أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ماهر الزعق - رسالة إلى صديق














المزيد.....

رسالة إلى صديق


ماهر الزعق

الحوار المتمدن-العدد: 6638 - 2020 / 8 / 6 - 17:14
المحور: الادب والفن
    


رســالــة إلــى صديــــق

صديقي،الآن وأنا على مشارف العقد السابع وبمناسبة موعدنا المُفترض،تحضرني سنوات الجامعة وكأنّها بالأمس،أستعيد بشيء من المُتعة وبقدر من الحسرة تواطؤنا ،عجرفتنا،مُناكفاتنا،لامُبالاتنا،غبائنا،بساطتنا،هذياننا،مُناوراتنا ،نوادرنا،تسكّعنا في شوارع المدينة الهادئة،نقاشنا الصاخب وليالينا البيضاء،قراءاتنا التي تستنطق الأموات قبل تشريح الأحياء..، كبرنا في غفلة من الزمن،منّا من شاخ قبل أن ينضج وفينا من فرّط في شبابه من أجل أن يكبر،فقدنا نظارة السنوات العشرين ،تبخّرت آمالنا في السيطرة على المستقبل وفي تغيير العالم..
أعتقد أن الحياة تفتقد إلى اللياقة واللباقة فهي تُظهر غرابتها في أسوأ الأوقات وتتغنّج وتتمنّع في مُعظم الأحوال،ما مِن شكّ أنّه في السنوات الثلاثين الأخيرة،كان لكلّ منّا نصيب من الأوجاع والمسرّات،مِن المفاجئات والمُنغّصات،مِن الطرق السالكة والمسارات المُتعرّجة والمطبّات،من الشكوك المُبلبلة والحقائق الطاغية،مِن المواعيد المهدورة و الفرص الضائعة ومن الأعمال المؤجلة و البداهة الغائبة، قطعا ،لنا أحبّة غيّبهم الموت مُعلنا الانتصار القاسي للنوع على الفرد،شبكنا علاقات جديدة وعشنا ساعات رائقة وتذوّقنا لحظات العشق و نشوة البعث..
أصبحت أشعر بالأسى كلّما وقفت أمام المرايا،فالحصيلة مُحبطة بكلّ المعاني و في كلّ الأوقات،ضاقت العينان و سيّجتهُما هالات سوداء،انتفخت الأجفان،تضخّم الأنف،تهدّل الوجه،ضاعت تفاصيله،غزته التجاعيد من كل حدب وصوب وفقد مُرونته فأصبح مثل خميرة طازجة،كنت أقول لنفسي كلّ شيء إلا الصلع،فإذا بمقدّمة الرأس تتصحّر وفي مؤخرته تتشكّل بقعة ضوء تُنبأ بمشروع صلعة فاخرة،ضعُف بصري، تسارع نبضي مع كرّ الأيام، وزاد حدسي بشيء يفتعل داخلي ، شيء في طور النشوء و الانتشار، تلاشت لديّ ذاكرة الأسماء،فقدت مُتعة الدهشة و صارت حكاياتي مُعادة وسقيمة وكلماتي مبتورة وحروفي بلا نقاط ..
ربّما أصبحت أكثر حِكمة و لكن أقلّ سعادة ولم يبقي من قصتي سوى رائحة الذكريات والأحاسيس الصفراء وابتسامة بلهاء ،سوى أحلام هاربة وتزاحم الأفكار ولذاعة اللسان و ضحكة نزقة وبقايا نظرة شرهة .. لم يبقي لي سوى مُتعة الاعتزال وطعم الأرق و وخز الوجع وصفاء الذهن قبل طلوع النهار،لم يبقى لي سوى تأمّلاتي الحميميّة وهواماتي الكلبيّة وكرم أحبابي و عواطفهم السخيّة،لم يبقى لي سوى التدرّب على الصمت والكتمان ورفض الإذعان والقدرة على التنسيب وتنسيب التنسيب و اللامبالاة بالإطراء والإغراء واجترار الأحاجي المستحيلة والأمازيح اللذيذة وتجنّب التلصّص والمُقارنات السخيفة وإدانة تفاهة وانحراف من يتلذّذ بالمصائب التي تنزل على الغير.. لم يبقي لي سوى حاسّة شمّ مختصّة في روائح البوليس والإخوان وحساسية لا شفاء منها للظلم والاستغلال.. وإرادة للمُساهمة في محو الأكسدة العامّة و إزالة العكارة المترسِّبة في المجتمع ..كما ترى ،بقي لي زاد وفير وخير كثير.. ، ولكنّ الإنسان لئيم و أنّ الغباوة تدفع إلى الخُبث وأنّ الغباء ليس له دواء..
لست بطلا ولا دودة، لكنّي لا أرتاح للأبواب المفتوحة والأصوات الصاخبة وربطات العنق والأحذية اللمّاعة ولأعياد الميلاد،أخجل من حزني ومن فرحي،من إخفاء دمعي ومن إبداء غضبي،بينما أرواح الناس مُنشّأة وأجسادهم مُسرْنمة، يسيرون كالنيام،مغلوبين على أمرهم،يتحايلون على ضنك العيش وعُسر الأيام.. أعتبر الحياد أنانية، أنا منحاز للفرق الصغيرة والطبقات الضعيفة، للنساء المُضطهدات، لأطفال الشوارع وللمرضى دون حساب، أنا أكره المُدّعين، المُتملّقين، تلك الذئاب المُهجّنة، لصوص البهجة، كلاب الحراسة، مُزيّني حُكم العصابة....
في ساعات الفرح أو الملل أو الشعور بمرارة الهزيمة أو القبض على الأمل، أستعيد بعض الشعارات الخالدة ومقاطع من أغاني العشق والثورة، فاسمع هذه العيّنة ولا تكن مُتكبّرا ولا تكن مُتجبّرا:
الصناعة كثيرة والعُمر قصير "ابن خلدون"
أُحبّك حُبّ القوافل،واحة عشب وماء وحُبّ الفقير الرغيف.. "مارسال"
إذا جعلت من نفسك قنطرة فللتحمّل الدوْس "مثل شعبي"
أقلّك علِّي سهّرني وأقلّك علِّي بكّانِي ،أصوّرلكْ ضنا رُوحي وعزّة نفسي منْعاني.. "السِتّ"
الثورات لا تصنعها القوانين "ماركس"
بعثتِلك يا حبيب الروح ، بعثتِلك رُوحي وقُلتِلك مادام حترُوح ،خُذ معاك رُوحي .."فيروز"
يبدو أن الوقت تأخّر وأنّني قلت أكثر ممّا يجب أن أقول، سأكتفي بهذا القدر من التحايل على البوح فالمرء مهما يكن صادقا فهو يُمثل في بعض الأحيان و ليس كلّ ما يمرّ به الإنسان يُمكن توصيله وليس كلّ شيئا يُقال..
صديقي، أرجو أن تكون في أحسن حال وأن تغمرك السعادة مثل الطوفان، فحين نكون سعداء نكون أخيار وتذكّر معي ما قاله العظيم ناظم حِكمت "أجمل الأيام هي التي في انتظارنا.. دامت مودّتنا و إلى اللقاء ..

