على الأجانب والأقليات الأخرى ؟

وحتى يصبغ الفيلم على كلمات "فيرا" مصداقية تجعلها لا تحتمل التأويل أو الجدل يأتى بشهود من المصريين الذين عاصروا "هليوبوليس" القديمة في مشاهد تسجيلية. نرى فيها الباحث الشاب وهو يجرى حوارات مع بعض الحرفيين الذين يقدمون خدماتهم لأهالي المنطقة منذ الخمسينيات وجميعهم يتباكى على أيام الخواجات بعد أن طردهم ناصر سنه 56.

أن مزج الفيلم ما بين الروائي والتسجيلي كان يحتم على صانعيه تحرى الدقة التاريخية في رصد الأسباب المختلفة لخروج الأقليات من مصر حتى ولو من خلال فقرة تقريريه قصيرة فخروجهم لم يرتبط بفترة زمنية واحده ( مقاومه الاستعمار الانجليزي والحروب مع إسرائيل ولم يكن نزوة طارئة لحاكم مصري كان ومازال مكروها من دول الغرب.

أن حرص كثير من الأجانب على رفض الجنسية المصرية والاحتماء بالجنسيات الأوروبية للاستفادة من الامتيازات الاستعمارية سهل تهجير الكثير منهم يضاف إلى ذلك أن قرارات التمصير والتعريب وإجراءات التأميم كان لها تداعياتها على المصريين والأجانب على حد سواء ومع ذلك بقيت في مصر مجموعات من مختلف الجنسيات والأديان كان من بينها شباب يرصد الفيلم بعضهم – تسجيليا – في شوارع هليوبوليس ولكن بعد أن أصبحوا كهؤلاء دون أن يقترب منهم أو من العجوز فيرا لسؤالهم السؤال الطبيعي في إطار المزج بين الروائي والتسجيلي وهو لماذا لم تهاجروا من مصر منذ سنه 56 وحتى الآن ؟

ويبدو أن صانعي الفيلم لم يسعفهم واقع حي هليوبوليس أو مصر الجديدة لعمل مقارنه حية بين الماضي والحاضر بعد التجديدات الشاملة التى شهدتها بمناسبة الاحتفال بمئويته فهى بالتأكيد أحدثت تغييرات لا يمكن تجاهلها رغم أن بطل الفيلم يصفها ساخرا لمحدثاته العجوز بس الحته دي نضفت قوى أدوها وش بويه لون واحد مكتفيا بتعليقات فيرا على بعض الصور التذكارية لعائلتها وهى تتجول في مكان يجمع بين مطاعم ايطاليه وفرنسيه ويونانيه وتحولها الآن إلى محلات ملابس واكلات سريعة ومحلات جزم !.

و تعليق يعكس وعيها السياسي وبما يحدث حولها من أحداث تصدق يا أستاذ إبراهيم أن المكان ده كان مركز المقاومة الفرنسية أيام الحرب العالمية في مصر !!

لم تستغرق مشاهد العجوز فيرا سوى الفصل الاول من الفيلم ولكنها تمهد بشكل مؤثر للمناخ الكابوسي الذي يعاصره بعض الشباب من سكان المنطقة أو المترددين عليها وربما تصل بنا مشاهد النهاية إلى الفكرة الرئيسية التي يسعى إليها الفيلم فمن خارج الكادر نسمع رسالة تلفونيه لشخصيه لم ولن نلتقي بها على الشاشة ولكننا نعلم أنها صديقه الباحث إبراهيم بعد أن حسمت موقفها وامتلكت الشجاعة في أن تنهى علاقتها الطويلة معه.

تستوعب كلمات الرسالة في لقطات متوازية كل الشخصيات الرئيسية التى تعرفنا عليها طوال أحداث الفيلم أنهم في فراشهم بعد يوم شاق يجمعهم إحساس دفين بالوحدة والإحباط والقلق وتأتى الرسالة لتعبر عما في أعماق كل منهم بعد أن تجاوز معظمهم سن الثلاثين ".... كل واحد بعيد عن الناس والسكك صعب تتلاقى زى الاول بالذات في دنيا بتجرى بالشكل ده....."

