عطا عباس خضير
الحوار المتمدن-العدد: 6794 - 2021 / 1 / 21 - 19:24
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
حول تأسيس أحزاب وحركات جديدة ..
نشهد هذه الايام رغبة كبيرة لدى الكثيرون في تأسيس أحزاب وحركات سياسية جديدة من " وسط تشرين " تحديدا . وقد أنبثقت حقا العديد منها " حركة أمتداد على سبيل المثال " .
ويبدو الأمر طبيعيا في مناخ سياسي واحتجاجي متفجر من جهة ، وعدم قدرة الاحزاب القائمة بمختلف مشاربها وتوجهاتها على أحتواء المحتجين ورغباتهم وتوجهاتهم .
ويشكل ذاك اكثر من علامة استفهام .
فأن كان الامر مفهوما لجهة شجب المحتجين لسلوك الاحزاب الاسلامية الحاكمة بسبب فسادها وعبثها واجرامها بحق البلاد والعباد ، فأنه غير مفهوما بالنسبة للموقف من قوى اليسار والمدنية في العراق ونفور المحتجين منها ، بل وتحميلها احيانا جزءا من مسؤولية الوضع الكارثي الراهن .
وأمر كهذا يحتاج الى الكثير من التأمل والتساؤل أيضا .
فمن المعروف تاريخيا ، ان اجواء الرفض الشعبي الواسع لطغمة الحكم الفاسد في اي بلد تشكل معينا ومنبعا ممتازا لرفد القوى اليسارية بالذات ( والشيوعيون على رأسهم ) ، لرفدهم بطاقات شابة وروح أقتحام قادرة على تغير اللوحة السياسية الى حد كبير .
لكن ذاك لم يحصل في العراق ، بل ويبدو عصيا أيضا رغم استمرار جو الرفض الواسع وما ترتب عليه من خسارة شعبنا لمئات من الشهداء والالاف من الجرحى حتى الان .
وبعيدا عن الحجج والأسباب التي يقدمها المعنيون من مختلف قوى اليسار والمدنية لهذه المفارقة التاريخية ، فأن عجزها وعدم قدرتها على تأطير حركة الاحتجاج الاجتماعي ودفعها قدما للحصول على مطالبها المشروعة يبدو واضحا تماما ، ويتمثل ذاك في تجليات عدة :
فأولا ، لا يبدو خطابها السياسي ، بل وحتى سلوكها وموقفها أحيانا ، جاذبا لفئة الشباب التي شكلت العمود الفقري لأنتفاضة تشرين المجيدة . بل ويبدو الأمر أحيانا وكأنهما يتحدثان لغتين مختلفتين تماما ، إن لجهة توصيف السلطة واحزابها الأسلامية الفاسدة ، أو لجهة الموقف " الرجراج " وغير المفهوم احيانا لعموم قوى اليسار من حكم الاسلاميين وممارساتهم السياسية ونهبهم المكشوف لموارد البلد وثرواته طوال ما يزيد على السبعة عشر عاما .
وثانيا ، يبدو الأمر وكأنه أنسداد تاريخي .
أعني أن قوى اليسار العراقي بمجموعها تعاني من أزمة بنيوية داخلية معقدة . ومعها يبدو أمر " التجديد " الفعلي العميق لتوجهاتها الفكرية ونهجها وطرائق عملها وبناءها التنظيمي الداخلي ، يبدو نوعا من المستحيل .
ولا يشكل ذاك في حساب الزمن وحركته نقيصة خاصة بها أبدا ، بل يشير الى أن دورها التاريخي في العراق قد بدأ بالأفول . ولابد من " بديل حيوي " يتمثل بحركة يسار واسعة تولد بالضرورة من رحم حركة الأحتجاج والرفض الشعبي العميق للسلطة وأحزابها ، ومن سابقتها التي أنجزت الكثير والكثير جدا خلال العقود المنصرمة الماضية .
ومن المفيد جدا ان نستحضر هنا ولادة الحزب الشيوعي العراقي في بدايات القرن الماضي ، كمثال تاريخي ممتاز وكبديل لما هو سائد حينها من قوى واحزاب سياسية لم تعد قادرة على مواكبة ما تطرحه الحياة العراقية العامة من مهام آنية حينها . فجاءت ولادته كضرورة تاريخية لتأطير حركة الشعب العراقي المتصاعدة حينها بتنظيم سياسي مستقل ذهب بها بعيدا في تجديد كل مناحي الحياة الاجتماعية والسياسية والثقافية للشعب العراقي .
وعلى ما يبدو ، فأن أجواء الخمول ، أو عدم قدرة قوى اليسار والمدنية على أخذ زمام المبادرة ، هو ما شكل طابع النفور العام لدى فئات متزايدة من الشبيبة العراقية للعمل والانخراط فيما هو قائم من أحزاب وتنظيمات سياسية معلنة .
وأسهم ذلك أيضا في نشوء وترسيخ ميلا واسعا يَصْب في خانة عدم " قداسة " التاريخ السابق لجهة أحزاب الاسلام السياسي أو قوى اليسار العراقية التي باتت غير قادرة على أنجاز مطالب تاريخية فرضها زمننا المعولم المعاصر بقيمه ومتطلباته المتغيرة الى حد كبير ، ووسط تكنولوجيا ووسائل أتصال أثبتت نجاعتها ودورها الهام جدا في أطلاق وتحديد وتنظيم كل تحرك جماهيري واسع ، وكأنها بديلا ، بهذا الشكل أو ذاك ، لأطر التنظيم التقليدية المعروفة .
ختاما أقول ، ستشهد الساحة العراقية ولادة المزيد من التنظيمات والتجمعات ، وستشكل " المدنية " صفتها وطابعها الأعم . وتلك ميزة تؤشر الى الرغبة المتزايدة للخلاص من فلك أحزاب الاسلام السياسي التي ستحاول بدورها جعل هذه " الولادة " مشوهة وغير فاعلة في تغير ميزان القوى السياسية العراقية .
وبديهي ستبقى رغبة الجميع مشروعة لكسب عقول الملايين من شبيبة العراق المتوثبة . لكن ذاك يبقى مرهونا بشرطه وشروطه ، كما يقال ، وفِي مقدمتها وجود تنظيم سياسي ديمقراطي ومدني قادرا على أستيعاب رغبات وامال المحتجين ، تنظيما يمتلك نوابضه الداخلية التي تفسح المجال واسعا لأستيعاب وجهات النظر المختلفة أزاء قضايا لم يعد فهمها ممكنا بناءا على تفكير قادة محدودين ، أو نخبة قد لا يزيد عددها على عدد أصابع اليد الواحدة .
#عطا_عباس_خضير (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