أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ندا الخوّام - عاشقات الخّوذ















المزيد.....

عاشقات الخّوذ


ندا الخوّام

الحوار المتمدن-العدد: 6741 - 2020 / 11 / 23 - 15:04
المحور: الادب والفن
    


في صدرها وجعٌ كبيرٌ ، وحلمٌ أخضرٌ ، وفي مخيلتها نهرٌ جارٍ من اغصان زيتون يابسة توحي بعض ملامحها بأنها لم تمت بعد .
وعلى الرغم من عمر سعادتها القصير معه الذي لا يمتد لأكثر من اسبوع كل شهرين ، إلا أنه كل مرة يباغتها فجأة ليلبسها رداء الفرح على شفتيها . لم تكن تعرف ما الحزن وهي تصول في حضرة كلماته واهتمامه بها .
سرقها محمود إلى عالمه الممزوج بالجنون والدفء معا . يبصم لها بشفاه محبة وشغوف بشائر لقاء كانت تنتظره من شهرين تزينه بعطرها، وعبق شغفها به، وبأحمر الشفاه الذي يعشقه، وثياب نصف عارية تلائم فرحة لقائهما وكأنهما تزوجا تواً .
تلك هي لقاءات زمن الحروب لرجال جبهات النار والبارود ، وفرحتهم وهم يحملون قلوب حبيباتهم على الحدود الملتهبة بالنيران وسط رحى الحرب الضروس التي يديرونها هناك مع العدو . يفتك بأجسادهم التعب والخوف من فقدان حياتهم بعيداً من الأحبة .
يعد محمود حقيبته واضعاً الغيارات الداخلية، وعدة الحلاقة ورواية الحب في زمن الكوليرا . اذ علمه صديقه الجندي المثقف أن يقرأ رواية كل شهر على الأقل ليتعلم فنون اللغة واجادة فن الحديث والتغزل بلباقة مع حبيبته ، اذ انتهت اجازته الاسبوعية وها هو يستعد للالتحاق بالجيش، فالحرب دخلت عامها الخامس وهي لا تحظى بروحه وجسده إلا بعد كل شهرين من الغياب . ودائماً تردد عبارتها التي تعمد بها القدر، لو عان للحرب عاشق مثلي لما منعتنا من أحبتنا وأبعدتهم عنا .
بينما هو يردد لها : ما أجمل أن تسقط الراء من الحرب وأعانقك بما تبقى منها .
تمد يدها برفق تتحسس صدره وتترك الطريق سالكا لأصابعها التي تعيش في التيه قبل أن يغادرها ليعانق بندقيته .
_ محمود أحبك كثيراً ، الحياة تقسو عليّ ببعدك والحرب ترفض ان توقف زعيقها .
لا زلت يا حبيبي صغيراً على تحمل اعبائها ولم تكتمل اغاني عمرك في الحياة عامها السابع والعشرين بعد ، ولا زلت أنا صغيرة أيضاً على البعد وقسوة الليالي من دون دفء وجهك الغامر بالفرح والنشوة .
_ لا بأس عليك ايتها الحنون لكل شيء نهاية والحرب ستزول لابد من ذلك .
_ لكنني خائفة قد نزول نحن والحرب تبقى .
_ اتركي عنك الوساوس واحتفي بوجودي سأغادرك بعد ساعتين .
تقترب بأنفاسها صوب وجهه تمنحه الشفاه والحياة والتوسلات بالرجوع سالماً ككل وداع بينهما يتمتم لها بالوعد وهو يضع شفتيها بين شفتيه ، هامسا لها سأعود .
حكاية الحب والرماد . حكاية مازحة قضمت منها جزءاً من ساعتي البهجة المتبقية قبيل عودة الأجساد الى بوابة الجحيم ، وبقاء الأرواح محلقة في سماء الحب . فالوقت لا يرحم لهفة عاشقين يرعبهما شبح الوداع ، إذ يبدو كرغيف ملوث بحجر تنور الطين المحترق .
على يـدها رباط عشق أبـدي لا تريد فكه، السوار الفضي أول هداياه إليها ، تتمتم له سأفتحها بعودتك تلك تعويذة عشقي لك .
يرحل محمود قبل أن تنزل الشمس أمتعتها وتغيب عن الأفق بعد يوم اتعبها دوران الأرض حولها. تقف عند الباب تودعه وهي ترش الماء خلفه ليعود سالماً مثلما هي عادة الأمهات حين تعمدن ابنائهن تعويذة الماء البارد للعودة سالمين لأحضانهن.
خطوة فخطوة يبتعد من بصرها ويختفي لون ملابسه الخاكي المطرز بنقاء الحب والوله بأول فتاة عرفها بعمره وتوجها ملكة على عرش ببيته الصغير. ويده الملوحة لها بالوداع .
تعود الى ادراج غرفتها الموحشة في كون مقيت، وظلام لا تطرزه شراشف العشق والأضواء الحمر وسنابل تطرح المسك من اغلفتها، وظهر ينحني للعشق ليحمل هشيم الغياب ويرسمه فرحة للجسد المتلهف للعناق.
