أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادارة و الاقتصاد - رشا علي الدين - النظام القانوني لسندات الشحن الإلكترونية















المزيد.....



النظام القانوني لسندات الشحن الإلكترونية


رشا علي الدين

الحوار المتمدن-العدد: 6623 - 2020 / 7 / 20 - 23:29
المحور: الادارة و الاقتصاد
    


(دراسة علي ضوء قواعد تنازع القوانين)


مقدمة
ظهر القانون البحري منذ أن عرف الإنسان ركوب البحر، فهو قديم قدم الملاحة البحرية([1])، واستمر تطوره بتطور الظروف والمتغيرات في وسائل وأساليب الملاحة والتجارة البحرية، وكذلك تطور الوسائل والأساليب التكنولوجية.

وقد حرصت الدول منذ بداية القرن المنصرم على وضع قواعد دولية اتفاقية لتنظيم القواعد والأسس المنظمة للملاحة البحرية. فعقدت الجمعية البحرية الدولية اجتماعًا في لاهاي في سبتمبر عام 1921 لدراسة توزيع مخاطر الخسارة بين الناقلين والشاحنين، وتوحيد العلاقات فيما بينهم بوضع سند شحن نموذجي([2]). وانتهى هذا الاجتماع بوضع قواعد لاهاي عام 1921، غير أن هذه القواعد لم تحز على النجاح المأمول، وسعت إنجلترا إلى تحويل قواعد لاهاي الاختيارية إلى قواعد ملزمة.

وفي عام 1922 عرض الأمر على مؤتمر دبلوماسي في بروكسل([3])، وانتهى المؤتمر بالتوقيع على اتفاقية دولية خاصة بتوحيد بعض القواعد المتعلقة بسندات الشحن ببروكسل عام 1924([4]).

ويلاحظ على هذه الاتفاقية الأخيرة، أنها حاولت تنظيم قواعد المسئولية علي ضوء سند الشحن، ونصت قواعدها علي أنها تنطبق على النقل الدولي المقترن بسند الشحن فقط. وألقت الاتفاقية بقرينة المسئولية على عاتق الناقل البحري، ولكنها كانت في صف الناقلين، فوضعت قائمة طويلة لنفي المسئولية والإعفاء منها، كما وضعت حدًا أقصى للتعويض عن مسئولية الناقل البحري.

وتوالت الاتفاقيات والمؤتمرات حتى عقد المؤتمر الدولي في مدينة هامبورج الألمانية عام 1978، تحت إشراف الأمم المتحدة، لتصدر عنه اتفاقية نقل البضائع عن طريق البحر، والتي عرفت بعد ذلك بقواعد هامبورج([5]).

وأصبحت غالبية دول العالم تتوزع قواعدها القانونية فيما يخص التجارة البحرية ما بين الارتكان لقواعد اتفاقية بروكسل 1924 وتعديلاتها، واتفاقية هامبورج 1978، بوصف هذه الدول أعضاء بهذه الاتفاقية([6]).

وإزاء هذا التشتت وعدم الاستقرار في مجال القواعد القانونية الخاصة بالنقل البحري الدولي، فقد جاءت المبادرة من اللجنة البحرية الدولية لإدخال تعديلات جديدة على اتفاقية بروكسل 1924، إلا أن هذا لم يحقق الأحلام المرجوة في مجال تطوير قواعد النقل البحري. ولهذا سعت لجنة الأمم المتحدة للقانون البحري الدولي بالتعاون مع اللجنة البحرية الدولية، لإصدار قواعد موحدة، خاصة بالنقل الدولي للبضائع المنقولة له عن طريق البحر كليًا أو جزئيًا، وهو ما حملته قواعد روتردام عام 2008([7]). ومن المعلوم أن قواعد روتردام لم تدخل حيز التنفيذ حتى الآن([8])، ولهذا سيبقى حديثنا خلال البحث عن القواعد الواردة باتفاقية هامبورج وبروكسل بوصفهما مازالتا هما الاتفاقيتين الحاكمتين للنقل البحري على الصعيد الدولي، وقد صاحب الحديث عن الحاجة إلى قواعد دولية معنية بالنقل البحري حديث آخر حول أهمية مواكبة هذه القواعد للمتغيرات التكنولوجية الحديثة.

ونظرًا لاحتياج المتعاملين في مجال النقل البحري إلى تبادل كم كبير
من المعلومات والبيانات الخاصة بالبضائع التي يتعاملون بها، والتي يرغبوا في نقلها، ويجري تداول هذه البيانات بالطرق التقليدية الورقية، ثم بعد ذلك يتم حفظ
هذه المستندات بعد تصنيفها في ملفات وسجلات يمكن الرجوع إليها، ومع تطور
أنظمة الكمبيوتر ظهرت الدعوة لتبادل البيانات بالطرق الإلكترونية، وهو ما عرف بنظام EDI([9]).

ويعرف نظام تبادل البيانات إلكترونيًا بأنه نقل البيانات التجارية والإدارية من كمبيوتر (حاسب آلي) إلى آخر في صورة صيغ نمطية، دون استخدام المستندات الورقية([10]).

أولاً: ظهور سندات الشحن:
ظهر سند الشحن في بداية القرن الثامن عشر([11])، فقد بينت الوثائق المدونة في تلك الفترة عن وجود عادات تجارية بحرية كان يجري بها العمل بين الناقلين وأصحاب البضائع، فقد كان ربان السفينة يحتفظ بسجل في السفينة يسمى دفتر السفينة يسجل فيه كمية البضاعة المشحونة على سفينة وطبيعتها وبياناتها، وكان التجار أصحاب البضائع يسافرون في نفس السفينة مع بضائعهم، وعند وصول السفينة إلى ميناء التفريغ يقوم التجار باستلام بضائعهم بأنفسهم. وبالتالي لم تكن هناك حاجة لإصدار سند شحن منفصل ببيانات البضاعة يكون بمثابة إيصال من الناقل باستلام البضاعة في ميناء الشحن([12]).

ولكن رغم هذا فقد دلت إحدى المخطوطات القديمة على وجود سند الشحن ضمن ما عرف بمخطوطة عادات البحر (The Customs of the Sea) المحررة في برشلونة في بداية القرن الرابع عشر([13]).

ومع تطور وسائل النقل البحري وظهور السفن البخارية كنتاج للثورة الصناعية، صار هناك حاجة لبقاء التجار (الشاحنين) بمقارهم، وعدم مرافقتهم لبضائعهم، وأصبح التجار يرسلون شخص آخر لتسليمها في ميناء التفريغ، وظهر طرف ثالث في عقد النقل وهو المرسل إليه([14]).

