أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الارهاب, الحرب والسلام - عبدالله اسبري - الإرهاب بين حق المقاومة و استراتيجية التدمير /الجزء الثاني















المزيد.....



الإرهاب بين حق المقاومة و استراتيجية التدمير /الجزء الثاني


عبدالله اسبري

الحوار المتمدن-العدد: 1621 - 2006 / 7 / 24 - 07:08
المحور: الارهاب, الحرب والسلام
    


المبحث الثاني: الإرهاب الدولي:
بين إرهاب الدولة ومبدأ تحريم استخدام القوة في العلاقات الدولية

درج الفقه إلى تقسيم الإرهاب لمستوين ، الأول مرتبط بالإرهاب المحلي ، والذي تقوم به جماعات " إرهابية " ذات أهدف محددة في نطاق الدولة ولا يتجاوز حدودها ، نادرا ما يكون لها ارتباطات خارجية ، وهذه الأفعال التي قد تعد إجرامية في حالات، و تدخل في مجال الاختصاص المحلي وخضوعها للقانون الوطني للدولة .
ويندرج في هذا المستوى الإرهاب الذي تقوم به السلطة السياسية للدولة تجاه مواطنيها والذي يمكن أن يثير مسؤوليتها لدى الجهات الموكول لها الاختصاص بالدفاع عن حقوق الإنسان على الصعيد العالمي بناء على الشرعة الدولية وباق الاتفاقيات الأخرى ذات الصلة .
سنركز في دراستنا هاته على المستوى الثاني المرتبط بالإرهاب الدولي في صورة إرهاب الدولة ، لكونه يعرف تزايدا يوما بعد يوم ، والذي يخدم مصالح حكومات الدول القوية ، مستحضرين أحد المبادئ الأساسية للقانون الدولي المتمثل في مبدأ تحريم استخدام القوة في العلاقات الدولية .

