أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الثورات والانتفاضات الجماهيرية - الطايع الهراغي - النّخبة التّونسيّة ولعنة الثّورة















المزيد.....

النّخبة التّونسيّة ولعنة الثّورة


الطايع الهراغي

الحوار المتمدن-العدد: 6748 - 2020 / 11 / 30 - 22:43
المحور: الثورات والانتفاضات الجماهيرية
    


التّاريخ - الذي قال عنه ماركس انّه العلم الوحيد الذي نعرفه ونعترف به، واعتبره أحد المؤرّخين الفرنسيين الطّرف الوحيد المحايد- يهب النّخب فرصا على التقاطها وتمثلها والفعل فيها يتوقّف مستقبلها ومستقبل شعوبها ،ولكنّ الفرص ليست كمعاني الجاحظ مرميّة على قارعة الطّريق بل هي انعطافة ، تسلل غير متوقّع ، استيلاء على ركح التّاريخ، فعل واع ومسؤول لمغالبته والتّحكّم في اتّجاهاته ، غير المتوقّع يصبح هو الحد ث . فإمّا إدراك لتاريخيّة اللّحظة وإمّا تراخ وتفريط في موعد قد لا يتكرّر في مستقبل منظور. ذلك هو مكر التّاريخ كما دوّنه الإرث النّظريّ والعمليّ لمختلف التّجارب الثوريّة. و ذلك ما حدث في تونس ذات 14 جانفي. دع عنك ترّهات المولعين بالفتاوى وترتيل هوامش النّظريّات وشروحها- وأحيانا شروح شروحها- والاستعاضة عن تبصّر التّجارب بقراءة تآمريّة على التّاريخ عشّشت في أذهان النّخب فباتت إنجيلا وهميّا لخلاص وهميّ.
نخبنا – إذا سلّمنا بوجود نخبة- غير مدركة لمهامّها خائنة لإرثها النّظريّ والعمليّ، لا تستقرئ التّاريخ ولا تعترف لا بقوانينه ولا باتّجاهاته ولا بمكره ،تجفل من التّفريق بين دور النّظريّة الثّوريّة في تنضيج شروط قيام الثّورات ودور الحزب / الأحزاب في تفجيرها . لذلك لا زالت تردّد تعويذة مفادها أن لا ثورة بدون حزب ثوريّ حديديّ يحدّد ساعة ميلادها ويفصل في مدى جاهزيّة شروط قيامها، إن لم يكن هو المسؤول عن إعلان قادح قيامها والتّحكّم فيه.
ألم تجمع كلّ الأطياف- ثوريّها وتقدّميّها وديمقراطيّها - على أنّ ما حدث في تونس مجرّد انتفاضة أقصى ما يمكن أن تبلغه اقتلاع فتات إصلاحات من النّظام القائم؟
كلّ الثّورات اندلعت عفويّة، القادح فيها قد يبدو لسدنة الإيديولوجيا- الذين استكانوا لإجابات مكتفيّة بذاتها مساوية لنفسها - تافها ومضحكا، لم تتسوّل تأشيرة من أحد، لم تهتد بتعاليم أنبياء الأحزاب، لم تعبأ بمدى تهيّؤ هذه الجهة أو تلك. حقيقة قد تكون مرّة ،مربكة، مخالفة لما ارتكن في الأذهان، ولكنّها حقيقة. "رماديّة هي النّظريّة يا صاحبي ولكن خضراء هي شجرة الحياة الخالدة "
أهل ملّتنا من محترفي الإرهاب الفكريّ والتّحجّر المفاهيميّ والاستنساخ السيّئ للنظّريّات والتّجارب مصرّون على شيطنة التّاريخ والاستخفاف بحقائقه وقوانينه .
نخبنا لا تتّعظ من وبالتّاريخ ، ولا تحتكم إليه ،ولا تعتبر بعبره .فذلك يزعزع يقينيّات ارتاح إليها الفكر فعزّ عليه أن توضع موضع تساؤل.
الفهم التآمري للتّجارب التّاريخيّة- مختلف التّجارب- هو ما قاد أطياف الحركة التّقدمية مجتمعة ومنفردة إلى التبرّم بالثّورة التّونسيّة ومعاقبتها بعدم الانخراط فيها ومساعدتها على التّخلّص من التّردّد والمراوحة - الدّودة التي نخرت كلّ الثّورات - . فمادامت التّحرّكات عفويّة ولم تحز على تأشيرة من حوزة من الحوزات فلن تكون ثورة –إلى يوم الدّين- حتّى لو أطاحت بكامل الحكومة وليس فقط بالبونابارت .
تبخيس ما حدث في تونس جريمة ، وأفظع منه انخراط فيالق - أحزابا ومللا ونحلا – في" سباق" التّقزيم، متناسية أنّ الإطاحة برأس النّظام في الأنظمة الاستبداديّة - وأكثر منه في الأنظمة العسكرتاريّة حدث مفصليّ يرقى إلى مستوى الإطاحة بالقيصر في روسيا 1917 إبّان الثّورة الأولى / فيفري ، متناسية أن التّقليل من زلزال جانفي 2011عنوانه المباشر "ما كان يجب حمل السّلاح"، شعار كلّ الأحزاب الانتهازيّة على مرّ التّاريخ ،متناسية أنّ التّنصّل من خوض معركة عندما تكون ضروريّة أشدّ شناعة و أكثر بؤسا وكارثيّة وانعكاسات سلبيّة من هزيمة في ساحة المعركة ، متناسية أنّ الحركة الثّوريّة تتعلّم من وفي مدرسة تجاربها النّاجحة -وما أقلّها- والفاشلة -وما أكثرها- تفقد المعارضة(والنّخبة جزء من المعارضة ) وجاهتها إن هي ردّت إلى مستوى الرّغبة في إدارة السّائد الذي استهلك مقوّمات بقائه، استبدال طاقم فقد مبرّر وجوده وبات حاجزا أمام كلّ إمكانيّة تغيير بطاقم من صلبه كان دوما وبالا لأنّه يؤبّد وضعيّة ويسدّ الباب أمام بديلها.
