أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - محمد بن ابراهيم - اوهام النسأة الجدد : في النسيء القرآني والنسيء التقويمي (2)















المزيد.....



اوهام النسأة الجدد : في النسيء القرآني والنسيء التقويمي (2)


محمد بن ابراهيم

الحوار المتمدن-العدد: 6652 - 2020 / 8 / 20 - 22:21
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


النسيء، قضايا واشكالات:
النسيء: التعريف اللغوي ام التعريف القرءاني؟
وردت كلمة النسي في الآية 37 من سورة التوبة في قوله تعالى : انما النسيء زيادة في الكفر يضل به الذين كفروا يحلونه عاما ويحرمونه عاما ليواطئوا عدة ما حرم الله فيحلوا ما حرم الله زين لهم سوء اعمالهم والله لا يهدي القوم الكافرين .
وقد جاءت هذه الآية مباشرة بعد التأكيد في الآية 36 من سورة التوبة على: ان عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السماوات والارض منها اربعة حرم ذلك الدين القيم فلا تظلموا فيهن انفسكم وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة واعلموا ان الله مع المتقين.
فما هو النسيء وكيف كان يتم تفعيله؟ وهل هو الشهر المقوم ام مجرد ضلالة كان يقوم بها الجاهليون ؟ والى اي حد يحتكم هذا النسيء الى منطق ما ؟
انطلق النسأة الجدد من رد النسيء الى نسأ ونسيئة وانساء في معاجم اللغة ليعتبروا ان معناه التأخير والتأجيل ؛ والنحاة انفسهم مختلفون في معناه ما بين الزيادة والتأخير؛ ليؤكدوا بذلك دونما اي اثبات ان العرب قد عرفوا الشهر المقوم منذ زمان ابراهيم، وان تفعيل هذا النسيء بزعمهم ضروري للمحافظة على وقوع الاشهر القمرية في مواضعها واصلاح الانحراف فيها.
اذا ابتعدنا عن قواميس اللغة وكتب التفسير وسألنا القرءان عن معنى النسيء؛ فقد نتحصل عن اجابة مختلفة تماما عما تروج له كتب اللغة والتفسير من التردد بين أمر الزيادة والتأخير. فالنسيء من داخل المعجم القرءاني: من النسيان وهو الترك؛ وقد قرأت هذه الآية : انما النسي دون همز؛ كما قرأت الآية 106 من سورة البقرة بهمز ودونه : ما ننسخ من آية أو نُنسها / ما ننسخ من آية او نَنسئها نأت بخير منها أو مثلها. فحقيقة النسي اذن هي الترك والاهمال؛ والى ذلك اشارت بعض الروايات الواردة الى ان كفار مكة كانوا يتركون المحرم فلا يذكرونه ( تفسير الطبري لآية النسيء)؛ وسواء كان النسيان لعلة نفسية او شيطانية؛ أوعن سبق اصرار وتعمد، فان محصلته واحدة الا وهي الترك. وعلى هذا فان النسيء هو اسم الشهر المنسي الذي كانت تتركه قريش عاما فتحله وتثبته عاما فتحرمه.
ومن خلال النص القرءاني يمكن القول: ان النسيء ضلالة كان يقوم بها الذين كفروا زيادة على كفرهم، مثل باقي الضلالات الاخرى: كالوأد واتخاذ البحيرة والسائبة والوصيلة والحام والاقتسام بالأزلام ...، و بمقتضى ضلالة النسي هذه؛ يتركون المحرم عاما ويثبتونه عاما بهدف موافقة الاشهر الحرم بأشهر الحل حتى يحلوا ما حرم الله. ومن هذا التعريف يتبين لنا ان النسي القرءاني ليس هو الشهر المقوم، بل هو ضلالة كان يقوم بها الكفار فوق ضلالتهم الاصلية ألا وهي الكفر؛ فيُضلون بالنسي عن الدين القيم؛ ويضِلون به الناس عن الاشهر العدة الحقيقية؛ والهدف منه هو مواطأة الاشهر الحرم بأشهر الحل؛ وليس الهدف منه مزامنة اشهر القمر مع ازمنة الشمس، ولا يحتمل النص القرءاني ان يكون معنى النسي هو الشهر المقوم بين القمر والشمس مطلقا؛ فجميع الروايات والاجتهادات التي فسرت النسيء بالكبس او الشهر المقوم على شاكلة التقويم الشمس قمري اليهودي روايات متأخرة جاءت على شكل اجتهاد وتأول من اصحابها الفلكيين في الغالب. ذلك ان الشهر المقوم يضاف على اقل تقدير بعد كل عامين او بعد ثلاثة اعوام على ابعد تقدير؛ والنص نص على توالي عام حل وعام تحريم؛ فالنسي القرءاني ليس هو زيادة شهر؛ بل هو ترك المحرم لما كان اول شهورهم عاما واثباته عاما؛ ولما كان ذلك من محض سوء اعمالهم الضالة فقد كان زيادة منهم على امر الله ودينه القيم، فكان ذلك منهم زيادة في الكفر، وعلى منوال الذين احسنوا الحسنى وزيادة؛ فان هؤلاء الكفار اساؤوا السوأى بفعلهم النسيء وزيادة؛ وزين لهم الشيطان سوء اعمالهم التي لا يحكمها اي منطق معقول غير مخالفة امر الله وحل ما حرمه ومقاتلة الناس في الاشهر كافة بعد ان يصلوا بالنسي عنها، وعجبي ممن يزعم انهم اقتبسوا الكبيسة من اليهود وهم لا يعرفون حتى معنى السبت اليهودي؟ ففي غزوة الخندق قال ابو سفيان لحيي بن اخطب: وما السبت؟ قال حُيي: “يوم من أيّامهم يعظمون القتال فيه، وذلك أن سبطًا منّا أكلوا الحيتان يوم السبت فمسخهم الله قردة وخنازير”، قال أبو سفيان: “لا أراني أستنصر بإخوة القردة والخنازير.( المغازي للواقدي ص 485.) فاذا كان ابو سفيان وهو رأس قريش لا يعرف ما السبت؛ فأنى له ان يعرف ايامهم وتقاويمهم وكبس ازمنتهم؟


