أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عبدالجبار الرفاعي - تشكّلُ مفهوم الفرد والحقُ في الاختلاف














المزيد.....

تشكّلُ مفهوم الفرد والحقُ في الاختلاف


عبدالجبار الرفاعي

الحوار المتمدن-العدد: 6667 - 2020 / 9 / 4 - 00:03
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


تشكّلُ مفهوم الفرد والحقُ في الاختلافِ
سألني أحدُ تلامذتي النابهين، ممن يريدون إحياءَ حزبٍ شرقي استنزفَ أكثرُ قادته في السلطة ما كان يمتلكه لحظةَ تأسيسه من روحٍ وأخلاقٍ وضميرٍ وطني، ممن يجهلون وفريقُهم المساعد أسسَ بناء الدولة الحديثة، ولا يعرف لهم المواطنُ إلا الحكمَ بمنطق القبيلة، والاستحواذَ على ثروات الوطن بوصفها غنيمة.
هذا الحزبُ يوشكُ على الموت، بعد أن تعذّر عليه مراجعةُ أدبياته ونقدُها، والتحولُ إلى رؤية بديلة للدولة، تخلصُه من المفاهيم المبسطة المحنطة في كتاباته التقليدية، والإصغاءُ لما يفرضه عليه الواقعُ بكلّ ما فيه من وقائع جديدة، وحتى مباغتاتٍ، وبناءُ مفاهيم تتناغم والإيقاع السريع المتغير للواقع. إكرامًا لتاريخه ورحمةً بتضحيات صادقة لرجاله الأوائل، أقترحُ اراحتَه بتهيئة الظروف المناسبة للإعلانِ عن وفاته قبلَ فوات الأوان. لفرط حرصِ تلميذي يريد إنقاذَ المحتضر الذي صار فريسةً، ويريد إعادتَه للحياة بكلّ وسيلة ممكنة، أظن أنه لم تعد هناك وسيلةٌ مجدية لإنقاذِ مصاب بأمراض مميتة وبعثِ الحياة فيه.
سأل تلميذي: لماذا تتشظى أحزابُنا وتتفكّك بالانشقاقات المتواصلة، وأحيانًا تسقط في سجن العائلة،كأنها منذ تأسيسها منقسمةٌ على ذاتها، سواء أكانت دينيةً، أو غير دينية كالأحزاب القومية واليسارية، وقلما نرى ظاهرةَ الانشقاقات المتواصلة في الأحزاب الديمقراطية الغربية، سواء أكانت دينيةً أو غيرَ دينية، على الرغم من أن بعضَها مضى على تأسيسه أكثرُ من قرن، ومع ذلك لم تسقط في إغواء السلطة ومغانمها، ولم تتآكل بالانقسامات المتوالية؟!
كان جوابي: كلُّ حزب مرآةٌ لمجتمعه، أحزابُنا مرآةٌ لمجتمعنا، ترتسم فيها كلُّ خصائص المجتمع ومعتقداته وقيمه وأعرافه وتقاليده وثقافته ومشكلاته وأمراضه المزمنة. الحزب الشيوعي السوري افترسته عائلةُ خالد بكداش، الذي لبث بمنصب الأمين العام للحزب حتى وفاته سنة 1995، ثم خلفته زوجتُه وصال فرحة بكداش بهذا المنصب.
أعمق عوامل هذه الانقسامات المزمنة لأحزابنا تنشأ من أن مجتمعاتِنا فقيرةٌ بمنابع تغذية روافد التعدّد والتنوع والتفكير الحرّ وترسيخها، والمتمثلة في:
1. التربية على الحقِ في الاختلافِ.
2. التربية على الحقِ في الخطأ.
3. التربية على الحقِ في الاعترافِ والاعتذار.
4. تحرير الفرد من الإذعان والخضوع والعبودية الطوعية.
هذه أسسٌ يبتني عليها كلُّ قول بالتنوع والتعدّد والتفكير الحرّ.كلُّ مجتمع لا يعرف معنىً للاختلاف لا يطيق التنوّعَ والتعدّدَ بكلّ أشكاله، لأن أيَّ تفكير أو رأي أو موقف لا يكرّر ما هو معروف ومفروض سلفًا لا يكتسب أيةَ مشروعية في مثل هذا المجتمع، بل غالبًا ما يعد مارقًا.
كلُّ تفكير ورأي وموقف خارج ما تقوله الشعاراتُ المتصلبة والأدبياتُ المغلقة للجماعات السياسية يعد خروجًا عليها وخروجًا منها. الجماعاتُ السياسية في مجتمعنا تتحدث كثيرًا عن الاختلاف والتنوّع والتعدّد، لكن لا أحد منها يطيق الإصغاءَ إلا لمن يستمع لصدى شعاراته في صوته، وينزعج وينفر عندما لا يرى صورتَه ماثلةً بكلِّ ملامحها في آراء ومواقف وسلوك المختلِف في المعتقد أو الثقافة أو الانتماء الأيديولوجي والسياسي.
لا معنى لمجتمع تعدّدي من دون بناءٍ لمعنى الفرد، الحقُّ في الاختلاف هو الفضاءُ الطبيعي لتشكّل وتطور مفهوم الفرد،كلُّ مجتمعٍ يتأسّس على معتقدات وثقافة وتقاليد تتنكر للاختلافات الطبيعية بين البشر، يُجهَض فيه أيُّ مسعى لبناء مفهوم الفرد قبل أن يولد. البشر مختلفون في كثيرٍ من تكوينهم النفسي والتربوي والثقافي والاعتقادي والجسدي، إلى الحدّ الذي نرى فيه كلَّ إنسان نسخةً فريدة ذاتَ بصمة خاصة لن تتكرّر أبدًا في العالَم، منذ أول إنسان إلى اليوم، وإذا لبث الناسُ على تكوينهم الوراثي المعروف، ولم تتلاعب في هذا التكوين هندسةُ الجينات، يظل كلُّ إنسان غيرَ قابل للتطابق مع غيره مهما كانت قرابةُ الدم بينهما، حتى آخر فرد في هذا العالَم.
كلُّ حزب سياسي يتأسّس على تقاليد تغيب فيها المراجعاتُ النقدية، تترسخ تقاليدُ استبدادٍ في بنيته اللاواعية، لذلك يظلّ عرضةً لانقسامات لا متناهية، ريثما يتفكّك ويتلاشى، إلا إن كان ذلك الحزبُ يقع تحت وصاية مستبدّ عنيف، كما في الاتحاد السوفيتي سابقًا، والصين وكوريا الشمالية اليوم، وإن كان سرعان ما يتقوّض كلُّ شيء لحظةَ هلاك المستبدّ. لم يتفكّك أيُّ حزب يقع كلُّ شيء فيه تحت سقف النقد، ويواصل تحديثَ خطابه ومفاهيمه وأساليب عمله في ضوء الواقع.
كلُّ تعدّديةٍ دينية وثقافية وسياسية لابدّ أن تبدأ بتشكيل مفهوم الفرد، وتعمل على تجذيره تربويًا ونفسيًا وثقافيًا. بناءُ ثقافةٍ تقوم على الحقّ في الاختلاف هي الأساسُ الذي يولد في فضائه ويتشكّل مفهومُ الفرد.
لا معنى لمجتمع تعدّدي متنوع من دون بناء مفهوم راسخ للفرد، ولا معنى لمفهوم الفرد من دون تبجيل الكرامة الإنسانية وتكريسها بوصفها قيمةً مرجعيةً عليا تعلو على كلّ قيمة.