سنرى الباحث الأكاديمي إبراهيم الموجهة إليه الرسالة يبدو مرتبكا عاجزا بعد أن هجرته صديقته ابنه الضاحية التى يبحث في تاريخها دون أن يملك وعيا حقيقيا بمفردات تطورها الاجتماعي والسلوكي وعندما يبادر الخواجايه "فيرا" في لقائه الاول معها بقوله (سلامو عليكم أزيك يا حاجه) نشعر انه لم يستوعب بعد كيفيه التعامل مع الآخر المختلف وهناك الدكتور هاني الذي يعيش هو الآخر في حاله من الوحدة والضياع بعد أن هاجرت عائلته لكندا يحاول أن يكون علاقته بالكنيسة وجارته الحسناء أكثر حميمة ولكنه لا يستطيع في ظل إلحاح أفراد عائلته عليه إلحاق بهم في المهجر انه يخفي حنينه لعمله الأكاديمي وكلبه العجوز وقبل كل ذلك شقته التى يعرضها للبيع رغم ارتباطه العميق بالمنطقة وشوارعها والثالث علي يحاول إتمام زواجه المتأخر بشراء شقه هاني بالمساكن البلجيكية في منطقه الكوربه ولكن تحاصره هو وزوجته مظاهر الارتباك والعشوائية فيصبح الوصول من القهوة وهليوبوليس في الوقت المحدد أو المناسب ضربا من المستحيل وفي النهاية تبقي الفتاه انجي التى تعيش في نومها ويقظتها في حلم لا نهاية له اسمه فرنسا

أن فرنسا في فيلم هليوبوليس هى الحاضر الغائب ليس بالنسبة للفتاه انجي فقط ولكن لمعظم الشخصيات في ظل حقيقة لا يجب تجاهلها وهى أن الاتجاه العام للمجتمع الكوزموبوليتانى على مستوى الواقع كان نحو الثقافة الغربية وخصوصا الفرنسية التى أثرت على منهج حياه أو أذواق أفراده المنتمين في مصر لأجناس مختلفة فهي لغة الصالونات والحب والأغاني والأجواء الثقافية وسترتبط بشكل تلقائي بكل خواجات هذه الأفلام أيا كانت جنسياتهم أو دياناتهم وتنعك على المقربين منهم من المصريين سواء من منطلق التفاخر أو الانتماء الطبقي ولكن مع ذلك تبقي حاله انجي حاله متفردة فهى تعمل موظفه استقبال في فندق صغير في هليوبوليس تقيم مع زميله لها في شقه متواضعة بمنطقه شعبيه توهم عائلتها الفقيرة في مدينه طنطا أنها تعمل في فرنسا وتتحايل بكافة الطرق لتجعل الرسائل والنقود التى ترسلها إليهم وكأنها قادمة من باريس المدينة التى تلبي سترها وجعلتها في حاله اغتراب كامل عن واقعها فهى تعانى نفس مشاكل الشخصيات الأخرى ولكن يضاف إليها الفقر والإحساس بالحرمان بكل مستوياته تحلم بالانطلاق بين كل مظاهر باريس الحضارية في مشهد منفذ بالجرافيك ولا يتسق مع الاتجاه العام للفيلم وتطاردها السلوكيات العاطفية العادية لنزلاء الفندق من الفرنسيين كراب للارتواء العاطفي وسط صحراء جرداء تقضي يومها باستقبال الفندق في متابعه النشرات السياسية والبرامج المختلفة للقنوات التلفزيونية الفرنسية "فرنسا24"و " 5"TV إما عند النوم في فراشها فتحاصرها أفيشات باريسيه بتسيدها برج ايفل والمحصله الافتراضيه تصبح بالنسبة لها وربما للجميع هى أن الكوزموبوليتانيه كانت هى الحل !!

الإسكندرية

ورغبه في تصوير العمران الكوزموبوليتانى في الإسكندرية في إطار بانورامي يعتمد على الضوء والظلال على واجهات العمارات السكنية الفخمة ذات الطراز الفلورنسيه والإغريقية في منطقه الرمل وكورنيش بحري والتي يعود تاريخ بعضها إلى عقود طويلة مضت يأتى فيلم رسائل البحر الذي يعد من الأعمال المميزة فنيا للمخرج الموهوب داوود عبد السيد الذي تأثر بغير شك في كل ما قدم في عماره يعقوبيان رغم أن فيلمه يتمتع بطابع فنى مستقل وبرؤية تحاول أن تنحو اتجاه الرمز ولكن باجحاف

وبعكس الأفلام السابق ذكرها لا يعتمد رسائل البحر على التقديم الصريح للشخصيه اليهودية فهى هنا شخصيه غير مرئية يكتفي الفيلم بذكر اسمه كارزاكى وتاريخ خروجه من مصر 1958 بالإضافة إلى دوره الاجتماعي كصاحب عقار في الإسكندرية له خصائصه المعمارية المميزة لن نجد من بين الشخصيات الأجنبية الأخرى التى تظهر في الفيلم أي معلومات أو مشاهد تؤكد يهوديتها إلا إذا كانت هناك مشاهد أو حوارات تم حذفها من النسخة التى شاهدناها تؤدى إلى عكس ذلك.