قراءة النسيء والتنوين السافر:
ادعى النسأة الجدد ان الآية 37 من سورة التوبة قد قرأت خطأ بتنوين كلمة زيادةٌ بالضمة؛ وان الصحيح هو تنوينها بالفتحة : انما النسيء زيادةَ في الكفر؛ ليكون المعنى انما النسيء زيادةً في الكفر هو الضلالة؛ وان هناك بالتالي وبحسب هذه القراءة نسيء لا يعتبر من الزيادة في الكفر ولا من الضلالة ؛ بل هو مطلوب، طالما لا يؤدي الى اضلال الناس؛ وهو وجه من القراءة لم تحفظه لنا لا القراءات المتواترة ولا الشاذة؛ بل هو طرح عجيب ترفضه القراءة السياقية جملة وتفصيلا؛ فقد تغافل اصحابه عن ان الآية 37 انما جاءت بعد تحديد القرءان لعدة الاشهر عند الله وفي كتاب في اثنا عشر شهرا منها اربعة حرم في الآية 36 معتبرا ان ذلك هو الدين القيم بمعنى الحساب القويم (تفسير مقاتل بن سليمان) داعيا في نفس الوقت المسلمين الى قتال المشركين في الاشهر كافة كما يقاتلونكم في الاشهر كافة؛ دون الحاجة الى الاعتداد مثلهم بالنسي الذي كانوا يفعلونه حتى يلتفوا على الاشهر الحرم؛ فيحلو ما حرم الله؛ فإنما هو زيادة في الكفر على كفرهم ؛ يضلون به عن الدين القيم وعن الاشهر الحرم. على ان كون القرءان قد حدد عدة الدين القيم عند الله وفي كتابه في اثنا عشر شهرا لا يعني بالضرورة انه لا يمكننا الاعتداد في معاشنا بتقويم المايا حتى؟ المهم هو ان نلتزم بهذا الدين القيم في شعائر الله ومناسكه. فما معنى ان نلجأ الى شهر مقوم بين الشمس والقمر مع وجود امكانية الاعتداد بالشمس وبالتقويم الشمسي في امور المعاش والزراعة طالما انه يحقق الثبات المطلوب في موافقة الفصول والمواسم وضمان وقوعها في اماكنها؛ اللهم الا ما زعموه من ربط العلاقة بين الصيد والاشهر الحرم ومواسم توالد الحيوانات البرية؛ وقولهم ان غياب هذا الشهر المقوم هو السبب في تصحر شبه الجزيرة العربية وانقراض حيواناتها البرية. وطالما كان التاريخ والشعر والقواميس هي الوحي الثالث عند هؤلاء الذين يقطعون بها كبراهين اصولية فاني اطالبهم بأبيات شعرية وبروايات تاريخية تشير ولو من بعيد ان العرب قبل الاسلام قد اتخذت الاشهر الحرم لتحريم الصيد قبل ان ننزع آيات المائدة من سياقاتها الشديدة الالتصاق بمناسك الحج؛ فقال الله : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحِلُّواْ شَعَائِرَ اللَّهِ وَلاَ الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلاَ الْهَدْيَ وَلاَ الْقَلائِدَ وَلا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّن رَّبِّهِمْ وَرِضْوَانًا وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُواْ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَن صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَن تَعْتَدُواْ وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبَرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ). ومعلوم قرءانيا ان الحج اشهر معلومات؛ ولا نجد في السياقات المحمدية بكتاب الله اي اشهر معلومات غير الاربعة الحرم؛ وقد فرضته قريش في شهر الله الحرام ذي الحجة واقرها على ذلك النبي؛ فمن الطبيعي ان يلتصق الحج بالأشهر الحرم وتلتصق به؛ اذ لا ينعقد الا فيها، فقال الله لا تحلوا شعائر الله؛ وشعائر الله قرءانيا هي من مناسك الحج بدليل قوله تعالى: ( ان الصفا والمروة من شعائر الله، البقرة 158 ) وقوله تعالى: ( فاذكروا الله في المشعر الحرام البقرة 198) وقوله تعالى: ( ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب، الحج:32 ) وقوله تعالى: ( والبدن جعلناها لكم من شعائر الله ، الحج 36 ) فالسياق كله في الحج وشديد الالتصاق بمناسكه وشعائره؛ الى ان قال الله (واذا حللتم فاصطادوا) فدل ذلك على ان المقصود من قوله تعالى لا تقلتوا الصيد وانتم حرم؛ هو لا تقتلوا الصيد وانتم محرمون بالحج او العمرة؛ وقد بينت الآية 95 من سورة الانعام جزاء من تعمد قتل الصيد وهو حرم في هدي بالغ الكعبة او كفارة طعام مساكين او عدل ذلك صياما؛ والهدي لا يكون قرءانيا الا في الحج بدليل قوله تعالى (واتموا الحج والعمرة لله فان أحصرتم فما استيسر من الهدي ولا تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدي محله.... فمن تمتع بالعمرة الى الحج فما استيسر من الهدي، البقرة 196) وقوله تعالى (همُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفًا أَن يَبْلُغَ مَحِلَّهُ، الفتح 25).