أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - اشواق سلمان حسين - هل الحب فن؟















المزيد.....

هل الحب فن؟


اشواق سلمان حسين
(Ashwaq Salman)


الحوار المتمدن-العدد: 6743 - 2020 / 11 / 25 - 03:20
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


إن كانت الموسيقى والأدب والشعر والرسم ، هي فنون تسافر بنا الى عالم الجمال وتسبر اغوار نفوسنا ، وتوثق الصلة مع كل ما من شأنه ان يرتقي بالمشاعر الانسانية نحو الجمال والحب ، فهل للحب نفسه ان يعكس الأمر فيُحال الى فن يتم التعامل به مع تلك الانفعالات التي تعتلج النفس ، وهل سيحتاج ذلك الفن الى موهبة ام الى معرفة وجهد؟
تلك الأسئلة يطرحها ويناقشها الفيلسوف وعالم النفس الألماني الأمريكي (اريك فروم) في كتابه (فن الحب).
يحاول (فروم) في كتابه ان يوصل القارئ الى قناعة بأن الحب يعتمد على محاولات الفرد الفاعلة لتطوير شخصيته الكلية ، وايضاً على مقدرته لتبادل مشاعر حب إنسانية مع مجتمعه ، فمن دون تلك المقدرة تكون كل تجارب الحب التي يخوضها محكومة بالفشل ، إذ كيف يصل المرء الى ذلك الإشباع للحب الفردي دون مقدرته على التعايش بحب مع جاره مثلاً ، او التعامل مع اصدقاءه وزملاء عمله؟
يسعى الكثيرون وراء الحب بطرق مختلفة ويتوقون لسماع قصصه ومشاهدة افلام تتحدث عنه وينصتون لأغاني توقظ فيهم شعلة المشاعر ، وهذا يدل على احتياجهم لذلك الشعور حتى وإن لم يدركوا ذلك الأحتياج او يعترفوا به امام انفسهم ، فلماذا نجدهم رغم كل ذلك لا يكلفون انفسهم عناء البحث في فهمه ومعرفته اولاً قبل خوض غمار تجاربه؟
ولو طرحنا سؤالاً يقول: "هل الحب هو إحساس يأتي بالصدفة ام انه نتيجة معرفة وبذل جهد؟"
فإننا نجد الإجابة لدى الكثيرين بأنه مسألة تعود للصدفة.
فكرة ( فروم ) عن الحب هو انه جواب للوجود الإنساني والتي تكمن في الإنفصال الذي يشعر به الإنسان ، فعندما وُلد الإنسان لم يكن منفصلاً بل كان متحداً مع أمه ومتصلا بها وبأحشائها وهناك حبل تواصل بينهما وهو الحبل السري حين كان في رحمها ، وحتى بعد ولادته فقد استمر اتصاله بأمه من خلال رعايتها له وارتباطه وتعلقه بها واعتماده الكلي عليها.
وكلما كبر الإنسان واصبح واعياً بأستقلاله وانفصاله عن امه ، ادرك حاجته الى ايجاد طرق اخرى للتخلص من هذا الأنفصال وشعوره بالطمأنينة التي كان يشعر بها.
لكن ماهي تلك الطرق التي من شانها ان تعوض ذلك الانفصال؟
تختلف تلك الطرق حسب طبيعة كل فرد ، فهناك من يهرب من هذا الأنفصال عن طريق اللجوء الى وسائل تغيبه عن التفكير بذلك الأنفصال كالخمر والمسكرات او الحفلات الجماعية ، لكنه هروب مؤقت يعود فيه الإنسان الى تلك الأنفصالية وربما بشكل اكبر، ايضا هناك من يحاول الإندماج مع الأشخاص من خلال العمل او الدراسة وصولاً للشعور بالأتحاد معهم ، لكنه ليس اتحاداً حقيقيا ، فهو اتحاد مع اشخاص ليسوا من اختياره وتعامله معهم هو تعامل يفرضه طابع العلاقة التي تجمعهم ، وكل تلك الحلول هي حلول جزئية لا تحقق ما يصبو اليه.

وماهو الحل برأي ( فروم )؟
حسب رأي ( فروم ) ان الحل الكامل هو في تحقيق الأتحاد والأندماج بين الأشخاص بطريقة واحدة وهي ( الحب ) ، فهذا الاندماج من خلال الحب يحقق مايتوق اليه الإنسان في العودة لطمانينته الاولى وقت تشبثه برحم أمه ، وبهروبه من الشعور بالانفصال تنشأ بيولوجية اكثر خصوصية تكمن في الإتحاد بين الرجل والمرأة.

