أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد كريم إبراهيم - تعليم الفنون وتفنين العلوم















المزيد.....

تعليم الفنون وتفنين العلوم


محمد كريم إبراهيم

الحوار المتمدن-العدد: 6640 - 2020 / 8 / 8 - 14:04
المحور: الادب والفن
    


ينظر عالمنا اليوم إلى الفنون والعلوم نظرةً غامضة. فمن طرفٍ، هما تُدرسان في الجامعات بشكل منفصل، وتستخدمان وسائل مختلفة، ثم تميلان إلى غاية مستقلة. فالعلوم تستخدم تجارب العلمية والمنطق للوصول إلى الحقائق والنتائج المفيدة مادياً للبشر، أما الفنون فتستعمل التجسيد والتلاعب في الأداة لإيثار عواطف البشرية.
ومن طرفٍ آخر، هما يتشاركان في قدرة على تطوير وتنوير عقل البشري، وكلاهما تبحثان عن أنماط في الطبيعة لأستمدادها من أجل فتح الآفاق وتوسيع الزوايا. الفن يبحث عن أنماط في لغة مثلاً عند بناء الأشعار، ومبدأ هذا النمط هو العاطفة، أي أن الشعر المختار يصل غايته عند إستحضار المشاعر المرجوة في نفس القارئ، وكلما كانت المشاعر أقوى تصبح نمط الشعر أجمل. بينما العلم يبحث عن أنماط في الأرقام، مثلاً عند إيجاد قوانين رياضياتية، ويعول في مبدأه على المنطق والوقائع من دون لجوء إلى عامل بشري (سوى في علوم تدرس فيه البشر)، فكلما كانت المعادلة العلمية قريبة لوصف الواقع، كلما أرتفعت قيمة تلك المعادلة.
لا يمكن في وقتنا الحاضر الأستغناء بأي منهما، الأول يعطي العقل قيمة للحياة وغرضاً للعيش، والثاني يعدنا بأستمرار الجسد في الوجود والسيطرة على الغد.
دفع هذه النظرة الملتبسة إلى إحياء كثير من الأعمال والشركات الرابحة التي تختص بتفنين العلوم وتعليم الفنون. نرى مثلاً لجوء بعض الأساتذة الجامعيين إلى تلوين سمعة العلم وذلك عن طريق تقديم الأفكار العلمية المعقدة بشكل بسيط ومقارن مع الأشياء الموجودة في الحياة اليومية دون ذكر مصطلحات ومعادلات رياضية. أفكارٌ تجريدية كالميكانيكا الكوانتم التي لا يمكن حتى لأعظم العلماء إدراكها سوى من خلال الرياضيات، يقدمها كثير من الأساتذة في البرامج التلفزيونية كأستاذ نيل ديغراس تايسون بشكل سهل ومبسط ومرح للمشاهد العادي. ويلجأ بعض الأفلام إلى تقديم الغرض الفني للعلم، مثل أفلام الخيال العلمي كستار ورز (حرب النجوم) الذي يعطي صورة إيجابية للعلم ويحفز المشاهد إلى تعلم العلوم بأنواعه.
إذاً نرى دخول الفن إلى مجال العلم لكي يقرب المعلومات البحتة التي تكون أكبر من المتعلم إلى ذهنه، وذلك بأستعمال أدوات وخدع عقلية مشاعرية وتجريبية لتجسير ما بين المعلومات التي نعرفها سابقاً أو مشاعر نألفها مع أفكارٌ يشق للوعي إدراكه. نذكر مثلاً أستخدام الأغاني لحفظ حروف الأبجدية، أو أستعمال رسوم الكرتونية من أجل إيضاح فكرة لا يلين الواقع لتمثيلها (مثل توضيح صور الأحيائية من مركبات البكتريا والفايروسات وأشياء أخرى تصعب مشاهدة حقيقتها في الواقع). وسرد القصص في المحاضرات العلمية لها تأثير عظيم على جذب أنتباه الطلبة نحو الدرس. الفن يمكن أن يعطي للإنسان معارف وليست فقط تجارب. يمكن للفن ان يحفز الأعصاب الدماغية المرتبطة بالتصرفات، وبحركة العضلات، وبالمشاعر والأحاسيس، وبالخبرة والأداء.
كذلك الأمر لتعليم الفن، حيث يلجأ الفنان إلى تعلم الفن عن طريق العلم من خلال فهم أنواع الأصباغ وتفاعلاتها الكيميائية، ومن خلال تعلم علوم النفس والمؤثرات البصرية، ومن خلال تعلم الهندسة والرياضيات. كل تلك العلوم تساعد الفنان والفنانة على أختيار أنماط ذات تأثير عاطفي أقوى وذات قيمة نفسية أعلى، وتعطيه أدوات أكثر لصناعة فنه.
يعود انفصال العلم عن الفن جزئياً إلى الفيلسوف أغريقي أفلاطون الذي قام بنقد الفنون بجميع أشكالها وأتهمها بتضليل الناس وإبعادهم عن الحقيقة "المثالية". وهذا جزئياً صحيح، فمثلاً لو قام الفنان بكتابة التاريخ لوقع جميع الحضارات إلى مشكلة في الأصل والمنشأ، وذلك لأن الفنان لا يسجل الأحداث المملة أو غير المحفزة للمشاعر ولا يهتم بها حتى لو كانت الحادثة مستحق التسجيل. أي لو حاولت قراءة التاريخ، فسوف تراها مليئة بالعواطف بشتى أنواعها الحزينة والمفرحة وتراها خالية من الوقائع التي لا يراه الفنان ذات مغزى ومعنى. لكننا نعلم اليوم أن الفن يمكنه مساعدة الأشخاص لتعلم الحقيقة أكثر ويحفزهم على ذلك. يمكن للفن أن يغطي وجه القبيح للعلم حتى يتسنى للأشخاص من الأقتراب منه من دون خوف، وبعد وقوعهم في غرام العلم، يمكن عندها نزع قناع الفن واظهار الوجه الحقيقي للعلم عندما يكون الآوان قد فات للهرب من تعقيداته وجفافه، عندها يضم المتعلم العلوم في صدره ويتخذ ملجأً عنده.
