أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - رواء الجصاني - مابين السيرة والذكريات // الجواهري في سنوات التسعين (1990-1997)















المزيد.....


مابين السيرة والذكريات // الجواهري في سنوات التسعين (1990-1997)


رواء الجصاني

الحوار المتمدن-العدد: 6798 - 2021 / 1 / 25 - 21:45
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
    


//مابين السيـرة والذكريــات//
الجواهــري في سنوات التسعين
(1990-1997)
- رواء الجصاني
---------------------------------------------------------------------
على تخوم تسعينات القرن الماضي، وفي خضمها، حفلت محطات الشاعر الخالد، محمد مهدي الجواهري (1899-1997) بالكثير والجديد من الشعر والرؤى والمواقف، مثلما كانت الحال عليه في عقود حياته الثمانية السالف، خاصة وان البلاد العراقية كانت تشهد أوضاعا مأساوية وشجونا لا تحصى، في ظل سلطة انهكت البلاد، وانهكتها: الحروب الخارجية والقمع الداخلي، والحصار الاقتصادي، كما هو معروف.
لقد كانت بدايات التسعينات الماضية، وعشيّتها، اواخر الثمانينات، سنوات مثقلة بالهموم الشخصية، اضافة الى العامة، عند الجواهري، خاصة وهو في التسعين من عمره. وهكذا راح يزداد مفرطاً بالقلق والمشاعر والتصورات والتشابكات من التداعيات ذات الصلة، وانعكس كل ذلك في كثرة تنقلاته بين دمشق وبراغ، وكذلك بودابست لفترات قليلة، ثم لعواصم عربية اخرى عديدة، كما سنرى في الفقرات والمحطات التالية في هذه التأرخة ..
1/ في بــراغ
كما جاء في السابق من التوثيقات، دامت اقامة الجواهري في براغ حتى صيف 1991 بالتناصف مع دمشق، منذ عام 1983 وقد شهد في براغ، ما عاشته الاخيرة من احداث بالغة التميّز ونعني بذلك انهيار النظام الشمولي الحاكم، كما في بلدان شرق اوربا عموما، اواخر عام 1989 وبدايات عام 1990 وكان من الطبيعي ان ينشغل ذلكم الشاعر الانساني بما حدث من تداعيات لأنظمة كان يرى فيها أمثلة للأرتقاء، وتوفير الأمن والازدهار لشعوبها، وذلك ما سجله قصيداً ومواقف وقناعات على مدى نحو سبعين عاما..(1)
وفي العموم لم تكن هناك احداث او وقائع غير تقليدية، خلال اقامة الشاعر الكبير ببراغ في تلك الفترة. بينما زاد قلقه المتعاظم من تطورات الاحداث في بلاده، وخاصة بعد غزو النظام العراقي للكويت في آب 1990.. وقد راح الشيخ الجليل يقلل من زياراته واقامته في براغ، لصالح مستقره الآخر، اي دمشق الشام، وللعمر هنا دوره وتأثيره في ذلك كما بدا واقعيا..
2/ بودابست على الطريق
بدأ الجواهري عام 1990 يتردد على العاصمة المجرية – بودابست، باهتمام صاحب دار"صحارى" للنشر، د. عبد الحميــد برتو، وعنايته، مع عصبة محبة، كان الأولان فيهـا: الشاعر نبيل ياسين، والسينمائي أنتشال هادي..
وطوال ذلك التردد على بودابست الذي استمر حتى اوائل 1991 وبرغم وصفه للمدينة بأنها جميلة، ومشرقة وتنبض بالحياة، ألا ان الجواهري لم يكتب عنها ولا بيت شعر واحد، خلافا للعديد من العواصم والمدن التي زارها او اقام فيها خلال العقود السابقة مثل باريس ووارشو وفارنا وأثينا، على سبيل المثال... ولعل ابرز حدث ثقافي للجواهري في بودابست، انه وافق هناك على المشروع الذي عرضه الفنان العراقي القدير، المقيم في لندن، ضياء العزاوي، وقد نفّذ لاحقا، ونعني بذلك أصدار ألبوم أنيق، محدود التوزيع، وبحجم كبير، وورق ممتاز، واخراج متميز، شمل لوحات فنية أُستوحيت من بعض قصائد الشاعر العظيم ...