ومن هنا يمكن القول ان عبارة وانتم حرم تعني ان تكون في المسجد الحرام او قاصدا اليه محرما بالحج او العمرة في شهر حرام؛ فتستغرقك الحرمة من حيث الحال والزمان فالمكان؛ ويبدوا من الآيات القرءانية ان الخطاب في تحريم قتل الصيد موجه بالدرجة الاولى للمؤمنين الذين كان الوحي شاهدا على ايمانهم؛ وان هذا التحريم حسب الروايات التي بين ايدينا مرتبط بالطريق بين الميقات والمسجد الحرام - خاصة وان النص القرءاني نص في جزاء من قتل الصيد وهو حرم على هدي بالغ الكعبة- اكثر من ارتباطه بقتل الصيد في الحرم المكي؛ اذ من غير الوارد ان يستأنس الصيد بالوجود في مكان مزدحم بالناس الا ما كان في حكم النادر؛ سيما في بيئة صحراوية مثل شبه الجزيرة العربية؛ وقد كان اكثر صيدهم الحمار الوحشي والمها العربي؛ وهي الآن حيوانات منقرضة او في حكم المنقرض؛ وقد اورد البخاري في هذا الصدد ما يلي : حَدَّثَنَا أَبُو اليَمَانِ ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، قَالَ : أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَخْبَرَهُ ، أَنَّهُ سَمِعَ الصَّعْبَ بْنَ جَثَّامَةَ اللَّيْثِيَّ - وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُخْبِرُ أَنَّهُ أَهْدَى لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِمَارَ وَحْشٍ وَهُوَ بِالأَبْوَاءِ - أَوْ بِوَدَّانَ - وَهُوَ مُحْرِمٌ ، فَرَدَّهُ ، قَالَ صَعْبٌ : فَلَمَّا عَرَفَ فِي وَجْهِي رَدَّهُ هَدِيَّتِي قَالَ : لَيْسَ بِنَا رَدٌّ عَلَيْكَ وَلَكِنَّا حُرُمٌ. وقد اورد مسلم بدوره في نفس الشأن رواية اخرى فقال: وحَدَّثَنِي أَبُو كَامِلٍ الْجَحْدَرِيُّ ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَوْهَبٍ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ ، عَنْ أَبِيهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ : خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَاجًّا ، وَخَرَجْنَا مَعَهُ ، قَالَ : فَصَرَفَ مِنْ أَصْحَابِهِ فِيهِمْ أَبُو قَتَادَةَ ، فَقَالَ : خُذُوا سَاحِلَ الْبَحْرِ حَتَّى تَلْقَوْنِي قَالَ : فَأَخَذُوا سَاحِلَ الْبَحْرِ ، فَلَمَّا انْصَرَفُوا قِبَلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، أَحْرَمُوا كُلُّهُمْ ، إِلَّا أَبَا قَتَادَةَ ، فَإِنَّهُ لَمْ يُحْرِمْ ، فَبَيْنَمَا هُمْ يَسِيرُونَ إِذْ رَأَوْا حُمُرَ وَحْشٍ ، فَحَمَلَ عَلَيْهَا أَبُو قَتَادَةَ ، فَعَقَرَ مِنْهَا أَتَانًا ، فَنَزَلُوا فَأَكَلُوا مِنْ لَحْمِهَا ، قَالَ فَقَالُوا : أَكَلْنَا لَحْمًا وَنَحْنُ مُحْرِمُونَ ، قَالَ : فَحَمَلُوا مَا بَقِيَ مِنْ لَحْمِ الْأَتَانِ ، فَلَمَّا أَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنَّا كُنَّا أَحْرَمْنَا ، وَكَانَ أَبُو قَتَادَةَ لَمْ يُحْرِمْ ، فَرَأَيْنَا حُمُرَ وَحْشٍ ، فَحَمَلَ عَلَيْهَا أَبُو قَتَادَةَ ، فَعَقَرَ مِنْهَا أَتَانًا ، فَنَزَلْنَا فَأَكَلْنَا مِنْ لَحْمِهَا ، فَقُلْنَا : نَأْكُلُ لَحْمَ صَيْدٍ وَنَحْنُ مُحْرِمُونَ ، فَحَمَلْنَا مَا بَقِيَ مِنْ لَحْمِهَا ، فَقَالَ : هَلْ مِنْكُمْ أَحَدٌ أَمَرَهُ أَوْ أَشَارَ إِلَيْهِ بِشَيْءٍ ؟ قَالَ قَالُوا : لَا ، قَالَ : فَكُلُوا مَا بَقِيَ مِنْ لَحْمِهَا وحَدَّثَنَاه مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ ، ح وحَدَّثَنِي الْقَاسِمُ بْنُ زَكَرِيَّا ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ ، عَنْ شَيْبَانَ ، جَمِيعًا عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَوْهَبٍ ، بِهَذَا الْإِسْنَادِ فِي رِوَايَةِ شَيْبَانَ ، فَقَالَ : رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمِنْكُمْ أَحَدٌ أَمَرَهُ أَنْ يَحْمِلَ عَلَيْهَا أَوْ أَشَارَ إِلَيْهَا ؟ وَفِي رِوَايَةِ شُعْبَةَ قَالَ : أَشَرْتُمْ أَوْ أَعَنْتُمْ أَوْ أَصَدْتُمْ ؟ قَالَ شُعْبَةُ : لَا أَدْرِي ، قَالَ : أَعَنْتُمْ أَوْ أَصَدْتُمْ.
بصرف النظر عما يمكن ان تثيره هذه الروايات من اشكالات فقهية وحديثية فإنها تؤكد ان مسألة قتل المحرم للصيد اكثر ارتباطا بالطريق بين الميقات والحرم؛ من ارتباطها بالحرم المكي نفسه ؛ ولعل من شأن هذا ان يثير قضية الاحرام من المحل او من الميقات؛ فالقرءان دعا ابراهيم الى ان يؤذن في الناس بالحج ليأتوه رجالا وعلى كل ضامر؛ ومن كل فج عميق، والسنة السائدة ربطت الاحرام بالميقات؛ وجعلوا لكل قوم ميقاتا خاصا يحرمون عنده؛ على ان مسألة قتل المحرم للصيد تبقى برمتها مسألة نادرة الحدوث؛ وليست مسألة مترددة بدليل صيغة التقليل التي وردت بها في الآية : (ليبلونكم الله بشيء من الصيد تناله ايديكم ورماحكم). اما الزعم بان التحريم المقصود في سورة المائدة هو تحريم الصيد في الاشهر الحرم عامة على المحل والمحرم فليس الا محاولات بائسة لإعطاء ابعاد ايكولوجية لأحكام الله الدينية؛ فكان التقرير القرءاني صادما و من اول سورة المائدة " ان الله يحكم ما يريد".
