أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فارس شمخي جابر السيف - سيارة مفخخة














المزيد.....

سيارة مفخخة


فارس شمخي جابر السيف

الحوار المتمدن-العدد: 6704 - 2020 / 10 / 15 - 15:16
المحور: الادب والفن
    


سيارة مفخخة تحاول الدخول لقاطع مسؤوليتنا في شارع عشرين في الرمادي،
ينجح سائقها في الدخول، رغم محاولتنا بالتصدي لها
لم ننجح في الأمر.
لا يمكننا الهرب؛ خلفنا شارع خاشع الذي لابد أن نعبره كي نصل إلى زملائنا في المنطقة الآمنة،
يسيطر قناص العدو على هذا الشارع، مما جعل العبور مستحيلًا!
حاول بعض زملائي العبور، في منتصف الشارع سقطوا شهداء، سقطوا في المياه الراكدة!
الشارع تحول إلى بركة مياه ضحلة.

انفجرت السيارة، وأعقبها انتحاري دخل علينا إلى المنزل!
فما إن رأنا حتى كبر و فجر نفسه!
أصبت بشظية بعنقي وتمزق بطني!
مما أدى إلى أستشهادي وزملائي،
زملائي لا ملامح لهم باقية تدل عليهم، الوحيد أنا ملامح وجهي باقية.
بقينا لعدة ساعات طويلة نحوم حول جثثنا!
حتى تقدم فوجنا بإسناد جوي،
جاءوا بعض الزملاء، دخلوا المنزل،
حين رأوا جثثنا ممزقة، بكوا كثيرًا،
آه، هذا عباس يبكي،
أتحدث معه أصرخ لا تبكي أنا هنا،
لا يسمعني، أود أن أعتذر منه؛ قبل أيام شتمته وكدت أن أضربه، عباس سامحني، لا يجيب، فقط يبكي!
جلبوا من أحد المنازل عدة بطاطين،
وضعوا جثثنا فيها حملوها
وضعت في صندوق الهمر،
ومن ثم إلى قيادة عمليات الأنبار،
هناك وضعنا في أكياس خاصة بالشهداء،
أنا الوحيد كتب اسمي عليه..
وضعت جثثنا في طائرة هليكوبتر،
حلقت في سماء الرمادي،
وأرواحنا أيضًا،
نودع هذه المدينة التي مزقت أجسادنا لأجلها.

آه، بغداد، روحي فداك، ها قد وصلنا العاصمة،

هبطت الهليكوبتر في مطار المثنى،
قاموا بإنزال الأكياس من الطائرة،
وضعت في صندوق بارد، إنه ثلاجة الموتى!

آه، كم هي الجثث هنا، والأرواح الكثيرة تحوم حزينة؛ حزينة لم يتعرف ذويهم على الجثث!

شعرت بالأطمئنان؛ سيتعرفون عليّ بسهولة، ملامح وجهي تخبرهم من أنا!

دخل مجموعة من الشباب يحملون نعشًا فارغًا ومعهم بعض كبار السن وإمرأة تتعثر في سيرها،
تصرخ وتسقط!
إنهم أهلي، وهذه والدتي، والدتي المسكينة،
تبكي وأنا أبكي أيضًا، أكلمها، لا تسمعني، تصرخ بأعلى صوتها:
(يمه، أوحيد و أعز عندي من العذيبي، ييمه ردتك ذخر ليام شيبي)
الدماء تخر من خدودها!
بعد إكمال الإجراءات، وضعوا الكيس في النعش، حملوه إلى أعلى السيارة (الجمسي) بعد أن وضعوا العلم العراقي فوقه،
خرجت السيارة من المطار، دخلت لشوارع بغداد وروحي معهم، تألمت كثيرًا لأمي ولبغداد حين خرجنا منها!
مضت ثلاث ساعات، حتى وصلنا حدود محافظة ذي قار،
مررنا بسيطرة الفجر،
الشرطة هناك و قفوا بالإستعداد و أخذوا التحية لنعشي.

أرى بيارغ القبيلة، أسمع إطلاق الرصاص
كأنني عدت إلى المعركة، ما أحوجنا في المعركة لهذا العتاد!

تستقبلني القبيلة بالأهازيج والحزن، الكل حزين،
يرددون أهزوجه: (أبن العم بي نتشيم؛ طايح لجل الدين)

كيف يقنعون والدتي بهذا الأمر؟!

