أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - فؤاد النمري - النظام الدولي المنافي للطبيعة















المزيد.....

النظام الدولي المنافي للطبيعة


فؤاد النمري

الحوار المتمدن-العدد: 6676 - 2020 / 9 / 14 - 20:40
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


الشرط المسبق لإنتهاج أية سياسة تحاكي الواقع الإجتماعي المعين بغض النظر عن مدى تطوره هو إدراك الوحدة العضوية الواحدة للنظام العالمي القائم . هذه الحقيقة الصلبة الصارخة غدت الأساس اللازم حصراً للبناء فوقه مختلف السياسات، حتى تلك المغرقة في المحلية منها، منذ ظهور النظام الرأـسمالي وتطوره السريع حتى احتضان العالم بأسره خلال القرن التاسع عشر .
الخواء السياسي السائد اليوم في مختلف أركان المعمورة إنما هو أن أحداً من السياسيين سواء كان من اليسار أم من اليمين لم يدرك مثل هذه الحقيقة الصارخة ؛ وهو لا يدرك أن مشروعه السياسي إنما هو لغو فارغ إن لم يتساوق مع النظام الدولي القائم . من الغريب حقاً ألا يتعلم السياسيون مثل هذا الدرس الأساس وقد رأوا بأم العين أن كل الحروب والإنتفاضات والإنقلابات والمؤامرات التي حدثت في القرون الثلاثة الأخيرة ما كانت لتحدث بغير فعل التساوق، تساوق النظام المحلي مع النظام الدولي .

في العقود الأربعة الأخيرة بدا بكل وضوح وجلاء أن النظام العالمي ليس في عافيته، بل الأحرى أنه ليس نظاماً على الإطلاق استدلالاً بدلالتين على الأقل من بين دلائل أخرى كثيرة . فالعالم ومنذ ما يزيد على أربعين عاماً لا ينتج ما يغطي نفقاته الأمر الذي يضطره لأن يستدين سنوياً أكثر من 4 ترليون دولاراً ؛ والدلالة الثانية ولعلها الأبلغ حديّة هي أن الدولار الأميركي وقد فقد غطاءه الذهبي في العام 71 وعاني في السنوات التالية من تدهور خطير في أسواق الصرف مما اضطر الإدارة الأميركية لأن تعلن خفض قيمة الدولار
(Devaluation) ثلاث مرات متوالية ولما لم يجدِ لذلك سبيلا قام الرئيس الأميركي ريتشارد نكسون في مايو 74 بإقالة وزير الخزانة جورج شولتس (George Schultz) رغم أنه يحمل درجة الدكتور في الشؤون المالية . وفجأة يقفز الدولار كنقد متراجع بحاجة لأن تتكفل الدول الرأسمالية الكبرى بأسعار صرفه كما أعلن أول مؤتمر للخمسة الكبار (G 5) في نوفمبر 75، يقفز ليطرد الذهب كغطاء للنقد ويحل محله في يناير 76 !!!

الدولار الأميركي المفرع من كل قيمة حيث لا قيمة له بذاته ولا غطاء بضاعياً أو ذهبياً له يصبح بين عشية وضحاها الغطاء الوحيد لكل نقود العالم بما في ذلك يوان (Yuan) الصين وهي التي تنتج من البضائع ضعف ما تنتج الولايات المتحدة . وبمكنني أن أزيد في هذا السياق مؤكداً على أنه ما كان للدولار أن يكون الغطاء الوحيد لكل نقود العالم لو كان فيه أدنى قيمة – لو أن الدولار إحتفظ بأية قيمة مهما تدنت لاحتفظت سائرالنقود الأخرى بقيمة مستقلة عن الدولار ولاحتاجت إذاك غطاء آخر أكثر ثباتاً من الدولار .

ما معنى أن يكون الدولار المفرغ من كل قيمة (Valueless) هو الغطاء الوحيد لكل نقود العالم وبذلك لا تكون نقود العالم بالنتيجة ذات قيمة !!؟ ذلك يعني حكماً سقوط القيمة (Value) وهي المحور الذي يدور حوله علم الإقتصاد بمختلف ألوانه واتجاهاته . أصلاً الإنسان لا يبذل جهداً في الإنتاج إلا ليحصل على قيمة بشكل سلعة أو خدمة تسد احتياجاته الحيوية الأمر الذي يحكم بأن الشغل البشري هو القيمة المطلقة في المجتمعات البشرية . لذلك كان الذهب هو الغطاء الشرعي والقانوني لمختلف النقود حيث تتكاثف فيه أعلى كمية من الشغل . فأن يحل الدولار المفرغ من كل قيمة كمعاير للقيمة فذلك يعني حكماً سقوط القيمة التي ظلت عبر التاريخ تبني الإقتصاد بمختلف وسائلة وأدواته والقوة الوحيدة التي تنظم شبكة المجتمع .