وبدأ سند الشحن يتسع نطاقه شيئًا فشيئًا، وصار انفصاله عن سجل السفينة أمر تفرضه متطلبات النقل البحري، فظهر سند الشحن كوثيقة منفصلة عن سجل السفينة تدرج فيه كل شروط النقل والبيئات المتعلقة بالبضاعة. وصار لسند الشحن وظائف عدة منها نقل ملكية البضاعة، وإثبات عقد النقل. وتوالت التطورات والشروط المدرجة بالسند حتى وصل لصورته الحالية([15]).

ثانيًا: نشأة سندات الشحن الإلكترونية:
يُعد سند الشحن البحري هو الوثيقة الحقيقية للنقل بحرًا، فهو الذي
يمثل الضمان القانوني بين الناقل والشاحن لإيصال البضاعة إلى المرسل إليه، ونظرًا للتطور في وسائل الاتصالات بموجب التقنيات الحديثة ـ كما سنرى لاحقًا ـ يتم تحرير هذا السند عبر هذه الشبكات الإلكترونية بين الشاحن والناقل لإيصال البضاعة إلى المرسل إليه.

ويقوم سند الشحن الإلكتروني بمهمة استلام وتسليم البضاعة، من خلال
قبول هذا السند بالوسائل الإلكترونية. وقد أجازت القوانين المحلية إثبات النقل
البحري بموجب هذه التقنية على أساس الاعتراف بقانونية سند الشحن البحري الإلكتروني.

وصاحب هذا كله نوع من التطور التكنولوجي في مجال نظم المعلومات علي صعيد النقل البحري، وظهرت طرق حديثة لإبرام التعاقدات في هذا المجال، وظهرت الدعوة الحثيثة إلى إنشاء نظام إلكتروني معني بتبادل المعلومات، والاستغناء عن التعامل الورقي، وما صاحبه من سلبيات([16]).

وقد حاولت شركات الملاحة البحرية العاملة على خط أوروبا أمريكا الشمالية منذ عام 1970، أن تبسط إجراءات التجارة البحرية عن طريق تحويل الوثائق الورقية إلى إلكترونية، ومن بينها تذكرة النقل البحري. وكان السبق لشركة سيدوكس في أوائل الثمانينيات من القرن الماضي عندها قامت بإجراء تجربة إصدار سند شحن بحري يجمع بين كل من النظامين الورقي والإلكتروني، إلا أن هذا المشروع توقف عام 1998([17]).

وسعت اللجنة البحرية الدولية (CMI)([18]) إلى إصدار لائحة خاصة بنظام جديد لوثيقة الشحن الإلكترونية عام 1990 يعتمد على الوسائل الإلكترونية وحدها. ولكن هذا النظام تعرض للنقد استنادًا إلى عدم كفاية الأمان للمتعاملين به.

ورغم هذا ظهر نظام Boloro ـ الذي سنعرض له بالتفصيل المناسب لاحقًا ـ، وهو نظام خاص بإصدار سندات الشحن الإلكترونية في محاولة لتفادي المشكلات المصاحبة للمتغيرات التكنولوجية([19]).

ولا يمكن لأحد أن ينكر أنه إزاء التطورات التكنولوجية المستمرة، وظهور وتنامي ما يُعرف بالتجارة الإلكترونية، وامتدادها إلى العديد من الوثائق والسجلات والمستندات ومن أهمها سند الشحن الإلكتروني. ومع تزايد التعامل به، دعي الفقهاء المشرع الوطني في عدد كبير من الدول إلى سن التشريعات الوطنية في محاولة لوضع قواعد خاصة بالسندات الإلكترونية.

وتعد جمهورية كوريا الجنوبية أولى الدول التي سعت إلى إنشاء كيان تشريعي وطني تكنولوجي، وعملت على استحداث مادة قانونية خاصة بسند الشحن الإلكتروني في قانونها التجاري، حيث نصت المادة 862 على المساواة بين السند الورقي والسند الإلكتروني، ووضعت قواعد خاصة بتنظيم إصدار سند الشحن الإلكتروني، وما يترتب عليه من آثار([20]).

وقد سعت كذلك الاتفاقيات الدولية إلى وضع قواعد خاصة بالتجارة الإلكترونية بصفة عامة، ومستندات النقل البحري الإلكتروني بصفة خاصة. ولهذا علينا أن نعرض بمزيد من التفصيل للنظام القانوني لسند الشحن الإلكتروني من خلال بيان ماهيته والمحكمة المختصة بالفصل في المنازعات المتصلة به، وكذا القانون الواجب التطبيق عليه.

ثالثًا: أهمية الدراسة:
لا يمكن لفقهاء القانون التغافل عن أهمية النقل البحري بصفة عامة، وسند الشحن الإلكتروني بصفة خاصة، فقد صار الأخير الوسيلة الأولي لإثبات عقد النقل البحري، والذي يزداد التعامل به يومًا بعد يوم، مع ازدياد التطور في مجال تكنولوجيا المعلومات ووسائل الاتصالات الحديثة.

ولهذا صار علي الفقه القانوني البحث عن تنظيم قانوني لسند الشحن الإلكتروني، خاصةً علي ضوء غياب القواعد التشريعية الوطنية المنظمة له. ولهذا نري أنه يتعين إلقاء الضوء علي هذا النوع المتطور من سندات الشحن، في محاولة منا لدراسته بمزيد من التفصيل ليتسنى لنا بيان النظام القانوني الخاص به، والمشكلات التي تحتاج لتنظيم تشريعي لحلها.

رابعًا: منهج الدراسة:
تعتمد الدراسة على منهج تحليلي مقارن، فهي دراسة تحليلية للنصوص القانونية الحالية، بالاستعانة بآراء الفقهاء وأحكام القضاء، والوقوف على ما هو صحيح يلائم الطبيعة الخاصة لسند الشحن الإلكتروني، ويفي تطبيقه الحالي إلي الوصول إلي أفضل الحلول القانونية، وما قد يحتاج إلي تعديل في الفترة القادمة ليوائم المتغيرات الحديثة في عقد النقل البحري.

وهي أيضًا دراسة مقارنة، تعرض لموقف كل من التشريعات الوطنية المقارنة، بالإضافة لدراسة نصوص الاتفاقيات الدولية المنظمة لعقد النقل البحري، بوصفها الأساس في التنظيم القانوني لعقد النقل البحري بصفة عامة، وسند الشحن الإلكتروني بصفة خاصة.

خامسًا: خطة الدراسة:
يمكننا القول بأن أي منازعة دولية تثير تساؤلين مهمين هما:

الأول: تحديد المحكمة المختصة بنظر هذه المنازعة، وهو ما اصطلح على تسميته بالاختصاص القضائي الدولي.

الثاني: ينصب على القانون الواجب التطبيق على هذه المنازعة، وهو ما عرف بالاختصاص التشريعي الدولي.

وعلى هذا الأساس فإننا نقسم دراستنا إلى ثلاثة مباحث:

المبحث الأول: ماهية سند الشحن الإلكتروني.