النّخبة الواعية بمجمل أهدافها في مختلف الميادين لا تنخرط في تجميل السّائد ،لا تعقلنه باسم الواقعيّة ،لا ترتدّ إلى مستوى التّذمّر والنّقد الجزئي لتمظهرات هي في غالب الأحيان نتاج طبيعيّ لوضع متورّم وليست سببا. الخلط بين الأسباب والنّتائج يؤدّي إلى تحليل سطحيّ وحلول لا تقلّ سطحيّة، إن لم يتحوّل إلى دفاع عن القائمين على الشّان السّياسيّ والمجتمعيّ .
الانفتلات العرضيّ - سمة كلّ التّحوّلات الكبرى ،ضريبة كلّ ثورة على الوضع القائم – ليس هو الدّاء الجوهريّ. الانفلات الذي تحوّل إلى معضلة هو عنوان سياسة مقصودة تنتهجها وتنتجها بوعي فيالق الثّورة المضادّة بتلوينات متعدّدة وانخرطت فيه عدّة أطراف في هجمة ممنهجة تخلط بين الأسباب والنتائج ،بين من يملك كلّ دواليب السّلطة وإليه يعود عادة تحمّل مسؤوليّة الحكم وحلّ المعضلات المتراكمة والمؤجّلة.
ليس للقوى الثّوريّة من معلّم غير المحن التّاريخيّة التي عاشتها مجتمعة ومنفردة ، ذلك الطّريق الشّاق "المعبّد" لا فقط بالآلام ولكن أيضا بالأخطاء الكثيرة . ولن تبلغ هدفها ما لم تحسن السّباحة في بحر أخطائها الذّاتية . ومع أنّ جوهر التّراجيديا يكمن في التّناقض بين الغايات العظيمة والوسائل المحدودة فإنّه ليس من النّادر أن يكون الخطأ أقصر سبيل للاكتشاف .
الثّورات الفاشلة والمغدورة تحوز على فضل التّدليل على أنّ القطع مع نظام القمع والحيف الطّبقيّ مسألة مطروحة دوما في جدول أعمال الثّوريين طبقات وأحزابا وأطرافا ، وليست حلما طوباويّا .
التّاريخ هو ضمير الإنسانية ووعيها ، وحكمه قد يتأخّر، ولكنّه في النّهاية قائم . ذلك هو مغزى حكم ماركس على الكومونة (كومونة باريس 1871 التي لم تدم أكثر من 72 يوما) عندما شدّد على أنّ أكبر فضل للكومونة كونها وجدت ، وجودها رسّخ بشكل نهائيّ في أذهان كلّ الذين عايشوها بالعيان أو تمثّلوها بالخبر الإيمان بالدّور التّاريخيّ للطّبقة العاملة.
الأحداث التي هزّت تونس في عشريّة الثّورة تنهض شاهدا على حالة نخبة محجمة عن التّفكير.
في سائر المجتمعات التي يحوز فيها الشّأن السّياسيّ والفكريّ والاجتماعيّ على حيّز من الاحترام تتمتّع الشّخصيات الاعتباريّة بقدر من الاعتراف .لا يختلف فيها أحد وقد يختلف معها الكلّ .
في تونس الاختلاف مشيطن ومهجّن ،رجال السّياسة ورجال الفكر محلّ ازدراء وتهكّم ،لا يجد البعض حرجا في وضعهم موضع استخفاف وتهكّم (ما وقع مع محمّد الطّالبي في أكثر من حوار ومنبر إعلاميّ يختزل الرّغبة في التّشفّي). عالم السّياسة تحوّل لدى بعض الفنّانين والإعلاميين –وحتّى السّاسة أنفسهم – إلى مادّة للتّنفير والإقصاء من الحلبة باسم حرّيّة الرّأي.
حرّيّة التّعبير عندما تتحوّل إلى مطيّة للتّهريج ويصبح التّهريج موقفا ووجهة نظر تموت الفكرة النّيّرة في المهد إن لم تولد ميّتة .وليت الأمر مجرّد طفرة ونزوة تندرج –افتراضا – في باب الانفلات "المؤقّت" . لكنّ واقع الحال يجزم بكونها سياسة مدروسة و مؤطّرة و ممنهجة ،هدفها تأبيد البؤس الّذي فيه تنتعش كلّ قوى الرّدة . نظام بن علي متّهم- عن حقّ- بتصحير الحياة السّياسيّة والفكريّة والاجتماعيّة ولكنّ " بدائله " رغم أنّها انتصبت باسم الثّورة فوجهه الثّاني (الوجه والقناع ) . ومع ذك ما زالت نخبنا تراهن على آلياتها وإن عارضها البعض فبنفس أساليبها
متوهّمة أنّ إذكاء الصّراع بين مكوّنات الائتلاف الحاكم وأطياف البرلمان وبينها
وبين مؤسّسة الرئاسة سبيل إلى احتلال موقع ما. أمّا التّفكير من خارج المنظومة و مراكمة فعل معارض مختلف رؤية وتصوّرا ومنهجا والتهيؤ لأيّة فرصة إن كان يعسر رصد ميقاتها فليس من المستحيل توقّعها ، فمسالة غير مطروحة الثّورات ليست مسجّلة في" دفتر خانة ".ولعلّ ذلك بالضّبط ما يحتّم الاستعداد لاحتضانها والانخراط فيها لا التّفرّج عليها ساعة اندلاعها .
ذلك هو منطوق كلّ التّجارب لمن أراد الاعتبار. وذلك هو درس التّاريخ الذي يمهل ولكنّه لا يهمل .قد يؤجّل أحكامه ولكنّه لا يقبرها.