3/ مشاركة في مؤتمر للمعارضة العراقية ببيروت
في ربيع 1991 يشارك الجواهري في مؤتمر عام انعقد في بيروت، لقوى وشخصيات عراقية، من جميع الاطياف السياسية الديمقراطية والقومية والدينية، المعارضة لنظام بغداد، بأشكال ومواقف وطرق مختلفة. وقد سجل حضوره تلك الفعالية التاريخية – بحسب شهود ومشاركين- أكثر من مؤشر مهم وبارز، استمرارا للمواقف الجواهرية الوطنية والسياسية المعهودة، طوال حياته المديدة.. ومن المهم الاشارة هنا - بحسب متابعين ثقاة - الى ان الشاعر الكبير كان له دور مهم في دمشق، خلال الايام القليلة التي سبقت انعقاد ذلك المؤتمر، في تقريب وجهات النظر، بين ممثلي عدد من اطراف المعارضة، الكردية خصوصا، لنبذ التناحر، والاحتراب الداخلي، وتخفيف التأزم في العلاقات بينها، والتركيز على المهام الوطنية للخلاص من الحال العراقية التي تسببت بها دكتاتورية النظام، وحروبه الداخلية والخارجية.
4/ "أمونة" ترحــل في لنـدن..
يلبي الجواهري اواخر عام 1991 دعوة من "ديوان الكوفة" الثقافي الفكري، في لندن، ويشارك هناك في عدد من الفعاليات التي نظمت بالمناسبة، وكذلك في احتفاءات اخرى عديدة من لدن مثقفين ونخب عراقية وعربية بارزة .. وبعد ذلك قبلَ الشيخ الجليل استضافةً شخصية من رجل الاعمال العراقي، حمدي نجيب، استمرت فترة وجيزة، وحتى مطلع عام 1992 لقضاء فترة قصيرة من الراحة والاستجمام. وفي تلك الاثناء تعرضت عقيلته "امونة – آمنة" التي كانت تزوره لبضعة ايام في لندن، لحالة صحية طارئة، تسببت بوفاتها بتاريخ 1992.1.8. وقد بعثت الرئاسة السورية طائرة خاصة لنقل الجواهري، وجثمان فقيدته، وعدد من ابنائهما، والمرافقين والاصدقاء، الى دمشق..
ووفق مطلعين من أهل البيت فأن تشييعـــاُ لافتاً نُظـم لفقيدة الاسرة الجواهرية، وكان في مقدمته زوجها- الجواهري- الذي كان وقعُ الحادث عليه مؤلما جدا، وهو بذلك العمر. وقد القى بتاريخ 1992.1.11عند مواراة عقيلته الثرى بمتربة السيدة "زينب" ضواحي دمشق ابيات شعر مؤثرة، وبدايتها:
ها نحنُ" امونة " ننأى ونفترقٌ، والليّـــلُ يمكــثُ والتسهيد والحــرقُ ..
ما أروحَ الموتَ، بل ما كان أبغَضَه، لديّ إذ أنتِ مني الروح والرمقُ
ومثلما كان التشييع لافتا، كانت مراسم ووقائع المواساة لافتة ايضا، ومن ابرزها قيام الرئيس السوري حافظ الاسد، شخصيا، بزيارة خاصة الى دارة الشاعر الكبير لمواساته، والعائلة، بذلك المصاب، ولنحو ساعة ونصف ..
