أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ملف: وباء - فيروس كورونا (كوفيد-19) الاسباب والنتائج، الأبعاد والتداعيات المجتمعية في كافة المجالات - عبدالعالي الوالي - التداعيات الاقتصادية والاجتماعية لجائحة كورونا على الصحافة الورقية في المغرب















المزيد.....


التداعيات الاقتصادية والاجتماعية لجائحة كورونا على الصحافة الورقية في المغرب


عبدالعالي الوالي

الحوار المتمدن-العدد: 6726 - 2020 / 11 / 7 - 01:54
المحور: ملف: وباء - فيروس كورونا (كوفيد-19) الاسباب والنتائج، الأبعاد والتداعيات المجتمعية في كافة المجالات
    


رافق ظهور فيروس كورونا( كوفيد19) هالة إعلامية كبيرة وواسعة النطاق، حيث إن كل المنابر الإعلامية بشتى أنواعها كانت تصارع الزمن لنقل الخبر الذي أفزع العالم بأسره طمعا في تحقيق السبق في نقل الحدث. وهو ما ينطبق أيضا على الإعلام المغربي الذي راكم الكثير خلال هذه الفترة الزمنية التي انتشر فيها الفيروس خاصة بعد الإعلان الرسمي عن ظهور أول حالة في المغرب الذي بادر في سابقة مشهودة إلى اتخاذ إجراءات وقائية استباقية تمثلت في إعلان حالة الطوارئ الصحية التي طبعت تعامل كل المسؤولين القطاعيين مع هذا المستجد الفيروسي بطابع الجدية والالتزام، كما جعلت جميع فعاليات المجتمع المدني يبادرون للمساهمة في كبح ومواجهة هذا الوباء الذي سرق منا نعمة الأمن والأمان من غير سابق إنذار. ولعل انتظارات المواطن المغربي المتعلقة بالبحث اليومي عن مستجدات هذا الفيروس باعتباره أزمة طارئة مست الجوانب الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، وشكلت هاجسا واختبارا حقيقيا لوسائل الإعلام التي حاولت مجارات التطورات الحاصلة حول هذا الفيروس بغية استرجاع الثقة واستقطاب مزيد من المستهلكين، وذلك بنشر أخبار ومعلومات جديرة بالاهتمام، وتستجيب لمتطلبات الجمهور الواسع وتمده بمعلومات منتقاة وجديرة بالثقة والاهتمام لتبعث بذلك حيوية جديدة في البيت الإعلامي الصحفي المغربي. فهل يا ترى تستطيع مؤسسات النشر والتوزيع الصحفي الصمود أمام هذه الأزمة التي أشّرت على توقف هذه المؤسسات بسبب تطبيق إجراء الحجر الصحي؟ وما البدائل الممكنة التي تضمن لها الاستمرار والاستدامة والمساهمة في نشر الأخبار في ظل هذه الأزمة التي طالت إدارييها وتقنييها وصحفييها؟ وما تداعياتها الاجتماعية والاقتصادية على المالكين والمستخدمين؟
- سؤال الهوية والمفهوم
يعتبر سؤال الهوية السؤال الكفيل بإغرائنا لسلك المسافات الممكنة لتشكيل مدلول الصحافة باعتبارها مصطلحا عابرا للغة مرتبطا بكل التجليات الواقعية والخيالية المنتجة للخبر القادر على إنتاج الرغبة عند المتلقي وتحقيق الاستمرارية في الاستهلاك، وكشف الكثير من الوقائع العالقة في شباك الاستفهامات والتساؤلات التي لم تجد لها هذه الصحافة جوابا بعد. حيث كانت الصحف خلال النصف الأول من القرن العشرين هي مصدر المعلومات الرئيسي(1). ومن المسميات التي كانت تطلق على الصحافة ما ذكره علي كنعان مثل:"الورقة الخبرية" و"الرسالة الخبرية" و"أوراق الحوادث"(2)، وهي ما يعني أن الصحافة هي تلك الأوراق المتوهجة بروح الخبر والمسافرة بالحدث، وهذا الأمر يجعلها تتجاوز حدود المكان والزمان والأفراد والعلاقات.