المطلب الأول: إرهاب الدولة

يعتبر إرهاب الدولة أخطر أشكال الإرهاب الدولي ، لكونه أداة للسيطرة وفرض سياسة القوة و العدوان و التدخل في الشؤون الداخلية للدول ، ويقوم هذا النوع من الإرهاب إما بمباشرة الدولة بنفسها الأعمال العدوانية ،و إما باستئجار مجموعة من الأفراد للقيام بالعمليات الإرهابية لصالحها ، مستهدفة إما جماعة أو أفراد أو دولة ، تستخدم الدولة قوتها التي تملكها ، الاقتصادية منها أو السياسية أو العسكرية .(47)
يرى مجموعة من المختصين وفقهاء القانون الدولي أن إرهاب الدولة يماثل العدوان أكثر من انتسابه للإرهاب الدولي ويعتبره البعض بديلا لاستخدام العادي للقوة التقليدية، (48) يعني أن الإرهاب يحل محل الحرب، وبالتالي يتم اللجوء إليه عوض الاستخدام العادي و المباشر للقوة التقليدية.
هذه المطابقة قد تثير أكثر من لبس، خاصة وأن لكل منهما خصائص يتميز بها عن الأخر ، ولعل ما يميز الحرب عن الإرهاب في كونها كما عرفها الباحث حامد سلطان بأنها " نضال بين القوات المسلحة لكل من الفريقين المتنازعين يرمي به كل منهما إلى صيانة حقوقه ومصالحه في مواجهة الطرف الأخر " (49) فهي ظاهرة اجتماعية قائمة على نزاع مسلح بين دولتين أو أكثر ، وبما أن ميثاق الأمم المتحدة ووعيا من الجماعة الدولية بضرورة انقاد الإنسانية من ويلات الحرب ، حرمت المادة الثانية من ميثاق الأمم المتحدة التدخل في الشؤون الداخلية للدول ، والتهديد باستخدام القوة أو استخدامها ضد سلامة الأراضي أو الاستقلال السياسي لأي دولة وعلى أي وجه لا يتفق ومقاصد الأمم المتحدة باستثناء حالتي الدفاع الشرعي للدول أثناء تعرضها للعدوان وبقيود المادة 51 من الميثاق، وحالة الأمن الجماعي بمقتضيات الفصل السابع من الميثاق، الأمر الذي أخرج الحرب من دائرة الشرعية في إطار العلاقات الدولية.
فالحرب تتميز عن الإرهاب بكونها صراع بين جماعتين مسلحتين في إطار تنظيم قانوني ، بينما الإرهابي يكون الطرف الوحيد المسلح بين الأطراف المتنازعة (50)، حيث لأن دخول الطرف مسرح الأحداث يكون بصورة مفاجئة غير متوقعة ، الأمر الذي يجعل الإرهابي سيد الموقف طوال المراحل الأساسية للعملية ، كذلك بالنسبة لهوية الإرهابيين تكون أحيانا مجهولة عكس هوية المحاربين المعلنة للعالم .
وعندما نعود إلى العمليات الإرهابية بناء على التحديد الذي رسمته الأمم المتحدة نجد أن معظمها يدخل في خانة إرهاب الدولة أما بالنسبة لحركات التحرير الوطنية و نضالات الشعوب الواقعة تحت نير الاستعمار و الاحتلال ، تدخل في إطار إعمال حق الشعوب في تقرير المصير، بناء على إعلان3314 الصادر في 14 دجنبر 1974 من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة الخاص بتعريف العدوان من خلال وضع تحديد دقيق لمفهوم القوة باستعماله عبارة " استعمال القوة المسلحة من طرف دولة ضد السيادة والوحدة الإقليمية أو الاستقلال السياسي لدولة أخرى ..." .
ربطت المادة الأولى من الإعلان القوة بالدولــة، أي أن الدولة هي المعنية بتحريم استعمال القوة المسلحة، وهذا التحريم لا يشمل حركات التحرير الوطني التي تناهض عن طريق الكفاح المسلح الحكومات السياسية الاستبدادية و الأنظمة الاستعمارية الأجنبية، (51) ويتجلى إرهاب الدولة في أشكال عدة:
1_ تقديم الدعم للأنظمة الاستعمارية ، و الاحتلالية و العنصرية
2_ تقديم الدعم لجماعات مسلحة تقوم بثورة مضادة ضد حكومات وطنية
3_ الوقوف ضد حركات التحرير الوطنية التي تناضل من أجل حق تقرير المصير لشعوبها
4_ فرض سياسة معينة على حكومة وطنية ضد شعبه (52)
كما يأخذ إرهاب الدولة شكل القمع الذي تمارسه الأنظمة الديكتاتورية والقمعية ضد شعوبها ، وتسعى هذه الأنظمة من خلال ممارستها للإرهاب، قمع المعارضة الجماهيرية ، وفرض نمط سياسي اجتماعي معين يخدم مصالح الطبقة الحاكمة. (53)
وجاء في اتفاقية جنيف 1937 أنه " يعتبر إرهاب الدولة كل عمل إجرامي موجه ضد دولة معينة يكون في هدفه وطبيعته بث الرعب في شخصيات معينة أو في المجتمع كله ". (54)
