أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - داخل حسن جريو - حديث في تسييس الطفولة















المزيد.....

حديث في تسييس الطفولة


داخل حسن جريو
أكاديمي

(Dakhil Hassan Jerew)


الحوار المتمدن-العدد: 6668 - 2020 / 9 / 5 - 09:33
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


وإذ أفتح سجل الذكريات , تعود بي الذاكرة إلى أيام طفولتي بمدرسة السماوة الإبتدائية للبنين ومدرسة متوسطة السماوة للبنين في عقد خمسينيات القرن الماضي , في مدينتي السماوة الغافية على ضفاف نهر الفرات . كانت السماوة يومذاك قضاءا تابعا للواء الديوانية, يمارس أهلها بعض الحرف والتجارة والزراعة , وتعاني المدينة كمعظم مدن العراق يومذاك من إرتفاع نسبة الفقر والجهل والأمية في صفوفهم . لذا كانت المدارس وإن كانت مدارس إبتدائية تمثل مراكز إشعاع وتنوير فكري وحضاري, حيث يتلقى فيها التلاميذ مبادئ القراءة والكتابة وبعض العلوم والمعارف في مجتمع تسوده الأمية , ليكون ذلك فاتحة خير لوضعهم على طريق العلم الحديث وتوسيع مداركهم لما هو أبعد من دائرة محيطهم الضيق, بنقلهم إلى فضاء العالم الأرحب, ونقل ما يتعلموه إلى عوائلهم التي يلف الجهل الكثير منها .
كانت المدرسة مركزا للنشاطات الرياضية والفنية والمسرحية التي تركت أثرا طيبا في حياة المدينة, على الرغم من ضعف الإمكانات المتاحة, تخرج منها علماء وأدباء وشعراء ورياضيون وفنانون كثيرون . كما كانت المدرسة مركزا لنشاط الأحزاب السياسية , وبخاصة الحزب الشيوعي العراقي الذي دفع وزير المعارف يومذاك خليل كنه في حقبة الحكم الملكي , إلى تحويل المدرسة الثانوية الوحيدة في المدينة إلى مدرسة متوسطة للحد من نشاط طلبتها السياسي. وهنا تعود بي الذاكرة إلى فصل بعض من زاملوني من تلاميذ مرحلة الدراسة الإبتدائية , من المدرسة بتهمة نشاطهم الشيوعي في صفوف التلاميذ وتحريضهم على المشاركة في الإضرابات والتظاهرات السياسية ضد الحكومة , حيث تم سوقهم لأداء الخدمة العسكرية الإلزامية وهم في سن مبكرة في معسكر الشعيبة , وبذلك قد تشردوا وفقدوا مستقبلهم الدراسي . كما فصل تلاميذ آخرون أكثر من مرة في مرحلة الدراسة المتوسطة للسبب نفسه , وتم سوقهم للخدمة العسكرية الإلزامية , بعضهم في معسكر الشعيبة بمحافظة البصرة , وبعضهم بمعسكر راوندوز بمحافظة السليمانية . لم يسمح لأي منهم بالعودة لمقاعدهم الدراسية , إلاّ بعد تقديمهم براءة من إنتمائهم للحزب الشيوعي العراقي ونشرها في الصحف المحلية . وقد قام بعضهم بنشر هذه البراءة لضمان عودته للدراسة , والتي كان نصها يومذاك :
" يتهمني البعض بأني من حملة المبادئ الهدامة كالشيوعية وغيرها , وبما أني برئ من ذلك , لذا أعلن ولائي وإخلاصي لمليكي والوطن ".
وهنا أتساءل هل يصح أخلاقيا زج التلاميذ بهذه السن المبكرة في معترك السياسة وتحميلهم تبعاتها الثقيلة التي قد تطالهم من سجن وتشريد ومنافي وهم في عمر الزهور ؟ وهل يدرك حقا هؤلاء الأطفال عمق فكر الأحزاب السياسية التي ورطوا بالإنتماء إليها, والطلب إليهم بتقديم هذه الخسائر والتضحيات والتي قد تكلف بعضهم حياته بدعوى الدفاع عن المبادئ التي أشك كثيرا بفهم الكثير منهم لها . أما كان الأجدر ترك هؤلاء الأطفال التمتع بطفولتهم البريئة وإكمال تعليمهم وبناء مستقبلهم وشق طريقهم في الحياة , وعندها يكون لكل حادث حديث بالإنخراط في العمل السياسي بعد أن تكون قد تبلورت ملامح شخصياتهم فكريا وثقافيا وحضاريا , بعيدا عن التلقين وغسيل الأدمغة أي تحويل الفرد عن اتجاهاته وقيمه وأنماطه السلوكية وقناعاته.
لم يقتصر تسيس الأطفال على الحزب الشيوعي العراقي , بل قلدته بذلك الأحزاب القومية بتوجهاته المختلفة بصورة أو بأخرى وفي مقدمتها حزب البعث العربي الإشتركي , وكذلك أحزاب الإسلام السياسي بألوانها المختلفة , وفي مقدمتها حركة الإخوان المسلمين والجماعات الإسلامية التكفيرية لدرجة زج بعض الصبية في عمليات إرهابية إنتحارية .
وبالرجوع إلى أدبيات هذه الأحزاب , نرى أن معظم قادة هذه الأحزاب إن لم يكن جميعهم , قد إنخرطوا بالعمل السياسي في سن مبكرة , فقد إنخرط الرفيق فهد المولود عام 1901 ,مؤسس الحزب الشيوعي العراقي في معترك العمل السياسي دون أن يكمل تحصيله الدراسي , فقد تخرج من مدرسة السريان الإبتدائية في البصرة , وإلتحق بعدها بمدرسة الرجاء الأمريكية التي تركها بعد سنتين دون أن يكمل دراسته. وفي سن السابعة عشرة من عمره قام فهد بصياغة وكتابة العريضة التي قدمها العمال المضربين في مسفن الدوكيارد في البصرة عام 1918 لأدارة المسفن . وفي مطلع العشرينيات انتمى فهد إلى أول حزب وطني شعبي أسس في العراق (الحزب الوطني العراقي ) وأصبح مساعد رئيس فرع هذا الحزب في الناصرية. وأسّس أولى الخلايا الشيوعية في البصرة والناصرية عام 1929 بين صفوف العمال والفلاحين. ولا يختلف الحال كثيرا لمؤسس حزب البعث العربي الإشتراكي في العراق فؤاد الركابي الذي أسسه مع آخرين عام 1950, أي أن عمر الركابي لم يزيد على العشرين سنة حيث كانت ولادته بمدينة الناصرية عام 1930. أصبح بعد عامين من تأسيس الحزب أول أمين سر لقيادته عام 1952.
ولا يختلف الحال كثيرا بالنسبة لبقية قادة الأحزاب والحركات السياسية الأخرى في العراق , فقد كلف صدام حسين وآخرين بمحاولة إغتيال عبد الكريم قاسم عام 1959 وهو بعمر لم يكمل بعد مرحلة الدرسة الثانوية . وينطبق الشئ نفسه على معظم من شاركوا بإنقلاب الثامن من شباط الدامي عام 1963 , وإنقلاب السابع عشر من تموز عام 1968 التي جاءت نتائجه لاحقا كارثية على البلاد والعباد, ما زال العراق يئن تحت وطئتها حتى يومنا هذا .
وسارت على النهج ذاته أحزاب السلطة الحاكمة حاليا في العراق , إذ أنها لم تتعظ من تجارب من سبقها في السلطة وما آلت إليه أحوالهم , فتراهم اليوم سادرين في غيهم وطيشهم وعبثهم السياسي وغير مبالين لما آلت إليه أحوال البلاد والعباد من فقر ومرض وجوع ونقص خدمات وهدر كرامات وفساد ونهب وتيذير أموال , والأهم من كل ذلك فقدان العراق لمقومات الدولة وأسس وحدتها , حيث بات العراق في مهب الريح تتقاذفه المصالح الإقليمية والدولية , لدرجة بات فيها وجود العراق كدولة واحدة موحدة على المحك , أي أن يكون هناك عراق أو لا يكون.
وفي الختام نقول أن ساسة الأمس قد جعلوا من السياسة دينا , وحرصوا على زج الناس بأحزابهم منذ نعومة أظافرهم بكل الوسائل الممكنة , وحرموا عليهم الإنتماء لغير أحزابهم , وأعتبروا الخروج من تنظيماتهم ردة يعاقب عليها بالحد أي إعدامهم . وهم بذلك قد أفسدوا السياسة . أما ساسة اليوم فقد جعلوا من الدين سياسة , وبذلك أفسدوا الدين والسياسة معا . وأملنا أن يعود أولئك وهؤلاء إلى رشدهم ويتقوا الله بعباده وليتركوا الناس أن يعيشوا حياتهم بأمن وسلام وكرامة إنسانية .



