أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ناهد نصر - البيت الكبير تسكنه القطط














المزيد.....

البيت الكبير تسكنه القطط


ناهد نصر

الحوار المتمدن-العدد: 1611 - 2006 / 7 / 14 - 09:27
المحور: الادب والفن
    


ما الذى يفصل بين البدايات وبين النهايات سوى سلسلة من العذابات.. على مدار 15 يوماً راودتها تلك الفكرة فى الطريق الطويل بين المستشفى حيث يرقد، وبيتهم... ذلك البيت الذى أنفقا نصف عمريهما ليحصلا عليه. سنوات طويلة من الغربة.. صحراء قاحلة لا يظللها شئ سوى حلم البيت الكبير.. "شئ لمستقبل أولادنا الأربعة" هكذا كانا يرددان فى ليالى الخماسين حين تصفر الرياح مخترقة صمت الصحراء الموحشة

زوجها الراقد الآن يعانى من تليف حاد فى الكبد بينما يئن عموده الفقرى من وطأة سنوات صارت الآن بعيدة... كم ميناء وكم مطار إجتاز هذا الظهر العتيد حاملاً أثقال "سفر التكوين".. تكوين الذات.
مصاريف الدراسة بالجامعة، مصاريف الزواج، مصاريف تعليم الأولاد، وأخيراً من أجل البيت لمستقبلهم... حتى بعد العودة كان عليه أن يواصل مشوار الحقائب.. هذه المرة كان يحملها من الموسكى وشارع الأزهر إلى دكانه الصغير الذى عاود فتحه بعد إنتهاء الإعارة بالخارج. فى البداية كان الدافع هو عدم رغبته فى قضاء أنصاف النهارات حبيس المنزل.. بعد قليل إكتشف أنه مضطر للمواصلة لأن راتبه الحكومى لا يكفى... عشر سنوات فى الصحراء أنفقت على البيت.. "على الأقل لدينا بيت كبير" هكذا كان يصبر نفسه بينما يناول طفلاً صغيراً قلم رصاص أو قطعة حلوى...

متى حان للظهر البائس أن يستريح.. ومن أين إنقضت الألياف تلك على كبده؟ لا دخان، لا خمور، لا شئ مضر بالصحة.. لم ينفق مليماً واحداً فيما يغضب الله
"إنها المياه يا حاجة، هى السبب". أى مياه يا دكتور؟ أى جنسية تحمل؟ "حنفيات كثيرة مرت عليه. مياه جوفية مخلوطة بالحديد، مياه نهرية مخلوطة بالطين والكلور.. لقد شرب الكثير لأجلهم"

سرحت ببصرها من نافذة العربة، على الكورنيش لفت نظرها شاب عشرينى بينما فتاة تماثله فى العمر تجلس فوق السور وبينهما قبلة مخنوقة.. مر بخاطرها إبنها الأكبر.. يالله كم حلمت به وبأبنائه يملئون البيت، فقط فى أوقات العصارى، كانت تقول له: "لقد تعبت من دوشة العيال يا سعيد، سأنتظر أولادك كل يوم ساعة العصارى ينزلون إلى من الطابق العلوى.. سأخيط لهم عرائس وملائات صغيرة... سأصنع لهم الأرز بالحليب وكيك بالشيكولاته، فقط بدون دوشة.. تعرف كم تحب أمك الهدوء يا حبيبى".

لكن سعيد ليست له زوجه، ولا أولاد. عشر سنوات كاملة وهو لا يزال فى كلية الطب بعيداً فى الصعيد... يعود للبيت كل شهر محملاً بالكتب والأشرطة، "اتمنى ان يهديك الله يا أمى" يقول.
يقضى ساعات قليلة معهم، ويمضى محملاً بملابس نظيفة، وقرص بالعجوة وخبز تصنعه له ومصروف جيبه لبقية الشهر.. وعندما يتأخر فى المجئ ينوب عنه "البوسطجى" نذير الشؤم كما تصفه. "إبنكم مطلوب للتحقيق... إبنكم مفصول... إبنكم موقوف"
اتصل بها بالأمس واخبرها ان تصلى كثيراً وقال أن الله يخفف عنه ذنوبه فى الآخرة بعذاب المرض فى الدنيا"
يالله أى ذنوب ثقيلة تلك التى تحتاج إلى عمر كامل من العذاب..؟

توقف الباص فى المحطة بينما نزلت شابة تحمل في يدها مسطرة طويلة وأوراق ملفوفة على شكل إسطوانة. لماذا تذكرت هدى فى تلك اللحظة... كيف سمح لها بالسفر فى رحلة الجامعة؟ قال لا تخافى.. انها تشبهنى هذه البنت.. تعشق المطارات وحقائب السفر.
بعد إسبوع حين عاد وحيداً من المطار.. لم يتكلم، فقط القى بجسده على السرير بينما اعتصره القولون العصبى لشهر كامل.. "لم يعد لنا بنت" قال. وسلمها رسالتها

" مسافة هائلة تفصل بيننا، الحياة بالنسبة لنا لا تعنى الشئ نفسه.. سأكون بخير بعيداً ، قبلاتى وسلامى الحار.. احبكما كثيراً "

هل هى الكتب يا هدى؟ لا أفهم عن أى مسافة تتحدثين؟ هل هى أطول من كل المسافات التى قطعناها لأجلك؟ ما الذى تعرفينه عن المسافات؟

ياالله هل لازالت المسافة طويلة إلى رحمتك الأبدية؟

حين وصلت العربة كان هانى الإبن الأصغر ينتظرها على المحطة، وفى يده سلة مغطاة بمفرش صغير.. فى لهفة ونشوة بالغة أخبرها أن قطتهم ولدت أربعة..سرحت وهى تستحضر صورة القطة التى دخلت بيتهم وهى لا تزال صغيرة وقد صارت الآن أماً .. سألت بقلق "هل أمهم بخير؟" بينما احتضنت السلة بيديها كطفل صغير فى المهد.


12 يولية 2006
امبابة



#ناهد_نصر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من دم ولحم أزرق


المزيد.....




- الأسبوع المقبل.. الجامعة العربية تستضيف الجلسة الافتتاحية لم ...
- أرقامًا قياسية.. فيلم شباب البومب يحقق أقوى إفتتاحية لـ فيلم ...
- -جوابي متوقع-.. -المنتدى- يسأل جمال سليمان رأيه في اللهجة ال ...
- عبر -المنتدى-.. جمال سليمان مشتاق للدراما السورية ويكشف عمّا ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...
- يتصدر السينما السعودية.. موعد عرض فيلم شباب البومب 2024 وتصر ...
- -مفاعل ديمونا تعرض لإصابة-..-معاريف- تقدم رواية جديدة للهجوم ...
- منها متحف اللوفر..نظرة على المشهد الفني والثقافي المزدهر في ...
- مصر.. الفنانة غادة عبد الرازق تصدم مذيعة على الهواء: أنا مري ...
- شاهد: فيل هارب من السيرك يعرقل حركة المرور في ولاية مونتانا ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ناهد نصر - البيت الكبير تسكنه القطط