5/ جائزة "العويـس" تمنح للجواهـري
بأقتراح الهيئة المشرفة على جائزة (سلطان العويس) الاماراتية، الشهيرة، تَرشح الجواهري لنسخة استثنائية منها سميّت ( جائزة "سلطان العويس" للأنجاز الثقافي والأدبي) تم استحداثها وفق معايير خاصة، لتُعنى بالشاعر العظيم، ومنجزه الثري . وبعد امتناع وتمنع، وافق الشاعر الخالد على الترشيح، وهكذا منحت عام 1991 وليتسلمها في (دبـيّ) ربيع عام 1992 وبرفقته نجله كفاح (2). وكان صاحب الجائزة، سلطان العويس، في مقدمة الحاضرين للأحتفاء بالجواهري الكبير، في اجتماع مهيب، تتقدمه نخب ثقافية ورسمية وجمهور كبير من المحبين والضيوف. وقد شكر الجواهري صاحب الجائزة بابيات شعر بالمناسبة، كان مطلعها:
من الاماراتِ عن شطآن شارقةٍ، على الخليج تعالى صاعدا قمــرُ
يدور في فلك الآدابِ محورهُ، فتى "عويسٍ" وأخدانٌ له غـــــررُ
اما مبلغ الجائزة وقدره مئة الف دولار فقد كان الجواهري قد قرر في وقت سابق توزيعه، بأجمعه، مباشرة على بناته وابنائه، وعلى الفور، وذلك ما حصل..
6/ زيارة الى ايـــران
في سعي لتغيير الاجواء، ومحاولة التهرب من الارق والقلق المتزايدين، وبخاصة بعد رحيل زوجته"أمونة" يُستضاف الجواهري خلال النصف الاول من عام 1992 في الجمهورية الايرانية، بدعوة رسمية من اعلى المقامات فيها، ولفترة مفتوحة. وهكذا يغادر الى طهران، ويقيم هناك، مع بعض زيارات قصيرة، لمدن ايرانية اخرى من اهمها (شيراز) . ويبدو ان ذلكم التغيير المكاني والجغرافي، في طهران، لم يكن ليخفف من تعب، وارهاق الشيخ الجليل، وأرقه، فعاد من ايران، بعد اسابيع قليلة الى مستقره الدمشقي..
ومن ابرز ما شهده برنامج الزيارة، الرسمي، لقاء شخصي حميم مع السيد علي خامنئي، المرشد الاعلى للجمهورية الايرانية، الحافظ للكثير من قصيد الجواهري.. وقد كتب له الشاعر الكبير ابيات شكر، سجلها على الصفحة الأولى من كتابه ( ذكرياتي) واهداها له ومن بينها:
لَكَ في السّلم مِنبَرٌ لايُجارى، لكَ في الحرب مِضرَب لا يُفلّ
لــكَ أهــلٌ فَوقَ الذّرى وَمَحَلُ، لـــكَ بَعـدَ المكرُمات، وَقَبلُ
وينقل السيد نجاح، النجل الثالث للجواهري، والذي بقي معه في ايران، لمدة شهرين، ان والده كان متعبا خلال الزيارة، ولم يكن برنامجه حيوياً، وكان يقضي اغلب وقته مستقراً في دار الضيافة التي خصصت له، ولم يلتق سوى عدد قليل، ومحدود، من الكثيرين الذين كانوا يودون اللقاء مع الشيخ الجليل، أو زيارته..
7/ في القاهرة، بمناسبة مئوية "الهلال"
قد يكون عام 1992 استثنائيا للجواهري، وهو في عامه الرابع والتسعين، في تلبية الدعوات التي وجهت اليه في في بلدان عديدة كما سبق ان وثقنا، وسنوثق.. ومنها هذه المرة الى القاهرة للمشاركة في الاحتفائية المئوية لمجلة "الهلال" الشهيرة، التي شهدت فعاليات عديدة متميزة، ومن بينها استقبال الرئيس المصري محمد حسني مبارك لأبرز الضيوف والمشاركين، وأولهم الجواهري الكبير، الذي كان قد نظم قصيدة بالمناسبة، والقاها في دار الاوبرا بالقاهرة بتاريخ 1992.9.18 ومن ابياتها:
يا "هـــلالَ" الفكرِ في العيـــدِ السعيدِ، هكذا ظـــل مضيئاُ الف عيــدِ
"مئـة" منكَ، ولي "تسعــــــون" منها، داعيات لكَ بالعمر المديــدِ
وبعد انتهاء ايام الدعوة الرسمية الى القاهرة، يبقى الشيخ الجليل فيها اياماَ اخرى وبشكل شخصي، عنى به خلالها واحد من شباب الاسرة المقربين، هو السيد نصير محمد علي الجواهري، الذي قدم الى هناك من دمشق لهذا الغرض. وقد كان في بال الشاعر الكبير ان يستقر في مصر فترة اطول، ولكنه تردد بشأن الفكرة، ثم عافها، ليعود الى دمشق..