سجلت إسرائيل و الولايات المتحدة الأمريكية أبشع أنواع الإرهاب الدولي ، تعبيرا عن العقلية الإمبريالية والعنصرية التي أصيبت بها هذه الدول منذ ظهورها الأول على الخارطة السياسية العالمية ، وفي جرد للعمليات الإرهابية الأمريكية بمشاركة وكالة مخابراتها المركزية قامت جريدة الإتحاد الاشتراكي بجرد بعضها عدد 812 بتاريخ 25 أكتوبر 1985 :
في سنة 1953 أشرفت وكالة المخابرات المركزية الأمريكية على انقلاب عسكري بإيران أدى إلى الإطاحة بالحكومة الوطنية للدكتور مصدق ، الذي تجرأ على تأميم الثروات البترولية الإيرانية التي كانت تستحوذ عليها الشركات النفطية البريطانية و الأمريكية ، كما أنها كانت وراء مؤامرة اغتيال الرئيس المصري جمال عبد الناصر في 1958 ،واغتالت سولومون بندرانايكا رئيس وزراء سيلان (سيريلانك ) الذي لعب دورا في تنظيم مؤتمر باندونغ لدول عدم الانحياز في أبريل 1955 ، واغتيال الزعيم الإفريقي باتر يس لومومبا (1960)، والزعيم مون دلاني رئيس تحرير موزمبيق (1969) ،كما قامت بالإطاحة بحكومة الوحدة الشرعية بالشيلي واغتيال رئيسها سلفادور اليندي (1973) ...، عمليات كثيرة يصعب حصرها قامت بها الولايات المتحدة الأمريكية على مدى تاريخها إلى يومنا هذا، و الذي تمارس فيه إرهابها على العديد من الدول والشعوب ( العراق، سوريا، أفغانستان، دعمها للإرهاب الدولة الإسرائيلي بفلسطين...).
أما حليفتها إسرائيل فقد قامت بخرق كل المبادئ التي تأسست عليها الجماعة الدولية ، و سجلها حافل بالمنجزات الإرهابية ، والمنسجمة مع أيديولوجيتها الصهيونية ، و استخدمت كل الأشكال الممكنة والمساعدة على اضطهاد الفلسطينيين أينما كانوا سواء بفلسطين أو خارجها ، و امتد إرهابها إلى شعوب المنطقة كلها ،فالإرهاب يشكل مقوما من مقوماتها ومن أسس إستراتيجيتها العسكرية و السياسية .
تاريخ الحركة الصهيونية ودولة إسرائيل حافل بالأعمال الإرهابية والإبادات الجماعية مثل تراثها الفكري ،فهي عندما فكرت في إقامة دولة إسرائيل يهودية خالصة في فلسطين ، رأت أن ذلك لن يتم إلا بإبادة سكان البلاد الأصليين أو طردهم عن طريق الترهيب و التخويف ، واستعملت لأساليب كثيرة منها وضع القنابل بالمقاهي و الأسواق وعلى وسائط النقل ، وفي الدوائر المدنية الحكومية ، الاغتيال داخل وخارج فلسطين ، نسف الفنادق والسفارات خارج فلسطين وبيوت ومباني سكنية ، وضرب أحياء مدنية بالمدافع و اغتيال موظفي الأمم المتحدة ، مصادرة جماعية لممتلكات النازحين و الغائبين ، واحتجاز النساء و الأطفال ، وتنظيم المجازر و المذابح للإنسان الفلسطيني. (55)
ففي مذبحة دير ياسين قتل رجال عصابتي أرغون وشترن الإرهابيتين 254 رجلا وامرأة وطفلا ومتلو بهم ليلة 9 -10/أبريل/1948 ،وفي مذبحة قبية قتل الجيش الإسرائيلي 42 رجلا و امرأة وطفل و متلو بهم ونسف 41 بيتا ليلة 14 – 15/أكتوبر1953 .(56)
وعلى اثر الاجتياح الإسرائيلي للبنان وحصار بيروت(يونيوـ غشت 15/1982) التي نتج عنها تقتيل ألف مدني من اللبنانيين و الفلسطينيين،عن طريق الطائرات التي كانت تشن هجمات يومية على العاصمة بيروت، وقد تكثف القصف في مطلع غشت لإلى درجة اضطر معها رئيس الولايات المتحدة الأمريكية " رونالد ريكن" للاعتراض على مناحيم بيكن على هذه الفعال غير المقبولة.(57)
بعد فوز شارون في الانتخابات توجها كرئيس للوزراء إلى أنصاره بجملة غريبة قائلا " إن حرب الاستقلال في 1948 لم تنته بعد، 1948 كانت مجرد فصل"(58) وهذا ما أوضحته الأحداث التي عرفتها المنطقة بعد ذلك، المتسمة باندلاع انتفاضة الأقصى واغتيال زعماء المقاومة وقادتها.