ذلك الإتحاد له من الأهمية إن تحدثت عنه الكثير من الأساطير القديمة ومنها اليونانية إذ كان الرجل والمراة بحسب الأساطير شيئاً واحداً قبل ان تفصلهم الآلهة ، وحتى في المفاهيم الدينية التي تتحدث عن ان حواء خُلقت من ضلع آدم ، فكأن الرغبة في الإندماج بالحب هو توق للعودة الى صورة الإنسان الأول ، يعبر( فروم ) عن ذلك بقوله: " أن الإنسان وُلد اول مرة بذلك الإتحاد الذي حدث في الرحم ، ويولد مرة ثانية بأتحاد الحب".

إن احد تجليات الحب هي الجنس وهو احد صور الإتحاد ايضا ، ورؤية ( فروم ) هنا مختلفة تماماً عن رؤية (فرويد) ، إذ وكما هو معروف في اغلب تفسيرات ( فرويد ) في كوامن وسلوكيات الإنسان انه يعزوها الى الجنس ويستخدمه في تفسيراته بشكل مفرط في اغلب نظرياته ، بينما يرى( فروم) ان الجنس هو احد نتائج الحب حتى وان كانت تحمل حاجة بيولوجية شأنها شأن اي احتياج آخر مثل الجوع والعطش.
وبما ان ( فروم ) يرى ان الحب هو الحل لمشكلة الوجود الإنساني في الإنفصال ، فهو يوضح مفهوم الحب الذي يحقق هذا الحل ، إلا انه ينبه ان هناك صوراً سلبية للحب ، فهو يتحدث عن صورتين سلبيتين للحب هما على طرفي نقيض:
(الاولى) ، تتخذ صورة الخضوع والتي يعبر عنها فروم بالمازوخية إذ يهرب فيها المازوخي من انفصاليته بان يجعل نفسه جزءاً من شخص آخر.
(الثانية) ، وتتخذ صورة الهيمنة وهي على عكس الصورة الأولى إذ يهرب فيها المازوخي من انفصاليته بأن يجعل شخصاً آخر جزءاً منه.
وما بين تلك الصورتين يتجلى الحب الناضج الذي يحفظ للإنسان شخصيته وتفرده ، فمع شعوره بالحاجة لقهر انفصاليته والإتحاد مع غيره ، إلا انه في هذا الحب يسعى للمحافظة على ذلك التفرد بما يمكنه من التغلب على عزلته ويسمح له بأن يكون نفسه.

هذه هي نظرة ( اريك فروم ) وتحليلاته وآراءه في الحب ، ربما بقراءتها سنوجه اهتماماً آخر للحب لاتقتصر فيه رؤيتنا على نمط واحد من الحب او على سن معين .
إن من الغريب ان نجد هناك الكثير من الأشخاص وخاصة في بلادنا العربية ، يمنحون الحق لأنفسهم في الحب بينما يحرمونه على غيرهم ، انهم يتعجبون لرؤية احد من كبار السن يتغنى بالحب ، إذ ان الحب بنظرهم يقف عند سن الشباب وكأن كبار السن لا قلب لهم ولا مشاعر ولا يجوز لهم سوى ان يعيشوا منتظرين الموت ليسلموا له ارواحهم وهي خاوية ، ميتة حتى قبل ان تموت.
هم يحرمون الحب ويستنكرونه على النساء ويبيحونه للرجال ، يصرحون بقصص حبهم ويتباهون بها ، لكنهم يخجلون ويصابون بالعار ان اكتشفوا ان بناتهم او اخواتهم قد طرق الحب ابواب قلوبهن.

إن الحب للجميع ومن حق الجميع ان يعيشوه ، فإن كان الخبز غذاء الجسد الذي يمنحه القوة ، فإن الحب غذاء الروح الذي يمنحها الحياة.