اشهر السياحة الحرم ام الشهر الحرام؟
ابتدأت سورة التوبة بالتبرؤ باسم الله ورسوله من الذين عاهدهم المسلمون من المشركين ولم يحفظوا عهودهم ونكثوا ايمانهم وظاهروا على المسلمين؛ ونصت على اعطائهم فسحة اربعة اشهر قبل قتالهم و الآذان بذلك يوم الحج الاكبر؛ مع واستثناء المشركين الذين عاهدهم المسلمون دون ان ينقصوهم او يظاهروا عليهم؛ فهؤلاء يتم اليهم المسلمون عهدهم الى مدتهم؛ ومستثنون من فسحة الاشهر الاربعة ومن اي اجل طالما استقاموا، الى ان امر الله المسلمين بوجوب مقاتلة هؤلاء المشركين الذين نقضوا عهودهم مباشرة بعد انسلاخ اشهر السياحة الاربعة الحرم التي حددها الله لهم كأجل وحرم فيها قتالهم؛ فقال الله :( فاذا انسلخ الاشهر الحرم فاقتلوا المشركين ...) وقد اثارت هذه الصياغة مجموعة من الاشكالات الصعبة حقيقة ؛ ونحن نعتبر ان تعريف الاشهر الحرم بال هو تعريف للعهد الذكري؛ اذ لم يرد هذا التعبير (الاشهر الحرم ) مطلقا في القرءان الا في هذا الموضع من سورة التوبة؛ وانما عبر القرءان دائما حين يقصد الاشهر الحرم الاربعة المعروفة تاريخيا ( ذو القعدة؛ ذو الحجة ؛ محرم؛ رجب ) بكلمة الشهر الحرام الدلالة على اسم الجنس فقال: الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص. وقال: يسالونك عن الشهر الحرام قتال فيه. وقال: يا ايها الذين امنوا لا تحلوا شعائر الله ولا الشهر الحرام. وقال ايضا: جعل الله الكعبة البيت الحرام قياما للناس والشهر الحرام.
وقد ادعى النسأة الجدد ان قوله تعالى في سورة التوبة: ( فاذا انسلخ الاشهر الحرم) قول يترتب عنه ان الاشهر الاربعة الحرم التي حرم الله فيها القتال متتابعة؛ وهي بحسبهم محرم وصفر وربيع اول وربيع ثاني. وهم هنا قد احتجوا بالمرويات التاريخية وما يترتب عنها؛ فانطلاقا من ان المرويات جعلت سورة براءة في السنة التاسعة والاذان بها في ذي الحجة؛ اعتبروا ان اشهر السياحة الاربعة التي امهل الله فيها المشركين الذين نقضوا عهودهم مع المسلمين هي: محرم وصفر وربيع الاول وربيع الثاني؛ وحيث انهم فهموا من قوله تعالى فاذا انسلخ الاشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث ثقفتموهم؛ انسلاخ العدة التي حرم الله فيها القتال وظلم النفس والمحددة تاريخيا (في ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب )؛ فانهم زعموا بناء على هذا الفهم المستند على الروايات التاريخية ان هذه الاشهر بخلاف الرواية التاريخية السائدة متوالية وليست مفرقة في العام الواحد: ثلاثة سرد وواحد فرد، على الاقل نحن في هذه النقطة متساوون؛ القران لا يسمح لنا بتحديد اسماء الاشهر الحرم؛ وجميعنا يستند الى رواية تاريخية ما. لكنا على الاقل نستند الى روايات صريحة واحاديث نبوية لها حجيتها القابلة للنقاش اكثر من الاستناد الى افهام مبنية على ما يستنتج من روايات تاريخية؛ و قد لا توافق دائما اتجاه النص القرءاني. شخصيا لو استعمل النص القرءاني عبارة الاشهر الحرم في المواضع التي وردت فيها كلمة الشهر الحرام لما كان في وسعي الا ان اذعن لطرحهم؛ اما وان النص قد عبر دائما عن هذه العدة المحرمة في الاعوام كافة باسم الجنس (الشهر الحرام) الى ان جاء الى سورة التوبة فقال الاشهر الحرم، فإن الامر يستدعي اكثر من وقفة لعلها تحول بيننا وبين الخروج بنتائج مخالفة لما هو متواتر بناء على مجرد افهام تاريخية غير قرآنية. فلا يمكن فهم هذا الاختلاف في استعمال القرءان للشهر الحرام والاشهر الحرم دون ان نحفل بالسياق وتردد الاستعمال اللفظي للكلمة. صحيح - بناء على بعض المرويات السيرية التي لدينا- ان هذه الاشهر الحرم قد امتدت من العاشر من ذي الحجة 9 هجرية الى العاشر من ربيع الثاني؛ وهذا ما يزكيه انقطاع السرايا والغزوات في هذه المدة الى ان بعث الرسول سرية خالد بن الوليد الى بني الحارث بن كعب بنجران في شهر ربيع الاخر او في جمادى الاولى سنة عشر؛ وقيل في ربيع الاول؛ واختلافهم هذا في تأريخها انما هو امتداد لاختلافهم في تقدير بداية ونهاية اشهر السياحة الاربع. ومع كل ذلك نرى بناء على ما سبق، ان المقصود بهذه الأشهر الحرم الواردة في قوله تعالى: ( فاذا انسلخ الاشهر الحرم ) من سورة التوبة؛ هو اشهر السياحة الاربعة؛ وقد وصفها الله بالأشهر الحرم؛ لأنه حرم فيها قتال هؤلاء المشركين؛ و هي غير الشهر الحرام المحرم كاسم جنس للأشهر الاربعة في الاعوام كافة الى يوم القيامة وهي: ( ذو القعدة؛ ذو الحجة؛ المحرم؛ رجب).