8/ دعـوة الى الاردن
يقوم الجواهري في النصف الثاني من عام 1992 بتلبية دعوة رسمية رفيعة من الاردن، بضيافة عاهله الملك الحسين بن طلال، الذي رسمَ بتقليده وسام الاستحقاق من الدرجة الاولى .. وقد القى هناك في حفل تكريمي اقيم في عمان، لامية فريدة، تـمّ لاحقاً تلحينها وغنائها في سيمفونية باهرة، ومن ابياتها:
يا ابن الهواشمِ من قريشٍ أسلفوا، جيلاً بمدرجة الفخار، فجيلا..
يُدني البعيد من القريب سماحةً، ويؤلف الميئـــوس والمأمولا...
ومن جملة الاحتفاءات بتلك اللامية الجواهرية تجدر الاشارة الى ان عشرات من الشعراء الاردنيين، عارضوها، واشادوا بها، وتم حصر ذلك وتوثيقه، ثم طباعته في كتاب صدر عام 1993 بعنوان (الجواهري في عمان "اللامية ومعارضاتها") للاستاذ حمودة زلـوم ..
9/ مشاركة في مهرجان "الجنادرية" السعودي
يلبي الجواهري دعوة الى الرياض، بمناسبة الدورة السنوية لمهرجان "الجنادرية" الثقافي عام 1995 برعاية الأمير، ولي العهد السعودي آنذاك (ثم الملك لاحقا) عبد الله بن عبد العزيز، الذي أبرز أهتمامه الاسثنائي بالشاعر الكبير، وأستقبله بشكل منفرد، مع نجله كفاح (3). الى جانب الاهتمام اللافت والمتميز به من نخب ومجالس ادبية، في الرياض وكذلك جدة. وقد رافقه في الزيارة ايضا: ابنته السيدة خيـال، وزوجها السيد صباح المندلاوي.
وبحسب متابعتنا فأن زيارة الجواهري الى السعودية جاءت لاول مرة، وقد استكمل بها ضيافات وزيارات 14 بلدا عربيا، من المحيط الى الخليج : سوريا ولبنان والاردن وفلسطين والسعودية والكويت والامارات وقطر واليمن ومصر وتونس وليبيا والجزائر والمغرب..
10/ ضغط وترغيـب لـ "أسترداد" الجواهـري الى بغــداد
بالتزامن مع زيارة السعودية - التي كان النظام العراقي على خلاف شديد معها منذ غزوه الكويت عام 1990 - نشر المسؤول السابق في وزارة الاعلام العراقية، نوري المرسومي، مقالة طالب فيها بسحب الجنسية العراقية عن الجواهري لمشاركته في مهرجان "الجنادرية" مما اثار عاصفة ادانة واسعة لتلك المطالبة، من السياسيين والمثقفين العراقيين المعارضين في الخارج، وجمع من المثقفين والكتاب العرب، مما اضطر ممثلون عن النظام ان ينشروا لاحقا ما يعني ان تلك المطالبة بسحب الجنسية عن الجواهري لا تمثل موقفا رسميا، وان ما حدث جاء ضمن حرية التعبير الشخصي. وكان ذلك تبريرا لا يمكن تصديقه، بحكم ان السلطة العراقية كانت معروفة للجميع بأستبدادها، وهيمنتها على كل الحريات العامة والخاصة. وقد ترفّع الشاعر الكبير عن ان يرد على مثل تلك الحالة، أسوة بمواقفه في العديد من الحالات المشابهة، التي لا تستحق- واصحابها، والواقفين وراءها – المنازلة، بحسب تعبيره..(4)
وارتباطا بما حملته الفقرة السابقة من مؤشرات، ينبغي التوقف بهذا السياق الى ان بقاء الجواهري خارج العراق، مقيما في براغ ودمشق، منذ 1980 وحتلى رحيله الى الخلود، كان يمثل موقفاً واضحا تجاه سياسات وممارسات نظام البعث الحاكم في العراق، الداخلية والخارجية. وقد فشلت محاولات عديدة، سياسية ودبلوماسية، وغيرها، وخاصة في الاعوام الاولى من التسعينات الماضية، لكي يعود الشاعر الكبير الى بغداد. ومن بين اوضح تلكم المحاولات، سعي النظام العراقي - عبر عدد من سياسييه ودبلوماسييه - أنتهاز نكبة الجواهري برحيل زوجته (آمنة) في لندن عام 1992 لأعلان استعداد بغداد للتكفل بنقـل، واستقبال الشاعر الخالد، وجثمان عقيلته، وترتيب تشييعها ومواراتها الثرى بشكل رسمي في العراق، بدلا عن سوريا ..
