أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أميرة أحمد عبد العزيز - إنها حياة رائعة (صورة لحياتين)















المزيد.....

إنها حياة رائعة (صورة لحياتين)


أميرة أحمد عبد العزيز

الحوار المتمدن-العدد: 6775 - 2020 / 12 / 30 - 02:51
المحور: الادب والفن
    


هو فيلم أمريكى صدر عام (1946)، من عنوانه (إنها حياة رائعة) يبدو كفيلم يمثل إعلان ترويجي لروعة (الحياة الدنيا) بما فيها من متع وزينة، ذلك إذا وضع في الاعتبار أيضا كونه فيلم أمريكي، لتشاهده فيبهرك بكونه يتناول معنى أكثر عمقا لكلمة (الحياة) وما هية (الحياة الرائعة)، فالحياة الدنيا، هذا المعنى الواسع في لفظه الفقير كقيمة، ليس هو المعني به الفيلم، فهذا الفيلم يتناول حياة الشخص الفرد (عمره فيما أفناه) هذا المعنى الضيق في لفظه نسبة للحياة الدنيا، حيث كم يمثل عمر فرد في عمر الحياة الدنيا، وما يمثله طول وعرض شخص في طول وعرض الحياة الدنيا، ولكن هذا المعنى هو الأعلى شأنا، هو الأبقي والحياة الدنيا زائلة، إنه ثمرة الحياة الدنيا بعد أن تنقضي وتزول، هل الثمرة حياة رائعة أم هي حياة تافهة زائفة؟.