تستمر الأمكنة في حدادها أيضاً بانتظار لقاء آخر يزيح العتمة عنها وينير زواياها الحالكة بظلام ستين يوماً من الغياب .
أنا مثلهن جميعاً العاشقات رجالاً على خط النار، يصنعن الحلوى لأطفال الحي ويدسنّها في جيوبهم ، يتمتمن خلسه أدعُ لهم بالعودة سالمين ...
على حبل غسيلهن يزهر (الخاكي) يلون الشفاه وندى الابتسامات وتحمر الوجنتان خجلا لسبعة أيام من عشقٍ لم يكتمل نسيج وشاحه بعد . يجمعن به ساعات وحدتهن الهاربة من اصفاد لياليهن الحالمة ليوشمن بها سواعدهم السمر.
قلق يعتلي هضبة قلبها ، ويتضخم كبد خوفها وهي ترقص فوق جبهة الآمال : عد سالماً يا حطب الجنون ، عد فقد وضعت الحرب أوزارها في حضن أمي وشيبة أبي ذات يوم بعد سنين غابرة، أذاقتهم الجزع والنجيع وهي تقدم لهم رفات أبنهما شهيدا ، حين سلبته خوذته الجميلة المكتنزة بالأمل للعبور الى ضفة السلام . كان هذا من زمن ولى حين سرق القدر أخي خلسه من بين يديهما وفتحوا أفواههم لريح المساء لتملأها بالسلوان ...
مرت الأيام يا محمود والريح تنذر بالشؤم والقلب يعتصر لذكراك ويتوجس. لكن عليك ان تتذكر دائما الايفاء بوعودك لي .
تذكرت آخر كلام دار بينهما في لقائهما السابق، مسكت بأطراف الحديث وراحت تلهو مع روحها تملي سلالها بعناقيد الأمل ، سيعود حتما مثلما وعدني . أيتها الحرب الضروس ارجعيه لي كلاً متكاملاً أرجوك .
غيابك يدخل يومه الخامس والستين ، وأنت لست هنا، ولم تأتِ، ترى ما الذي شغلك عني وهل صارعت الرصاص والمدافع في جبروتها من أجل الوطن ونسيتني ؟
لا تبشر ملامح صديقك الجندي الذي طرق الباب حاملاً اليوم رسالتك وخوذتك التي تفحصتها جيدا وتنفست الصعداء ، هي سليمة ليس من ثقب بها ، إذن انت بخير يا حبيبي .
أحلم ككل العاشقات فوق دروب الرمل بالخوذ العائدة من الجبهة معافاة، يفتشن عن الثقوب بها. تعلو التنهدات وتهبط مع وجود الثقب من عدمه وتنقبض عضلة القلب وتسترخي هي الأخرى وعينها مسترسلة صوب خوذة النار والطين .
رسالتك التي جاءت كغيمة امطرت على قلبي غسلته من غبار الغياب اشم مغلفها واضمه إلى صدري انه كان بيدك قبل الوصول اليّ ولكن يا ترى ما بداخله !!! وكأنه يخفي شيئا ما ليكن خيرا يا الهي .
بأصابع مرتجفة تفتح الرسالة وتسير نظراتها كخطوات سلحفاة فوق السطور وكأنها تخشى من صدمة السقوط في خيبة الفقدان .
حبيبتي ...
أنا بخير حي ارزق ، ارقد في المستشفى العسكري لأنني فقدت اجزاء من قدمي ثمن رعونة الحرب ، فأنت وهي تتقاسمان الذاكرة والجسد . لكن لا تقلقي ما زال لديك الكثير مما تملكين مني ، وما زال لدي ذراعان وشفتان وحبيبة .



#ندا_الخوّام (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تبت أياديكم
- كارت أحمر ل 308


المزيد.....




- المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي: إسرائيل تعامل الفنانين كإرهاب ...
- نيويورك: الممثل الأمريكي أليك بالدوين يضرب الهاتف من يد ناشط ...
- تواصل فعاليات مهرجان بريكس للأفلام
- السعودية تتصدر جوائز مهرجان هوليوود للفيلم العربي
- فنانون أيرلنديون يطالبون مواطنتهم بمقاطعة -يوروفيجن- والوقوف ...
- بلدية باريس تطلق اسم أيقونة الأغنية الأمازيغية الفنان الجزائ ...
- مظفر النَّواب.. الذَّوبان بجُهيمان وخمينيّ
- روسيا.. إقامة معرض لمسرح عرائس مذهل من إندونيسيا
- “بتخلي العيال تنعنش وتفرفش” .. تردد قناة وناسة كيدز وكيفية ا ...
- خرائط وأطالس.. الرحالة أوليا جلبي والتأليف العثماني في الجغر ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ندا الخوّام - عاشقات الخّوذ