المبحث الثاني: الاختصاص القضائي بالمنازعات المتصلة بسند الشحن الإلكتروني.

المبحث الثالث: القانون الواجب التطبيق على سند الشحن الإلكتروني.

المبحث الأول
ماهية سند الشحن الإلكتروني
تمهيد وتقسيم:
إن البحث في ماهية سندات الشحن البحرية الإلكترونية يقتضي منا بداءة تعريف سندات الشحن البحرية، ثم بيان ما تحتويه من بيانات، وكذا أنواعها. ولابد من التأكيد هنا على أن سندات الشحن البحرية هي أداة إثبات عقد النقل البحري، فهي تعد المظهر المادي لهذه العقود.

ولكن السؤال هل تخضع جميع سندات الشحن البحرية لقواعد تنازع القوانين؟ أم أن هذا مقصور على سندات الشحن البحرية الدولية دون غيرها، أم أن سندات الشحن البحرية تتسم دومًا بصفة الدولية؟

وعلى هذا الأساس نقسم هذا المبحث إلى أربعة مطالب:

المطلب الأول: تعريف سندات الشحن البحري الإلكترونية ووظائفها.

المطلب الثاني: آلية عمل سندات الشحن البحري الإلكترونية.

المطلب الثالث: إنشاء سندات الشحن البحري الإلكترونية.

المطلب الرابع: دولية سند الشحن البحري الإلكترونية.

المطلب الأول
تعريف سندات الشحن البحرية الإلكترونية ووظائفه
تمهيد وتقسيم:
خلت معظم التشريعات المقارنة من وضع تعريف محدد لسند الشحن الإلكتروني، ولهذا ألقي على عاتق الفقه وضع تعريف له، وبيان عناصره من خلال هذا التعريف، ونظرًا لأهمية سند الشحن الإلكتروني، فقد حرص الفقهاء على بيان وظائفه ودوره في عقد النقل البحري.

وعلى هذا الأساس فإننا نقسم هذا المطلب إلى فرعين:

الفرع الأول: تعريف سندات الشحن الإلكترونية.

الفرع الثاني: وظائف سندات الشحن الإلكترونية.

الفرع الأول
تعريف سندات الشحن الإلكترونية
سار المشرع المصري على نسق اتفاقية بروكسل 1924، وتعديلاتها، ولم يضع تعريفًا لسند الشحن البحري، وهو ذات الأمر في كل من التشريعات المقارنة بانجلترا وفرنسا والولايات المتحدة الأمريكية([21])، واكتفوا بضرورة صدور سند شحن من الناقل عندما يطلب منه الشاحن هذا([22]).

وعلى ضوء هذا الغياب التشريعي حاول الفقه وضع تعريف لسند الشحن البحري، فعرفه أحد الفقهاء بأنه "الإيصال الذي يوقع عليه الربان بتسلمه البضائع على ظهر السفينة([23]). كما عرّفه جانب من الفقهاء بأنه عبارة عن وثيقة بشكل مطبوع عادةً، يملأ كتابة أو بآلة إلكترونية كالآلة الكاتبة أو الكومبيوتر، يبين فيها أوصاف البضاعة المشحونة، وبأنها شحنت بحالة ظاهرة جيدة على ظهر السفينة، إضافة إلى الشروط التي بمقتضاها سلمت البضاعة إلى الناقل، والتزم بنقلها طبقًا لتلك الشروط إلى جهة معينة، وتسليمها إلى شخص معين أو لأمره، يدعى المرسل إليه في ميناء الوصل([24]).

وعرفه جانب آخر بأنه "إيصال باستلام البضاعة المشحونة أو التي تسلم لشحنها على ظهر السفينة، ويوقع عليها الشخص الذي تعاقد على نقل البضاعة أو وكيله. وينص فيها على الشروط الخاصة بتسليم واستلام البضاعة من وإلى السفينة"([25]).

كما عرّفته اتفاقية هامبورج في المادة 12/7 على أنه "وثيقة تثبت عقد النقل البحري، واستلام الناقل للبضائع أو تحميلها، ويتعهد الناقل بموجبه بتسليم البضائع مقابل استرداد الوثيقة، وكل نص في الوثيقة على تسليم البضائع لأمر شخص مسمى أو تحت الإذن أو لحامله يترتب قبل هذا المتعهد.

إلا أنه ما يعنينا الآن ما المقصود بسند الشحن الإلكتروني، فقد درج سند الشحن البحري الإلكتروني تحت نظام تبادل البيانات إلكترونيًا بدلاً من المستندات الورقية التي انحسر التعامل بها عبر التقنيات الإلكترونية الحديثة، إلا أنه مازال هناك صعوبة في وضع تعريف يتسم بالعمومية، وعدم وضع غالبية التشريعات المقارنة تعريفًا واضحًا جامعًا مانعًا([26]).

لقد حاولنا في البداية أن نوضح معنى سند الشحن البحري في تعريفه
التقليدي حتى يتسنى لنا الوصول لتعريف سند الشحن البحري الإلكتروني. ويمكننا القول بأن الفقه سعى إلى وضع تعريف عام للسندات الإلكترونية، ومن بينها سندات الشحن الإلكترونية التي صارت نموذجًا للسندات الإلكترونية المستخرجة من التقنيات العلمية الحديثة، ويتزايد العمل بها إلى أن يتم الاستغناء عن الكتابة والتوقيع التقليدي([27]).

وقد عرف جانب من الفقهاء سند الشحن الإلكتروني بأنه السند البحري المحرر عبر شبكة الاتصال الإلكترونية بين الشاحن والناقل لإيصال البضاعة إلى المرسل إليه([28]).

ويتفق هذا مع ما ذهبت إليه قواعد اللجنة البحرية الدولية بشأن سندات الشحن الإلكترونية الموقع عليها في مؤتمر باريس 1991([29]). فقد حرصت هذه القواعد على مسايرة التطور التكنولوجي وتبسيط الإجراءات لاستبدال سند الشحن الورقي بسند الشحن المرسل بين الأطراف المعنية عن طريق نظام تبادل البيانات إلكترونيًا لتنظيم الإرسال الإلكتروني لسندات الشحن دون التدخل في محتوى تلك السندات، وذلك لإعمال قواعد سند الشحن البحري الإلكتروني([30]).

فجوهر نظام سند الشحن البحري الإلكتروني يرجع إلى ما حاولت اللجنة البحرية وضعه- كما بينا سابقًا- من خلال وجود تشابه في البيانات التي يتعين إدراجها في سند الشحن الإلكتروني بمثيلتها في سند الشحن الورقي([31]).