وبما اننا تحدثنا بشكل موجز عن فن الحب من وجهة نظر( فروم) ، فلنتحدث عن الجوانب التي لم يتحدث عنها (فروم)، الا وهي تأثير الحب في الاشخاص وبالتحديد تاثير كلمات الحب فيهم ، فمن دون شك ان للحب تأثيرا بالغاً في النفس ، لكن ومع هذا هناك من لا يمنحون اهمية لكلمات الحب متحججين بأن ما يعطي الحب المصداقية هو الفعل لا القول ، وهذا كلام لا غبارعليه ولا اعتراض ، لكن لماذا لا يكون الفعل والقول معاً لما من شانه ان يرتفع بدرجات السعادة حتى ولو درجة واحدة؟
فإن كان الحب فناً افليس من شأن كلمات الحب العذبة ان تكون احدى وسائل ذلك الفن لاشعال جذوة الحب؟
لن نتحدث هنا عن ما يدور من كلام بين المحبين والمخطوبين فأن اكثر ما تتصف به احاديثهم هو الرومانسية وكلمات الحب المشتعلة ، لكن دعونا نسلط الضوء على المتزوجين الذين غاب عن احاديثهم طابع الحب واخذ مكانه الحديث الروتيني عن مستلزمات البيت والأولاد فأصبحت حياتهم مملة ، رتيبة ، يشكو فيها كلا الزوجين من نمط حياتهما ، فيأخذ الزوج بالبحث عن المغامرة والحب خارج البيت ، وتأخذ الزوجة بندب حظها بابتعاد زوجها عنها ، وتستمر حياتهما الزوجية فقط من اجل ديمومة الأسرة ، الغريب ان هناك الكثير من الأزواج يشعرون بالخجل من تبادل كلمات الحب ، بينما لا يشعرون بذلك حين يتبادلون الكلمات القاسية والجارحة وقت الشجار ، او نرى الكثيرين منهم ايضاً يشعرون بالخجل من تبادل كلمات الحب امام اولادهم لكن هذا الخجل لا يكون حاضرا عند صراخهم في وجوه بعضهم امام الأولاد.

إن اكثر ما تتسم به مجتمعاتنا العربية هو انعدام ثقافة الحب ، حتى اصبحت مجتمعات يغلب عليها طابع القسوة والحدة ، فمن النادر ان نجد مثلاً من يبتسم في وجه الآخرين صباحأ كما يحدث في المجتمعات المتحضرة ، ومن النادر ان نجد سياسة تقديم الورود بين الأفراد في الزيارات العائلية ، فهي لا تساوي شيئاً لدى الكثيرين مقارنةً بعلبة من الحلويات او كيس من الفاكهة.
لماذا لا ننمي ثقافة الحب بدءاً من الأطفال وندرسها لهم كمناهج اخلاقية في المدارس ، يتعلمون فيها كيف يحبون بعضهم ويتعايشون بحب بمختلف دياناتهم وتوجهاتهم ، بدلاً من تعليمهم العداء للديانات الاخرى؟
من المخزي ان هناك مدارس تقيم احتفاليات تعلم فيها الطلبة كيف يذبح الخروف كأضحية في عيد الاضحى ، فأي قسوة تلك التي سينشأ عليها الأطفال، وهل سيجد الحب الى قلوبهم بعد ذلك من سبيل؟

الحب شئ رائع دعونا نتعلم فنه وننشر ثقافته في حياتنا لنحيا بسلام فيما بيننا ، لنتعلم كيف نقدم وردة نُسر بها من اثقلت عليه الحياة بمصاعبها ، ولنزرع ابتسامة حب في وجوهنا فربما كانت ومضة امل تتسرب لقلوب يائسة.



#اشواق_سلمان_حسين (هاشتاغ)       Ashwaq_Salman#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كانديد ، مراجعة ورؤية فلسفية


المزيد.....




- ماسك يعترف بوجود مشكلات في عمل شبكة -ستارلينك- بسبب وسائل ال ...
- ستولتنبرغ يعارض إنشاء جيش أوروبي
- سفارة الصين في واشنطن: بكين ليست طرفا في الأزمة الأوكرانية و ...
- وسائل إعلام مصرية: القبض على -سفاح التجمع- عقب قتله 3 سيدات ...
- كينيدي جونيور يفضح رقابة الإدارة الأمريكية على انتقاد الصراع ...
- الحوثيون يعتزمون الإفراج عن 100 أسير من قوات الحكومة
- -سور من المسيرات- في دول الناتو المجاورة لروسيا
- ماكرون يبحث مع 4 وزراء عرب تكثيف جهود وقف إطلاق النار بغزة
- حزب الله يستهدف 11 موقعا إسرائيليا ونصر الله يعد -بمفاجآت-
- هل ستتأثر استراتيجية إيران بالشرق الأوسط بموت رئيسي؟


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - اشواق سلمان حسين - هل الحب فن؟