والصحافة بمعنى نقل الأخبار قديمة قدم الدنيا وليست النقوش الحجرية عند المصريين والصينيين وعند العرب الجاهليين وغيرهم من الأمم العريقة إلا ضربا من ضروب الصحافة في العصور القديمة(3). إنها إذن مهنة تشكلت عبر تاريخ طويل للإنسانية وقطعت أشواطا لتكوّن بنيتها ومعمارها مؤسِّسة بذلك لمفهوم الخبر المرتكز على الانتظارات المجتمعية التي ألفت ثقافته وحضوره في تمثلاتها. والصحافة حسب مدرسة فرانكفورت تعتبر من الوسائط التي تساهم في صناعة الثقافة التي تعني في نظر هذه المدرسة الصناعة الترفيهية والترويحية التي تدخل في عدادها أنشطة السينما والتلفاز والموسيقى والإذاعة والصحف والمجلات(4). كما تساهم في نقل الخبر الذي تتبدى بدونه سلطة الجمود وبطش اللحظة الصامتة. فالصحافة لعبت أدوارا اجتماعية واقتصادية وثقافية وسياسية استمدت منها قوتها التي جعلتها مؤسسة اجتماعية وسلطة داخل المجتمعات المستهلكة للصحف، حيث صارت قادرة على التحكم في زمام الأمور وتحريك العديد من القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، لكن انخراطها المباشر في رسم السياسات الكبرى للبلدان المتحكمة اقتصاديا في الدعم المباشر للهيآت والتنظيمات خاصة السياسية منها أفرغها من محتواها المعرفي وجعل من الخبر الذي كان أساسها وهما أو واقعا مبالغا فيه، حيث أصبحت مجرد لعبة تتحكم في حركيتها ومسارها أياد خفية جعلت منها شعلة للصراع بعد أن كانت وهجا لنشر الديمقراطية والفكر التنويري وخدمة القضايا الإنسانية وإقامة مجتمع المعرفة. وبالإضافة إلى ذلك فالسيطرة الحكومية وتنامي القفز على الحريات الصحفية حالت دون وصول المعلومة لعامة الناس، ليكون ذلك بمثابة مؤشر لانبثاق أزمة خفية قادمة من بعيد، حيث ستصبح هذه الصحافة لقمة سائغة بين أيدي مالكي الراساميل عالميا، وهي طبقة اجتماعية لا تعرف سوى التفكير في مزيد من الربح. وهذا الأمر سيجعل الصحافة عرضة للإهمال والموت البطيء الذي عبر عنه كثير من المهتمين بسوسيولوجيا الصحافة والإعلام أمثال إيريك نوفو"ERIK NEVEAU" في كتابه سوسيولوجيا الصحافة(Sociologie de journalisme) خاصة بعد الانطلاقة النهمة للصحافة الإلكترونية التي تطورت عبر المد التكنولوجي العولمي.
- الصحافة الورقية بين بداية الأزمة وأزمة النهاية
عرفت الصحافة العربية بشكل عام والمغربية بشكل خاص أزمة خانقة في السنوات الأخيرة، حيث شهدت منافسة قوية وشرسة من الصحافة الإلكترونية أو الرقمية التي اقتحمت حسب ابن مسعود عالم الإعلام والمعلومات والأخبار والاتصال، وانتزعت من الصحافة الورقية عددا كبيرا من جماهيرها الذين تغيرت لديهم عادات الاستهلاك الاتصالية، وذلك باتجاههم نحو الكومبيوتر والألواح الالكترونية للحصول على الأخبار والمعلومات(5). وهو ما أدى إلى تدفق الإعلام أو الصحافة الإلكترونية التي شهدت إقبالا واسعا بعد التراكم الذي حققته، والذي يعود حسب ابن مسعود لتاريخ نشأتها في بداية السبعينيات، وذلك مع ظهور التيليتكست عام 1975م، والذي يعد ثمرة تعاون بين مؤسستي "بي بي سي" والإندبندنت برودكاستينغ"، ثم مع ظهور نظام بريستيل وولادة خدمة الفيديو تيكست عام 1979م، وحسب المصدر نفسه فقد عرفت هاتان المؤسستان نجاحا هاما يتجلى في التفاعل الإيجابي للمستهلكين والتجاوب المثمر الذي حفز دخول بعض المؤسسات الصحفية الأمريكية على الخط من خلال توفير النصوص الصحفية بشكل إلكتروني للمستفيدين عبر الاتصال الفوري المباشر(6)، وهو ما جعلها تعرف انتشارا واسعا بعد التطور الذي عرفته وسائل الاتصال والتواصل الإلكترونية عبر العالم.