وتقوم آلية سند الشحن الإلكتروني كما وضحت تلك القواعد الصادرة عن اللجنة على أساس إرسال البيانات بواسطة الناقل إلى عنوان إلكتروني يحدده الشاحن، فضلاً عن مفتاح خاص (كلمة سر Password)([32])، يتم إرساله للناقل والشاحن لاستخدامه في المعاملات اللاحقة، ويتم نقل ملكية البضاعة من مالك إلى مالك وهكذا، بحيث يقوم المالك السابق بإخطار الناقل بنيته في نقل حق التحكم إلى المالك الجديد، فيؤكد الناقل هذا الإخطار، ويتم نقل المعلومات وفقًا للنظام الذي حددته المادة الرابعة من قواعد اللجنة البحرية الدولية، ولكن بدون إعطاء كلمة السر، فيقوم هذا الأخير بقبول العملية، ومن ثم يلغي الناقل المفتاح الخاص، ويصدر مفتاحًا جديدًا إلى المالك الجديد، وبالتالي يكون له الحق في المطالبة باستلام البضاعة للمالك الجديد وحده، مع إمكانية قيام هذا الأخير بطلب مستند ورقي ليحقق له وظائف وثيقة الشحن، مثل إمكانية تداول المستند بالتظهير([33]).

وقد نصت المادة 2 من قانون الأونسيترال النموذجي بشأن التجارة الإلكترونية الصادر عام 1996 على أنه "المعلومات التي يتم إنشاؤها أو إرسالها أو استلامها أو تخزينها بوسائل إلكترونية أو صوتية أو بوسائل مشابهة".

يتضح من هذا النص أنه لم يشر للوسائل الإلكترونية على سبيل الحصر، ولكنه حاول أن يترك المتسع أمام التطور العلمي، وهذا شأن الصياغة القانونية التي تتطلع إلى التطور التكنولوجي. والتي تحاول ترك النص يتسع لكافة صور وسائل التكنولوجيا الحديثة، ومن ثم نستنتج من هذا أن ما ورد من تعاريف وما تتم به آلية عمل سند الشحن الإلكتروني ـ كما سنرى لاحقًا ـ يمكن أن يمتد ليشمل إبرام عقد النقل البحري من خلال سند الشحن البحري الإلكتروني عبر شبكة المعلومات بين المؤسسات التجارية أو الأشخاص التابعين لدول متباعدة عن بعضها للمجال البحري الذي يفصل بينها بموجب سند الشحن البحري الإلكتروني([34]).

واعترفت قواعد روتردام بما يسمى بسند الشحن الإلكتروني([35])، فقد استحدثت القواعد نظام السجلات الإلكترونية إلى جوار مستندات النقل الورقية، بحيث يمكن تسجيل المعلومات التي يحتويها مستند النقل في سجل إلكتروني بشرط أن يكون إصدار سجل النقل الإلكتروني واستخدامه رهنًا بموافقة الناقل والشاحن([36]).

وجعلت الاتفاقية للسند الإلكتروني ذات الحجية والأثر الخاص بإصدار وثيقة سند الشحن الورقي أو حيازته أو تحويله للغير([37]). ويضاف للجهود القانونية السابقة ما بذلته غرفة التجارة الدولية ICC من قيامها بوضع قواعد السلوك الموحد لتبادل البيانات التجارية باستخدام الإرسال الإلكتروني المعروف باسم UNCTAD([38]).

وبما أن السند العادي يثبت التصرفات التعاقدية، فإنه يمكن أن يؤدي سند الشحن البحري الإلكتروني الدور ذاته. ولهذا يتعين توافر مجموعة من البيانات المهمة في سند الشحن الإلكتروني ـ كما سنرى لاحقًا ـ، والتي نصت عليها أغلب القوانين البحرية المقارنة، ومن أهم هذه البيانات: مكان وتاريخ إصدار الوثيقة، واسم الناقل والمرسل، والمرسل إليه والوكيل بالعمولة بالنقل إن وجدوا وعناوينهم ومكان القيام ومكان الوصول ووصف البضاعة، وحالتها الظاهرة وطبيعتها وخطورتها وعدد الطرود وأوزانها، وأية بيانات أخرى تقتضيها ضرورة وطبيعة النقل([39]).

ويُضاف لهذا بيانات أخرى كعدد النسخ الأصلية للوثيقة، ولكن هنا لا حاجة لهذه النسخ نظرًا للطبيعة الإلكترونية للسند، وكل هذه البيانات من المهم إيرادها في سند الشحن الإلكتروني، فهو أداة لإثبات عقد النقل البحري وإثبات شروطه، مع مراعاة أن عدم ذكر أحد البيانات الإلزامية لا يفقد الوثيقة حجيتها في الإثبات، ولا يخل ذلك بحقوق حاملها حسن النية في تعويض الضرر الذي لحق به بسببها([40]).

كما نصت اتفاقية بروكسل 1924 على البيانات التي يتعين أن يتضمنها سند الشحن، في المادة 3/3/أ، ب، ج، وهي ذات البيانات التي أوردناها سلفًا، فمعظم التشريعات السابقة استقت أحكامها من ذات الاتفاقية([41]).

ورغم هذا مازالت المحاكم المصرية تعتد بسند الشحن الإلكتروني، مع العلم بأن القانون رقم 15 لسنة 2004 الخاص بالتوقيع الإلكتروني قد أقر بصحة المستندات الإلكترونية.

والسؤال المهم الآن ما هي وظائف سند الشحن الإلكتروني، والتي تجعل
منه أداة مهمة في وجود عقد النقل البحري؟، وهو الأمر الذي نجيب عليه في الفرع التالي.

الفرع الثاني
وظائف سندات الشحن الإلكترونية
تدخل عقود النقل البحري ضمن عقود الإذعان وفقًا للرأي الراجح، ويعد سند الشحن ركيزة من ركائز وجودها، وبما أن سند الشحن البحري الإلكتروني يعد ذا طبيعة مغايرة عن سندات الشحن الورقية، إلا أنه صار له قبول على الصعيد الدولي خاصةً بعد صدور قواعد روتردام 2008.

وقد سعت قواعد روتردام 2008 إلى مواكبة المستجدات الحديثة في مجال التجارة الدولية، ونهضة تكنولوجيا المعلومات، والتخلي عن استعمال الأوراق واستخدام الوسائل الإلكترونية، فقد نصت الاتفاقية على استعمال الوثائق الإلكترونية بالإضافة إلى الوثائق الورقية التقليدية، مثل سجل النقل الإلكتروني([42])، والخطاب الإلكتروني([43]).

ويعد التعاقد الإلكتروني ـ كما سنرى لاحقًا ـ من أهم المستحدثات في مجال
النقل البحري، فهو نظام عالمي يتميز بالسرعة والدقة وقلة التكاليف([44]). ولهذا نصت المادة 8 من قواعد روتردام على أن أي وثيقة للنقل البحري يمكن تسجيلها إلكترونيًا، ويكون لها ذات القوة الثبوتية والقانونية للمستند الورقي.