من الداخل الى الخارج:
الشواهد الروائية على صحة تعريفنا للنسي:
16713- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد في قوله: (إنما النسيء زيادة في الكفر)، قال: فرض الله الحج في ذي الحجة. قال: وكان المشركون يسمون الأشهر: ذو الحجة, والمحرم, وصفر, وربيع, وربيع, وجمادى, وجمادى, ورجب, وشعبان, ورمضان, وشوال, وذو القعدة, وذو الحجة, يحجون فيه مرة، ثم يسكتون عن المحرم فلا يذكرونه, ثم يعودون فيسمُّون صفر صفر. ثم يسمون رجب جمادى الآخرة, ثم يسمون شعبان ورمضان, ثم يسمون رمضانَ شوالا ثم يسمُّون ذا القعدة شوالا ثم يسمون ذا الحجة ذا القعدة, ثم يسمون المحرم ذا الحجة، فيحجون فيه, واسمه عندهم ذو الحجة. ثم عادوا بمثل هذه القصة, فكانوا يحجون في كل شهر عامين, حتى وافق حجةُ أبي بكر رضي الله عنه الآخرَ من العامين في ذي القعدة. ثم حج النبي صلى الله عليه وسلم حجَّته التي حجَّ, فوافق ذا الحجة, فذلك حين يقول النبي صلى الله عليه وسلم في خطبته: " إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض ". ( الطبري تفسير آية النسي.)
16714- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور, عن معمر, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد: (إنما النسيء زيادة في الكفر)، قال: حجوا في ذي الحجة عامين, ثم حجوا في المحرم عامين, ثم حجُّوا في صفر عامين, فكانوا يحجون في كل سنة في كل شهر عامين, حتى وافقت حجة أبي بكر الآخرَ من العامين في ذي القعدة، قبل حجة النبي صلى الله عليه وسلم بسنة. ثم حج النبي صلى الله عليه وسلم من قابلٍ في ذي الحجة، فذلك حين يقول النبي صلى الله عليه وسلم في خطبته: " إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض ".( الطبري تفسير آية النسي).
أخرج‌ ابن‌ أبي‌ حاتم‌ ، وأبو الشيخ‌ عن‌ ابن‌ عمر ، قال‌ : وَقَفَ رَسُولُ اللَهَ صَلَّي‌ اللَهُ عَلَيْهِ ] وَآلِهِ [ وَسَلَّمَ بِالْعَقَبَةِ ، فَقَالَ : إنَّ النَّسي‌ءَ مِنَ الشَّيْطَانِ زِيَادَةٌ فِي‌ الْكُفْرِ ، يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا؛ يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهَ عَامًا؛ وَيُحَرِّمُونَ صَفَرَ عَامًا وَيَسْتَحِلُّونَ الْمُحَرَّمَ وَهُوَ النَّسِي‌ءُ.) تفسير الدرّ المنثور ج‌ 3 ، ص‌ 236).
(...) " فكان ينسأ الانساء سنة ويترك سنة ليحلوا الشهور المحرمة ويحرموا الشهور التي ليست محرمة؛ وكان ذلك من فعل ابليس القاه على السنتهم فرأوه حسنا. فاذا كان السنة التي ينسأ فيها، يقوم فيخطب بفناء الكعبة، ويجتمع الناس اليه يوم الصدر قيقول :يا ايها الناس اني قد أنسأت العام صفرا الاول –يعني المحرم- فيطرحونه من الشهور ولا يعتدون به؛ ويبتدئون العدة فيقولون لصفر وشهر ربيع الاول صفران، ويقولون لشهر ربيع الآخر وجمادى الاول شهرا ربيع، ويقولون لجمادى الآخر ورجب جمادين، ويقولون لشعبان : رجب، ولشهر رمضان: شعبان، ويقولون لشوال: شهر رمضان؛ ولذي القعدة: شوال، ولذي الحجة: ذو القعدة؛ ولصفر الاول – وهو المحرم الشهر الذي انسأه -: ذو الحجة؛ فيحجون تلك السنة في المحرم ويبطل من هذه السنة شهرا ينئسه... ثم يعدون الشهور على عدتهم التي عدوها في العام الاول، فيحجون في كل شهر حجتين... حتى يستدير الحج في كل اربع وعشرين سنة الى المحرم؛ الشهر الذي ابتدأوا منه الانساء، يحجون في الشهور كلها؛ في كل شهر حجتين". (الازرقي: اخبار مكة وما جاء فيها من الاثار. ج 1، ص275).
قضايا تأريخيه من السيرة النبوية شاهدة على صحة تعريفنا للنسي:
تكشف تواريخ بعض الغزوات واحداث السيرة ان التضارب الحاصل في تأريخها من حيث الشهر اساسا؛ انما كان بفعل هذا النسي الذي بيناه وان بعض الاحداث قد ارخت بالتالي بشهور النسي والعدة معا؛ خاصة تلك الاحداث والغزوات التي كانت فيها قريش طرفا؛ ولعله من المفيد ان نضرب امثلة تاريخية على صدق هذه الدعوى من خلال دراسة نماذج من هذه الاحداث وفق هذه الفرضية؛ وبما يكون سبيلا الى تقديم شواهد تأريخيه على صحة تعريفنا للنسي ومن هذه الاحداث :
1. حجة ابي بكر في العام التاسع من الهجرة:
حَدَّثَنَا عَبْد الْوَارِث بْن سُفْيَان، قَالَ: حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ الْعَوَّامِ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ حُصَيْنٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو بِشْرٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: أَنَّ أَبَا بَكْرٍ حَجَّ فِي ذِي الْقَعْدَةِ.
حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ عَبَّادٍ، قَالَ: قَالَ سُفْيَانُ بْنُ حُصَيْنٍ «قَالَ» وَأَخْبَرَنِي إِيَاسُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ خَالِدٍ الْمَخْزُومِيِّ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ حَجَّ فِي ذِي الْقَعْدَةِ، فَلَمَّا كَانَ الْعَامُ الْمُقْبِلُ حج رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذِي الْحِجَّةِ، فَخَطَبَ النَّاسَ. ( الدرر في اختصار المغازي والسير؛ ابن عبد البر؛ ص /82 1 بترقيم الموسوعة الشاملة).
قلت : والحق أنه لم يختلف في ذلك ، وإنما وقع الاختلاف في أي شهر حج أبو بكر ، فذكر ابن سعد وغيره بإسناد صحيح عن مجاهد أن حجة أبي بكر وقعت في ذي القعدة ، ووافقه عكرمة بن خالد فيما أخرجه الحاكم في " الإكليل " ، ومن عدا هذين إما مصرح بأن حجة أبي بكر كانت في ذي الحجة - كالداودي وبه جزم من المفسرين الرماني والثعلبي والماوردي وتبعهم جماعة - وإما ساكت . والمعتمد ما قاله مجاهد وبه جزم الأزرقي . ويؤيده أن ابن إسحاق صرح بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أقام بعد أن رجع من تبوك رمضان وشوالا وذا القعدة ثم بعث أبا بكر أميرا على الحج ، فهو ظاهر في أن بعث أبي بكر كان بعد انسلاخ ذي القعدة ، فيكون حجه في ذي الحجة على هذا والله أعلم ( فتح الباري شهر صحيح البخاري؛ كتاب المغازي؛ باب حج ابي بكر بالناس في سنة تسع).
يتضح من خلال الروايات اعلاه انه وقع الاختلاف في اي شهر حج ابو بكر بالناس سنه تسع ما بين من قال بانه حج في ذي القعدة وبين من قال بانه حج في ذي الحجة؛ والاصل ان هذا الاختلاف انما كان بسبب ان من قال ان حجه كان في ذي الحجة قد ارخ لها بشهور العدة المستقيمة؛ وان من قال بان حجته كانت في ذي القعدة فقد ارخ لها بشهور النسيء؛ اذ كانت حجته في الطور 22 من النسي الموافق للسنة التاسعة من الهجرة؛ وقد وافق فيه شهر ذي الحجة العدة شهر ذي القعدة النسي.
2. صلح الحديبية في السنة السادسة للهجرة واشهر اعتمار النبي:
قال ابن إسحاق: ثم أقام رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه وسلم بالمدينة- يعني بعد غزوة بني المصطلق- رمضان وشوالًا، وخرج في ذي القعدة معتمراً لا يريد حربا. (موقع بوابة السيرة النبوية )
وَقَالَ الْمُحب الطَّبَرِيّ: الْحُدَيْبِيَة قَرْيَة قريبَة من مَكَّة أَكْثَرهَا فِي الْحرم، وَكَانَ خُرُوجه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من الْمَدِينَة يَوْم الْإِثْنَيْنِ لهِلَال ذِي الْقعدَة سنة سِتّ بِلَا خلاف، وَمِمَّنْ نَص على ذَلِك الزُّهْرِيّ وَنَافِع مولى ابْن عمر وَقَتَادَة ومُوسَى بن عقبَة وَمُحَمّد بن إِسْحَاق. ( موقع جامع السنة و شروحها)
وقال يعقوب بن سفيان: حدثنا إسماعيل بن الخليل عن علي بن مسهر، أخبرني هشام بن عروة عن أبيه قال: خرج رسول الله ﷺ إلى الحديبية في رمضان، وكانت الحديبية في شوال، وهذا غريب جدا عن عروة. (موقع جامع السنة وشروحها ).
من خلال الروايات اعلاه نسجل الملاحظات التالية :
من المستبعد ان يكون يوم الاثنين فاتح ذي القعدة سنة ست؛ فقد وقع الاقتران الفلكي نهار الجمعة 14 ابريل غريغوري 628 على الساعة 14:50 فكان الاحد هو فاتح الشهر.
كان صلح الحديبية في الطور 19 من اطوار النسي الموافق للسنة السادسة للهجرة وفيه وافق شهر ذي القعدة العدة؛ شهر رمضان النسيء؛ ومن هنا فما اورده عروه عن ابيه من ان الخروج الى الحديبية كان في رمضان وان الحديبية في شوال صحيح بهذا المعنى في الطور التاسع عشر من النسي، فقد وافق فيه شهر شوال النسي؛ شهر ذي الحجة العدة؛ وفيها كان انعقاد صلح الحديبية. ولعل ذلك كان في العاشر منها بدلالة ان الرسول رأى في رءياه انه عرف مع المعرفين؛ فاذا صح ان الحديبية كانت في ذي الحجة؛ فان قضاءها سيكون هو الآخر في ذي الحجة؛ فالشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص؛ و ما توصلنا اليه هنا من خلال تحديد ادوار النسي وتوزيعها على الكلندار النبوي، ليؤكد من جديد صحة قولنا في مقال فواتح سورة الروم والجهل بالسنين ان الامد الزمني الفاصل بين معركة نينوي التي انتصر فيها الروم على الفرس يوم السبت 15 دجنبر 627 ميلادية غريغورية / 12 دجنبر جوليانية، الموافق ل 28 رجب 6 هجرية، ومعركة موتة التي انهزم فيها المسلمون امام الروم في يوم الجمعة فاتح جمادى الاول 8 هجرية الموافق 28 غشت 629 ميلادية غريغورية / 15 غشت جوليانية، هو نفسه الامد الزمني الفاصل بين صلح الحديبية في يوم الاربعاء العاشر من ذي الحجة العدة 6 هجرية المقابل لشوال النسي والموافق 23 ابريل 628 ميلادية غريغورية / 20 ابريل جوليانية، وفتح مكة في يوم الاربعاء 14 رمضان العدة 8 هجرية المقابل لشعبان النسي والموافق 6 يناير 630 ميلادية غريغورية / 3 يناير جوليانية. و هو الامد الذي عبر عنه القرءان ببضع سنين في سورة يوسف وفي سورة الروم؛ ما يمثل 622 يوم بحسب ما حققناه سواء في دراستنا لسورة يوسف او في سورة الروم اومن خلال الوقائع التاريخية .