ومن المحاولات المباشرة الاخرى ان الشاعر رعد بندر، رئيس الاتحاد العام للادباء والكتاب في العراق، الذي كانت السلطة البعثيـة الحاكمة تهيّمن عليه تماما، ، قد قام مع عدد من زملائه، الموالين بزيارة الجواهري في دمشق، عام 1993 لينقلوا له رغبة مسؤولين فاعلين في النظام باطلاق جائزة ثقافية وادبية، كبرى، بأسم "الجواهري".. وقد كانت تلك المحاولة مساومة واضحة، لأن من بين متطلبات اعلان واطلاق تلك "الجائزة" وجوب ان يكون الجواهري في بغداد، ومنحها له اولا..!
11/ وفي دمشــق
لقد بقيت العاصمة السورية - دمشق، في الفترة التي نوثق لها (1990-1997) المستقر الاول للجواهري، الذي لم تكلّ الشخصيات السياسية والثقافية العراقية والسورية والعربية من زيارته فيه، واللقاء به، والتداول معه. كما كانت – دمشق- منطلقه الى البلدان التي تم الحديث عنها في السطور السابقات، وليعود اليها، وحتى تاريخ رحيله.. ولقد اتمم فيها الشاعر العظيم خلال تلك الفترة، توثيقا تاريخيا فريدا، و طوال ساعتين تقريبا، بالصوت والصورة، مختارات من قصائده الوجدانية والسياسية وعداها.. وقد سبق ذلك صدور الجزء الثاني من "الجمهرة" في العيون من الشعر العربي، بقسمين، العهد الاسلامي والاموي، والذي اشرف عليه وحققه د. عدنان درويش، مع مقدمة كتبها الجواهري بنحو عشرين صفحة شملت تقييمات وتوضيحات وغيرها، وفي نهايتها شكـرٌ للباحث " السيد الهادي العلوي" على ما قدمه من جهد في اتمام العمل، و"للشاب اللبيب النابه، جمال محمد على الجواهري" لما بذله من مساع فنية وطباعية بذلك الشأن.. (5)
وضمن توثيق اهم المحطات التسعينية للشاعر الكبير، من المهم ان نشير هنا ايضا الى اقامة حفل مهيب في دمشق اواسط عام 1995 بمناسبة منح الجواهري وسام الاستقلال السوري الرفيع، بحضور ومشاركة جمع من المثقفين والسياسيين المميزين، وحشد جماهيري كبيــر، لم تتسع له قاعة "مكتبة الاسد" وسط دمشق، حيث اقيم فيها الاحتفاء.. كما نوثق ايضا بان تلك السنوات التسعينية شهدت الكثير من الحوارات التلفزيونية، والمقابلات الصحفية تناول محطات عن حياة الشاعر الكبير، وبعض آراء في الشعر والادب والسياسية وغيرها ..
12/ لماذ لم يصدر الجزء الثالث من ذكريات الجواهري؟!