ويمكننا القول بأن سند الشحن البحري الإلكتروني يكون له ذات الوظائف الخاصة بسند الشحن الورقي، والتي يمكن إجمالها في الآتي:

أ – سند تمليك:
يعد سند الشحن البحري الإلكتروني وثيقة نقل، يتحرر عبر شبكة المعلومات الدولية بين الشاحن والناقل بغية إيصال البضاعة إلى المرسل إليه، ولهذا يكون على الحائز للسند التزام قانوني بتسلم البضاعة إلى المرسل إليه.

فيكون سند الشحن سواء أكان في صورته الورقية التقليدية أم في صورته الإلكترونية سند ملكية، ما لم يكن هناك تحفظ بقيد هذه الوظيفة([45]).

ويتعين أن يكون سند الشحن نافذًا بحق من أصدره، ومخولاً لحامله القانوني الحق بتسلم البضاعة والتصرف فيها حتى يصبح سند ملكية. بالإضافة إلى كون البضاعة معينة تعيينًا كافيًا، وأيضًا قابلية السند للتداول([46]).

ب- أداة لإثبات شحن البضاعة:
يعد سند الشحن البحري الإلكتروني إيصال بالبضائع المشحونة موقع من الناقل أو من ينوب عنه، وهنا يكون التوقيع الإلكتروني قائم مقام التوقيع في صورته التقليدية. فهو أداة لإثبات عملية شحن البضائع، يحتوي على كامل البيانات المتعلقة بالبضاعة المشحونة، من حيث مقدارها وحالتها عند وضعها على السفينة([47]).

ويعتبر سند الشحن البحري مجرد إيصال صادر من الربان، يثبت فيه أن بضاعة معينة قد تم شحنها على سفينة من أجل نقلها إلى جهة معينة، فهو يصدر بعد أن يعهد الشاحن بالبضاعة إلى الناقل أو الربان، ومعظم التشريعات المقارنة تحرص على أخذ هذه الوظيفة بعين الاعتبار([48]). ولهذا فإن سند الشحن البحري الإلكتروني الذي حرره الناقل وتسليمه للشاحن يبرئ طرف الشاحن، بأنه قد أبرم عقد نقل البضاعة، وتم شحنها واستلم المرسل إليه نسخة ثالثة وبموجبها يتسلم البضاعة.

ج - أداة لإثبات عقد النقل البحري بين الشاحن والناقل:
يتداخل عقد النقل البحري مع سند الشحن في بعض الأحيان، حيث يقوم صاحب البضائع ـ الصغيرة عادة ـ بعملية واحدة تتمثل في شحن البضاعة وإصدار سند الشحن، ورغم هذا يبقى سند الشحن الإلكتروني وسيلة لإثبات العقد وليس عقد النقل ذاته([49]).

كما يعتبر سند الشحن الإلكتروني أداة لإثبات الناقل للبضائع، فقد نصت المادة 41/أ من قواعد روتردام على أنه "يعتبر مستند النقل أو سجل النقل الإلكتروني دليلاً ظاهرًا على تسلم الناقل البضائع حسبما هو مبين في تفاصيل العقد".

وقد أكدت المحاكم الإنجليزية على وظائف سندات الشحن الإلكترونية، ففي قضية Grant V. Southwestern and County Properties أكد القضاء الإنجليزي على أن ضرورة وجود جهاز لعرض المعلومات المكونة لسند الشحن وضرورة تحليل الشفرة التي كتبت بها المعلومات، ولكن هذا لا يسلب سند الشحن قيمته القانونية([50]).

وقبل أن نترك الحديث عن وظائف سند الشحن الإلكتروني، يتعين علينا أن نعرض في عجالة لأنواع سند الشحن في صورته التقليدية حتى يتسنى لنا رسم صور واضحة حول سند الشحن وبيان ماهيته([51]).

1ـ سند الشحن الاسمي: يقصد به السند الذي يصدر باسم شخص محدد بعينه، وفي هذه الحالة لا يتمتع غير هذا الشخص بالصفة القانونية اللازمة لإمكان المطالبة بتسليم البضاعة من قبل الناقل، ولا يتخذ سند الشحن هذا الشكل ـ عادة ـ إلا إذا كان الشاحن أو المرسل إليه شخصًا واحدًا، مع مراعاة أنه يجوز انتقاله للغير، ولكن من خلال إتباع إجراءات حوالة الحق المنصوص عليها في القانون المدني، وهو ما يمكن تصوره في حالة سند الشحن الإلكتروني([52]).

2ـ سند الشحن لحامله: هو السند الذي لا يصدر لإذن أو لأمر شخص معين، وإنما يذكر فيه أنه لحامله، ويكون السند قابلاً للتداول بمجرد المناولة أي التسليم. ويعتبر حامل السند صاحب الحق في تسليم البضاعة، حيث يتعين على الربان تسليم البضاعة إلى الشخص الذي يظهر له سند الشحن عندما يرغب في استلام البضاعة التي يتضمنها السند.

ويُعاب على هذا السند أنه له مخاطر تظهر في أن ضياعه أو سرقته يعني ضياع البضاعة، حيث قد لا يتمكن مالكها الشرعي إثبات ملكيتها نظرًا لكون السند لا يحمل اسمه، وهو الأمر الذي لا يواجهه حامل سند الشحن الإلكتروني فلا يتصور وجود هذا النمط إلكترونيًا.

3ـ سند الشحن الإذنى (لأمر) وهو السند الذي صدر لأمر أو لإذن شخص معين، ويمكن تداوله بطريق التظهير، فمجرد وجود لفظ لأمر أو لإذن يؤدي إلى قابلية السند للتداول عن طريق التظهير شأنه شأن الكمبيالة، وبذلك ينتقل الحق الذي يمثله سند الشحن إلى المظهر إليه([53]).

ويُضاف للتقسيم السابق تقسيم آخر لا نجد فيه غضاضة في مجال سند الشحن الإلكتروني، وأساس هذا التقسيم وجود تحفظات من عدمه([54]).

1ـ سند الشحن النظيف: وهو السند الخالي من أية شروط أو تحفظات في خانة الملاحظات عن البضائع أو التعبئة، فهو سند شحن نظيف، أي أن جميع البيانات التي وردت به والمتعلقة بالبضاعة صحيحة.

2ـ سند الشحن غير النظيف: ذلك السند الذي أدرج به ملاحظات حول البضاعة من قبل الناقل حول صحة البيانات التي قدمها الشاحن كالوزن أو نوعية البضاعة.

عرضنا في الصفحات السابقة لتعريف سند الشحن ثم أعقبنا ذلك ببيان وظائفه وأنواعه، والسؤال الآن ما هي آلية عمل سند الشحن الإلكتروني؟

المطلب الثاني
آلية عمل سندات الشحن الإلكترونية
بذلت الدول محاولات حثيثة لتطوير أنظمة الرسائل الإلكترونية منذ بداية الثمانينيات من القرن الماضي فيما يتعلق بسندات الشحن البحرية، حيث تبنى مصرف Chase Monhatta مشروع Sea Docs([55]) الذي يكون فيه المصرف وسيطًا مركزيًا لاستقبال مستندات الشحن إلكترونيًا، وتسجيل التحولات التي تجري عليه([56]).

