|
الساسة في تونس سراح مؤقت قراءة سطحية في ثورة أخرى ممكنة
المهدي عثمان
الحوار المتمدن-العدد: 6793 - 2021 / 1 / 20 - 19:44
المحور:
الثورات والانتفاضات الجماهيرية
"الساسة في تونس سراح مؤقت" قراءة سطحية في ثورة أخرى ممكنة *************
يبدو أن المشهد السياسي في تونس ما زال على صفيح ساخن منذ إسقاط رأس النظام في 14 جانفي 2011. ذلك أن الحراك الاجتماعي ما انفك يتكرر ويتوالد من سنة إلى أخرى، دون أن يستطيع الساسة الذين يمسكون بدواليب الأمور تعديل الأوتار ولو قليلا من أجل بعث الطمأنينة في نفوس الشعب التونسي. بعد عشر سنوات من "الإرهاب الفكري" الذي تمارسه الطبقة السياسية بيسارها ويمينها، وافتقاد الرؤية والبرامج والتصورات.. إضافة لتفشي الفساد بين النخبة الحاكمة المدعومة ببارونات التهريب الداخلية والخارجية، جعل المواطن يفقد الثقة تماما في المنظومة الحالية. هي نفس المنظومة التي أوصلها إلى الحكم في ظل صراعات إيديولوجية ومصلحية ومالية كبيرة. وفي ظل الجهل الذي ما زال يسود أغلب الشعب التونسي الذي تربى على منظومة الحزب الحاكم والفرد الأوحد، دعمتها توجهات تعليمية وثقافية زادت في تجهيل المواطن والحد من قدرته على النقد والتحليل. ذلك أن العاطفة أو المصلحة أو "القبلية" هي المحددة الرئيس لاختيارات الناخب. وهذا ـ طبعا ـ ما جعد السياسي التونسي أقرب للكارثة. وظللنا لسنوات نتصارع ونتسابب حول الهوية والانتماء، وتركنا الساسة يوزعون قطع الحلوى على بعضهم فرحا بالانتصار لهذا المحور أو ذاك. ودخلت على الخط أشباه الدول لتتحكم في مصير الشعب التونسي عبر شراء ذمم بعض الساسة والنخب الثقافية. دخلت دويلة قطر والإمارات وتركيا والسعودية وفرنسا.. وغيرها من الدول التي بثّت أجهزة مخابراتها للعب بالبلاد والعباد. ظلت النخبة الحاكمة على تلونها وتنوعها واختلاف انتماءاتها تلوك نفس المنظومة التي تركها بن علي. ظلت ملتصقة بمنوال التنمية كبقة في دبر بغل، ولم تستطع تجاوزه بسبب الجهل وانعدام الخبرات والكفاءات. وحتى الأقلية التي حاولت بصدق أن تقدم ما تستطيع، أُقصيت أو أكلتها منظومة الفساد والمال السياسي الفاسد. أما المواطن البسيط الذي رفع شعار "شغل، حرية، كرامة وطنية"، فلم يجني من هذا الشعار غير "خراء الذباب" الذي أقنعوه به. وتحجج الساسة بأن ما تحقق أهم كثيرا من الخبز والماء والدواء وحتى الهواء.. وظلوا يكررون تلك الجمل الممجوجة في التلفزات والإذاعات يتصايحون ويتساببون ويلعنون بعضهم البعض، وكل واحد منهم يعتقد أنه المالك الحقيقي للثورة، وأنه الممثل الوحيد للشعب التونسي. في حين أنهم لم ينتجوا غير الغوغاء والصراخ والعويل. والمواطن التونسي الملقى في أدغال الفقر التونسي في أرياف مدننا الداخلية لا يجد الماء للشرب ولا الإنارة للتعليم ولا الدواء للعلاج، فظلا عن المكتبات ودور الثقافة وقاعات السينما ودور الشباب والمسارح. ثم يطلع علينا "فقهاء" البص الثوري ليستغربوا من خروج الشباب إلى الشوارع للاحتجاج والرفض والهدم والسرقة والسطو.. كلها تؤدي عند الشباب نفس الدلالات والمعاني، لأنها الطرق الوحيدة كي ينتبه الساسة إليهم