أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عبدالجبار الرفاعي - تشكّلَ مفهوم #الفرد يجهضُه #الاستبدادُ














المزيد.....

تشكّلَ مفهوم #الفرد يجهضُه #الاستبدادُ


عبدالجبار الرفاعي

الحوار المتمدن-العدد: 6686 - 2020 / 9 / 24 - 01:22
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


الاستبدادُ بنيةٌ نفسيةٌ واجتماعيةٌ وثقافيةٌ ودينيةٌ واقتصاديةٌ وسياسيةٌ عميقةٌ، تظهر آثارُها النفسية والسلوكية على كلِّ إنسانٍ في المجتمع. الاستبدادُ كالسرطان الذي يتفشى في الجسم البشري، فلو انتشرت خليةٌ منه تفتك بكلِّ ما تصل إليه. سلطةُ الاستبدادِ نسيجٌ اجتماعي معقدٌ، تعملُ كلُّ مؤسساتِ الدولة على توليدها، ويوظِّف المستبدُّ بخبث أفرادَ المجتمع لحياكة سلطته، كلٌّ حسب مهنته ومهارته وطاقته.
المجتمعُ في الاستبدادِ استبداديٌ، الثقافةُ في الاستبدادِ استبداديةٌ، الاقتصادُ في الاستبدادِ استبداديٌ، الأخلاقُ في الاستبدادِ استبداديةٌ، السياسةُ في الاستبدادِ استبداديةٌ، الحزبُ في الاستبدادِ استبداديٌ، الجماعةُ في الاستبدادِ استبداديةٌ، العائلةُ في الاستبدادِ استبداديةٌ. التديّنُ في الاستبدادِ استبداديٌ، إذ ترتسم صورةُ الله لدى الناسِ بصورةٍ تشتقّها المخيلةُ من صورةِ المستبدّ، فترسمها بألوانٍ مخيفة تثير الاكتئابَ وتهدّد بالأهوال، تحاكي تجّبرَّ المستبدّ وطغيانَه في الأرض.
تشيعُ في فضاءِ الاستبدادِ حياةٌ دينيةٌ مسجونةٌ بمعتقداتٍ ومفاهيمَ مغلقة، تتغلغل في الوعي واللاوعي الفردي والجمعي، وثقافةٌ دينيةٌ لا تعرف معانيَ الحرياتِ والحقوق. الإنسانُ الذي يعيش في نظامٍ مستبدّ يعيش قلِقًا خائفًا مذعورًا، وبدلًا من أن يكونَ الدينُ في حياته مُلهِمًا لطمأنينة القلب وسكينة الروح، ومصدرًا لإيقاظِ الضميِر الأخلاقي، يتحول الدينُ إلى مصدرٍ للتخويف والقهر والإذعان والتركيع.
الأخلاقُ في الاستبدادِ استبداديةٌ، إنها أخلاقٌ يتوارى فيها الضميرُ الأخلاقي، بعد أن يخضعَ سلوكُ الإنسان لإكراهٍ يفرض عليه مواقفَ وسلوكًا مضادّا يحجب ما يخفيه من قناعات. يشيع في الاستبدادِ النفاقُ السلوكي، الظاهرُ في شخصية الإنسان يُكذِّب الباطن، والباطنُ في الشخصية يُكذِّب الظاهر. الاستبدادُ من أخبث خطايا السلطة، لأنه يفسد كلَّ شيء يستحوذ عليه، وهو بطبيعته لا يبقي شيئًا في حياة الفرد والمجتمع من دون أن يستحوذَ عليه.
السياسةُ في الاستبدادِ إلغاءٌ للسياسة. السياسةُ فعلٌ مجتمعي، والاستبدادُ يختزل المجتمعَ كلَّه بفردٍ واحد، يحتكرُ كلَّ شئ بيده. يحوكُ المستبدُّ نسيجًا متشابكًا متشعّبًا وعرًا مركبًا معقدًا للسلطة، يبدأ فيها كلُّ شئ منه وينتهي كلُّ شئ فيه، بل يختزل المستبدُّ المجتمعَ كلَّه بشخصه، بنحوٍ يفضي فيه نحرُ المستبدُّ إلى نحرِ المجتمع.
يتحول الماضي في الاستبداد إلى ماضي المستبدّ، الحاضرُ حاضرُ المستبدّ، المستقبُل مستقبلُ المستبدّ، الأيامُ أيامُ المستبدّ، الفرحُ فرحُ المستبدّ، الحزنُ حزنُ المستبدّ، الثقافةُ ثقافةُ المستبدّ، الآدابُ آدابُ المستبدّ، الفنونُ فنونُ المستبدّ. في الاستبداد يغدو الزمنُ تكراريًا، الحاضرُ فيه يستأنفُ أسوأَ ما في الماضي، المستقبلُ فيه يستأنفُ أسوأَ ما في الحاضر. يبدأ كلُّ شئ من حيث انتهى، ينتهي كلُّ شئ من حيث بدأ، البداياتُ تكرّر النهاياتِ، النهاياتُ تكرّر البداياتِ. كلُّ شيء يتكرّر فتتوقف حركةُ التطور، لأن قوانينَ التطور ينفيها الزمانُ التكراري. التكرارُ يبدّد الشغفَ في الحياة، وتندثر معه قدرةُ الكائن البشري على الخلق والإبداع. في الاستبدادِ يكون كلُّ شئ كفيلم يكرّر نفسَه آلافَ المرات، يتعطّل الزمانُ الشخصي، ويمسي الإنسانُ كائنًا محنطًا.
يتكلم المستبدُّ كثيرًا بالسياسة والدولة والقانون والوطنية، ويشغل الناسَ بالشعارات الثورية، لكنه عمليًا يعبثُ بالحياة السياسية فيهشّمها، ويبدّد مورادَ الوطن بحروبٍ عبثية، ويفكّك الأسسَ المركزية للدولة.
السياسيةُ في الاستبداد مهنةُ من لا مهنةَ له. أما العلماءُ والخبراءُ المختصون في الدولةِ، والنظم السياسية، والإدارة، والاقتصاد، والنظام المالي، ومختلفِ العلوم والمعارف الحديثة، فلا حضورَ لهم في بناءِ الدولة وإدارتها، وإن حضروا لا يمتلكون سلطةَ اتخاذِ قرار، ويظلّ دورُهم هامشيًا، يستخدمهم المستبدُّ ديكورًا لسلطته حيثما يشاء.
المستبدُّ يستثمرُ التراثَ والهوياتِ العرقية والمعتقداتِ الدينية وكلَّ ما يرسّخ تسلَّطه بدهاء، فيثير فزعَ الطوائف ويستعدي بعضَها ضدَّ البعض في الوطن الواحد، بإذكاءِ الضغائن والأحقادِ الراقدةِ في الذاكرة العتيقة، وتفجيرِها بصخبٍ دعائي يثير غرائزَ الثأر والانتقام، ويزجّ الطوائفَ والإثنياتِ في نزاعاتٍ لا تنتهي، يجيّش فيها الكلَّ في مواجهة الكلِّ.
قوةُ الدولة في عالَم اليوم تعكسها قدرتُها على: استيعابِ المتخصصين في مختلف العلوم والمعارف الحديثة واستثمارِ خبراتهم في التنمية الشاملة. كما تعكسها قدرتُها على: تدبيرِ الاختلاف، وإدارةِ التعدّد، وحمايةِ التنوع، وحسمِ النزاعات بشكلٍ سلمي.
الاستبدادُ بنيةٌ تحتيةٌ صلبةٌ متكلّسة، نراها ماثلةً في العائلة، والمدرسة، والمجتمع، والدين، والثقافة، والاقتصاد، والإدارة، ومختلف مؤسسات الدولة. الاستبدادُ عدوُّ الفردية، لا يعرفُ الاستبدادُ معنىً للحقِّ في الاختلاف، ولا يعرفُ معنىً للحقِّ في الخطأ، ولا يعرفُ معنىً للحقِّ في الاعتراف بالخطأ، ولا يعرفُ معنىً للاعتذار عن الخطأ، ولا يعرفُ معنىً للغفران.
لا تنشدُ التربيةُ والتعليمُ في الاستبدادِ تعليمَ التفكير، والحقَّ في الاختلاف، والحقَّ في الخطأ، والحقَّ في الاعتذار عن الخطأ، بل تنشدُ تكريسَ الطاعةِ والإذعانِ والرضوخِ والعبوديةِ الطوعية، عبر تنميطِ الشخصية، وإنتاجِ نسخ بشرية متماثلة، تفتقد ملامحَها الخاصة، فيتوالد الاستبدادُ بوصفه نتيجةً طبيعيةً لكلِّ ذلك.