وبدأت التجربة عام 1976، وكان الهدف المرجو هو الوصول لسند شحن إلكتروني في مجال قطاع البترول، ولم تدم التجربة أكثر من عام وفشلت، ورغم هذا مازال البعض يرى أنها تجربة ناجحة بين مصرف Chase Monhatta، والجمعية الدولية لأصحاب ناقلات البترول المستقلة INTER TANKO([57])، حيث كونا معًا مشروع Sea Docs Registry-limit-ed، ومقره في لندن([58]).

وقد حاول المشروع تسهيل تجارة البترول، فمن المعروف أن جميع صفقات البيع الخاصة به تتم أثناء شحنه بالبحر، والتوثيق الورقي بطيء جدًا، فوجدت ضرورة للبحث عن بديل لسند الشحن الورقي([59]). وهذا المشروع استخدم المصرف كمكتب للتوثيق والتسجيل يقوم بهذا الدور من خلال الشاحن بإيداع سند الشحن الورقي لديه، ولدى مكتب Sea Docs. بالإضافة لكونه مشروع لحماية سندات الشحن، فهو يعمل وكيلاً للأطراف المعنية بصفقة الشحن([60]).

ويسري النظام وفقًا للخطوات الآتية([61]):

1ـ إصدار الناقل سند شحن ورقي يودع لدى مكتب Sea Docs، ويقوم الأخير بضمان السند وحمايته.

2ـ يقوم البنك بتسليم الشاحن شفرة إلكترونية Code، يزود بها المظهر إليه (المشتري)، ويرسل إشعار للمكتب يخبره بنية التحويل، ويقوم المشتري بإبلاغ المكتب بقبول التحويل من خلال مطابقة الشفرة المرسلة إليه.

3- يقوم المكتب بتسجيل اسم المشتري بوصفه المالك الجديد، وعند وصول الشحنة إلى ميناء التفريغ، يرسل المكتب شفرة التعريف للناقل (عمليًا للربان)، وأيضًا يرسلها إلى المشتري الأخير لسند الشحن، بوصفه مالكًا للسلع التي له حق استلامها بواسطة الشفرة المرسلة إليه.

وكان هذا النظام يعمل إلكترونيًا من لحظة الإيداع، وما تلته من عمليات، ورغم هذا لم يكن هذا النظام إلكترونيًا بالمعنى الحقيقي. فقد كانت وسائل الاتصال بين المتعاملين تتم عن طريق التلكس([62]). ولم يكتب لهذا النظام النجاح، وأهم أسباب فشله هو الخوف من المنافسة، وعدم ضمان سرية معلومات التجار. وعلى الرغم من فشل هذا النظام إلا أنه أثبت إمكانة استخدام سندات الشحن الإلكترونية.

وفي عام 1990 ظهرت محاولة ثانية من قبل اللجنة البحرية الدولية CMI([63])، حيث قامت اللجنة بوضع قواعد لسندات الشحن الإلكترونية. فكرست اللجنة عملها لتسهيل التجارة البحرية والنقل الدولي وتحسينهما، وهذه القواعد ذات طبيعة اختيارية لا يكون لها أي نفاذ إلا بدمجها في عقود أطرافها([64]).

وصيغت هذه القواعد في 11 مادة بينت آلية العمل بسندات الشحن الإلكترونية، وكيفية تداولها، ولكن هذه القواعد خلت من أي قواعد خاصة بالإيجاب والقبول. ونظرًا لعدم كفاءتها في المجال التطبيقي، وظهور صعوبة التداول الإلكتروني([65])، فقد باءت بالفشل جهود اللجنة إلا أنها لعبت دورًا مهمًا في ظهور مشروع البوليرو([66]).

يهدف مشروع البوليرو Bolero Project إلى توفير نظام آمن لمستندات التجارة الإلكترونية، ويستبدل هذا النظام المستندات الورقية التجارية المختلفة، ومنها سندات الشحن بسلسلة من الرسائل الإلكترونية Electronic Messages، مع وضع الضوابط اللازمة التي جاءت في شكل مجموعة قواعد لكل مستخدمي نظام البوليرو فيما يسمى بكتاب القواعد Rules Book([67]).

وتوفر هذه القواعد الإطار القانوني اللازم لتمكين جميع مستخدمي النظام من الحصول على ذات النتائج المتحققة من استخدام المستندات الورقية. وتكمن أهمية قواعد اللجنة البحرية الدولية بشأن سندات الشحن الإلكترونية CMI في النظام الذي وصفته لتحقيق إمكانية تداول سند الشحن الإلكتروني.

وتقدم القواعد نظامًا يقوم على أساس أن المفتاح الخاص الذي ينقله الناقل إلى حائز سند الشحن الإلكتروني يسمح لحائزه أن ينقل حيازته للبيانات الواردة في السند الإلكتروني إلى شخص آخر.

ووفقًا لهذا النظام يتم التخلص من المفتاح الخاص، ويتم عمل مفتاح خاص جديد للحامل الجديد، وبهذا الشكل يكون الحامل الأخير للبيانات الإلكترونية هو الحائز الوحيد للمفتاح الخاص به، وهو وحده الذي يستطيع ممارسة جميع الحقوق التي يخولها له سند الشحن الإلكتروني. ومن خلال هذا فإن أي إمكانة لتنازع سندات الشحن الإلكتروني يتم استبعادها بواسطة هذا المفتاح الخاص([68]).

وينشئ مشروع بوليرو ـ الذي يستند إلى قواعد اللجنة البحرية الدولية _ سجلاً مركزيًا تسجل فيه بالترتيب جميع العمليات وجميع الرسائل الإلكترونية. فعلى عكس قواعد اللجنة البحرية الدولية لا يقوم أطراف عقد النقل البحري بالاحتفاظ بالسجل،
بل يودع لدى جهة محايدة. فعندما يريد الشاحن إبرام عقد النقل، فهو يحدد إلكترونيًا للناقل جميع سمات ومواصفات البضائع، فيقوم الناقل بعمل البيانات الإلكترونية التي يملأ بها الخانات المعتادة في سند الشحن التقليدي ثم يودعها في السجل الإلكتروني المركزي([69]).

وبالتالي فإنه من الممكن للمستخدمين المسموح لهم بالاطلاع على هذه البيانات مراجعة هذه البيانات الإلكترونية، وتعديلها. ومن ثم يكون من حق حامل السند المذكور الذي سجل اسمه في السجل المركزي أن يتداول سند الشحن الإلكتروني.