والمغرب لم يكن بمعزل عن هذا الاكتساح الإلكتروني الذي شكل مصدرا للخبر الذي يصل إلى المتلقي عبر شاشة الهاتف والمحامل الالكترونية، وهذا الاكتساح الإلكتروني ساهمت في بروزه الأزمة المالية أو ضعف التمويل الذي تعانيه الصحافة الورقية، في ظل النظام العولمي الذي يراهن على الربح من خلال استقطاب أوسع للمستهلكين، والبحث عن موارد جديدة قادرة على رفع التحديات نحو الرهانات المستقبلية لهذا العالم الإلكتروني الأزرق. وقد أكدت مجموعة من الدراسات العلمية أن المغرب يعتبر واحدا من بين الدول العشرة الأكثر استخداما للأنتيرنيت، حيث بلغ عدد المستخدمين سنة 2016م 16.456.856 مستخدما، بما يعادل 51% من عدد السكان(7)، وهو مؤشر قوي يدل على مدى التزايد الكبير في التعاطي مع الشبكات العنكبوتية أو الإنترنيت، وهذا ينعكس سلبا على الصحافة الورقية الوطنية التي لم يشفع لها تراكمها التاريخي الذي عرف بدايته الحقيقية منذ سنة 1883التي شهدت صدور أول صحيفتين ورقيتين بمدينة طنجة وهما أسبوعية "Le Réveil du Maroc" بالفرنسية وأسبوعية "ALMaghreb AL-Akssa" بالإسبانية والانجليزية(8). وفي ظل هذه الأزمة الخانقة التي بدأت تتمظهر حسب ابن مسعود من خلال انخفاض الإعلانات الاستثمارية في الصحف التقليدية واتجاهها نحو وسائل الإعلام الإلكترونية بصعود قوى اقتصادية احتكارية لا ترى في الإعلام الرقمي إلا مجرد سلعة ضمن منتجات أخرى(9) اضطرت الصحف الورقية إلى رفع رهان الرقمنة والتماهي مع الوضع من خلال خلق مواقع إلكترونية وبالتالي الانتقال من الورقي إلى الرقمي، وهو ما سيطرح حسب ابن مسعود رهانات اقتصادية وسياسية ومهنية واحترافية(10) ستفرض العمل بنظام مختلف يساير طبيعة التطورات المجتمعية، ومما لا شك فيه أنه رهان سيزيد لا محالة من شرخ الوضع المأزوم الذي بدأ يهدد مستقبل الصحافة المكتوبة التي تعول بشكل كبير على استثمارات الإعلان باعتبارها إحدى دعائمها الأساسية التي تراجعت لفائدة المحامل الرقمية(11). وهذا المشهد سيرسم مسارا جديدا وسيعطي وجها مختلفا للصحافة الوطنية المكتوبة التي جرفتها رياح العولمة نحو نهج المسالك نفسها التي نهجتها الصحافة العالمية، وذلك بالانسجام بشكل أو بآخر مع الصحافة الالكترونية. وهذا طبعا لن يؤثر على دور الصحافة لكن سيؤثر سلبا على المؤسسات المنتجة للصحف. حيث إن هذا النهج الجديد سيبقى فقط محاولة لتخطي الأزمة بأزمة أوسع راهنت على الرقمي بنفس الأطقم الإدارية والتقنية التي لم تستطع أن تعطي نفسا جديدا لطرق الاشتغال لتبقى رهينة التقليدي الذي يزامن ثورة وطفرة عالية الوتر على مستوى الأداء الإعلامي الإلكتروني، وهذا جعلها تجد نفسها تعيش الوضع المأزوم نفسه على مدار السنوات الأخيرة، حيث إنها عرفت تراجعا خلخل كيانها باعثا نبرة من الأفول التي تهدد مصيرها المستقبلي، وقد كشفت الأرقام التي قدمها مكتب مراقبة توزيع الصحف بالمغرب سنة 2017م عن تراجع كبير لمبيعات الصحف الورقية في المملكة، حيث خسرت اليوميات والأسبوعيات آلاف النسخ من مبيعاتها مقارنة مع سنة 2016م(12)، وذلك راجع لأن أسلوب التواصل الإلكتروني حسب أنتوني كيدنر يقلل من نطاق توزيع الصحف المطبوعة على القراء. فقد أصبح من الممكن قراءة كثير من الصحف بصورتها