#داخل_حسن_جريو (هاشتاغ)       Dakhil_Hassan_Jerew#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أما آن لليل العراق أن ينجلي
- حديث في المراهقة السياسية
- حديث ذي شجون في الإنقلابات العسكرية
- واسفاه على هوان العراق
- نظرة في ثلاثية الدين والقومية والوطنية
- إشكالية العقائد السياسية الكونية والولاء الوطني
- السيادة العراقية وحرية القرار السياسي
- هل بات العراق دوامة أزمات ؟
- لا تحدث العاقل بما لا يليق
- مصطلحات نشاز ما زالت قيد التداول
- نكون شعبا أو لا نكون ...ولكن لسنا مكونات
- كيف لا نحب العراق ؟
- العراق يتهاوى ... هل من منقذ ؟
- لماذا إنحسر دور اليسار العراقي... في الإنتفاضات الشعبية
- التشكيلات العسكرية في العراق
- أريد وطن
- بعيدا عن الطائفية والعنصرية ... قريبا من الوطن
- العلاقات العراقية الإيرانية ... قراءة موضوعية هادئة
- زيارة بنس نائب الرئيس الأمريكي .... ما وراء الأكمة وما وراءه ...
- ما يجب أن يقال


المزيد.....




- لماذا أعلنت قطر إعادة -تقييم- وساطتها بين إسرائيل وحماس؟
- ماسك: كان من السهل التنبؤ بهزيمة أوكرانيا
- وسائل إعلام: إسرائيل كانت تدرس شن هجوم واسع على إيران يوم ال ...
- احتجاز رجل بالمستشفى لأجل غير مسمى لإضرامه النار في مصلين بب ...
- برازيلية تنقل جثة -عمها- إلى البنك للحصول على قرض باسمه
- قصف جديد على رفح وغزة والاحتلال يوسع توغله وسط القطاع
- عقوبات أوروبية على إيران تستهدف شركات تنتج مسيّرات وصواريخ
- موقع بروبابليكا: بلينكن لم يتخذ إجراء لمعاقبة وحدات إسرائيلي ...
- أسباب إعلان قطر إعادة -تقييم- دورها في الوساطة بين إسرائيل و ...
- الرئيس الإماراتي يصدر أوامر بعد الفيضانات


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - داخل حسن جريو - حديث في تسييس الطفولة