على إثر تحدي مجرم الحرب شارون للمقدسات الإسلامية والمسيحية وقيامه بزيارة "تدنيس" الحرم القدسي الشريف في 28 شتنبر 2001 اندلعت الشرارة الأولى للانتفاضة لفلسطينية، تعبيراً عن رفض الشعب الفلسطيني المساس بمقدساته المسيحية والإسلامية بجانب عدم التزام إسرائيل في الانسحاب، وعمدت حكومة إسرائيل الحالية وسابقتها على إطلاق العنان لجيشها المحتل، يمارس إرهاب الدولة على الشعب الفلسطيني، " مستخدمة كل ما في ترسانتها الحربية من وسائل القتل والفتك والتدمير، ومستخدمة طائرات أف15 ، أف 16، والأباتشي، والدبابات والمصفحات والسفن الحربية والأسلحة الفتاكة بما فيها الأسلحة الدولية المحرمة، بجانب التركيز على عمليات الاغتيال، والتدمير، وهدم البيوت، والمؤسسات العامة والخاصة، وتخريب وتجريف المزارع والحقول واقتلاع مئات الآلاف من أشجار الزيتون والفواكه وغيرها، وقتل الأطفال والنساء والشيوخ، حيث سقط لنا خلال ثلاثة عشر شهراً حوالي 1800 من الشهداء، وحوالي 37000 من الجرحى، والمعاقين وأعداد كبيرة من المعتقلين، ناهيكم عن الخسائر الاقتصادية الجسيمة، التي تقدر بأكثر من سبعة مليارات من الدولارات، إضافة إلى قيامهم مؤخراً بتشديد الإغلاق، والحصار الاقتصادي، والمالي، والتمويني، والطبي، والغذائي، وحرمان شعبنا من حرية الحركة والتنقل، وحتى الطلاب والمدرسين يمنعون من الوصول إلى مدارسهم وجامعاتهم، وإغلاق المعابر والحدود الدولية والمطار، منتهكة بذلك أبسط حقوق الإنسان لشعبنا، ومنع العمال من الوصول إلى أماكن عملهم، لكسب أقوات أسرهم وأطفالهم ". حسب تعبير السير الرئيس الفلسطيني الراحل يسار عرفات في الخطاب الذي ألقاه أمام دورة الجمعية العانة للأمم المتحدة يوم 11 / 11 / 2001.
وفي تقرير لمنظمة العفو الدولية عن انتفاضة الأقصى بتاريخ 19 فبراير 2004 ، رصدت سنوات (بعد شتنبر2000 و21001 و2002و2003 ونصف سنة2004) قتل أكثر من 2300 فلسطيني عزل بينهم ما يزيد عن 400 طفل، ودمر الجيش الإسرائيلي خلال نفس الفترة ما يزيد عن3000 منزل فلسطيني والمئات من أوراش العمل والمصانع والمباني العامة و الأراضي الزراعية الشاسعة .(59)
وفي أبريل 2002 عمدت الحكومة الإسرائيلية على إنشاء سياج / سور في بعض أجزاء الضفة الغربية واعتمدت إنشاء المرحلة الأولى من المشروع في يونيو 2002 في الجزء الشمالي من الضفة الغربية ، ويمتد من شمال إلى جنوب الضفة الغربية وحول القدس ، تحت ذريعة الإجراء الدفاعي الهادف لمنع مرور الإرهابيين والأسلحة المتفجرة إلى دولة إسرائيل ، وأشارت إليه السلطات الإسرائيلية في البداية بعبارة الفصل أو السياج الأمني ، وابتداء من نهاية العام 2003 بدأت تشير إليه بعبارة " سياج مكافحة الإرهاب ". (60)
و أشارت منظمة العفو الدولية في نفس التقرير أ، السياج سيعزل أكثر من 15% من أراضي الضفة الغربية عن سائر أنحائها، وسيجد حوالي 270,000 فلسطيني يعيشون في هذه المناطق أنفسهم محاصرين في مناطق عسكرية مغلقة بين السياج والخط الأخضر ( الخط الأخضر هو خط هدنة عام 1949 بين إسرائيل والضفة الغربية) ، وسيعزل أزيد من 200,000 فلسطيني منسكان القدس الشرقية ، وقرابة 90% من المسار الذي يسلكه السياج يقع على الأراضي الفلسطينية وليس الإسرائيلية ، يبلغ طوله الإجمالي 650 كلمتر ومتوسط عرضه بين 60 و 80 متر . (61)
30 دجنبر2000 خرج محمد جمال الدرة مع أبيه بين " نتساريم " وغزة ، ودخلا منطقة فيها إطلاق نار عشوائي من قبل الجيش الإسرائيلي ، قام الأب بسرعة بالاحتماء مع ابنه خلف خزان ماء ، استمر إطلاق النار ناحية الأب وحاول الأب وابنه الإشارة للجنود الإسرائيليين بالتوقف ، إلا أن إطلاق النار استمر بشكل متعمد ناحية الأب وابنه وأصيب الأب بثماني رصاصات ، وأسكتت صرخات الابن البالغ من العمر 12 سنة إلى الأبد فسقط شهيدا برصاصة تحمل عنوان قضية إرهاب دولة إسرائيل الصهيوني وساد معه إحساس بعدالة القضية في مشهد حي مأساوي ولج جميع بيوت العالم ، والذي التقطته عدسة المصور الفرنسي بمحطة " فرانس2 " ،
فمتى سيصحو الضمير العالمي، و الشرعية الدولية لوقف المجازر في حق الشعب الفلسطيني ، وفي حق الإنسانية؟ ومتى سيتحقق الأمن والسلم الدوليين، الذين من أجلهما تأسست " هيئة الأمم المتحدة " ، خاصة وأنها قد ضمنتهما ضمن مبادئها؟