ويشهد لانعقاد صلح الحديبية في شهر ذي الحجة ايضا؛ ما ورواه الْبَيْهَقِيّ من رِوَايَة عبد الْعَزِيز بن مُحَمَّد عَن هِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه عَن عَائِشَة: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اعْتَمر ثَلَاث عمر: عمْرَة فِي شَوَّال، وعمرتين فِي ذِي الْقعدَة. والْحَدِيث عِنْد أبي دَاوُد من رِوَايَة دَاوُد بن عبد الرَّحْمَن عَن هِشَام، إلاَّ أَنه قَالَ: اعْتَمر عمْرَة فِي ذِي الْقعدَة وَعمرَة فِي شَوَّال.
وكذلك الامر في عمرة القضاء التي كانت في الدور 20 من النسيء حيث وافق فيها شهر ذي الحجة العدة؛ شهر شوال النسي؛ ما يوضح بجلاء ان عمرة الحديبية وعمرة القضاء انما كانتا في: شهر الله الحرام ذي الحجة العدة؛ الموافق لشوال النسي؛ فصد عن الاولى وقضى في الثانية؛ ومن هنا روى الدراقطني انه خرج مُعْتَمِرًا فِي رَمَضَان. وهو رمضان النسي الموافق لذي القعدة العدة سنة سبع. اما عمرة الجعرانة سنة ثمان للهجرة ان صحت فقد كانت في الدور 21 من النسي الذي وافق فيه ذي الحجة العدة؛ شهر ذي القعدة النسي فأرخوها بشهر النسي، وانما كانت في ذي الحجة العدة؛ ويشهد لذلك ما رواه الحافظ أبو القاسم الطبراني في معجمه الكبير قائلا : "حدثنا الحسين بن إسحاق التستري ثنا عثمان بن أبي شيبة ثنا محمد بن الحسن الأسدي ثنا إبراهيم بن طهمان عن أبي الزبير عن عمير مولى عبد الله بن عباس عن ابن عباس قال : لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من الطائف نزل الجعرانة فقسم بها الغنائم ، ثم اعتمر منها ، وذلك لليلتين بقيتا من شوال". فكان شوال هذا هو شوال النسي الموافق لذي القعدة العدة؛ فقد خرج رسول الله الى فتح مكة يوم الجمعة لليلتين خلتا من رمضان وصبحها لثلاث عشرة ليلة خلت منه؛ ففتحها الاربعاء 14 رمضان؛ ومكث الرسول في مكة بعد الفتح تسعة عشر ليلة حسب ما رواه البخاري. وخرج الى حنين لثلاث ليال خلون من شوال؛ ووقعت الغزوة في يوم السبت الثامن من شوال وحاصر الطائف اربعين ليلة حسب رواية مسلم ورجع الى الجعرانة ومكث بها ثلاث عشرة ليلة قبل ان يعتمر؛ وهذه المدد التي اوردناها تستغرق شهر رمضان وشوال و كل ذي القعدة وليلة من ذي الحجة. ورجع الرسول الى المدينة في ذي الحجة المقابل لذي القعدة النسي، فمكث ما بقي من ذي الحجة ثم ارسل سرية عيينة بن حصن الى بني تميم في المحرم من السنة التاسعة؛ وبهذا يظهر ان جميع عمرات الرسول كانت في شهر الله الحرام ذي الحجة العدة؛ بما في ذلك التي مع حجته:
عمرة الحديبية : ذو الحجة = شوال النسي. واحرم بها في ذي القعدة العدة.
عمرة القضاء: ذو الحجة = شوال النسي. واحرم بها في ذي القعدة العدة.
عمرة الجعرانة : ذو الحجة العدة = ذو القعدة النسي.
عمرة حجة الوداع : ذو الحجة العدة = ذو الحجة النسي.
3. غزوة بدر الموعد: من شعبان الى ذي القعدة.
لما قدم رسول الله ﷺ من غزوة ذات الرقاع أقام بقية جمادي الأولى إلى آخر رجب، ثم خرج رسول الله ﷺ في شعبان وعليه اقتصر الأصل وقيل خرج في شوّال، وقيل في مستهل ذي القعدة كل ذلك في سنة أربع. من الوهم قول موسى بن عقبة رحمه الله: إنها كانت في شعبان سنة ثلاث لما علمت أنها بعد أحد، وأحد كانت في شوّال سنة ثلاث، والحافظ الدمياطي قدّم هذه الغزوة على غزوة ذات الرقاع، وتبعه الشمس الشامي وصاحب الإمتاع.
وكان وصوله إلى بدر هلال ذي القعدة، وهذا لا يناسب إلا اقول بأن خروجه كان في شوّال، وكان ذلك موسما لبدر في كل سنة يحضره الناس ويقيمون به ثمانية أيام كما تقدمت الحوالة عليه. ( السيرة الحلبية، غزوة بدر الاخرة، ويكي مصدر).
وقعت غزوة بدر الموعد في الطور 17 من اطوار النسي؛ وقد وافق فيه شهر ذي القعدة العدة شهر شعبان النسي؛ ومن هنا ارخت هذه الغزوة بشهر شعبان النسي عند بعضهم وبشهر ذي القعدة العدة عند بعضهم الاخر؛ فهي اذن في شهر ذي القعدة العدة الموافق لشهر شعبان النسي وكان خروج الرسول اليها في شوال العدة وانتهى الى بدر يوم الخميس لهلال ذي القعدة واقام به مدة الموسم ثمانية ايام ينتظر قدوم جيش قريش.
