أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صالح مجيد - باب الحارة .. الخمّارة














المزيد.....

باب الحارة .. الخمّارة


صالح مجيد

الحوار المتمدن-العدد: 6802 - 2021 / 1 / 29 - 12:56
المحور: الادب والفن
    


لا أعرف كيف يحبّ الناس مسلسل "باب الحارة". هذ المسلسل الرديء في محتواه يتابعه ويتداوله ملايين العامة والمثقفين والمختصين على السّواء في كل مكان من العالم العربي. إنه عملٌ يروّج للعقلية القبلية والنظام العشائري المتخلف الذي طالما قاد المجتمع إلى العنف والهلاك والفقر والفساد ، وغيّب أصحاب الكفاءة والمثقفين عن القيادة. المسلسل يُشيع فكرةَ البلطجيّ وغلَبةَ القويّ في البلدة تحت مسمى الشهامة والشجاعة. إنه لا يستحضر شخصية عنترة الحقيقية ، شخصية البطل الحرّ الذي يتمرّد ويدعو إلى كسر نظام القبيلة ، والأعراف المتعفنة ، ويطالب بالاعتراف بالقيمة الحقيقية للانسان. المسلسل يستحضر عنترة بصورته السلبية ، صورة "الشّبّيح" ، قاطع الطريق الذي يستغل قوته ليتسيّد على الضعفاء في منطقته ، ويدوسَ على القانون ، ويصير هو السلطة.
هل حاولَ المشاهد أن يُقارنَ بين الحقيقة والتمثيل؟ بين سيّد الحارة الرّاقي المتديّن النبيل في المسلسل ، وبــين الشقيّ الأزعر الجاهل في حارة الواقع؟ من منّا يعرف شخصا قويا وشهما يحمي الضعفاء ويحقق العدالة في الحيّ ولو على أهله ونفسه؟ إنّ هذا الوهم يجسده البطل الدراميّ المحسوبةُ حركاتُه وسكناتُه بالمقاس أمام الكاميرات الحديثة ، ولكنه في الحقيقة بلطجيٌّ لا يمكنُ لأحد مواجهتهُ لأنه ببساطة الأقوى ، والأشدّ إيذاءً ، والأكثر ميلا لارتكاب الجريمة.
لماذا تصل مشاهدات هذا المسلسل "المُخدِّر" إلى الملايين على القنوات ومنصات التواصل؟ إنه في الحقيقة توق المجتمع إلى تلك الحياة المثالية الرومانسية الجميلة. توقٌ إلى بطل يحميه من تسلّط الغرباء والأشقياء والسّفاحين. مجتمعٌ يعيش حالة دائمة من الخوف والرّعب من سلطة تضطهده أو لا تمثله ، فيلوذ بابن العشيرة القياديّ الشهم الذي يقف إلى جانبه عند الشدّة ، و يعيد له حقه من مستلبيه. لكنّ هذا الشعور في منتهى السذاجة والغباء ، فقطيع الخراف هنا يلوذ بالجزّار خوفا من وهم الذئب غير الموجود ، الوهم الذي يرسُمه هذا الجزار في ذهن القطيع ، ويقدّم نفسه ، في المسلسل ، بصفة المنقذ الخارق والفارس النبيل ، وحامي الأرض والعرض ، والحاكم العادل الأوحد.
ينجح المسلسل في تعميق شيزوفرينيا المشاهد ، وعقده النفسية وتناقضاته. المشاهد المسكين يحلم أن يكون أبا شهاب وأبا عصام ، أو على الأقل أن يعيش في هذه الحارة بين هذين البطلين وأبطال الأجزاء التالية. لكن المشاهد ينسى أو يتناسى أن نظام العشيرة ليس النظام الصحي للبقاء على قيد الحرية والكرامة ، وأنّ الضعفاء والفقراء في النهاية هم المهزومون أمام التراتبية القبلية ، ومصالح الأقوياء ، وسطوة القرابة التي تفرض الواسطة والمحسوبية لتحول المجتمع إلى مسخ قبيح. المسلسل ينجح في طرحه الذي يؤدي إلى تدهور صحة المجتمع الفكرية. فالمشاهد ، من جهة ، يتمنى الدخول من باب الحارة والسّكن فيها ببساطتها وجهلها وفقرها ، وفي الوقت ذاته يتمنى أن تصبح مدينته كأي مدينة في سويسرا وألمانيا. وإذا مُنحت الجنسية الأوربية أو الأميركية لأي من المشاهدين أو حتى ممثلي المسلسل وكادره الفني فإنهم على الفور سيتركون باب الحارة وحيطانها وأهلها ومواقفها وقصصها المخدّرة ويركبون أول طائرة إلى البلاد البعيدة ، لأنهم ببساطة يعرفون أن المسلسل حلمٌ مرضيٌّ لن يحققه ابن القرية ورئيس العشيرة السّاقط في المدرسة ، وأنّ بافاريا أو برن أو لوس انجلوس هي واقع تتحقق فيه الحماية القانونية والاجتماعية بنسبة عالية - رغم مشاكلها المتنوعة - قياسا بحارته البائسة.
ومع تواصل إدمان المشاهد على "باب الحارة" ، يقدّم المسلسل جرعته المخدّرة الأقوى في أجزائه التالية ، وهي تمرير الخطاب السياسيّ عبر المسلسل. إذ يبطن السيناريو محتوى آخر وهو أنّ النّظام السياسيّ القائم هو الأصلح للقيادة والسيادة بمباركة الأبطال الذي وظفهم النظام للاجهاز على ذهن المشاهد. كما يوظف الخطاب الديني ليحذّر من تهديد الارهاب ، وكأنّ الجماعات المعارضة للنظام جميعها تنتمي للتنظيمات الارهابية وليس فيها أحرار خرجوا ذات يوم للمطالبة بالحرية والكرامة فتلقفتهم رصاصات الشبيحة واستهدفتهم قذائف الدبابات. أصبح المشاهد لا يصدّق أن هذا النظام الذي حصل على مباركة أبطال الحارة هو نفسه الذي يُلقي البراميل المتفجرة على الاطفال والمدنيين الأبرياء ، ويقصفهم بقنابل الكيمياوي ، ويقتلهم جوعا وتعذيبا في السجون. لم يعد المشاهد يصدق كل هذه المآسي ما دام "قبضاي" الحارة وإمامُها وباقي "الوجهاء" لا يستغنون عن هذا النظام مهما كان دمويا ووحشيا ومنتهكا لكلّ القيم الانسانية.
هكذا تكتمل حقيقة المشهد. فالقبضاي البطل حامي الحارة هو في الحقيقة شبيحٌ بلطجيّ ورئيس عصابة ، تكبُر صورته شيئا فشيئا مع تقدّم أجزاء المسلسل المأساوي ليدرك المشاهد في النهاية أن هذا الشبيح وعصابته هو رمز النظام السياسي للبلاد.



