أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - عامر موسى الشيخ - - نسّاي - يوسف المحسن تمحو ذاكرة النوع















المزيد.....

- نسّاي - يوسف المحسن تمحو ذاكرة النوع


عامر موسى الشيخ
شاعر وكاتب

(Amer Mousa Alsheik)


الحوار المتمدن-العدد: 6719 - 2020 / 10 / 30 - 16:36
المحور: قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
    


سأزعم أولا ، أنني حاولت التوغل في عوالم " النســّاي " ، ووصلت إلى أطراف الخيوط الرابطة لها ، لأن الداخل إليها محكوم عليه بأنه سينسى !! ويصاب بعطب الذاكرة ، ليبحث بعد ذلك عن اكسير لإعادتها ، من أجل رسم خريطة الخروج من هذه العوالم .
لعلّ هذا التوصيف هو الأقرب ، لوصف حالة قارئ رواية " النسّاي " لكاتبها يوسف المحسن ، والصادرة عن دار سطور ببغداد 2020 ، لماذا هذا التوصيف هو الأقرب ؟ لأن النساي ، كما تقول الرواية : مرض أصاب المدينة التي كانت قرية ، ومن ثم تعطلت الذاكرة لدى الأهالي فيها ، وتكفلّ هذا المرض بمحو الذاكرة تماما ، كل الذاكرة ، حتى الغني فيها لم يعد يتذكر بأنه هل كان غنيا أم لا وكذلك الفقير ، الذي نسي إحساس الجوع ، أمام نسيان حالة الاشباع المتخم لدى الغني !! مرض ، ألغى خبراتِ الحياة السابقة ، و هذا الإلغاء ؛ يدعو لِابتكار حياة جديدة في هذا العالم الجديد المفترض داخل العمل ، الأمر الذي جعل العمل غير طيّع ، ويحمل مصادفات غير متوقعة ، لأن المحو ، سيجعل الانسان يتصرف ويفعل وفقا لمعطيات هذا العالم غير المعهودة .. وهذا الامر ما يستعدي القول : بأن الرواية تحمل دعوة مُضمرة لِنسف تاريخنا المملوء بالدمِ و القتل و الانقلابات و..... كُل المآسي التي جرت على الإنسان.
ببساطة أقول هذه ثيمة مهمة من ثيمات هذا العمل ، والذي يضم في تفصيلاته العديد من المضمرات الفرعية التي تحاول خلق عالم مواز، غير معهود بالمرّة ، استطاع القيام بعملية محو الذاكرة عبر مرض جديد على الانسانية ، غير مألوف ، وغير موجود في قواميس العلوم الطبية .
تتمتع الرواية بميزات عديدة ، ليس اولها البناء الدرامي المقلوب ، أو الاطار العام أو شكل الرواية النهائي ، وليس آخرها التقسيم إلى فصول مرقمه تبدأ بالرقم النهائي و تنتهي بالرقم الاول (تبدأ بالرقم ١٠٠ و تنتهي بالرقم ١) اي إنها بدأت من نهايتها !!
ومن ثم فإن الرواية كتبت بتقنيةٍ الفصول المختزلة ، إذ حاولت إختصار الفصول إلى صفحتين أو صفحتين و نصف ، و هذه تقنية كتابيّة إعتمدها الكاتب ستُتيح للمُتلقي سهولة تناول العمل ، والاستمرار معهُ لأنه لم يستغرق كتابة الفصل الواحد ، بصفحات طويلة حتى لا يتحقق الملل ، لتأتي النُتَف المُتناثرة في حصيلتها النهائية لتحقق معنى تارة يستقل بمفرده داخل حدود الفصل ، وتارة أخرى يواصل الأحدث المتتابعة والمتداخلة بخيط خفي ، وهذا ما يتيح القول : بأن الرواية حققت شيء من أهدافها ، ومنها بأن لا فرق بين البداية والنهاية ، فهما واحد ، لأن هذا حدث بسبب محو الذاكرة !!
تحاول رواية " النـسّاي " التوغل كثيرا في المهمل و الهامشي وغير المرئي و المخبأ في تفاصيل الحياة ، لتُشيد من هذه الهوامش متونا ، وتجعل منها ركائز شاخصة في عالم الرواية ، بلغة عالية تقترب من الشعرية ، عبر صياغة استعارات وتشبيهات وكنايات تحقق المفارقة المعنوية واللغوية دخل حدود السطر الواحد ، والنسق ، والفصل ، والعمل كله !!.