الإلكترونية فورا ومجانا من خلال شبكات الإنترنيت(13). وهو ما يهدد مستقبل الصحف المكتوبة بتفاقم وتراجع قدرتها على الإنتاج أمام ضعف الإمكانات المادية والبشرية التي أشّرت عليها العولمة الإلكترونية في ظل نظام رأسمالي موحش. وفي ظل جائحة كرونا التي يعيشها العالم بأسره، أستستطيع هذه الصحف الخروج من بؤرة التوتر هذه وإنقاذ سمعتها القائمة على ممارسة تحترم أسس المهنة باقتدار واضعة بذلك نهاية للأزمة أم أنها ستركن إلى الخنوع والاستسلام لهذا التدفق المهول للإعلام الإلكتروني الذي قد يشكل أزمة النهاية؟
- جائحة كورونا خروج من الأزمة أم ولادة أزمة جديدة؟
لم تخرج بعد الصحافة الوطنية الورقية من أزمة الصراع مع الصحافة الإلكترونية ورهانات الرقمنة التي تستوجب معطيات ومقومات وتقنيات جديدة كفيلة بوضعها في مسار المنافسة،حتى وجدت نفسها أما مشهد آخر يحمل ملامح حدث قد يقلب موازين توقعاتها، ويفتح واجهة طائفة من الأسئلة الجدلية التي يمكن اختزالها في السؤال التالي: أسيحمل هذا الحدث ولادة أزمة جديدة ستزيد الصحافة الورقية الوطنية انتكاسة وسقوطا نحو نهاية مؤلمة أم أنه سيخلق لها انتعاشة تجعلها تسير نحو رد الاعتبار لتحافظ على كرامة الاستمرار والمنافسة التي ستبعث من جديد أمل التجدد والانبعاث من رحم عالم يئن تحت وطأة الإمبريالية والنظام الرأسمالي الذي يلهث وراء مزيد من الربح؟
إن الصحافة المغربية منذ الإعلان الأول عن ظهور وباء كورونا بالصين بادرت وعبأت نفسها وأطقمها لهذا المستجد الذي بعثر الكثير من اليقينيات وأثار نوعا من القلق والدهشة في النفوس، بل وشكل مرحلة مفصلية في تاريخ الأمة،وهكذا فإن هذه الصحف تجندت بكل ما لديها في عملية تغطية جميع الأحداث الممكنة محاولة بذلك خلق حيوية جديدة تمكنها من نقل الأخبار واستغلال وضعية الأزمة التي يعيشها العالم لكسب جزء من رهانها، وذلك ضماناللاستمرار أمام مجمل الضغوطات الكابحة لها وردا علىما تعلنه كل التوقعات بموتها البطيء. ولكن ما لم يكن في الحسبان وبقي بداية سؤالا مبهما هو ما قد يحمله هذا الفيروس الوبائي عبر بوابته المستقبليةأو ما قد يخفيه من تطورات ممكنة قد تربك كل الموازين وتعلن انتفاضتها المقلقة والشرسة المهددة لمستقبل الإنسان على هذه الأرض، لتبسط سوداويتها على ما تبقى من بياض أو بصيص أمل ممكن، وهو ما ظهر عندماجاءت نقطة الصفر معلنة بداية اللامتوقعبالنسبةللصحافة المكتوبة ومالكي مؤسسات النشر والتوزيع، حيث شكل ظهور فيروس كرونا بالمغرب والإعلان عن حالة الطوارئ حكما قاسيا على الصحف الورقية، وذلك لأن وزارة الثقافة والشباب والرياضة أصدرت بيانا دعت فيه هذه الصحف إلى تعليق إصداراتها باعتباره إجراء وقائيا في حربها مع هذا الفيروس المستجد. وقد أشارت الوزارة في هذا البيان إلى أنالأدوار الهامة والحيوية التي تقوم بها الصحافة المغربية تتطلب من جميع المؤسسات الصحافية المعنية الاستمرار في توفير خدمة إعلامية في صيغ بديلة في الظروف الحالية، والمساهمة إلى جانب باقي مكونات الإعلام الوطني في جهود الإخبار والتحسيس والتوعية الموجهة للمواطنين(14). وهذه الدعوة تعد دعوة مباشرة للعودة نحو مسار يحوي منافسا قويا يعتبر أكثر استقطابا وهو الصحافة الإلكترونية، وهذا الأمر جعل مجموعة من الصحف الوطنية تتجه إلى الإصدار الرقمي على شكل "ب.