ماهر الزعڨ



#ماهر_الزعق (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الخداع في سبر الأراء
- السماوات المفتوحة:قتل الغزالة , انتهاك السيادة وقبض الريح
- الأليكا : اتفاقية الاستعباد وقطع الأرزاق
- الأليكا: اتفاقية الاستعباد وقطع الأرزاق
- منظومة الدعم ,أي إصلاح نريد ؟
- مجلس نواب الشعب والحصاد المر


المزيد.....




- فيلم -ريستارت-.. رؤية طبقية عن الهلع من الفقراء
- حين يتحول التاريخ إلى دراما قومية.. كيف تصور السينما الصراع ...
- طهران تحت النار: كيف تحولت المساحات الرقمية إلى ملاجئ لشباب ...
- يونس عتبان.. الاستعانة بالتخيل المستقبلي علاج وتمرين صحي للف ...
- في رحاب قلعة أربيل.. قصة 73 عاما من حفظ الأصالة الموسيقية في ...
- -فيلة صغيرة في بيت كبير- لنور أبو فرّاج: تصنيف خادع لنص جميل ...
- باللغة الفارسية.. شيخ الأزهر يدين استمرار الغارات الإسرائيلي ...
- “اخر كـلام “موعد عرض مسلسل المؤسس عثمان 195 الموسم السابع في ...
- فيلم -المخطط الفينيقي-.. كم تدفع لتصبح غنيا؟
- حرارة الأحداث.. حين يصبح الصيف بطلا صامتا في الأفلام


المزيد.....

- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ماهر الزعق - رسالة إلى صديق