في اوائل عام 1991 صدر في دمشق الجزء الثاني من مذكرات الجواهري، التي ينتهى الى عام 1969 وعلى ان يليه جزء ثالث واخير ليغطي السنوات التاليات، كما سبق القول. ولكن ذلك لم يحدث لاسباب يحددها الشاعر الكبير في اجابة على سؤال للسيدة فادية الزعبي مندوبة صحيفة الشرق الأوسط اللندنية بتاريخ 24/6/1993 فيقول:
"الجزء الثالث من مذكراتي ربما يكون اهم الاجزاء، وذلك من جراء تابع الاحداث وأهميتها بالنسبة لي على الأقل. اضافة الى تراكم السنين عليّ أكثر فأكثر. وأعتقد ان هذين السببين هما العائق والمبرر لتأخر صدور هذا الجزء". ويواصل "وعندما قلت "تتابع الأحداث" أقصد في المقدمة موقفي منها كمسؤول عما يقول، وبخاصة الأحداث التي تهم العراق، والتي يفترض ان أنطلق منها. ومع هذا فقد تحين الساعة التي تفرض عليّ أن أقول ما يجب قوله. وبهذا أكون قد ارحت ضميري".
اما عن استعداده لذلك الجزء فيجيب الجواهري "أنا بعيد عن العراق، وبعيد عن كثير من الوسائل والمواد المعينة كالمراجع والمعلومات. ولكن ذاكرتي القوية والعجيبة تكاد تكون كافية، وأقول العجيبة وأنا غير متناس انني في التسعينات من عمري. ولكن – كما قلت – ان تأخر اصدار الجزء الثالث مردّه التهيّب والتردد، لأن عندي من أسباب التعب ما فيه الكفاية، وأعتقد انني في غنى عن متاعب أخرى قد تتأتى من مواجهة الكثير من الناس بما لا يحبون من هذا الموقف أو ذاك وهذا التشخيص أو غيره.
ويضيف حول الموضوع ذاته:"... ان بواعث ترددي في اصدار الجزء الثالث يعود لذكرياتي عن الأحداث والوقائع المتعلقة بالدور والشخصيات المعنية. وهذا لا يعني ألا يصل الجزء الثالث الى أيدي الناس، بل على العكس، فبطبيعتي، ومزاجي الخاص، وكوني من الذين يكونون أكثر رضى عن أنفسهم، وعن ضميرهم عندما يكونون أكثر تحدياً، وتشخيصاً، بل دفعاً لثمن باهظ عما يقولون ويوثقون، يجعلني أتلهف الى اليوم الذي يتيح لي الحظ أن أقول ما أريد قوله، خاصة في هذه المواقف الحاسمة التي يراد منها – وعلى أساليب عديدة وبغيضة في أكثرها – ان يكون هناك عراق جديد، وأنا قبل كل شيء عراقي، وحصتي من العراق، وفي العراق، وعن العراق، حصة كبيرة يعرفها كل عراقي، بل وكل عربي".
13/ ويحيــن الرحيل ..
بعد مسيرة دامت أزيّد من سبعة عقود من الشعر والعطاء الانساني، وعن عمر الثامنة والتسعين، وأثــر معاناة صحية استمرت عدة اشهر، يحين موعد رحيل الجواهري الى الخلود، فجر الاحد 1997.7.27 وينتشر الخبر المؤسي عراقيا وعربيا بأوسع ما يكون، ويقام تشييع مهيب ، سيّارا وراجلاً، للفقيد الجليل، رسميا وشعبيا، وليستقر في راحته الابدية عند متربة السيدة "زينــب" في ضواحي دمشق، مكتوبة على ضريحه ابيات جواهرية ومنها:
"أنا العراق لساني قلبهُ، ودمي، فراتهُ، وكياني منه أشطارُ"
و " حييتُ سفحكِ عن بعدٍ فحييني، يا دجلةَ الخير يا ام البساتينِ"
14/ خاتمـة وخلاصات ...
برغم ان الامر واضح على ما ندرك، ولكن دعونا نؤكد – مع ذلك – الى ان ما تقدم من توثيق جاء مواجيز وحسب، وفي الثنايا العديد من التفاصيل والوقائع والشروح، قـد يسجل عنها ولها معنيون ومتابعون وشهود عيان، بهدف استكمال ما فاتنا، او ما لم ننتبه اليه.. كما ان لنا بالذات آراء وتفاسير، ورؤى، بشأن العديد من الوقائع والاحداث، ولكن تجنبنا الخوض فيها، وذلك توخياً لأن يكون التوثيق، أقرب للسيرة والتأرخة منها للتحليل..