د.ف" وهو سياق فرضته الجائحة أو كما سماه الباحث المغربي عبدالرحيم العطري بالـ"عن بعد"، حيث تنضبط كل الممارسات الطقوسية واليومية إلى منطق" ترسيم" و" تضبيط" المسافة الاجتماعية بين الأفراد(15)، وبينهم وبين المؤسسات الإعلامية. فالتباعد الاجتماعي صار أمرا ملحا للحفاظ على الأنفس. وكل هذا انعكس سلبا على هذه المؤسسات الإعلامية. فبالرغم مما يمكن أن تقدمه الدولة من مساعدات إلا أن الوضع لا يبشر بخير فقد أصبح الحسم فيه بقبضة هذا الفيروس العولمي الذي كشف أكثر عن البنية الاقتصادية الهزيلة للصحافة الورقية، وأظهر عدم قدرتها على ربح الرهانات المستقبلية ليبقى السؤال مفتوحا حول مصير هذه الصحافة، خصوصا بعد إعلان الدولة استمرار حالة الطوارئ بتمديد زمن الحجر الصحي الذي شكل بداية الأزمة وربما قد يصير أزمة النهاية لهذه المؤسسات الإعلامية التي راكمت الكثير، وقاومت طويلا تحديات العولمة الدافعة، لتجد نفسها في زمن قصير مرغمة على الامتثال والركوع أمام سطوة هذا الفيروس الذي فرض على كل المؤسسات إعادة النظر في بنياتها وطرق اشتغالها، ونهج بروتكولات مختلفة في التعاطي مع هذا المستجد الذي بعثر كل الحسابات، وأعاد ترتيب الأولويات بفرض برمجة زمنية يومية خاصة على غير ما كان معهودا. ومع ذلك فالقول الأميل إلى الصواب أن أزمة الصحافة الورقية في المغرب ليست جديدة، فهي أزمة مركبة شديدة التعقيد وأسبابها كثيرة جدا بعضها ذاتي وبعضها موضوعي، غير أنها تؤدي كلها إلى مصير واحد هو الإغلاق(16)، ليزيد هذا الوافد الجديد جرعة الأزمة مرارة، مشكلا بذلك صفعة مضاعفة غير مسبوقة لمالكي هذه الصحف الورقية.
- تداعيات كورونا الاقتصادية والاجتماعية على الصحافة الورقية المغربية
إن حالة الموت البطيء صارت تلاحق جل المؤسسات الصحفية الناشرة للجرائد والمجلات الورقية، خاصة بعدما عرفت نقصا كبيرا على مستوى الاستثمار في الإعلانات الإشهارية التي تدر عليها ربحا يمكنها إلى حد ما من تأمين مصاريف الطبع والنشر والتوزيع. وهنا تجذر الإشارة إلى أن الدولة تقدم عبر وزارتها الوصية دعما لهذه المقاولات الصحفية وذلك بتقديم ملفاتها بعد إعلان مسبق تنشره اللجنة الثنائية للصحافة المكتوبة في موقع الوزارة الوصية، وهذا الدعم السنوي الذي تحظى به الصحف الورقية يعتمد حسب يونس الخراشي على معايير تلتزم بها الصحيفة كأداء مستحقات الضمان الاجتماعي للعاملين بها ورواتب شهرية لا تقل عن 6000 درهم للصحفيين(17). وبالتالي يمكننا القول إن هذا الدعم المشروط ما هو إلا نوع من تقييد مجموعة من صلاحيات وحريات النشر التي قد لا تتبدى لنا بشكل مباشر، لكنها حاضرة بقوة. وهذا الأمر يطال في الغالب الصحف الخارجة عن التصور العام للنشر لدى الدولة،أو الصحف التي تعتبر نفسها مستقلة،والتي تؤول في الغالب إلى الإغلاق لأنها لا تقدر على الاستمرار أمام الرهانات الإعلامية الكبرى والمتطلبات الإدارية والتقنية المكلفة، حيث إنه بصيغة أو بأخرى تجد نفسها تحت وطأة التعتيم التي تنتهج ضدها منتجة ضعفا بيِّنا على مستوى المبيعات، وهو ما يمكن اعتباره نوعا من الحصار المبهم على هذه الصحف التي تجد نفسها مرغمة على الانسحاب.