و هو ما نستشعره من كلمات الناقدة الكبيرة فريدة النقاش عند حديثها عن كتاب وقائع خروج أسرة يهودية من مصر.. الرجل ذو البدله البيضاء الشركستين للكاتبة الإسرائيلية لوسيت لنيادو فقد رأت أن هذا الكتاب جزء من سلسة أعمال أدبيه أسمتها أنشودة الحنين وهو حنين اليهود الذين خرجو من مصر ولم يعودا رغم رغبتهم الشديده في العودة اخر هذه الانشوده فيلم رسائل البحر لداوود عبد السيد الذي يتناول التغيير الذي تسبب في هجرة اليهود واطاح بالشكل الكوزمموبوليتانى للقاهره والاسكندريه هبه اسماعيل – الأهرام المسائي.

بطل رسائل بحر هو يحي شاب لم يتجاوز الثلاثين من عمره حقق أمل عائلته كلها وتخرج من كليه الطب بدرجه امتياز مشكلته انه كان يتلعثم في الكلام وشكلت تاتاته سخريه من الاخرين وحزنا وخيبه امل لوالدته وعائلته التى هاجرر بعض افرادها إلى امريكا بينما هو بقي في البيت الكبير بالقاهره رافضا الاستمرار في ممارسه الطب مكتفيا بعشقه لسماع الموسيقي الغربية وعزفها وبايراد من ارض ورثها عن والده بعد وفاته ولكن رعان ما يصبح عالمه في البيت الكبير صغيرا عليه ويقرر ترك القاهرة والذهاب إلى الاسكندريه ليعيش في شقه الاسره المهجورة منذ سنوات وهنا تتداعى لكاتب هذه السطور شخصيه المخرج يوسف شاهين المتلعثم العاشق للموسيقي وللاسكندريه الكوزموبولتيانيه واخيرا افلامه عن سيرته الذاتيه والتي يطلق فيها على نفسه اسم يحي

في الاسكندريه يقرر يحي أن يعمل صيادا فربما العلاقه مع البحر وكائناته افضل وانقى من التعامل مع الارض والبشر ولكن فجأة تتجمع حوله اشياء أخرى يبدو انه كان قد نسيها منذ طفولته ولم يحاول الربط بينها من قبل انه في مواجهه بقايا العالم الكبير الذي كان يسعى إليه ليحتويه معمار المدينة الكوزموبولتانى المبهر رغم اهماله وموسيقي ساحرة تمتزج بالبحر والمطر ويتصف مصدرها بالغموض الاخاذ واخيرا جارة ايطاليه عجوز هى مدام فرنشيسكا كانت ترعاه في طفولته مع ابنتها كارلا تجمعها معا على الشيكولاته والموسيقي والرقص والاغانى الفرنسية كانت بالنسبة له أم طيبه بسيطة واعيه صادقه في عواطفها ومواقفها يجمع بينها وبين عائلته اقامتهما في منزل واحد هو منزل السينيور كازاكى الذي ترك مصر عام 1958 وال منزله لاكثر من مشترى حتى تقرر هدمه بعد أن امتلكه الحاج هاشم لاقامه مول ضخم على ارضه في مواجهة هذه المعطيات يعلن يحي عن اكتشاف يتداعى وصفه في مخيلته من خلال كلمات سليمه لا يشوبها تلعثم أو تاتاه وتصدر بوضوح من خارج الكادر الحكايه دى ابتدت قبل كده بكتير جايز حتى قبل ما اتولد لانى حضرت الجزء الاخير من تعغيير اجتماعى وجايز اللى حصل لى كان نتيجه التغيير ده.