نجد الإجابة في تناول نموذجين لشخصيتين هم الأكثر تضادا في الفيلم –ونحن نعلم أنه بالتضاد تتضح الأشياء-:
النموذج الأول: شخصية جورج بايلي، ويمثل نموذج الحياة الرائعة، والنموذج الثاني: شخصية مستر هنري بوتر ويمثل نموذج الحياة الزائفة التافهة.
عادة ما يستخدم أحد إثنان من المقاييس يقاس بهما نجاح الفرد أو فشله، مع العلم أننا لسنا نشير هنا إلى صحة المقياسين، بل أننا نؤمن بأن أحدهما هو المقياس الصحيح، والثاني خاطيء وزائف.
المقياس الأول/ يقيس النجاح الفردي بإيهامنا إمكانية عزل الفرد عن مجتمعه، وبهذا المقياس سيظهر مستر بوتر شخص ناجح جدا (فهو رأسمالي، حقق ثروة كبيرة وينجح دائما في زيادة ثروته ويضع الأمر كهدف نصب عينيه ويمشي على الدرب الذي اختاره لنفسه دون الامتثال إراديا إلى أي إعتبارات اجتماعية)، أما جورج بايلي وبنفس ذات المقياس، فهو شخص فاشل، وهو لم يحقق ما كان يأمل إلي تحقيقه هو لذاته الفردية (فلم يكمل تعليمه كما أراد، ولم يسافر ويجوب العالم كما أراد، ولم يبني ناطحات سحاب ولا مطارات كما كان يتطلع، ولم يصبح غنيا كما أراد، ولم يأتي بالقمر لحبيته كما راوده خياله الرومانسي… وقد امتثل إراديا لحاجات مجتمعه ومسئوليته الاجتماعية).
هذه الصورة السابقة الكاذبة الزائفة للنجاح والفشل طبقا لمقاييس فردية أنانية بحتة، يقابلها صورة أخرى بمقياس آخر، تلك التي تنطلق من المجتمع ودور الفرد فيه، فأين يقع كلا منهما من واقعه (ومجتمعه)؟ من فيهم ناجح ومن هو فاشل بهذا المقياس؟ مستر بوتر أم جورج بايلي؟
فمستر بوتر الرأسمالي قد حقق ثروته ويزيدها على حساب شقاء أفراد بلدته الصغيرة والمجتمع واقتناص من قدرات وإمكانيات هذا المجتمع وباستغلال واستهلاك وإنهاك طاقات أفراده لتحقيق ثروة فردية، وهو لا يقدم شيء لمجتمعه بل ينتقص منه ويعيق تطوره، أما جورج بايلي فهو الذي تربي ونشأ علي المسئولية الاجتماعية وأنه كجزء من المجتمع لا يجوز أن يتنصل عن واجباته نحوه، وإن كان ثمة تضاد بين طموحه الفردي وبين مسئوليته نحو مجتمعه فهو لا يستطيع أن يدير ظهره مغتربًا عن مجتمعه، ويكون حل التناقض بالامتثال إراديا لحاجات مجتمعه وترك الغايات التي لا تتوافق مع المسئوليات الاجتماعية وإمكانيات المجتمع الذي هو فرد منه لا خارجه، وإلتحامه وغاياته المستقبلية بهذا المجتمع، فيكون بذلك الممكن هو أن يتزوج حبيته وينجب أطفالا، ولكن لا يجوب العالم فهذا لا يتوافق مع إمكانيات المجتمع ومسئولياته نحوه، كما أنه لم يستطع إكمال تعليمه لكنه يعمل حثيثا على تعليم أبنائه وتربيتهم بالحب وعلى الحب، ولا مزيد من الغايات الفردية البحتة، ولن يستطيع بناء مطارات وناطحات سحاب، لكنه يساعد في أن يبني أبناء بلدته الصغيرة بيوتهم في مواجهة استغلال مستر بوتر لهم، ويكون بذلك في مواجهة فردية مستر بوتر الذي يعمل جاهدا على أن يسيطر على هذه البلدة الصغيرة ليحقق مزيد من الأرباح، ويكون بذلك ضلع هام في هذا الصراع الاجتماعي مشاركا بطاقاته وإمكانياته وفي إطار وعيه ووعي أبناء بلدته لغاية هي الحصول على حريات اجتماعية والتخلص من قيود تثقل كاهلهم، وذلك عبر (مؤسسة التعمير والقروض)، هذا البناء الإجتماعي الذي أسسه أباه ليجابه به الرأسمالي الذي يستغل حاجات الناس المادية فيكبلهم بمزيد من القيود، هذه المؤسسة تمثل الملجأ لأهل البلدة ليتمكنوا من بناء بيوتهم والحصول على حياة أفضل، وحتى لا يلجأوا للرأسمالي العجوز بوتر ليقهرهم، ورأسمال هذه المؤسسة يأتي أساسا من أموال أهل البلدة أنفسهم، هو مؤسسة اجتماعية ليس الهدف منها الربح بل تحقيق حاجات اجتماعية، ولكنها تجد صعوبة للعيش في ظل واقع رأسمالي وقد أكمل جورج بايلي مسيرة أباه. لقد تربي جورج بايلي رجلا اجتماعيًا وسلك مسلك أباه، وهو شاب مفعم بالنشاط والحيوية.
ولكن تأتي لحظات على المرء يفقد الثقة في ذاته حين يتملكه اليأس بسبب أعباء يشعر أنها تزيد عن طاقته ويفزع من المستقبل، فيخرج الشعور الفردي الذاتي يخبرنا بأننا لم نحقق شيء لذاتنا وبأننا فشلة، وعادة في لحظات اليأس وانعدام الثقة يأخذ اليائس بالمقياس الزائف الخاطىْ فيفصل نفسه عن المجتمع فيجد نفسه فاشل لم يحقق شيء. هذا ما حدث في لحظة يأس لجورج بايلي، لحظة هدد بالإفلاس والسجن، ليأتي له ملاك حارس ينقذه من يأسه الذي كان سوف يسوقه للانتحار (قتل نفسه)، وقول الحقير الرأسمالي (مستر بوتر) في ذهنه يخبره بهذا المقياس الزائف (أنه فاشل، وأن موته قد يثمن أكثر من حياته فموته يساوي مبلغ بوليصة تأمين)، بل أنه يذهب لأبعد من ذلك فيقول (يا ليتني لم أولد)، فيعرض عليه ملاكه الحارس صورة للحياة في تلك التوقيت إن لم يكن جورج بايلي موجود وبالمقياس الصحيح، فيعرض له المعني الحقيقي لحياة الفرد بتأثيره الإيجابي على مجتمعه وأهله وأحبائه، وكيف هو يد مثمرة وضلع أصيل في المجتمع، فيري ثمرة عمله في الحياة الدنيا فيجد ( أنها حياة رائعة).
إنها حياة جورج بايلي (عمره) هو الحياة الرائعة، وليس الحياة الدنيا الفانية الزائلة، ولقد قال جورج بايلي للرأسمالي (مستر بوتر) بعد وفاة أبيه حين سخر منه وكان يراه رجلا لم يحقق ذاته مثله وبمقياسه هو رجل مثالي غير واقعي، فرد عليه جورج بايلي بقوله ( في كتابي سأذكر أبي قد مات وهو أغني مما يمكنك) مشيرًا بذلك لدور أبيه في المجتمع وسعيه لتطوره.
ولقد قال الملاك الحارس لجورج بايلي:
(أمر غريب، حياة كل إنسان متصلة بالعديد من الحيوات الأخرى، وحينما لا يكن موجودا يترك فجوة كبيرة؟)
مع العلم أنه بالمقابل يوجد حياة شخص آخر مثل الرأسمالي بوتر مؤثرة سلبا على حياة الآخرين، وموته قد يكون لطفًا بهم، وحين لا يكون موجودا قد تكون فرجة في حياة آخرين حياته قيد عليهم.
واسترجع هنا قول المولى سبحانه وتعالى فى القرآن الكريم
"مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ" (32(المائدة