وعموما فسبب ظاهرة الإفلاس يتجلى في نظر الخراشي في غياب رؤية واضحة لدى مؤسسي الصحف الورقية لضمان استمراريتها(18)، حيث إنهم يقعون في الغالب أمام إغراء المساطر القانونية الميسِّرة للتأسيس كوجه من أوجه ديمقراطية "الفيترينا" دون التفكير المعقلن في أفق ما قد يترتب عن عدم القدرة على الاستمرار. والحالة هذه لن تزيدها إلا تأزما في ظل انتشار هذا الوباء الذي فرض انتهاج الحجر الصحي باعتباره وسيلة وقائية كلفت هذه المؤسسات الإعلامية وخاصة الصحف والمجلات الورقية إغلاق أبوابها والعودة نحو العالم الأزرقأو ما يمكن تسميته بـ" البيتْ الكبير"، لكن بمفاتيح قليلة، وهوما سيكلفها الكثير من الخسارات المادية بسبب توقف أنشطتها، وهذا الأمر سيرغمها بشكل فوري على الاستغناء عن العديد من أطرها الإدارية والتقنية والاكتفاء بمن سيسايرون عمليات النشر الإلكترونية. وهو ما سيطرح السؤال حول مصير المستخدمين الإداريين والتقنيين الذين طالهم التوقيف خلال فترة الحجر الصحي، إضافة إلى التخفيضات التي مست أجور الصحفيين والتي تراوحت مابين 20% و50%(19). إنها لحظة الصفر بالنسبة للصحافة والصحفيين، لحظة تخلف وراءها كمّا من الأسئلة المقلقة المرتبطة بمصير هؤلاء بعد انقضاء فترة الحجر الصحي، وما إن كانت نهاية هذا الحجر نهاية لأزمة الصحافة الورقية أم أنها ستؤشر على نهاية العديد من مقاولات النشر الصحفي لتكون بذلك أزمة النهاية. وهذا الأسئلة في الحقيقة تعتبر أسئلة المجهول التي تطغى على الأذهان في ظل الوضع الاقتصادي والاجتماعي المأزوم الذي أخذتنا إليه هذه الجائحة، والذي زاد من عدم وثوقنا بما سيأتي والكيفية والمخرجات التي ستدبر بها هذه الأزمة مستقبلا.
وختاما يمكن القول إن جائحة كورونا والحجر الصحي لم يؤثرا على دور الصحافة بقدر ما أثرا بشكل مباشر على إنتاج الصحف الورقية وتوزيعها كموت نتمنى له أن يكون مؤقتا ومرحليا، كما أنهما كانا سببا في إقفال العديد من المؤسسات المنتجة للصحف والمجلات الورقية، وهو ما خلف موجة جديدة من البطالة في صفوف الأطر الصحفية والتقنية والإدارية التي وجدت نفسها أما سؤال المصير وتحديات الممكن مستقبلا. وكل هذا سيشكل أزمة اقتصادية قادمة من بعيد في قطاع الصحافة الورقية المغربية.
الهوامش
1-أنتوني كيدنز بمساعدة كارين بيردسال، علم الاجتماع(مع مدخلات عربية)، ترجمة وتقديم فايز الصياغ، المنظمة العربية للترجمة، مؤسسة ترجمان، الطبعة الرابعة، ص: 502.
2-علي كنعاني، مفهوم الصحافة وانواعها، دار المعتز للنشر والتوزيع، الطبعة الأولى، السنة: 2013، ص: 6.
