أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عامر صالح - ماكرون وسيكولوجيا الحنين( النوستالجيا )














المزيد.....

ماكرون وسيكولوجيا الحنين( النوستالجيا )


عامر صالح
(Amer Salih)


الحوار المتمدن-العدد: 6668 - 2020 / 9 / 5 - 00:45
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


قام الرئيس الفرنسي بزيارة الى عاصمتين منكوبتين هما بيروت وبغداد, الاولى بكارثة تفجير مرفأ بيروت الذي حول الى اكثر من 30% من العاصمة اللبنانية الى أنقاض وركام الى جانب فساد نظامها المافيوي, والثانية منكوبة في سياقات نظامها الطائفي والاثني من عدم الاستقرار السياسي والفساد الاداري والمالي وتفشي المليشيات المسلحة المنفلتة خارج القانون ويشكل بعد الدولة العميقة في العراق الحاكم في الظل. وفي كلا الزيارتين تم الترحيب الشعبي والرسمي برئيس جمهورية فرنسا ماكرون, ولو في الحالة العراقية كان الاحتفاء الشعبي ليست كما هو اللبناني, وكان ذلك مرتبطا بقصر زيارة ماكرون الى بغداد وعدم تنقله او تجواله في مناطق بغداد كما فعل في بيروت, وبالتأكيد فأن روابط لبنان مع فرنسا ذات عمق تاريخي, وكان الاحتفاء عراقيا بماكرون على المستوى الشعبي جرى عبر وسائل التواصل الاجتماعي بشكل واضح, وهناك كالعادة سيل جارف من نظريات المؤامرة والتشكيك بنوايا ماكرون وكأن الحياة جنة في كلا العاصمتين وجاء ماكرون ليقلب عاليها اسفلها.

عكست زيارة ماكرون نموذجا من سلوكيات اللبنانين والعراقيين في الحنين الى الماضي وكانت اشد تركيزا في بيروت منه في بغداد, ولكن في بغداد اتخذت من رمزية ماكرون حنينا خاصا الى حقب عراقية سابقة لعام 2003. الى أي حد من الذل والظلم والأضطهاد الذي تمارسه الأنظمة" الوطنية " الحاكمة الجائرة بحيث يندفع المواطن الى الأستغاثة بالمحتل ويبكي بين يديه ويطلب منه عودة الأحتلال من جديد او وضع بلاده تحت الوصاية الدولية في محاولة للخلاص مما اصابه من احباط ويأس, انها مفارقات زمن فساد الانظمة المتعفنة التي تدفع مواطنيها في لحظة ما الى الخلاص او الاستعانة بالشيطان في تلمس أفق المستقبل. بالتأكيد انه حالات من الحنين او عودة الى الماضي مؤطرة بقساوة الحاضر وشراسته, وهي حالات يطلق عليها سيكولوجيا ( ناستالوجيا ) او سيكولوجيا الحنين الى الماضي.

يعود أصل كلمة نوستالجيا إلى اليونانية، فكلمة نوستوس تعني العودة للوطن وكلمة ألغوس تعني الألم، وعلى الرغم من كون الكلمة حملت معنى تاريخياً سلبياً مرتبطاً بالمشاعر الجارفة نحو العودة للوطن، والتي كان يعيشها المغتربون والبعيدون عن عائلاتهم وأوطانهم، إلا أنها مع الوقت اكتسبت معنى جديداً في علم النفس؛ وهو الحالة النفسية التي يشعر فيها الإنسان بالحنين للعودة لمرحلة أقدم من حياة الإنسان؛ إلى طفولته وشبابه وأيامه التي خلت, وكذلك الحنين الى العودة الى حقب وازمنة تاريخية سلفت, وقد يكون الحنين فرديا, اي ان الشخص يحن الى ماضى من احداث او امكنة او الى زمن بكامله, وعلى المستوى المجتمعي او الجماعي فهي مؤشر ان هناك دلالات غير مطمئنة في الحاضر.

وعلى المستوى الفردي فأن الحنين اذا بقى في حدوده الطبيعية فأنه مؤشر ايجابي وممكن ان الشعور في الطمأنينة ويخرج الفرد من حالة الحزن ويجعلها اكثر خفة,كما يعتبر التفكير في الماضي طريقة للتأقلم مع مخاوف المستقبل المتعلقة بسؤال الموت والخلود، وسؤال أهمية الحياة وجدواها, كما تربط النوستالجيا الفرد بالآخرين. ففي العادة ما يكون التفكير بالماضي وأحداثه وتجاربه مليئاً بذكرى الأماكن والروائح والموسيقى التي تكون غالباً مرتبطة بأشخاص معينين، مثل أصدقاء الطفولة وشخصيات مؤثرة التقيتها في العمل الأول والمدرسة والرحلات, وفي احيان كثيرة فأن الحنين الفردي احد مصادر التفريغ لأنفعالات الحاضر مما يبعث نسبيا على الشعور بالدفئ, وحتى كتابة مذكرات الماضي يبعث نوعا من الدفئ العاطفي وحتى الجسدي في لحظات الحاجة القصوى لذلك.