العار كل العار على علماء الإقتصاد في مختلف الجامعات ودور البحث الذين لم يمايزوا بعد بين اقتصاد يحكمه قانون القيمة كما كان الإقتصاد الرأسمالي قبل سبعينيات القرن المنصرم والإقتصاد المحكوم يالدولار فيما بعد .
والعار كل العار أيضاً على المتخصصين في العلوم السياسية الذين يتبنون استراتيجيات وطنية لا علاقة لها بالنظام الدولي السائد .

في العام 69 وقع حدثان متوازيان في طرفي العالم . في أميركا أنتخب الرئيس ريتشارد نكسون من أجل وقف الحرب في فيتنام التي كانت قد أتت على النظام الرأسمالي في آخر قلاعه وهو الولايات المتحدة وفوجئ الرئيس الجديد بأن مهمته الأكثر إلحاحاً من وقف الحرب هي إحياء النظام الرأسمالي والحؤول دون أن يلفظ أنفاسه الأخيرة في عهده . وفي الطرف الآخر من العالم فشل مشروع ماوتسي تونغ (الثورة الثقافية) في إحياء الثورة الإشتراكية التي كانت تلفظ أنفاسها الأخيرة في موسكو وعاد عدوه الملقب بـ "خروشتشوف الصين" دينغ خيساوبنغ (Deng Xiaoping) إلى قيادة الدولة .
في نهاية فبراير 1972 إلتقى في بكين أكبَر متآمرَين على مستقبل البشرية، دنغ خيساوبنغ الرئيس الفعلي للصين الشيوعية والرئيس الأميركي ريتشاترد نكسون، وغرزا عميقاً في الأرض "نظاما" دولياً يعمل على تغريب الإنسانية ويعطل تطورها الإجتماعي . قضى الإتفاق على أن تنتج الصين ما استطاعت من البضاعة وأن تستورد أميركا كل فائض الإنتاج بالشروط الفضلى .
بدا للوهلة الأولى أن ذلك الإتفاق هو اتفاق صداقة ومصالح مشتركة ولا يعني العالم ولو بمقدار حيث الإتفاق يؤمن الغطاء المادي للدولار الذي كان قد فقد الغطاء البضاعي في العام 71 وكان الإشارة القاطعة على انهيار النظام الرأسمالي في أميركا ؛ وفي الصين سمح الإتفاق لدينغ بطي مشروع ماو الإشتراكي للمدى المنظور على الأقل .

لا أعتقد أن نكسون ودينغ خططا لأبعد من تحقيق هدفيهما المباشرين – الحفاظ على الدولار بالنسبة لنكسون وتجاوز مشروع ماو بالنسبة لدينغ - غير أن الأيام ولدت ما لم يكن في الحسبان . قوى العمل في الصين (500 مليون عامل) تطورت أفقياً وعمودياً وغمرت العالم ببضائع من كل الأصناف، وبالمقابل استدعى ذلك الولايات المتحدة لأن تصدر نقداً لا يغطي وارداتها من البضائع الصينية فقط بل أكثر من ذلك لتغطي إنتاج الخدمات بعد أن تحول أكثر من نصف العمال المشتغلين في الصناعة وينتجون فائض القيمة إلى إنتاج الخدمات الخالية تماماً من أي قيمة تبادلية – تنفق اميركا اليوم أكثر من 15 ترليون دولاراً على إنتاج الخدمات دون أن يعود منها دولار واحد على الإقتصاد الوطني، وتسنورد من الصين بضائع استهلاكية بأكثر من 600 مليار دولاراً سنوياً .