فنجد هنالك احتفاءً كبيرا باللغة عبر التقرب إلى قضايا الطبيعة والبيئة التي تشكل الحياة المجاورة لحياة الانسان ، لتفترض عالمها الخاص السابح في كون مفترض ، وجعلت منهُ موازياً للكون المعيش ، والذي نعيشهُ نحنُ في الحياةِ الطبيعة .. فثمة حيوانات، ومناخات، وأمكنه.... وأمكنة هامشية ، و أشياء لا تُرى في الحياةِ الطبيعة ، إنتقلت من العالم الموضوعي الحقيقي و تسللت إلى عالم الرواية على هيأة غير معهودة وغير معروفة في الحياة ، لاسيما في مشهدها الأول :
" بعد ليلة على دفنها غادرت ذلك القبر بقبته الزجاجية ، كانوا قد دمسوها به وأغلقوا عليها وسط بكاء وعويل ، كان لحدا ضيقا وموحشا أضج روحها بأصوات مجللة لا وجهة لها ، بحثت عن سدادتي الأذن الكبيرتين بين مقتنياتها التي تركت في القبر ذي القبة الزجاجية ، ابتعدت بخطوات حذرة ، دن الالتفات إلى الوراء ، وقد عقدت العزم على الإنسلال بعيدا والخروج من المقبرة " الرواية ص (9) .
في هذا المقطع تبدأ الرواية هنا من حيث نهايتها ، خروج البطلة " جنة " من القبر بعد ليلة دفنها ، لتبدأ الحكاية بسرد كل ما حصل بعد الموت وقبله في المدينة ، وتعود إلى لحظة موتها ، لكن الموت هنا قام بفعل المحو ، محو الذاكرة ، لتأتي ملامح الحياة وعناصرها مغايرة تماما عما هو معهود مسبقا .
كل هذه المتناقضات والمتغييرات ، التي صنعها عالم الرواية تسير بالتوازي مع ثُريا كُبرى ، توازي المرض الذي أصاب المدينة ، وهي ثُريا قصه الحُب الموجودة بين "البطل النباتي حاء نون و الطبيبه البيطرية جنة " وهذا ما ولد توافقا بين الشخصيتين ، بين النباتي الذي يرفض أكل الحيوانات و البطلة الحبيبة التي تُسهم في معالجة الحيوانات. و هذا الخيط الرابط بين الشخصيتين خلقَ مَناخاً اخرا لها.
إضافة إلى ذلك إن العمل يحتفي بالطبيعة و يدعو إلى محبتها من خلال الانتباه إلى هذه التفاصيل المضمرة .
هذه الرواية تضمر أيضا دعوةً تربوية لِإلغاء تاريخ الحروب و كتابة تاريخ الإنسان المندمج مع الطبيعة.
قد يجد المتلقي غير المُحترف صعوبةً في التناول لكنها بالتراكم ، بالاستمرارية ، بالصبر عليها سيجد المتلقي لذةً معينةً مع عوالم هذا النص .
من وجهه نظري – القاصرة - استطاع " يوسف المحسن " في كتابهِ هذا أن يخرج عن الكلاسيكيات القديمة للروايات ، التي تتسم بوصف الأمكنة والشخوص ورسم الصراعات التي تستمر مُتنامية إلى آخر الأعمال ، إلا أن "يوسف" هنا جعل الأمر مختلفا تماما ، إذ جعل هذه العناصر تسير خفيةً داخل العمل ، و ليبتكر عالماً خاصاً ، يحملُ دعوةً للتصالحِ مع الطبيعة مع الكون عِبر كون و عالم "النساي ".
نستطيع القول أن هذه رواية " النساي" خلقت عالمها الخاص ، وحفرت حقلها خارج حدود النوع الأدبي الروائي ، ومحت إلى حدّ ما بعضا من الذاكرة المعهودة في الأدب الروائي ، وزحزحت الاستقرار الذي عهدناه في هذه الكتابات ، لتأتي باحثة عن قارئِ خاص بها ، وهو الذي بدوره سيشكل معناه الشخصي ، وقد تنجح عند متلقٍ ، و تفشل عند متلقٍ آخر!! ، لكنّها في نهايةِ الامر نص سيصمُد و يسير إلى الأمام ، و سيجد قُرّاءهُ الخاصين به عبر الزمن.