4. سرية عبد الله الحضرمي الى بطن نخلة: القتال في الشهر الحرام وتغيير القبلة:
عند موسي بن عقبة في كتاب المغازي : أن السريّة خرجت على رأس اربعة عشر شهرا من الهجرة وقيل في رجب، ,والقول بأربعة عشر شهرًا قول منفرد.
قال الواقدي في المغاري: أن السرية خرجت على رأس 17 شهرا من الهجرة وهو موافق لما عليه ابن هشام في سيرته، وابن سعد في الطبقات.( موقع بوابة السيرة النبوية ).
ذهب جمهور أهل السير إلى أنّ تحويل القبلة وقع بعد سريّة عبد الله بن جحش -ولم يختلفوا على تأريخ السريّة في آخر رجب وأول شعبان- وبالتالي يكون وقوع تحويل القبلة في النّصف من شعبان، وهو المشهور، وذكر ابن كثير رواية عن النّسائي أنّه لمّا نزل الأمر بتحويل القبلة خطب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المسلمين، وأعلمهم بذلك وأن ذلك وقت الظهر، وشاع في كتب السير أن تحويل القبلة حدث بين صلاة الظهر والعصر وأنّ أوّل ما صلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالمسلمين جهة الكعبة كانت صلاة العصر( موقع بوابة السيرة النبوية).
حين نتفحص الروايات الواردة في شأن هذه السرية نكتشف فيها مفارقة من نوع خاص: كيف يعقل ان تعير قريش محمدا واصحابه باستحلال الشهر الحرام لو لم يكن الشهر شهرا حراما وفق مبدأ النسيء الذي تعتد به ؟ ما يعني قد يعني ان رجب المقصود هو رجب النسي لا رجب العدة؛ وهو بالتالي شهر حل بالنسبة للمسلمين؟ ولكن كيف يعقل ايضا ان يعاتب الرسول محمد اصحابه بقوله ما امرتكم بقتال في الشهر الحرام لو لم يكن الشهر شهر حرام فعلا وفق اشهر العدة المستقيمة؟
ان هذه المفارقة لا يحلها الا كون هذه السرية كانت في السنة الاولى للهجرة وليس في السنة الثانية؛ وقد كانت في الطور الرابع عشر من النسي وفيه يوافق رجب النسيء الذي ارخت به هذه السرية لاشتهار امره بين قريش شهر الله الحرام ذي الحجة العدة، وبهذا نحل المفارقة ونؤكد من جديد ان تعريفنا للنسيء صحيح على ضوء هذه الشواهد التاريخية؛ غير ان هذا الحل الذي قدمناه يعصف بإجماع الجمهور على ان تغيير القبلة كان على رأس سبعة عشر شهرا من الهجرة؛ فالصحيح على ضوء ما بيناه ما رواه انس : 2155- حدثنا عمرو بن علي قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عثمان بن سعد الكاتب قال، حدثنا أنس بن مالك قال: صلى نبي الله صلى الله عليه وسلم نحو بيت المقدس تسعة أشهر أو عشرة أشهر. فبينما هو قائمٌ يصلي الظهر بالمدينة وقد صلى ركعتين نحو بيت المقدس, انصرف بوَجْهه إلى الكعبة, فقال السفهاء: " ما وَلاهُم عن قبلتهم التي كانوا عَليها " (تفسير الطبري ) وبهذا يتضح ان السرية كانت في رجب النسي الموافق لذي الحجة العدة في السنة الاولى على رأس عشرة اشهر من الهجرة ومن هنا نفهم قول من قال ان تغيير القبلة كان في الثامن المحرم؛ وهو يقصد محرم العدة المستقيمة المقابل لشعبان النسي...



#محمد_بن_ابراهيم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اوهام النسأة الجدد : في النسيء القرآني والنسيء التقويمي (1)
- النبي داوود وقضية النعاج وجهة نظر أخرى
- ليلة القدر وتقويم الليالي العددية العالمي الموحد (6)
- ليلة القدر وتقويم الليالي العددية العالمي الموحد (5)
- ليلة القدر وتقويم الليالي العددية العالمي الموحد (4)
- ليلة القدر وتقويم الليالي العددية العالمي الموحد (3)
- ليلة القدر وتقويم الليالي العددية العالمي الموحد (2)
- ليلة القدر وتقويم الليالي العددية العالمي الموحد (1)
- محاولة في الكرنولوجية النبوية الشريفة
- عمر النبي نوح المضاعف بين الألف سنة وال 1000 سنة
- الحجة في القرءان وحدة للقياس بمدين
- وحدات قياس الأجل في القرءان: الحول نموذجا
- اصحاب الكهف والرقيم واللامفكر فيه
- التناص العددي والطي البياني في رءيا يوسف والملك
- فواتح سورة الروم والجهل بالسنين


المزيد.....




- Lenovo تطلق حاسبا متطورا يعمل مع تقنيات الذكاء الاصطناعي
- رؤية للمستقبل البعيد للأرض
- درون روسي -يصطاد- الدرونات الأوكرانية بالشباك (فيديو)
- صحيفة أمريكية تشيد بفاعلية درونات -لانسيت- الروسية
- الصين تستعد لحرب مع الولايات المتحدة
- كيف سيؤثر إمداد كييف بصواريخ ATACMS في مسار العملية العسكرية ...
- ماهي مشكلة الناتو الحقيقية؟
- هل تغرب الشمس ببطء عن القوة الأمريكية؟
- آخر تطورات العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا /30.04.2024/ ...
- كيف تواجه روسيا أزمة النقص المزمن في عدد السكان؟


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - محمد بن ابراهيم - اوهام النسأة الجدد : في النسيء القرآني والنسيء التقويمي (2)