ويتحقق الأمان لهذا النظام بواسطة هيئة الاعتماد التي تسلم للمستخدمين توقيعات إلكترونية تمكنهم من اعتماد الرسائل الإلكترونية ومراجعة محتواها. ومن خلال هذا النظام يمكن لأطراف عقد النقل تداول سند الشحن والتصرف في البضائع، وهي في الطريق، وذلك بفضل الأمان والسرية التي تحققهم طريقة التبادل الإلكتروني للبيانات، التي تضمن أن هناك شخص واحد فقط يمكنه ممارسة حقوقه.

تظهير سند الشحن الإلكتروني:
حرصت قواعد بوليرو على وضع تنظيم فني وقانوني يكفل إيداع سند الشحن لدى جهة محايدة يتم إخطارها أولاً بأول بكل التغيرات التي قد تطرأ على ملكية البضائع، وذلك عن طريق الرسائل الإلكترونية التي ترد إلى هذه الجهة من أصحاب الشأن، ويستمر التداول على هذا النحو إلى أن يتضح الطرف الذي يستحق تسلم البضائع، فتقوم هذه الجهة بتسليمه البضائع.

وهكذا تمكنت منظمة بوليرو من وضع أداة قانونية وتقنية تكفل الأمان والحفاظ على السرية الكاملة للبيانات الإلكترونية([70]). ورغم تخلي سند الشحن الإلكتروني عن الشكل التقليدي الذي يتم به التداول، وهو التظهير بالمعنى الحرفي، فإنه يمكن تداول السند بوسائل أخرى تؤدي إلى ذات النتائج التي يؤدي إليها التداول بالتظهير. ومن خلال هذا نجد أن قواعد البوليرو حاولت وضع نظام متكامل من خلاله يتم تداول سند الشحن البحري الإلكتروني.

وفي سابقة تشريعية استحدثت جمهورية كوريا في سياق عملية إصلاح تشريعي مادة في قانونها التجاري تتيح استخدام سندات الشحن الإلكترونية، وهي المادة 862 من قانون التجارة الكوري المعدلة للقانون 9746 لسنة 2007 والصادرة في 3 أغسطس 2004، والتي نصت على المساواة القانونية بين سند الشحن الورقي وسند الشحن الإلكتروني([71]). وألحقت هذا التعديل بمرسوم رئاسي صدر في 4 أغسطس 2008، وما يعنينا هنا هو ما نصت عليه المادة 8/2 من المرسوم الرئاسي حيث نصت على أنه يجوز لحائز سند الشحن الإلكتروني أن يظهر السند بأن يبعث إلى مشغل السجل الإلكتروني رسالة يبلغه فيها نيته نقل ملكية السجل الإلكتروني، وعلى الناقل أن يبين في الرسالة معلومات المحال إليه ورقم التعريف المشفر لسند الشحن الإلكتروني الذي خصصه مشغل السجل للسند([72]).

آلية عمل نظام البوليرو:
سبق نظام البوليرو محاولة اللجنة البحرية CMI، وإذ كان لحامل سند الشحن حق السيطرة على البضائع وحق تحويل السند، وحامل السند هو الوحيد الذي له تجاه الناقل الحقوق الآتية: أن يطالبه بتسليم البضائع وتسمية المرسل إليه أو استبداله بأي طرف آخر بما في ذلك الشاحن نفسه. وعند نقل حق السيطرة والتحويل يتم التعامل من خلال مفتاح خاص Private Key. هذا المفتاح خاص بكل حامل متعاقب ولا يمكن للحامل نقله، ويعمل كل من الحامل والناقل على ضمان أمن المفتاح الخاص، ويكون الناقل ملزمًا بإرسال تأكيد برسالة إلكترونية للحامل الأخير الذي صدر له المفتاح الخاص، وينبغي أن يكون المفتاح الخاص مستقلاً ومميزًا عن أية وسائل مستخدمة للتحقق من عقد النقل وحماية أية كلمة مرور، والتعرف على هوية المستخدم والدخول في شبكة المعلومات الدولية من خلال أجهزة الكمبيوتر([73]).

ويتم تسليم البضائع وفقًا لهذه القواعد بموجب إشعار يقدمه الناقل إلى الحامل يتضمن المكان المتوقع للتسليم وزمانه، وبموجب هذا الإشعار يتم حصول المرسل إليه على مفتاحه الخاص.

وكانت هذه القواعد هي البداية لقواعد بوليرو، فقد اعتمدت عليها قواعد بوليرو بصفة أساسية. وتتلخص قواعد نظام بوليرو في وجود مكتب تسجيل مركزي يحتوي على شعبتين أحدهما تتلقى الرسائل من الأطراف، ويمررها إلى الطرف الآخر المعنى، وهذه الشعبة تحتفظ بسجل حملة السندات الإلكترونية، والشعبة الثانية تهتم بعمليات التحقق من الرسائل المرسلة من الأعضاء إذ يحتفظ بالمفتاح العام للمستخدم للتحقق من الرسائل([74]).

ويقوم النظام التشفيري على أن يكون لكل مستخدم وعضو مفتاحان أحدهما خاص والآخر عام. والمفتاح الخاص يكون له سمة خاصة لكل عضو، وهو الذي يحتفظ بسريته، بينما المفتاح العام معروف لكل المستخدمين، وعن طريقه يستطيع مكتب التسجيل التحقق من الرسائل([75]).

ويلي هذا استلام الناقل الشحنة بتعليمات إلكترونية، وينشئ سند شحن Bolero Bill of Lading، عندما يوقع الناقل السند إلكترونيًا، ويعاد إلى الناقل عن طريق مكتب التسجيل، يقوم مكتب التسجيل بمراجعة التوقيع الإلكتروني للناقل والتحقق منه، ويتم إنشاء سند شحن إلكتروني مسجل وله رقم كودي ويمرر إلى الشاحن، وحال تأكيد الشاحن قبول سند التسجيل، وبقبول الحامل الجديد لسند الشحن الإلكتروني يصبح هو الحامل الجديد.

وهكذا فإن مكتب التسجيل يحتفظ في سجل خاص إلكتروني بكل الصفقات فيما يتعلق بسند شحن البوليرو الصادر، حتى يكون من السهل معرفة الحامل النهائي، وقد تم تعديل هذا النظام بحيث أصبح للناقل الحق في القيام بتظهيرات لاحقة لسند الشحن بوليرو([76]).

ويمكننا القول في النهاية بأن نظام البوليرو يعد هو النظام الرائد في مجال سندات الشحن الإلكترونية، ولهذا يزداد استخدامه يومًا بعد يوم. وقبل أن نترك الحديث عن آلية عمل سند الشحن الإلكتروني فإننا نطرح سؤال مهم ما هي شروط وأطراف سند الشحن البحري الإلكتروني؟

المطلب الثالث
إنشاء سندات الشحن البحري الإلكترونية
تمهيد وتقسيم:
يتعين علينا قبل أن نبين شروط إنشاء سند الشحن البحري الإلكتروني أن
نبين أطراف هذا السند بوصفهم الساعين نحو إنشاء سند الشحن البحري الإلكتروني وفقًا للشكل القانوني الصحيح.