وينتبهوا جيدا إلى مطالبهم التي ـ إذا لم تتحقق ـ قد تتحول إلى قنابل موقوتة تذهب بنظام الحكم وبساسته كما ذهبت بنظام بن علي. نسي هؤلاء الساسة أن من شروط الديمقراطية أو من دلالاتها الحق في الحياة وفي الصحة وفي التعليم وفي الأمن وفي الثقافة وفي ... وهي كلها لم تتوفر بعد 14 جانفي. فليست الديمقراطية وضع ورقة الانتخاب في ذلك الصندوق الأجوف، لأن حتى هذه العملية ثبت ـ في تونس ـ أنها مشبوهة ومزورة ومدفوعة بالمال الداخلي والخارجي. إن سبب ما وصل إليه الوضع التونسي الآن ليس إلا زاوج السياسة بالفساد. الفساد الذي ضرب كل شيء في تونس ولم يترك إلا السماء التي قد يسرقونها يوما ما. كل الساسة في تونس "سراح مؤقت". لأنهم لم يُحاسَبوا على فسادهم. ومن كان غير فاسد فإنه لم يُحاسَب على مشاركته بالصمت. أما من كان لا يعلم أصلا وليس فاسدا فالأولى به أن يغادر المشهد السياسي ويرعى أغنامه في صمت. ما تبقى بعد عشر سنوات من الثورة، لا "شغل ولا حرية ولا كرامة وطنية". ما تبقى فقط (وهو المكسب الوحيد) هو الغضب عندما نريد أن نغضب. وهذا المكسب الذي ربما ورثناه عن أجدادنا القدامى، هو الذي يبقى لنا بعد كل تجربة مع الحكم، وسيبقى الغضب محرار الشعب التونسي ليغيّر، ثم يغيّر ثم يُغيّر إلى أن يستقيم الأمر.. حتما سيستقيم الأمر يوما ما بالرغم عن أنوف أحزاب الوسط وأحزاب اليمين وأحزاب اليسار.
(المهدي عثمان ـ كاتب تونسي)
#المهدي_عثمان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
داعية يبيع -الفريكاسي-
-
لغم
المزيد.....
-
الدنمارك تقر قانونا يحظر عمليا إحراق المصحف واليمين المتطرف
...
-
خمس قوى فلسطينيّة تعقد اجتماعًا قياديًا هامًا لنقاش تفاصيل ا
...
-
التهجير القسري للسكان .. الهدف المخفي للعدوان على غزه
-
اتحاد نضال العمال الفلسطيني يوجه تحية لمؤتمر منظمة الوحدة ال
...
-
العدد 533 من جريدة النهج الديمقراطي بالأكشاك
-
تحديث مستمر.. الفصائل الفلسطينية تعلن تدمير 79 آلية إسرائيلي
...
-
صعود اليمين المتطرف في فرنسا.. قيم الجمهورية على المحكّ
-
إبراهيم المباركي// معركة إسقاط -النظام الأساسي- تسجل مسيرات
...
-
يسار فرنسا يدعو للاعتراف بدولة فلسطين
-
جلسة أخرى من المحاكمة السياسية في حق المعتقل السياسي عزالدين
...
المزيد.....
-
كتاب تجربة ثورة ديسمبر ودروسها
/ تاج السر عثمان
-
غاندي عرّاب الثورة السلمية وملهمها: (اللاعنف) ضد العنف منهجا
...
/ علي أسعد وطفة
-
يناير المصري.. والأفق ما بعد الحداثي
/ محمد دوير
-
احتجاجات تشرين 2019 في العراق من منظور المشاركين فيها
/ فارس كمال نظمي و مازن حاتم
-
أكتوبر 1917: مفارقة انتصار -البلشفية القديمة-
/ دلير زنكنة
-
ماهية الوضع الثورى وسماته السياسية - مقالات نظرية -لينين ، ت
...
/ سعيد العليمى
-
عفرين تقاوم عفرين تنتصر - ملفّ طريق الثورة
/ حزب الكادحين
-
الأنماط الخمسة من الثوريين - دراسة سيكولوجية ا. شتينبرج
/ سعيد العليمى
-
جريدة طريق الثورة، العدد 46، أفريل-ماي 2018
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 47، جوان-جويلية2018
/ حزب الكادحين
المزيد.....
|