أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمود سعيد طه - تذكرة القطار














المزيد.....

تذكرة القطار


محمود سعيد طه

الحوار المتمدن-العدد: 6650 - 2020 / 8 / 18 - 22:29
المحور: الادب والفن
    


كنت متوترا في تلك اللحظة .. إنها لحظات الصخب والانفعالات المكتومة التي يعرفها كل من يتردد على محطات القطار خاصة محطة مصر .. اشتريت تذكرتين، لي ولزميلي الذي اعتذر في آخر لحظة ولم أجد مشتري لهذه التذكرة .. ونظرت حولي مرارا ملتمسا من يبحث عن تذكرة في الدرجة الأولى ولكن الجميع. يتقاتل علي الدرجة الثانية كالعادة ونظرت خلفي محدقا في ذلك القادم من بعيد تجاه شباك التذاكر ناديت عليه سريعا ..قابلته بابتسامته الهادئة الجذابة التي منحته نورا .. علي وجهه وهيبة ووقار شيخ كبير .. كنت على رصيف محطة مصر منتظرا القطار المتجه إلي أسوان .. أسرعت اليه الخطى بابتسامة تحمل المزيج من الشوق والحب والود وأمل اللقاء صافحته وعانقته كأخ لم اره منذ زمن بعيد .. سألته سريعا عن احواله واهله وعمله .. انه صديقي المخلص بحق .. لم يطلب مني من قبل شيئا أبدا لغرض مخفي ولم اطلب منه شيا الا وفعله بحب مهما كان ثقيلا لم أره او افترق بعيدا عنه إلا ولمعة الحب في عينيه ولم أحدثه اشكو همي إلا ونصيحة الاخ المحب كانت السكينة، لا اتذكر انه طلب مني شئ من قبل من الأساس وعندما اعتذر منه من كثرة طلبي يتبسم تلك الابتسامة الجميلة ويقول جملته الشهيرة من الله وإلى الله . لا يتحدث في أموره وأمور الآخرين إلا بحب وكان الكون حوله هو مدينة فضيلة جميلة ...
دعابته غير متكلفة هادئ النبرات كعصفور يزقزق كل صباح فيعطي اعذب الالحان .. كم اقدر هذا الرجل .. سفري الي اقصي الصعيد بعيد .. لكنني لن اشعر بالملل هذه المرة ولا بالضيق فريقي هذه المرة هو ذلك الوقور الباسم .
اهتز القطار برتابة واخذنا من محطة الي الاخري إلى أن وصلنا الي الاقصر وبدأت اشعر بتلك النوبة المتكررة لي مغص شديد في المعدة وقئ مع شلل في قدماي وتنميل ثم افعل كما يفعل الاطفال الرضع بلا توقيت .... يعلم رفيقي جيدا ما بي واني قد اغرق بنطالي امام الناس ... قام سريعا من علي كرسيه الملاصق لي .. ومع صوت أنيني ونظرات الناس المتوترة حملني علي كتفه وسط ذهول وشفقة راكبي القطار .. وتساؤلهم ماله يا شيخ فيه ايه !؟
"لا اله الا الله شاب صغير" .. نطقتها بغمغمة مشفقة تلك السيدة الجالسة عند باب العربة فزادت أوجاعي ألف مرة وعضضت شفتاي وبكيت فعلا منتحبا على حالي ... هدأني بصوته الرخيم "متقلقش يا حبيبي خير تماسك انت بس خلاص اهه احنا عند باب الحمام" ..
كنت قد اغرقت فعلا جسده بفضلاتي .. لم يبالي وهو يعلم اني سأفعلها فقد رآني من قبل في مثل هذه الحالة ... انزلني في الحمام سريعا وعاد إلى مقعده في القطار وأخرج من شنطته الهاند باج كيسا به أدواته الشخصية والمناديل وزجاجة المسك التي يستعملها وبيجامته التي يرتديها للنوم وجلابية له ايضا ... عاد سريعا مكررا اعتذاراته لكل من يمر به علي الرائحة والحدث .. وصل الي وانا استند براحتي علي جدار الحمام جالسا علي قاعدة التواليت نزع عني بنطالي سريعا بحياء وشهامة واضحة وكأنني ابيه المقعد الذي يبره في اواخر عمره راغبا في الجنان !!
اي رجل هذا !! تعجبت منه رغم معرفتي له ...
تبسم في وجهي قائلا "يلا عشان اغيرك هدومك يا واد" .. ابتسمت رغم دمعي وبذل ثم البسني بيجامته المخصصة للنوم الي كانت فضفاضة ولبس هو جلابيته الاخري .. امتزجت بابتسامته الهادئة فخففت من آلامي الدفينة .وأن كانت عيناي الدمعتان تقاوم الرغبة في البكاء وهو ينظر إلي وانا أتخاشى نظراته ويبتسم لي قائلا .. ايه يا عم قال يعني كل اللي قاعدين دول مش متبهدلين زيك ريحة وقرف ..ده ربنا ساتر علينا بس !! لا ادري لماذا تقبلت المعني وان كان عميقا باطنيا ! اخرج الكيس الذي كان يحوي ملابسه الجديدة ووضع فيها ثيابنا نحن الاثنين المتسخة بفضلاتي وربطها جيدا وفتح الباب وطلب من عامل النضافة في القطار ان يلقيها معتذرا كعادته في التحدث ."اسند عليا يا صاحبي" هكذا نطقها انه ليس بصاحب فأخي كان محرجا مني من قبل أمام الناس في موقف مثل هذا وأخبرهم بتوتر أنني صاحب مرض ! وحملني دون مساعدة الواقفين الناظرين بقلق ... والف سلامة عليك يا استاذ ..هكذا سمعت السلامات تنهال مرة اخري واستمر القطار في ضجيجه المكتوم برتابته المعهودة واسندت رأسي علي مقعدي وهو يربت علي رجلي ولم اندم علي منحه تلك التذكرة .. تذكرة القطار ....
تمت



#محمود_سعيد_طه (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- فنانة مصرية شهيرة: سعاد حسني لم تنتحر (فيديو)
- وفاة المخرج ميشائيل فيرهوفن وساسة ألمانيا يشيدون بأعماله الف ...
- -الماتريكس 5-.. حكاية المصفوفة التي قلبت موازين سينما الخيال ...
- -باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمود سعيد طه - تذكرة القطار