هل يمكن أن يكون تلعثم يحي نتيجه التغيرات الاجتماعية التى حاصرت عائلته من قبل مولده في ظل انفتاحها على الآخر الاخذ في التلاشي التام من مصر الكوزموبوليتانيه سواء في القاهرة أو الاسكندريه ؟

يبدو أن الصدى التاريخي لا يزال كما يرى الفيلم قائما وكانه ليس ابعد من الامس أن يحي يسترده من خلال المقارنة بين بقايا الزمن الجميل منزل اليهودي كازاكى وعائلة فرنشيسكا الطيبه الودوده وكلا سيكيات موسيقيه ساحره يسترق السماع إليها في أجواء عاصفه بالاضافه إلى هذا البحر العظيم بنسماته الساحره وبعد سنوات طويلة قضاها منبوذا في منزله القاهرى بدون حياه خاصه أصبح الآن في الإسكندرية قادرا على اكتشاف سبب عدم تواؤمه مع ما يحدث حوله فكيف يتواءم مع عالم ارتكبت فيه العلاقات بين أفراده وتحولت فيه المراه إلى سلعه يتقاذفها الرجال في ظل نظم وشرائع اجتماعيه جائرة ومظهريه سلوكيه منحرفه تحاول أن تسلب من فاته كالفراشه مثل كارلا بساطتها ونقاءها وموسيقي موحيه لا تتلاشي امام اغانى أم كلثوم التى تطارد السكارى داخل البارات ويبدو أن من حسن حظ يحي انه كان يسمعها دائما عندما يكون مخمورا واخيرا اشخاص مثل الحاج هاشم وهو يحاول أن يستحوذ على كل شيء بداية من منزل كازاكى وحتى اسماك البحر التى يصطادها بتفجير الديناميت وينتهى الفيلم بقرار حاسم ل فرنشيسكا بالعوده مع ابنتها إلى ايطاليا.

بينما يتجه يحي مع حبيبه حالما إلى البحر فوق قارب تحاصره تفجيرات تطفو على اثرها اسماك صغيرة ميته ليصبح للقارب المكتوب على مقدمته كلمه القدس تفسيرات عديده تضعنا في مازق تحليله مربكة

وعندما نرتد إلى عنوان رسائل بحر سيصبح لرد الفعل المتباين تجاه زجاجه تتقاذفها امواج البحر المتلاطمه وبداخلها رسالة ورقيه هدفا له مغزاه ففي بداية الفيلم يعثر على الزجاجه بحار عربي ولكن سرعان ما يعيدها إلى البحر مرتعبا وصارخا اعوذ بالله من الشيطان الرجيم يختلف الأمر عندما يعثر عليها بعد ذلك الصياد يحي انه يخرج الرسالة من الزجاجه يحاول مع الايطاليه فرنشيسكا وابنتها ترجمتها وعندما يفشل يتجه إلى القواميس اللاتينيه ولكن دون جدوى فينتقل بين فنانى النوادى الليليه القادمين من قبرص اليونانيه والمجر وبولندا وبلغاريا لعله يجد للرساله ترجمه من لغة لا يعرفها وهنا يبدو أن البحار العربي وجد رسالة داخل زجاجه يعنى أن هناك اخر ربما يذكره بشياطين السحر الأسود أو بعفريت المصباح في الحكايات والاساطير العربية بينما كانت بالنسبة ليحي ومعه ابناء الغرب هى السعى للمعرفه والمشاركة الوجدانيه تجاه الآخر حتى ولو كان مجهولا وهو إحساس طالما سعى إليه يحي ربما يعيد إليه توازنه المفقود في ظل كلماته المتعثرة.


المصادر :
موقع الميادين ، على الرابط ، من صفحة لص بغداد : https://www.almayadeen.net/



#احمد_رأفت_بهجت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- مصر.. الفنانة غادة عبد الرازق تصدم مذيعة على الهواء: أنا مري ...
- شاهد: فيل هارب من السيرك يعرقل حركة المرور في ولاية مونتانا ...
- تردد القنوات الناقلة لمسلسل قيامة عثمان الحلقة 156 Kurulus O ...
- مايكل دوغلاس يطلب قتله في فيلم -الرجل النملة والدبور: كوانتم ...
- تسارع وتيرة محاكمة ترمب في قضية -الممثلة الإباحية-
- فيديو يحبس الأنفاس لفيل ضخم هارب من السيرك يتجول بشوارع إحدى ...
- بعد تكذيب الرواية الإسرائيلية.. ماذا نعرف عن الطفلة الفلسطين ...
- ترامب يثير جدلا بطلب غير عادى في قضية الممثلة الإباحية
- فنان مصري مشهور ينفعل على شخص في عزاء شيرين سيف النصر
- أفلام فلسطينية ومصرية ولبنانية تنافس في -نصف شهر المخرجين- ب ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - احمد رأفت بهجت - السينما المصرية و أحلام الكوزموبوليتانية !!!