|
من دم ولحم أزرق
ناهد نصر
الحوار المتمدن-العدد: 1178 - 2005 / 4 / 25 - 11:13
المحور:
الادب والفن
من دم ولحم أزرق
الدماء تنزف الآن من رأسى.... لا يهم لماذا .... ربما مهم.... لكن لا فائدة من الحديث الان.... ما الفائدة أصلاً من الحديث عن الدماء التى تنزف من الرأس...... سرسوب طويل من الدماء يتوقف حيناً... وينزف حيناً.... لا أكلف نفسى محاولة توقيفه.... ربما لأن الجو بارد، ولا أحتمل الثلج.... وربما لأننى لا أبالى الآن بهذا الجرح.... لم أعد أبالى بشئ....... لوحة الموت والحياة لجوجان... تلك اللوحة المعلقة وحيدة فى غرفة مظلمة فى قصر الرجل الثرى الذى مات... هى أيضاً تنزف من رأسى... ربما من نفس الشق الذى تنسال منه الدماء....... المرأة الزرقاء المنكمشة على جسدها ... ساقاها يبتلعان أعضائها التناسلية.... ولا أدرى سبباً لهذا الندم المرعوب الذى يملأ وجهها..... أكرهها هذة المرأة...... ربما جوجان أيضاً.... وإلا لم جعلها تثير كل هذا الإحساس بالشفقة لمجرد أنها زرقاء.... لأنها موت..... لماذا لم يجعلها تقف بثبات هكذا وتتأهب للرحيل ببساطة....... مم تخافين أيتها المرأة.... أرجوكى أجيبينى...... ماذا تركتى خلفك لتنظرى بكل هذا الحزن..... ساعة كاملة وأنا أجلس أمامك فى غرفة المتحف الشاحبة ... أحملق فى وجهك الجبان الذى يشبه وجه فتاة تنتظر باستسلام ان تضرب....... ساعة كاملة وأنا أحاول إكتشاف السر من ملامح وجهك.... أحاول التوصل إلى القصة التى تختبئ خلف عينيك وفى ذاكرتك وتحت مسام جلدك الذى صار أزرقاً..... أى حكاية تخرجين منها بكل هذا الخوف من الرحيل..... تمنيت فى الدقائق الأخيرة أن أقفز من فوق الكرسى المهترئ فى غرفة المتحف الكئيبة وأن أهزك، أن أصفعك على وجهك الأزرق الداكن.... حتى تفيقين...... لكننى لم أستطع.... شعورى بالقرف منك جمد قدماى.... فخرجت........ وحاولت بكل طريقة فى ذلك اليوم وفى كل الأيام التى تلته أن أطرد صورتك من رأسى.... فلم أستطع..... الدماء عادت للنزيف مرة أخرى.... بدفئ...... وهدوء...... أشعر بنشوة غريبة تصل إلى الذروة..... المسير الرتيب للدماء يثيرنى جداً...... ويشعرنى بذاتى..... ربما لأنها تثبت لى أننى مثل الجميع....إنسانة عادية...... أفتقد دائماً لهذا الشعور.... كل الأحداث تمر فى ظروف إستثنائية غامضة .... مثلاً اليوم الذى خلفت فيه بوابة منزلنا الكبير ورائى وأخذت أجرى فى الغيطان الخلفية نحو أى محطة سيارات لا أعرف أين سأجدها ولست مصرة على مكان معين تأخذنى إليه... المهم أن تأخذنى بعيداً عن هنا........ كنت أعرف فى تلك اللحظة أنى أصنع ظرفاً إستثنائياً...... أقوم فيه بدور مثير...... عندما القيت نفسى فى مقعد الميكروباص وشممت رائحة المحرك يدور بسرعة ... كان على أن آخذ اللقطة من النافذة الخلفية للسيارة..... مشهد الأشجار التى تبتعد والأرض التى تجرى عكس إتجاه السيارة والسماء والبيوت والبهائم والناس التى تسير فى الطرقات.... كلها تصنع ذكرى إستثنائية لحادث إستثنائى.......
أحب فعلاً تلك الدماء......... لم أتخيل فى أى وقت أنها بهذا الدفئ....
واليوم الذى مد فيه ذراعة فى الهواء على آخره وهوى به على وجهى لأول مرة...... ماذا كان هذا اليوم..... لم أبكى عندئذ، قمعت كل مشاعر الإهانة والذهول، وقمعت معها صورة المرأة التى تركتها خلف البوابة الكبيرة.... واستعدت روحى الإستثنائية ... قلت ربما يحتاج إلى حضن كبير..... واستجمعت كل قدرتى على تلبيس الأحداث بعوالمى الخاصة، الخارجة من شق صغير عميق جدا فى الرأس.. كان على أن أكشف شكسبير على حقيقته منذ البداية....... كان على أن أدرك كم كان دنيئاً وشيطاناً ...... لقد جعلنى أبكى بشدة فى كل مرة أرى فيها واحداً من أبطاله السفاحين يموت................. كان على أن أفهم كم هو غبي أن تتجاهل كل الضحايا فى القصة وتتعاطف مع البطل ... المجرم الوحيد......فقط لأنه يملك عقداً إستثنائية........ عشت كل الوقت مقتبسة أوهام شكسبير .... حتى جائت اللحظة التى سالت فيها الدماء.... لأول مرة فى حياتك تشعرين بملمسها على وجهك........... فى المرآة تكتشفين أنك من لحم ودم فعلاً.... تتمنين استمرار النزيف...... أو أن يهرع أحدهم بالقطن والشاش وزجاجة الميكركروم.... كما يحدث عادة للآخرين........ لكنهم لا يفعلون....... لا أحد...... تتمنين لو تذهبين الآن إلى الغرفة الكئيبة فى المتحف..... لتصفعينها........ لتسكبين ماء دافئاً على جسدها..... لتلطخين اللون الأزرق اللعين.......أو لتخفى وجهها المسموم بورقة من صحيفة....... وتمضين خارجة... حين استيقظت فى اليوم التالى.... وجدت رأسك ملقاً على المكتب......و جرحك الذى كان ينزف مغطى بورقة من صحيفة
#ناهد_نصر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
لعشاق الأكشن والاثارة.. تردد قناة فوكس موفيز أكشن الجديد Fox
...
-
اغنية شاور شاور يلا يا قمر ??.. استقبل الآن تردد قناة طيور ا
...
-
أحداث مشوقة وأكثر إثارة.. مسلسل الطائر الرفراف الحلقه 82 متر
...
-
العمارة الاستعمارية في ليبيا.. كنز ثقافي أم ذكرى مؤلمة؟
-
-قطع من أجسادنا- بمعرض -تحت النار- في عمان... فنانون من غزة
...
-
ممثل في -جوكر: جنون مشترك- يصفه بالفيلم الأسوأ على الإطلاق
-
هاشم صديق -شاعر الملحمة- ورمز الأدب والمسرح السوداني
-
استقبل الآن تردد قناة ميكي 2024 على القمر الصناعي نايل سات و
...
-
الإعلان 3 حرب الانتقام…. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 170 على قص
...
-
الشارقة الدولي للكتاب يستضيف الشيف الأردني صدام عماد
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|