المطلب الثاني: تحريم اسخدام القوة في العلاقات الدولية

تنص المادة الثانية الفقرة الرابعة من ميثاق الأمم المتحدة على أنه : "يمتنع أعضاء الهيئة جميعا في علاقاتهم الدولية عن التهديد باستعمال القوة أو باستخدامها ضد سلامة الأراضي أو الاستقلال السياسي لأية دولة أو على وجه أخر لا يتفق ومقاصد الأمم المتحدة ".
فالمادة 2 الفقرة 4 نصت بالحرف على ضرورة الامتناع عن استخدام القوة أو التهديد باستخدامها ضد سيادة الدول بأية طريقة تتنافى وأهداف الأمم المتحدة المتمثلة في الحفاظ على السلم و الأمن الدوليين، فاكتسب مبدأ تحريم القوة استخدام في العلاقات الدولية القوة القانونية.
فالنص حرم كل الأشكال التي يمكن أن تتخذها القوة المستعملة من خلال عبارة " ...ضد سلامة الأراضي أو الاستقلال السياسي لأية دولة أو على وجه أخر لا يتفق ومقاصد الأمم المتحدة "، سواء كانت هذه القوة مباشرة أو غير مباشرة كالضغوطات العسكرية أو السياسية أو الاقتصادية إلا أنه ثار نقاش فقهي حول دلالات مفهوم القوة الواردة في المادة2الفقرة 4 ،حيث اعتبر جانب من الفقه أن المقصود من لفظ القوة هو القوة المسلحة التي تأخذ شكل الاعتداءات المسلحة أي العسكرية ضد سلامة الأراضي أو الاستقلال السياسي للدول ، فلا يجوز اعتبار التهديدات العسكرية أو الإعلامية أ, تشجيع وإثارة الاضطرابات الداخلية عملا من أعمال القوة الذي يستوجب الدفاع الشرعي وفقا لمقتضيات المادة 51 من الميثاق.(62)
كما أثير النقاش حول مجال استخدام القوة في نطاق نفس المادة، وربطها بالدولة دون سواها من الأشكال التنظيمية الأخرى من خلال لفظة علاقاتهم الدولية ولفظة الدولة في نص المادة، وهو ما يخرج التنظيمات غير المتوفرة على مقومات الدولة ( الأرض، الشعب، السلطة السياسية ) وخاصة الحركات التحررية الوطنية، التي تسعى للرقي إلى لمستوى الدولة المستقلة عبر ممارسة شعبها لحقه في تقرير المصير، وهكذا لا يعتبر استعمال القوة في حالة ممارسة الشعوب لحقها في تقرير المصير محرما وفقا لروح المادة2 الفقرة4 من الميثاق، ويعتبر عدم احترام هذا المبدأ بمثابة عدوان يمنح فيها للدولة المتعرضة له الحق في رده في إطار الدفاع الشرعي للدولة إلى أن يتدخل مجلس الأمن الدولي ليتخذ التدابير اللازمة لحفظ السلم و الأمن الدوليين .
وقد عملت محكمة العدل الدولية في قرارها المرتبط بالنشاطات العسكرية وشبه العسكرية في نيكاراكوا على تكريس القيمة القانونية لهذه القاعدة،(63) كما أن صيغة المادة جاءت لتخاطب السلوك الدولي بالامتناع عن استخدام القوة أو التهديد بها بصفة عامة وشاملة مما جعلها تكتسب قيمة جنائية تستمدها من كونها قاعدة لتجريم سلوك دولي متمثل في استعمال القوة الذي يمس سلامة الأراضي و الاستقلال السياسي للدولة، و بناء على النظام الأساسي لمحكمة NUREMBERG الذي عرف الجريمة الدولية في المادة السادسة من نظامها بكونها " استعمال وسائل الحرب واستخدام القوة المسلحة يشكل جريمة ضد السلم بناء على مقتضيات الواردة في نص المادة الثانية الفقرة الرابعة".(64)
أما بالنسبة للعدوان فقد حدده إعلان 3314 الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في 14 دجنبر1974 ،الذي نص في مادته الأولى على تعريفه بكونه استعمال للقوة المسلحة من طرف دولة ضد السيادة و الوحدة الإقليمية أو الاستقلال السياسي لدولة أخرى ، أو بأية طريقة تتعارض مع الميثاق،(65) واشتملت المادة الثالثة من الإعلان على قائمة من الأعمال التي تعد عند ارتكابها عدوانا، وتتميز هذه الأعمال بكونها تتميز بطابع مشترك وهو استخدام القوة المسلحة، وورد في المادة الرابعة منها بكون ورود هذه الأعمال لم يأتي على سبيل الحصر، وتضمنت المادة السابعة التأكيد على حق الشعوب في تقرير المصير، حيث نصت على أنه ليس في هذا التعريف، وبصفة خاصة ما ورد في المادة الثالثة، ما يمكن أن يمس حق تقرير المصير والحق في الحرية والاستقلال و النابعة من الميثاق للشعوب المحرومة من بالقوة من هذا الحق و المشار إليه في إعلان مبادئ القانون الدولي....(66)