إن الواقع الرأسمالي الذي نعيشه الآن يعمل على سحق نموذج الحياة الرائعة مثل جورج بايلي في مقابل حيوات كثيرة تافهة، ومع إطالة عمر الرأسمالية في المجتمعات يزيد الأثر على البنيان الإجتماعي فتصبح الإنانية والفردية سمة المجتمعات في الرأسمالية مما يجعل الحياة أشد صعوبة وقسوة وكأنها مجتمعات غير إنسانية، إن التخلص من الوباء الرأسمالي يخلص المجتمعات من الفردية التي لا تتواكب مع الانسانية.




-



#أميرة_أحمد_عبد_العزيز (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فيلم أناس عاديون، 1980
- الرؤية عن بعد عند المثقف الوطني العربي
- بليه – ميلاد أسطورة
- الأمم المتحررة لا تتأفف من صانعي بنيانها الحضاري ولا تتنكر ل ...
- أسس الإشتراكية العربية (عرض لمنهج جدل الإنسان)


المزيد.....




- -ربيعيات أصيلة-في دورة سادسة بمشاركة فنانين من المغرب والبحر ...
- -بث حي-.. لوحات فنية تجسد أهوال الحرب في قطاع غزة
- فيلم سعودي يحصد جائزة -هرمس- الدولية البلاتينية
- “مين بيقول الطبخ للجميع” أحدث تردد قناة بطوط الجديد للأطفال ...
- اللبنانية نادين لبكي والفرنسي عمر سي ضمن لجنة تحكيم مهرجان ك ...
- أفلام كرتون طول اليوم مش هتقدر تغمض عنيك..  تردد قناة توم وج ...
- بدور القاسمي توقع اتفاقية لدعم المرأة في قطاع النشر وريادة ا ...
- الممثل الفرنسي دوبارديو رهن التحقيق في مقر الشرطة القضائية ب ...
- تابع مسلسل صلاح الدين الايوبي الحلقة 22 .. الحلقة الثانية وا ...
- بمشاركة 515 دار نشر.. انطلاق معرض الدوحة الدولي للكتاب في 9 ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أميرة أحمد عبد العزيز - إنها حياة رائعة (صورة لحياتين)