#عامر_موسى_الشيخ (هاشتاغ)       Amer_Mousa_Alsheik#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- السؤال عن الشعر في مدونة الشاعر قاسم والي ... قراءة انطباعية
- رسائل حكايات - الدرهم الأخير - للؤي عمران.
- الثنائيات الضدية في ألف صباح وصباح لحامد فاضل
- تخطيطات عراقية
- رُقمٌ مقدسةٌ على جدار العشق بين انكيدو وعشتار
- اختلاف وزوال
- كتْ ونْ...! ، حكاية من السماوة
- حصوات بنات قيس
- صبرية القاضي
- بولص خمو ،، طبيب السماوة
- أقزام نت
- إحتجاج كاظم الحجاج
- لقطة عراقية ... الجدار الحر
- -نص دينار-
- عيناك ... يا واو .. لام ...
- لقطة عراقية / الثورة الكترونيا
- الحكومات تريد إخراج الشعوب
- لقطة عراقية فراغ
- باقة من أوراق حزن
- لقطة عراقية وائدو البنات


المزيد.....




- أثار مخاوف من استخدامه -سلاح حرب-.. كلب آلي ينفث اللهب حوالي ...
- كاميرا CNN داخل قاعات مخبّأة منذ فترة طويلة في -القصر الكبير ...
- جهاز التلقين وما قرأه بايدن خلال خطاب يثير تفاعلا
- الأثر الليبي في نشيد مشاة البحرية الأمريكية!
- الفاشر، مدينة محاصرة وتحذيرات من كارثة وشيكة
- احتجاجات حرب غزة: ماذا تعني الانتفاضة؟
- شاهد: دمار في إحدى محطات الطاقة الأوكرانية بسبب القصف الروسي ...
- نفوق 26 حوتا على الساحل الغربي لأستراليا
- تركيا .. ثاني أكبر جيش في الناتو ولا يمكن التنبؤ بها
- الجيش الأمريكي يختبر مسيّرة على هيئة طائرة تزود برشاشات سريع ...


المزيد.....

- الكونية والعدالة وسياسة الهوية / زهير الخويلدي
- فصل من كتاب حرية التعبير... / عبدالرزاق دحنون
- الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية ... / محمود الصباغ
- تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد / غازي الصوراني
- قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل / كاظم حبيب
- قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن / محمد الأزرقي
- آليات توجيه الرأي العام / زهير الخويلدي
- قراءة في كتاب إعادة التكوين لجورج چرچ بالإشتراك مع إدوار ريج ... / محمد الأزرقي
- فريديريك لوردون مع ثوماس بيكيتي وكتابه -رأس المال والآيديولو ... / طلال الربيعي
- دستور العراق / محمد سلمان حسن


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - عامر موسى الشيخ - - نسّاي - يوسف المحسن تمحو ذاكرة النوع