وقد يصعب على البعض رؤية انغماس العلم في الفن كرؤية الفن في العلم. بمعنى آخر، لا نرى هناك فائدة نمطية عظيمة من تعلم الفنان لعلوم المختلفة كأستفادة العالم من تعلم الفنون؛ تقدر الرسامة أن ترسم صورة من دون التفكير في العلم، ويمكن للنحات أن ينحت مُجسداً من دون الإطلاع على علم الصخور، وكذلك المطرب يمكنه ان يغني من دون المعرفة بعلم الصوتيات، أو جري الرياضي من دون المعرفة بالفيزياء الميكانيكية. لا يمكن للحقيقة أن تكون أبعد من ذلك، بالرغم من اعتماد الفنان على يده في تكوين فنونه، إلا أن هناك قدراً من العلوم التي يجب على الفنان أن يتعلمها قبل الخوض إلى بحر الفنون. مثلاً، فن الكتابة لا يمكن أن يستغني عن علم اللغة والنحو، والفنان المعمر غير قادر على التعمير بدون معرفة الهندسة, والنحات يجب عليه ان يعلم نوع الأحجار الذي يتعامل معه, والرسامة من المفترض عليها معرفة كيميائية الألوان ونوعيته.
إن محاولة فصل التام ما بين العلم والفن هي محاولة يائسة بحد ذاتها ومن بدايتها. العلم والفن يعتبران قضية إنسانية، حيث اثنانهما يفشلان عند غياب الإنسان لإستيعابهما. كلاهما – العلم والفن – يقدران التناسق والبساطة والتزامن. التناسق في الفن يعني الجمال، أما في العلم فهو يعني صحة الدلائل مع ما يجري في الواقع، فإذا كانت نتائج البحث والتجارب متناسقة مع بعضها فهي تعني صحة العلم. أما البساطة فنراه في الرياضيات والفيزياء حيث نرى قوانين وبديهيات قليلة تنتج نتائج عظيمة وهذا نوعٌ من البساطة، وفي الفن البساطة تعني إنتقال المشاعر بقوة وبسرعة إلى المتلقي حيث ينتج عن ذلك أفعال وأقوال عديدة من قبل ذلك المتلقي. أما التزامن والسلاسة فهو أمر ضروري في العلم، حيث يجب أن يأتي المسبب قبل أن تأتي النتيجة، بينما في الفن يمكن كسر التزامن والسلاسة لأغراض فنية ولكن في الغالب يكون التزامن والسلاسة أجمل وأقوى عاطفيا إن أتقنه الفنان، مثل أتقان معرفة الوقت المناسب وسلس للإنتقال من نوتة موسيقية إلى أخرى التي تشبهها في القوة والجمال.
الإختلاف ما بين العلوم والفنون هو إختلاف ما بين البحث عن الحقيقة وتجسيد الحقيقة. ككاتب، يمكنني القول بأن البحث عن موضوع ما وإيجاد براهين وحجج له يتطلب بعض المهارات العلمية، أما طريقة التقديم والعرض يتطلب طرق فنية لجعله أكثر قرباً للإنسانية ومشاعره ورغباته. العلم يبحث عن المعلومات الحقيقية ويحاول إثباتها وأستغلالها من أجل البشرية. أما الفن فهو مكلف بتقديم المعلومات بصورة مشاعرية وجميلة من أجل إيضاح أكبر لمعلومات والتركيز على الأحداث المهمة. وكذلك إن الفن لا يملك قاعدة منهجية، فما تتعلمه في معاهد الفنون الجميلة هي فقط أدوات وتذكير لأساليب التي تبعها الفنانين السابقين ونجحوا في تأثير على الجمهور. أي إن الفنان يتمتع بخيارات فنية في فنه بما لا يتمتعه العالم في علمه لتقيده بقواعد غير متزحزحة بسهولة, وقوانين بحتة عامة.
في الخاتمة، نقول إنه يجب ان يتواجد في عقل الفنان نوعاً من العلوم لتثرية خياله وتوسعة إبداعه وتنويع أدواته وقدرته على صنع أنواع مختلفة من الفنون. ويجب كذلك بالمقابل أن يتواجد في عقل العالم نوعاً من الفنون لكي تصبح تلك العلوم إنسانياً اكثر, وتحببها الى النفوس، وتلبي متطلبات العاطفية البشرية بدلاً من أن تكون بحتاً جافاً جامداً خال من المشاعر التي ساهمت في إيجادها وإكتشافها.



#محمد_كريم_إبراهيم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب
- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...
- -الضربة المصرية لداعش في ليبيا-.. الإعلان عن موعد عرض فيلم - ...
- أردوغان يشكك بالروايات الإسرائيلية والإيرانية والأمريكية لهج ...
- الموت يغيب الفنان المصري صلاح السعدني
- وفاة الفنان صلاح السعدني عن عمر يناهز الـ 81 عام ….تعرف على ...
- البروفيسور منير السعيداني: واجبنا بناء علوم اجتماعية جديدة ل ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد كريم إبراهيم - تعليم الفنون وتفنين العلوم