اما على مستوى الجماعات البشرية او المجتمعات المحلية فهي محاولة الهروب الجماعي من الحاضر،تحت وطأة واقع يعاني ولادات متكررة وصعوبات بالغة الأثر ورداءة ظروف العيش الحاضر. ان أكثر ما يميز النستولوجيا الجماعية في واقعنا وخاصة العراقي هو الحنين الى عودة البعث والحنين الى عودة الملكية او تمنيات بعودة الجمهورية الاولى, وجميعها تفسر انتكاسة الحاضر, فلا الملكية كانت كما في اذهاننا الحاضرة نموذج السعادة, ولا البعث بمصائبه وكوارثه كان مطمئننا, ولم تكن الجمهورية الاولى نموذجا بدون اخفاقات وارهاصات مختلفة وكانت سبب في انتكاستها. ولكن ما يجري في المجتمع العراقي هو حنين مشروع بيمكانزمه كتعبير عن الاخفاق المستديم ولكن محتوى الحنين يعبر هو الاخر عن صور مشوهة من الواقع وهو اشبه بعملية تدوير النفايات بفعل عوامل اليأس والقنوط وقد تكن الصورة مطابقة للجموع اللبنانية, رغم فرط العواطف الى جانب ماكرون في حالة بيروت, حيث بقايا العمق الثقافي حاضرا في التواصل مع باريس.

حالة الحنين في العراق الى مرحلة سابقة بما فيها الحنين الى المحتل او الى الزائر الفرنسي فهي تجسد بعمق افلاس النظام السياس ما بعد 2003 وعدم مقدرته في حل المشكل السياسي والاقتصادي والاجتماعي وتمترسه في الاطر الطائفية والمذهبية والاثنية المتخلفة وغياب دولة المواطنة الى جانب الفساد الاداري والمالي والاخلاقي الذي افقر الشعب خلال سبعة عشر عاماو وعملية سياسية ديمقراطية قائمة على التزوير وشراء الذمم والتهديد والافساد في كل قطاعات المجتمع, كل ذلك شدد من قبضة الحنين لمختلف الازمنة وتمني عودة السيئ بأعتبار الحاضر اسوء, وبالتأكيد انها آلية لا تفضي الى الحل وفقا لظروف العصر والحياة المتجددة, ولكن هذا لحنين يحمل في طياته قدرة استثنائية للخلاص من الظلم والتعسف والجور بأعتبار ذلك آالية خاتمة المطاف وقد جسدتها انتفاضة الاول من اكتوبر التي اندلعت في العام الماضي بوضوح بعد استنفاد كل سبل الاصلاح من داخل بنية النظام المحصصاتي.



#عامر_صالح (هاشتاغ)       Amer_Salih#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لماذا التحذير من الحرب الأهلية في العراق ملاحظات سايكواجتما ...
- كورونا بين التداعيات والدفاعات السيكواجتماعية والحرب الباردة
- في سيكولوجيا الدفاع عن النفس... حذاري من أراقة الدم العراقي
- في سيكولوجيا حنين بيروت الى المحتل الفرنسي الذي يشبه حنين بغ ...
- في سيكولوجيا التعذيب في العراق ـ قوات حفظ النظام والفيديو ال ...
- شعب واحد أم شعبين في سيكولوجيا التعصب الأعمى
- ثورة 14 تموز 1958 وسيكولوجيا الحنين- النوستالجيا -
- جريمة أغتيال الدكتور هشام الهاشمي ضحية صراع الدولة واللادولة
- فرض هيبة الدولة وسلطة القانون وسيكولوجيا النفاق السياسي
- كورونا العراق وأنهيار هرم ماسلو السيكواجتماعي للحاجات
- على ضوء المؤتمر الصحفي الأول لرئيس الوزراء العراقي الجديد
- المناسبات العالمية للطفولة ومأساة أطفال العراق
- التأصيل السايكو اجتماعي والتربوي والسياسي للفساد الأداري وال ...
- على ضوء رفع بعثة الاتحاد الأوربي في العراق علم المثلية الجنس ...
- على ضوء رفع بعثة الاتحاد الأوربي في العراق علم المثلية الجنس ...
- التفاؤل والتشاؤم و تشكيل حكومة مصطفى الكاظمي في العراق
- داعش العراقية بين أزمة كورونا وأزمة نظام الحكم
- أزمة كورونا بين سيكولوجيا الهلع ومسلمات المناعة النفسية
- كورونا بين الخوف الهستيري ومسلمات المناعة النفسية
- العنف الأسري في زمن كورونا أمتداد لما قبله


المزيد.....




- بالصور.. الحكومة السورية المؤقتة تسلّم أمريكيا كان مسجونا بأ ...
- -الحمار رحل-.. صور خالدة لسوريين بالشوارع احتفالا بسقوط بشار ...
- فنزويلا.. مصرع 8 أشخاص بينهم 7 أطفال بانفجار أسطوانة غاز في ...
- تايلاند.. مقتل 4 أشخاص بتفجير في حفل خيري
- نقل نانسي بيلوسي إلى المستشفى بعد تعرضها للإصابة
- -أكسيوس-: مبعوث ترامب إلى الشرق الأوسط زار السعودية واجتمع ...
- قوات العمليات العسكرية تدخل سد تشرين ودعوات لحمايته
- فيدان: أقنعنا روسيا وإيران بعدم مساعدة الأسد قبل سقوطه
- قرب حمص بسوريا.. فيديو حللته CNN يكشف تحركات جنود ومعدات روس ...
- اختلاف رواية سقوط بشار الأسد بين بايدن ونتنياهو.. محلل يوضح ...


المزيد.....

- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني
- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي
- فلسفات تسائل حياتنا / محمد الهلالي
- المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر / ياسين الحاج صالح
- الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع / كريمة سلام


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عامر صالح - ماكرون وسيكولوجيا الحنين( النوستالجيا )