#عبدالجبار_الرفاعي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تشكّلُ مفهوم الفرد وحقُّ الاعترافِ بالخطأ
- تشكّلُ مفهوم الفرد والحقُّ في الخطأ
- تشكّلُ مفهوم الفرد والحقُ في الاختلاف
- الاستملاك الرمزي للهلال
- الثناءُ على الجيلِ الجديدِ
- جودت القزويني الحلقةُ الخاتمة في فنٍّ يوشك على الغروب
- الكتابة فن الحذف والاختزال
- #محمد_عمارة في محطاته الاعتقادية
- محمد إقبال والمفارقات في فكره بوصفها مثالًا للمفارقات في الف ...
- مدرستا الإسلام الهندي: إسلام تعدّدي وإسلام أُحادي
- الأشاعرة الجدد و#علم_الكلام_الجديد
- #الأميّة_الأكاديمية_والثقافية: أسباب ونتائج
- #وليُّ_الله_الدهلوي والإسلام التعددي الهندي
- هل أسس شبلي النعماني علم الكلام الجديد؟
- السؤالُ الميتافيزيقيُّ الجديد يفرضُ علينا بناءَ علمِ كلامٍ ج ...
- التديّنُ الشكلي
- التديّن الشعبي والتديّن الشعبوي
- التديّنُ الرحمانيّ
- التديّن الأخلاقي
- الفنُ القصصيّ في القرآن الكريم ثالث عناوين الضجة في النصف ال ...


المزيد.....




- العجل الذهبي و-سفر الخروج- من الصهيونية.. هل تكتب نعومي كلاي ...
- مجلس الأوقاف بالقدس يحذر من تعاظم المخاوف تجاه المسجد الأقصى ...
- مصلون يهود عند حائط البراق في ثالث أيام عيد الفصح
- الإحتلال يغلق الحرم الابراهيمي بوجه الفلسطينيين بمناسبة عيد ...
- لبنان: المقاومة الإسلامية تستهدف ثكنة ‏زبدين في مزارع شبعا ...
- تزامنًا مع اقتحامات باحات المسجد الأقصى.. آلاف اليهود يؤدون ...
- “عيد مجيد سعيد” .. موعد عيد القيامة 2024 ومظاهر احتفال المسي ...
- شاهد..المستوطنين يقتحمون الأقصى في ثالث أيام عيد -الفصح اليه ...
- الأردن يدين سماح شرطة الاحتلال الإسرائيلي للمستوطنين باقتحام ...
- طلاب يهود بجامعة كولومبيا: مظاهرات دعم فلسطين ليست معادية لل ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عبدالجبار الرفاعي - تشكّلَ مفهوم #الفرد يجهضُه #الاستبدادُ