وفي هذا السياق لا بدّ من الاشارة الى ان السيد كفاح، النجل الرابع للجواهري، واصغر ابنائه، قد ساعد بملاحظاته، ومعلوماته، في انجاز هذه التأرخة، لا سيما وانه كان المعتمد الاول للشاعر الكبير، ومقيما معه في نفس الدار الدمشقية، في سنوات التسعين خاصة، وقد رافقه في مشاركاته وزياراته الى لبنان والامارات ومصر والاردن والسعودية. كما يتوجب الشكر ايضا للسيد نجاح، الابن الثالث للجواهري، لما قدمه، واكده لنا من تواريخ ومعلومات، وخاصة عن زيارة والده الى ايران ..
وبالمناسبة نجد ضرورة التنبيه مجددا بانه يستمر بين حين وآخر نشـر كتابات مختلفة عن الجواهري، مرة على شكل ذكريات معه، واخرى تفسيرات واجتهادات، وغير ذلك.. وقد لاحظنا – وما نزال – ان قسماً من تلك الكتابات لا تمت للواقع بصلة، واخـر مجتزأ دون صدق، أو مليئ بالمبالغات التي يريد اصحابها تمرير موقف هنا، وآخر هناك، شخصي أو عام، مجافٍ للحقيقة، وبدون اية مسؤولية، او مصادر توثــق، او تؤرخ، او تشير.. ومما يؤسف اليه بهذا السياق ان يعيد البعض نشر تلك "الذكريات" او "الاقاصيص" او "الكتابات" - عن قصد أو جهل، او محاول نيّل – ولتصبح لاحقا وبكل أسف - وكأنها واقع وتاريخ وحقائق، يجري تداولها بكل تبسيط، واستغفال.......* رواء الجصاني / كانون الثاني 2021
---- هوامش واحالات -------------------------------------------------
** من المهم التوضيح بأن جميع التفاصيل والوقائع الوارده في هذه التأرخة، والتي لم يُشــر الى مصادرها، هي من يوميات وشهادات عيان للكاتب، ومعلومات موثقة من الشاعر العظيم، واوراقه المحفوظة في مركز الجواهري في براغ..
1/ القصائد ذات العلاقة تضمها الطبعات الكاملة لديوان الجواهري العامر..
2/ ثمة مادة تعنى بهذا الموضوع كتبها الصحفي والكاتب عدنان حسين بعنوان "موقف مشهود للجواهري" وذلك في ملحق "عراقيون" الذي اصدرته مؤسسة "المدى" للثقافة والفنون بمناسبة الذكرى العشرين لرحيل الشاعر الكبير بتاريخ 2017.7.27..
3/ نشر الاعلامي والكاتب محمد رضا نصر الله، على موقع (صبرة) الالكتروني بتاريخ 2021.1.22 مادة بعنوان "ماهي علاقتي بإسقاط الجنسية العراقية عن الجواهري..؟" وجاء فيها ان الشاعر الخالد حظي خلال زيارته الرياض " بتقدير خاص من الملك عبد الله بن عبد العزيز - ولي العهد في حينها- الذي أعتنى به من بين كل المدعوين العرب... " وبشكل استثنائي، وحتى ان الملك كسر البروتكول، في ذلك الاهتمام .. ومن المهم ان نثبت هنا الى ان هناك العديد من التفاصيل والتواريخ الغير الدقيقة قد جاءت بها مادة الاستاذ نصر الله، ذات الصلة، ومنها حول قضية "اسقاط" الجنسية عن الجواهري، وسنوات خروجه الاولى الى براغ، وتسمية الدكتور كفاح، الذي رافق والده في الزيارة الى السعودية، بأسم نجل الجواهري الاكبر فرات... وغيرها.
4/ قال الجواهري في جواب على سؤال ذي صلة، في حوار اجراه معه الكاتب والصحفي، عامر بدر حسون نشرته صحيفة الشرق الاوسط اللندنية عام 1995: "اجد نفسي مترفعا بمعنى الكلمة عن منازلة هؤلاء لانهم اقل شأنا من ان اذكرهم بالاسم.. لقد وقفت امام نوري السعيد وقلت له بغضب: ياغدار! .. فماذا تظن انه فعل؟ لقد زمّ شفتيه ولم ينبس ببنت شفة وركب سيارته ومضى! .. اما هؤلاء فهم اقل شانا، ولا اجد فيهم من يستحق المنازلة!