ومن خلال مقتضيات المادة الثانية الفقرة الرابعة وإعلان 3314 السالف الذكر، برز لنا أن الخيار العسكري في العلاقات الدولية بمثابة عدوان تتوافر فيه أركان الجريمة الدولية، تستوجب المسائلة الدولية أمام محكمة جنائية دولية على أساس أن مرتكبي جرائم الاعتداء العسكري هم مجرمي حرب يستحقون العقاب، ولا يمكن حمايتهم بناء على فكرة الشخصية المعنوية للدولة، إلا أن الإشكال المطروح على المجتمع الدولي هو مدى احترام هذه القواعد القانونية المؤسسة على خلفية تحقيق السلم و الأمن الدوليين، والقاعدة القانونية لها خصائص تتميز بها على باق القواعد الأخلاقية والمتمثلة في طبيعة الإلزام لديهما، التي تفترض سلطة عليا تعمل على تطبيق هذه القواعد القانونية، الأمر الذي يفتقده تنظيم المجتمع الدولي القائم، الذي يتجه نحو هيمنة امبريالية تقودها الولايات المتحدة الأمريكية .
وكما أشرنا أن القانون الدولي حرم استخدام القوة في العلاقات بين الدول كقاعدة للسلوك الدولي، بناء على المادة2 الفقرة4 والمادة السادسة من النظام الأساسي لمحكمة NUREMBERG، إلا أنه ورد استثنائيين عليها، الأول يندرج في إطار المادة 51 من الميثاق المرتبط بحالة الدفاع الشرعي، و الثاني في حالة الأمن الجماعي في إطار مقتضيات الفصل السابع الذي يخول لمجلس الأمن التدخل لاتخاذ التدابير في حالة تهديد السلم والإخلال به ووقوع العدوان.
فالمادة 51 من الميثاق نصت على أنه لا يوجد في الميثاق ما يضعف أو ينتقص الحق الطبيعي للدول، فرادى أو جماعات في الدفاع عن أنفسهم إذا أعتدت قوة مسلحة على أحد أعضاء الأمم المتحدة وذلك إلى أن يتدخل مجلس الأمن التدابير اللازمة لحفظ السلم و الأمن الدولي، والتدابير التي اتخذها الأعضاء إستعمالا لحق الدفاع عن النفس تبلغ إلى المجلس فورا، ولا تؤثر تلك التدابير بأي حال فيما للمجلس بمقتضى سلطته ومسؤولياته المستمدة من أحكام هذا الميثاق، من الحق في أي وقت ما يرى ضرورة لاتخاذه من الأعمال لحفظ السلم و الأمن الدولي أو إعادته إلى نصابه.
المادة51 اعتبرت الدفاع الشرعي بمثابة حق طبيعي للدولة المعتدى عليها، تمارسه بشكل فردي أو جماعي، في حالة تعرضها لهجوم مسلح ، أي في حالة التعرض لعدوان عسكري، في إشارة لاستبعاد للاعتداءات غير المسلحة، كالتحريض السياسي أو التهديد باتخاذ إجراءات ضد دولة أخرى...، فهذه الصور من أشكال التدخل غير المباشر لا تخول للدولة المعنية باتخاذها ذريعة تبني عليها فكرة الدفاع الشرعي، إضافة إلى أن هذا الحق ليس مطلقا بل مؤقت، ينتهي بمجرد تدخل مجلس الأمن لاتخاذ التدابير اللازمة لإعادة السلم والأمن الدوليين، حتى لا يتحول حق الدفاع الشرعي أعمال انتقامية تلجئ إليها الدولة المتعرضة للعدوان.(67)
فيما يخص الاستثناء الثاني المرتبط بحالة الأمن الجماعي الذي يعود لمجلس الأمن مهمة تحقيقه و الحفاظ عليه، وفقا لمنصوص المادة 24 من الميثاق التي تحدد دور مجلس الأمن داخل المجتمع الدولي "... في أمر حفاظ السلم و الأمن الدولي ويوافقون على أن هذا المجلس يعمل نائبا عنهم في قيامه بواجباته التي تفرضها عليه هذه التبعات"، وهو يملك السلطة التقديرية و اتخاذ القرار في حالة وقوع إخلال بالسلم العالمي وفقا للمادة 39 وتقديم التوصيات وفقا لأحكام المادة 41، وبغض النظر عن مضمون المادة 39 والمادة 42 فالفصل السابع للميثاق يمنح لمجلس الأمن سلطات واسعة في مجال تقدير حالة الإخلال بالسلم والأمن الدوليين، وحتى في تحديد ما إذا وقع فعلا تهديد للسلم أو إخلال به، أو ما وقع عملا من أعمال العدوان دون التوضيح الجهة التي يستمد منها مجلس الأمن هذه السلطة التقديرية؟