#صالح_مجيد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أوّلَ مرّةٍ
- قصيدةُ حُبٍّ لتُونُس
- حوار خاص مع الشاعر العراقي صالح مجيد
- هتلر
- بين البرادعي وصدّام
- وماذا بعد الحكومة؟
- ثلاث قصائد قصيرة
- من أحادية الإعلام إلى فوضى المعلومات


المزيد.....




- الرئيس الايراني يصل إلي العاصمة الثقافية الباكستانية -لاهور- ...
- الإسكندرية تستعيد مجدها التليد
- على الهواء.. فنانة مصرية شهيرة توجه نداء استغاثة لرئاسة مجلس ...
- الشاعر ومترجمه.. من يعبر عن ذات الآخر؟
- “جميع ترددات قنوات النايل سات 2024” أفلام ومسلسلات وبرامج ور ...
- فنانة لبنانية شهيرة تتبرع بفساتينها من أجل فقراء مصر
- بجودة عالية الدقة: تردد قناة روتانا سينما 2024 Rotana Cinema ...
- NEW تردد قناة بطوط للأطفال 2024 العارضة لأحدث أفلام ديزنى ال ...
- فيلم -حرب أهلية- يواصل تصدّر شباك التذاكر الأميركي ويحقق 11 ...
- الجامعة العربية تشهد انطلاق مؤتمر الثقافة الإعلامية والمعلوم ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صالح مجيد - باب الحارة .. الخمّارة