5/ هكذا جاء الشكر لـ (هادي العلوي) ولـ (جمال محمد علي الجواهري) في السطور الاخيرة من مقدمة الشاعر الخالد للجزء الثاني من كتابه "الجمهرة" الصادر في دمشق 1990 عن وزارة الثقافة السورية.



#رواء_الجصاني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- -بابيلون- ثلاثون عاماً على طريق الثقافة والاعلام
- الجواهري في عقد الثمانينات (1980-1989).... مابين السيرة والذ ...
- بهاء الدين نوري، مواقف واجتهادات.. لها ما لها، وعليها ما علي ...
- من هو -أبا مهند- الذي خاطبه الجواهري، في ميميّته الغاضبة عام ...
- رواء الجصاني: طبعة فريدة لديوان الجواهري، بحسب أحرف الابجدية ...
- الجواهــري في عقــد السبعينــات (1979-1970).... مابين السيـر ...
- الجواهــري في عقــد السبعينــات (1969-1979) ... مابين السيـر ...
- رواء الجصاني: عراقيون من هذا الزمان (*) 26/ محمد الاسدي (ابو ...
- من بينهم : ابو تمام، طرفة ابن العبد.. وشكسبير// شعراء في قصي ...
- من بينهم احمد شوقي، البحتري، ابو نؤاس، والاخطل الصغير // شعر ...
- من بينهم الزهاوي المتنبي والمعري والرصافي/ شعراء في قصيد الج ...
- رواء الجصاني: عن الجواهري والامام الحسين، بعيداً عن -طلاء ال ...
- رواء الجصاني: رأيٌ في بعض مؤلفات السيرة، والذكريات، السياسية ...
- الجواهري عن لبنان، وحوله: إفتتانٌ وشعرٌ.. ومصاهرة!
- الجواهري : فيّا لكِ امةً قُسِمتْ ثلاثاً وعشريناً، وتسأل هل م ...
- يتفاءلُ الجواهري، فيعود الى بغداد عام 1968... ولكن؟!
- نصوص ... وأصداء
- نشطاء ورواد يوثقون لبعض تاريخ اتحاد الطلبة العام في العراق
- ايضا .. عن اسماء ورواد في الهيئات العليا لأتحاد الطلبة العرا ...
- اسماء ورواد في الهيئات العليا لأتحاد الطلبة العراقي العام


المزيد.....




- بعد جملة -بلّغ حتى محمد بن سلمان- المزعومة.. القبض على يمني ...
- تقارير عبرية ترجح أن تكر سبحة الاستقالات بالجيش الإسرائيلي
- عراقي يبدأ معركة قانونية ضد شركة -بريتيش بتروليوم- بسبب وفاة ...
- خليفة باثيلي..مهمة ثقيلة لإنهاء الوضع الراهن الخطير في ليبيا ...
- كيف تؤثر الحروب على نمو الأطفال
- الدفاع الروسية تعلن إسقاط 4 صواريخ أوكرانية فوق مقاطعة بيلغو ...
- مراسلتنا: مقتل شخص بغارة إسرائيلية استهدفت سيارة في منطقة ال ...
- تحالف Victorie يفيد بأنه تم استجواب ممثليه بعد عودتهم من موس ...
- مادورو: قرار الكونغرس الأمريكي بتقديم مساعدات عسكرية لأوكران ...
- تفاصيل مبادرة بالجنوب السوري لتطبيق القرار رقم 2254


المزيد.....

- الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات / صباح كنجي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل ... / الحزب الشيوعي العراقي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو ... / الحزب الشيوعي العراقي
- المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت ... / ثامر عباس
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11 / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3 / كاظم حبيب


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - رواء الجصاني - مابين السيرة والذكريات // الجواهري في سنوات التسعين (1990-1997)