(68)، وبما أن الدول الخمس الكبرى التي خرجت منتصرة في الحرب العالمية الثانية، والتي تمتلك حق الفيتو والعضوية الدائمة بمجلس الأمن، يمكنها إعدام إي قرار يمس مصلحتها، وبالتالي استثمار هذه القوة وانعكاسها على سير أشغال مجلس الأمن، خاصة بعد سقوط الإتحاد السوفيتي ونهاية الحرب الباردة، الذي استفادة منه الولايات المتحدة الأمريكية لقوتها العسكرية، وقدرتها على التحكم وفرض تصوراتها على قرارات مجلس الأمن الدولي وجعلها في خدمة مصالحها الإستراتيجية و الإيديولوجية.
وهو ما يؤكد أن تاريخ العلاقات الدولية اتسم بلجوء الدول للحرب باستمرار انطلاقا من حقها في ممارسة سيادتها لتحقيق مصالحها، (69) وعجزت عصبة الأمم المتحدة لوضع حد لها واكتفت بالتقليل من أثارها، لإلى أن تأسست الأمم المتحدة التي أكدت في ميثاقها أنها عازمة على انقاد الأجيال المقبلة من ويلاتها، وكانت قبل ذلك مجموعة من الاتفاقيات التي ساهمت في التقليل من أثارها، ومنها تصريح سان بطرسبرغ عام 1868 الخاص بتحريم استخدام بعض أنواع المقذوفات شديدة الانفجار، واتفاقية لاهاي 1899، المتعلقة بتحريم استخدام الغازات السامة، واتفاقية لاهاي الثانية1907 الخاصة بتقييد حرية الدول في إعلان الحرب، والامتناع عن استخدام القوة لحل المنازعات القانونية إلا بعد عرضها على هيئة التحكيم، وتوصية بروتوكول جنيف 1924 الداعية إلى تسوية المنازعات الدولية بالطرق السلمية...
أما بالنسبة لإستخدام القوة من قبل الحركات التحررية، فهي لا تدخل في خانة التحريم أو الإرهاب بناء على قرارات الأمم المتحدة و الإعلانات المنبثقة عن الجمعية العامة، وفي قرار 1514 في دجنبر 1960، للجمعية العامة ورد فيه أن لجميع الشعوب الحق في تقرير مصيرها، وأن تحدد أوضاعها السياسية وتختار نمط التنمية الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية الذي يوافق أوضاعها دون أي تدخل خارجي، وفي قرار رقم 2621 الذي أكد على الحق الطبيعي للشعوب المستعمرة في الكفاح بكل الوسائل الضرورية المتاحة ضد القوى الاستعمارية المناهضة لحقها في الحرية و الاستقلال، وفي قرار رقم 3070 لعام 1973، الذي نص على أن نضال الشعوب الواقعة تحت السيطرة الاستعمارية و الأجنبية والأنظمة العنصرية في سبيل تحقيق حقها في تقرير المصير و الاستقلال هو نضال مشروع يتفق ومبادئ القانون الدولي، وأي محاولة لقمع الكفاح ضد السيطرة الاستعمارية والأجنبية و الأنظمة العنصرية هي مخالفة لميثاق الأمم المتحدة ولإعلان مبادئ القانون الدولي الخاصة بالعلاقات الودية و التعاون بين الدول وتشكل خطرا على السلم والأمن الدوليين.(70)
وفي قرار رقم 32/147 الصادر في تاريخ 16 دجنبر1977 أدانت الجمعية العامة استمرار أعمال القمع والإرهاب التي تقوم بها النظم الاستعمارية الأجنبية سالبة الشعوب حقها في تقرير المصير و الاستقلال وغيره من الحقوق والحريات الأساسية، وفي الدورة التاسعة و الثلاثين أكدت الجمعية العامة في قرارها رقم 39/159 الخاص بعدم قبول سياسة إرهاب الدول، على الحق غير القابل للتصرف لجميع الشعوب في تقرير المصير بنفسها وتحديد سبل تنميتها بحرية.(71)
كما أكدت الأمم المتحدة في العديد من القرارات على حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، وصدر عن الجمعية العامة مجموعة من القرارات المؤكدة لعدالة القضية، حيث طالبت بضرورة انسحاب إسرائيل من الأراضي العربية المحتلة، واتخذت الجمعية العامة في دجنبر لعام 1974 القرار رقم (3214)، الذي أجاز حق الشعوب في النضال بجميع الأشكال بما فيها الكفاح المسلح، وبالتالي تكون الأمم المتحدة قد ميّزت بين المقاومة والإرهاب وأجازت مقاومة الشعوب للاحتلال، أي أجازت المقاومة العربية ضد الاحتلال الإسرائيلي.