3-علي كنعاني، المرجع نفسه، ص:7.
4-أنتوني كيدنز، مرجع سابق، ص: 511.
5-المعز بن مسعود، الصحافة الورقية العربية: صراع البقاء ورهانات الرقمنة؟ دراسات إعلامية، مركز الجزيرة للدراسات، 2016، ص:5.
6-المعز بن مسعود، المرجع نفسه، ص: 6.
7-المعز بن مسعود، مرجع سابق، ص: 19.
8-جلال بوشعيب فرحي، الصحافة الأجنبية في المغرب الأقصى خلال أواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، 1912-1883م، المجلة الأردنية للتاريخ والآداب، المجلد رقم: 8، العدد: 2، 2014م، ص:92.
9-المعز بن مسعود، مرجع سابق، ص: 11.
10-المعز بن مسعود، مرجع سابق، ص: 11.
11-المعز بن مسعود، مرجع سابق، ص:11.
12- محمد الراجي، انخفاض مبيعات الصحف يؤشر على نهاية الصحافة الورقية بالمغرب، موقع هيسبريس، نشر بتارريخ22 ماي 2018 على الساعة الثانية عشر والأربعين دقيقة بعد منتصف الليل.
13-أنتوني كيدنز، مرجع سابق، ص: 502.
14-عادل نجدي، بالتزامن مع احتضارها البطيء، كورونا يوقف الصحف الورقية المغربية، العربي الجديد، بتاريخ 22 مارس 2020.
15-عبد الرحيم العطري، صفعة كورونا: من "المزيد" إلى الـ"عن بعد"، موقع TRT عربي، بتاريخ 17 أبريل 2020.
16- يونس الخراشي، الصحف الورقية في المغرب الاحتضار البطيء، مجلة الصحافة، معهد الجزيرة للإعلام، نشر بتاريخ: 29دجنبر 2019.
17-يونس الخراشي، المرجع نفسه.
18-يونس الخراشي، المرجع نفسه.
19- محمد أفزاز، مؤسسات أفلست وإيرادات توقفت بسبب كورونا. الجزيرة نت ترصد الأوضاع المالية للصحافة الورقية بالعالم العربي، نشر على موقع الجزيرة بتاريخ: 7/5/2020، زيارة بتاريخ: 14/05/2020.
1-https://www.aljazeera.net/news/ebusiness/2020/5/7/



#عبدالعالي_الوالي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الاجتماعي والضرائحي في القصيدة البدوية بمنطقة ميسور


المزيد.....




- السعودية تعلن ضبط أكثر من 25 شركة وهمية تسوق للحج التجاري با ...
- اسبانيا تعلن إرسال صواريخ باتريوت إلى كييف ومركبات مدرعة ودب ...
- السعودية.. إغلاق مطعم شهير في الرياض بعد تسمم 15 شخصا (فيديو ...
- حادث جديد يضرب طائرة من طراز -بوينغ- أثناء تحليقها في السماء ...
- كندا تخصص أكثر من مليوني دولار لصناعة المسيرات الأوكرانية
- مجلس جامعة كولومبيا الأمريكية يدعو للتحقيق مع الإدارة بعد اس ...
- عاجل | خليل الحية: تسلمنا في حركة حماس رد الاحتلال على موقف ...
- الحوثيون يعلنون استهداف سفينة نفط بريطانية وإسقاط مسيّرة أمي ...
- بعد الإعلان التركي عن تأجيلها.. البيت الأبيض يعلق على -زيارة ...
- ما الذي يحمله الوفد المصري إلى إسرائيل؟


المزيد.....

- جائحة الرأسمالية، فيروس كورونا والأزمة الاقتصادية / اريك توسان
- الرواسب الثقافية وأساليب التعامل مع المرض في صعيد مصر فيروس ... / الفنجري أحمد محمد محمد
- التعاون الدولي في زمن -كوفيد-19- / محمد أوبالاك


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - ملف: وباء - فيروس كورونا (كوفيد-19) الاسباب والنتائج، الأبعاد والتداعيات المجتمعية في كافة المجالات - عبدالعالي الوالي - التداعيات الاقتصادية والاجتماعية لجائحة كورونا على الصحافة الورقية في المغرب