#عبدالجبار_الرفاعي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الاستملاك الرمزي للهلال
- الثناءُ على الجيلِ الجديدِ
- جودت القزويني الحلقةُ الخاتمة في فنٍّ يوشك على الغروب
- الكتابة فن الحذف والاختزال
- #محمد_عمارة في محطاته الاعتقادية
- محمد إقبال والمفارقات في فكره بوصفها مثالًا للمفارقات في الف ...
- مدرستا الإسلام الهندي: إسلام تعدّدي وإسلام أُحادي
- الأشاعرة الجدد و#علم_الكلام_الجديد
- #الأميّة_الأكاديمية_والثقافية: أسباب ونتائج
- #وليُّ_الله_الدهلوي والإسلام التعددي الهندي
- هل أسس شبلي النعماني علم الكلام الجديد؟
- السؤالُ الميتافيزيقيُّ الجديد يفرضُ علينا بناءَ علمِ كلامٍ ج ...
- التديّنُ الشكلي
- التديّن الشعبي والتديّن الشعبوي
- التديّنُ الرحمانيّ
- التديّن الأخلاقي
- الفنُ القصصيّ في القرآن الكريم ثالث عناوين الضجة في النصف ال ...
- تلوّينُ النصِ
- أمينُ الخولي والهِرْمِنيوطيقا
- منهج التفسير الأدبي للقرآن عند الخولي


المزيد.....




- لمتابعة أغاني البيبي لطفلك..استقبل حالاً تردد قناة طيور الجن ...
- قادة الجيش الايراني يجددن العهد والبيعة لمبادىء مفجر الثورة ...
- ” نزليهم كلهم وارتاحي من زن العيال” تردد قنوات الأطفال قناة ...
- الشرطة الأسترالية تعتبر هجوم الكنيسة -عملا إرهابيا-  
- إيهود باراك: وزراء يدفعون نتنياهو لتصعيد الصراع بغية تعجيل ظ ...
- الشرطة الأسترالية: هجوم الكنيسة في سيدني إرهابي
- مصر.. عالم أزهري يعلق على حديث أمين الفتوى عن -وزن الروح-
- شاهد: هكذا بدت كاتدرائية نوتردام في باريس بعد خمس سنوات على ...
- موندويس: الجالية اليهودية الليبرالية بأميركا بدأت في التشقق ...
- إيهود أولمرت: إيران -هُزمت- ولا حاجة للرد عليها


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عبدالجبار الرفاعي - تشكّلُ مفهوم الفرد والحقُ في الاختلاف