دقائق دخل جثماني لمدينتي، مدينة قلعة سكر،
تلك المدينة التي أحبها، تمر السيارة وسط المدينة، تمر من المقهى الذي كثيرًا ما أرتاده في إجازتي (المقهى الرياضي)

آه، أرى أصدقائي، أبناء عمومتي، يلطمون على صدورهم،
شقيقتي أغمي عليها حين وصلت السيارة لشارعنا،
نساء الجيران تصرخ،
قريباتي يلطمن ممزقات خدودهن،
آه، تلك زوجتي تعيسة الحظ تبكي،
تبكي بصمت غير مصدقة للأمر!
يبكي ولدي بحضنها دون أن يعرف ما الأمر!
يا للمسكين، سيتعب مثلي في حياته..

لم يطل الأمر كثيرًا،
أخرجوا النعش من المنزل بعد أن أدخلوه لعدة دقائق!

إنه الوداع الأخير!

حملوا النعش حتى الشارع السريع، و ضعوه فوق السيارة، تحركت بإتجاه النجف الأشرف،
أمي داخل السيارة مغمى عليها!
أهازيج وإطلاق نار، وصلنا إلى ساحة توديع الجنائز، سلم الناس على أفراد عائلتي،
قرأ الجميع سورة الفاتحة، وأبروني الذمة.

صرخ أحدهم: الرجاء عدم الذهاب مع الجنازة للنجف،
لم ينفع الأمر،
أرى خلف جنازتي الكثير من السيارات،
ساعتان ونصف وصلنا مقبرة وادي السلام، مقبرة أسلافي، الليلة أحل عليهم ضيفًا..

الأمر الذي أحزنني كثيرًا: أنا أستشهدت من أجل الوطن،
لماذا قبري يباع عليّ؟! أهذا جزاء الشهيد؟!

بعد أن وضعوني في القبر،
أهالوا عليّ التراب، سقطت أمي داخل القبر!
أخرجوها بصعوبة..
أكمل الدفان عمله، قرأ الآيات القرآنية،
قرأ الجميع سورة الفاتحة،
حملوا أمي إلى السيارة، و ذهبوا!

صرخت: أمي، لا تتركيني!
أصدقائي، أين أنتم ذاهبون؟!
أهلي، لم يجب أحدهم!

لازالت روحي تتبعهم، بجانب أرقى المطاعم ركنوا سياراتهم، أكلوا على حساب أهلي!
أهلي الذين لم يتذوقوا الطعام.

وصلوا ليلًا إلى مدينتي،
تحوم روحي حول منزلي،
أرى أمي ما تزال مغمى عليها.

في الصباح، خرج الرجال من المنزل، تبعتهم،
قطعة سوداء فيها نعي أستشهادي، ومكان مجلس الفاتحة،
أرى جموع كثيرة تتوافد على مكان العزاء،
أهازيج و بيارغ،
خراف تذبح!
لثلاثة أيام.

بعدها ذهب الجميع، بقي أهلي حائرين بتسديد هذا المبلغ، صرفوا مبلغًا كبيرًا جدًا من أجل العزاء، هذه هي القوانين العشائرية المتعارف عليها لابد من ذلك!
لكن لا أحد يقدم المساعدة لا أحد يتسائل كيف لأهل الميت من تستديد هذا المبلغ؟!

صحوت من نومي مرعوبًا،
وجدت نفسي في غرفتي بجانبي ولدي نائم!



#فارس_شمخي_جابر_السيف (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- دستور السماء ودستور الأرض


المزيد.....




- “عيد الرّعاة” بجبل سمامة: الثقافة آليّة فعّالة في مواجهة الإ ...
- مراكش.. المدينة الحمراء تجمع شعراء العالم وتعبر بهم إلى عالم ...
- حرمان مغني الراب الإيراني المحكوم عليه بالإعدام من الهاتف
- فيلم -العار- يفوز بالجائزة الكبرى في مهرجان موسكو السينمائي ...
- محكمة استئناف تؤيد أمرا للكشف عن نفقات مشاهدة الأفلام وتناول ...
- مصر.. الفنانة دينا الشربيني تحسم الجدل حول ارتباطها بالإعلام ...
- -مرّوكِية حارة-لهشام العسري في القاعات السينمائية المغربية ب ...
- أحزان أكبر مدينة عربية.. سردية تحولات -القاهرة المتنازع عليه ...
- سلطنة عمان تستضيف الدورة الـ15 لمهرجان المسرح العربي
- “لولو بتعيط الحرامي سرقها” .. تردد قناة وناسة الجديد لمشاهدة ...


المزيد.....

- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فارس شمخي جابر السيف - سيارة مفخخة