#الطايع_الهراغي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- طريق الشعب.. الفلاح العراقي وعيده الاغر
- تراجع 2000 جنيه.. سعر الارز اليوم الثلاثاء 16 أبريل 2024 في ...
- عيدنا بانتصار المقاومة.. ومازال الحراك الشعبي الأردني مستمرً ...
- قول في الثقافة والمثقف
- النسخة الإليكترونية من جريدة النهج الديمقراطي العدد 550
- بيان اللجنة المركزية لحزب النهج الديمقراطي العمالي
- نظرة مختلفة للشيوعية: حديث مع الخبير الاقتصادي الياباني سايت ...
- هكذا علقت الفصائل الفلسطينية في لبنان على مهاجمة إيران إسرائ ...
- طريق الشعب.. تحديات جمة.. والحل بالتخلي عن المحاصصة
- عز الدين أباسيدي// معركة الفلاحين -منطقة صفرو-الواثة: انقلاب ...


المزيد.....

- ورقة سياسية حول تطورات الوضع السياسي / الحزب الشيوعي السوداني
- كتاب تجربة ثورة ديسمبر ودروسها / تاج السر عثمان
- غاندي عرّاب الثورة السلمية وملهمها: (اللاعنف) ضد العنف منهجا ... / علي أسعد وطفة
- يناير المصري.. والأفق ما بعد الحداثي / محمد دوير
- احتجاجات تشرين 2019 في العراق من منظور المشاركين فيها / فارس كمال نظمي و مازن حاتم
- أكتوبر 1917: مفارقة انتصار -البلشفية القديمة- / دلير زنكنة
- ماهية الوضع الثورى وسماته السياسية - مقالات نظرية -لينين ، ت ... / سعيد العليمى
- عفرين تقاوم عفرين تنتصر - ملفّ طريق الثورة / حزب الكادحين
- الأنماط الخمسة من الثوريين - دراسة سيكولوجية ا. شتينبرج / سعيد العليمى
- جريدة طريق الثورة، العدد 46، أفريل-ماي 2018 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الثورات والانتفاضات الجماهيرية - الطايع الهراغي - النّخبة التّونسيّة ولعنة الثّورة