#عبدالله_اسبري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الإرهاب بين حق المقاومة و استراتيجية التدمير /الجزء الثالت
- الإرهاب بين حق المقاومة و استراتيجية التدمير /الجزء الأول


المزيد.....




- أحدها ملطخ بدماء.. خيول عسكرية تعدو طليقة بدون فرسان في وسط ...
- -أمل جديد- لعلاج آثار التعرض للصدمات النفسية في الصغر
- شويغو يزور قاعدة فضائية ويعلن عزم موسكو إجراء 3 عمليات إطلاق ...
- الولايات المتحدة تدعو العراق إلى حماية القوات الأمريكية بعد ...
- ملك مصر السابق يعود لقصره في الإسكندرية!
- إعلام عبري: استقالة هاليفا قد تؤدي إلى استقالة رئيس الأركان ...
- السفير الروسي لدى واشنطن: الولايات المتحدة تبارك السرقة وتدو ...
- دعم عسكري أمريكي لأوكرانيا وإسرائيل.. تأجيج للحروب في العالم ...
- لم شمل 33 طفلا مع عائلاتهم في روسيا وأوكرانيا بوساطة قطرية
- الجيش الإسرائيلي ينشر مقطع فيديو يوثق غارات عنيفة على جنوب ل ...


المزيد.....

- كراسات شيوعية( الحركة العمالية في مواجهة الحربين العالميتين) ... / عبدالرؤوف بطيخ
- علاقات قوى السلطة في روسيا اليوم / النص الكامل / رشيد غويلب
- الانتحاريون ..او كلاب النار ...المتوهمون بجنة لم يحصلوا عليه ... / عباس عبود سالم
- البيئة الفكرية الحاضنة للتطرّف والإرهاب ودور الجامعات في الت ... / عبد الحسين شعبان
- المعلومات التفصيلية ل850 ارهابي من ارهابيي الدول العربية / خالد الخالدي
- إشكالية العلاقة بين الدين والعنف / محمد عمارة تقي الدين
- سيناء حيث أنا . سنوات التيه / أشرف العناني
- الجدلية الاجتماعية لممارسة العنف المسلح والإرهاب بالتطبيق عل ... / محمد عبد الشفيع عيسى
- الأمر بالمعروف و النهي عن المنكرأوالمقولة التي تأدلجت لتصير ... / محمد الحنفي
- عالم داعش خفايا واسرار / ياسر جاسم قاسم


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الارهاب, الحرب والسلام - عبدالله اسبري - الإرهاب بين حق المقاومة و استراتيجية التدمير /الجزء الثاني