"النظام" الدولي القائم اليوم، إن جاز لنا اعتباره نظاماً وهو في الحقيقة ليس نظاماً على الإطلاق، هو نظام غريب شاذ (exotic) يتكون من عنصرين ليسا من عناصر الطبيعة وهما البضاعة الصينية والدولار الأميركي . البضاعة من بنات الطبيعة هي البضاعة الصنم الذي يمثل قوى الإنتاج التي أنتجته بينما البضاعة الصينية تستبدل في الأسواق الأميركية بعشرة أمثال قيمتها الحقيقية ؛ ساعة العمل بالمتوسط في الصين تستبدل في الصين بـ 1.5 دولار وتباع في أميركا بـ 15 دولاراً وبذلك لا تعود من البضاعة المعلومة في علم الإقتصاد، والدولار الأميركي كان قبل انكشافه في العام 71 يستبدل بـ 50 سغم ذهباً واليوم لا يستبدل بأكثر من 1.4 سغم، بل هو لا قيمة له على الإطلاق إلا باسبداله ببضاعة صينية قيمتها 1.4 سغم ذهباً .
النظام العالمي الماثل اليوم الذي يتشكل قصراً من بصاعة صينية ونقود أميركية هو نظام غريب وشاذ لأن لا البضاعة الصينية هي بضاعة طبيعية ولا النقود الأميركية هي نقود طبيعية .
ما لم يحتسب الأخصائيون له أي حساب هو أن الدولار الأميركي وقد غدا الغطاء الرسمي لكل نقود العالم فذلك يعني حكما أن كل نقود العالم باتت مدولرة ومفرغة من كل قيمة ؛ كما أن بضاعة العالم لا يمكن مبادلتها بغير معايرتها بالبضاعة الصينية التي تجاوزت كل معايير القيمة . وهكذا تخلى معظم عمال العالم خارج الصين عن العمل في الصناعة لأن ساعة العمل منهم تستبدل بأضعاف بدلة ساعة العمل الصينية .
إذاً تآوت كل نقود العالم تحت مظلة الدولار الأميركي، وتآوت كل بضاعات العالم تحت مظلة البضاعة الصينية، فكان لنا نحن بني الإنسان نظام دولي منافٍ للطبيعة فكيف نحسن التصرف !؟
الإنسان هو أولاً وأخيراً إبن الطبيعة ؛ دفعت به تيارات قوية عديدة لإخراجه من الطبيعة وفشلت ؛ وها هو اليوم النظام الدولي "الصيني الأميركي" المنافي للطبيعة يسطو على بني الإنسان سطواً لا عهد لهم بمثله . يبدو حتى اليوم أن الإنسان قد فقد كل أدوات المواجهة، فما العمل !!؟؟



#فؤاد_النمري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الحكمتيون المستلبون بالأدلجة
- رسالة مفتوحة للرئيس محمود عباس
- نظرية الإعتمادية “Dependency Theory” (2/2)
- نظرية الإعتمادية “Dependency Theory” (1/2)
- من يكون سمير أمين !!
- درس في الماركسية
- درس في الديموقراطية
- نهاية الصراع الطبقي إلى غير رجعة (2/2)
- نهاية الصراع الطبقي إلى غير رجعة (2/1)
- لا سياسة منذ الأمس .. (النظام الدولي الهجين)
- لا سياسة منذ الأمس ..(تابع)
- لا سياسة منذ الأمس ..
- عودة البولشفية تستدعي القلق !!
- السياسيون الأفّاقون الأوغاد
- من استنكر الشيوعية ؟
- الشيوعيون البورجوازيون
- الإتجاه الماركسي المعاصر
- ما قبل جائحة الكورونا وما بعدها (2/2)
- ما قبل جائحة الكرونا وما بعدها (1/ 2)
- خونة الشيوعية (2)


المزيد.....




- شاهد.. الشرطة تعتقل متظاهرين مؤيدين للفلسطينيين في جامعة إيم ...
- الشرطة الإسرائيلية تعتقل متظاهرين خلال احتجاج في القدس للمطا ...
- الفصائل الفلسطينية بغزة تحذر من انفجار المنطقة إذا ما اجتاح ...
- تحت حراسة مشددة.. بن غفير يغادر الكنيس الكبير فى القدس وسط ه ...
- الذكرى الخمسون لثورة القرنفل في البرتغال
- حلم الديمقراطية وحلم الاشتراكية!
- استطلاع: صعود اليمين المتطرف والشعبوية يهددان مستقبل أوروبا ...
- الديمقراطية تختتم أعمال مؤتمرها الوطني العام الثامن وتعلن رؤ ...
- بيان هام صادر عن الفصائل الفلسطينية
- صواريخ إيران تكشف مسرحيات الأنظمة العربية


المزيد.....

- مساهمة في تقييم التجربة الاشتراكية السوفياتية (حوصلة كتاب صا ... / جيلاني الهمامي
- كراسات شيوعية:الفاشية منذ النشأة إلى تأسيس النظام (الذراع ال ... / عبدالرؤوف بطيخ
- lمواجهة الشيوعيّين الحقيقيّين عالميّا الإنقلاب التحريفي و إع ... / شادي الشماوي
- حول الجوهري والثانوي في دراسة الدين / مالك ابوعليا
- بيان الأممية الشيوعية الثورية / التيار الماركسي الأممي
- بمناسبة الذكرى المئوية لوفاة ف. آي. لينين (النص كاملا) / مرتضى العبيدي
- من خيمة النزوح ، حديث حول مفهوم الأخلاق وتطوره الفلسفي والتا ... / غازي الصوراني
- لينين، الشيوعية وتحرر النساء / ماري فريدريكسن
- تحديد اضطهادي: النيوليبرالية ومطالب الضحية / تشي-تشي شي
- مقالات بوب أفاكيان 2022 – الجزء الأوّل من كتاب : مقالات بوب ... / شادي الشماوي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - فؤاد النمري - النظام الدولي المنافي للطبيعة