لقد أصبح المستند الإلكتروني أيًا كانت البغية منه حقيقة واقعة على
الصعيد الدولي. ولهذا نظمت التشريعات المقارنة أشكال وتطبيقات المستند الإلكتروني، إلا أنها اختلفت في الشروط اللازمة لصحتها سواء شروطها الموضوعية أم
الشكلية.

وعلى هذا الأساس فإننا نقسم هذا المطلب إلى ثلاثة فروع هي:

الفرع الأول: أطراف سند الشحن البحري الإلكتروني.

الفرع الثاني: الشروط الموضوعية لسند الشحن البحري الإلكتروني.

الفرع الثالث: الشروط الشكلية لسند الشحن البحري الإلكتروني.

الفرع الأول
أطراف سند الشحن البحري الإلكتروني
يبرم عقد النقل البحري بين شخصين يريد الأول نقل البضاعة له أو لغيره يسمى الشاحن، والثاني يلتزم بالقيام بنقلها يسمى الناقل. وهذا الأخير قد يكون مستأجرًا لسفينة أو مالكها سواء أكانت مجهزة أم غير مجهزة، ويسمى في كل الأحوال ناقلاً مادام هو الذي يتعهد بالنقل، أما المرسل إليه فهو الشخص المطلوب تسليم البضاعة إليه([77]).

يعني هذا أن طرفي سند الشحن هما الناقل والشاحن. فعقد النقل يبرم بين الشاحن والناقل، أما الربان فهو وإن كان يوقع على سند الشحن إلا أنه ليس طرفًا في عقد النقل، ويقتصر دوره على كونه ممثلاً للناقل في عقد النقل البحري. فهو لا يرتبط بعلاقة مباشرة مع الشاحن بل يقوم بتنفيذ عقد النقل بوصفه تابعًا للناقل وممثلاً له، فهو المكلف بتنفيذ عقد النقل لصالح الناقل، وتقع الالتزامات على عاتق الأخير([78]).

يتبين لنا هنا أن هناك أفراد يتصلون بسند الشحن، ويمكن إجمالهم في الآتي([79]):

1- الناقل:
هو كل شخص أبرم عقدًا أو أبرم باسمه عقد مع الشاحن لنقل البضائع
بحرًا، ويمكن أن يشمل مصطلح الناقل مقدم البضائع أو متعهد الوسائط الذي يتعاقد من الباطن مع ناقل بحري لإنجاز مرحلة النقل البحري([80]). وهو الأمر الذي أقرته قواعد المادة 198 من قانون التجارة البحرية المصري الذي تنص على سريان أحكام الفصل الثاني فيه على عقد النقل البحري سواء أكان الناقل مالكًا للسفينة أو مجهزًا أو مستأجرًا لها.

2- الناقل الفعلي:
وفقًا لأحكام المادة الأولى الفقرة الثانية من اتفاقية هامبورج يقصد بالناقل الفعلي كل شخص يكون الناقل عهد إليه بتنفيذ نقل البضائع أو جزء من هذا النقل، كما يشمل كل شخص آخر عهد إليه الناقل بهذا التنفيذ.

وقد أفردت اتفاقية هامبورج المادة العاشرة منها لتنظيم مسئولية الناقل الفعلي على خلاف الحال في قواعد اتفاقية بروكسل.

3- الشاحن:
خلت اتفاقية بروكسل، وكذلك قانون التجارة البحرية المصري من وضع تعريف للشاحن، إلا أن اتفاقية هامبورج وضعت في المادة الأولى الفقرة الثانية منها تعريفه له، فعرفته بأنه كل شخص أبرم أو أبرم باسمه أو نيابة عنه عقد نقل للبضائع بحرًا مع الناقل أو أي شخص آخر قام بتسليم البضائع للناقل سواء أتم ذلك التسليم بواسطته أم باسمه أم نيابة عنه، وكانت تلك البضائع تتعلق بعقد النقل البحري([81]).

4- المرسل إليه:
عرفته المادة الأولى الفقرة الرابعة من اتفاقية هامبورج على أنه ذلك الشخص الذي له الحق في استلام البضائع.

ويذكر المرسل إليه عادةً من ضمن بيانات عقد النقل البحري، ولكن هناك خلافًا حول مركزه في عقد النقل ـ ليس محله دراستنا تلك ـ، إلا أن الراجح هو أن المرسل إليه ليس طرفًا في سند الشحن([82])، إلا أنه له حقوق ناتجة عن عقد النقل. وقد ذهبت محكمة النقض المصرية في حكم لها إلي أن المرسل إليه يعد ذا شأن في سند الشحن يتكافأ مركزه- حينما يطالب بتنفيذ عقد النقل- ومركز الشاحن، وأن الشاحن يرتبط به منذ ارتباط الأخير به([83]).

ورغم هذا فإننا نتفق مع الرأي الفقهي الراجح القائل بأن المرسل إليه ليس طرفًا في عقد النقل، بموجب سند شحن، ويبقى الطرفين الأصليين هما الشاحن والناقل، أما بقية الحقوق الخاصة بأطراف أخرى كالحقوق والالتزامات الخاصة بالمرسل إليه، فهي تستند إلى نص قانوني يقر هذا، ويتفق هذا مع نص المادة 207/2([84])، والمادة 210/3([85]) من قانون التجارة البحرية المصري. حيث يعتبر المرسل إليه من الغير في بعض أحكامه، إلا إذا كان هو الشاحن ذاته، وإذا كان الناقل والشاحن هما طرفا عقد النقل فإن الذي يوقع على سند الشحن هو الناقل أو ما ينوب عنه دون حاجة لتوقيع الشاحن.

في النهاية يظهر في الأفق سؤال، ما هي الشروط اللازمة لنشأة سند الشحن البحري الإلكتروني؟

الفرع الثاني
الشروط الموضوعية لسند الشحن البحري الإلكتروني
نصت المادة 89 من القانون المدني المصري على أنه "يتم العقد بمجرد أن يتبادل طرفان التعبير عن إرادتين متطابقتين، مع مراعاة ما يقرره القانون فوق ذلك من أوضاع معينة لانعقاد العقد". فبمجرد تلاقي الإرادتين يظهر العقد محققًا لآثاره، وأهم أثر لعقد النقل البحري هو تغيير مكان الشيء ونقله من جهة إلى أخرى بموجب مستند يثبت عقد النقل، ويعد سند الشحن قرينة على تسلم الناقل للبضاعة محل النقل([86])، ويتبين في هذا السند وصف البضاعة وبياناتها، وقد استمر تطور هذا السند ليخرج من صورته التقليدية ليظهر في شكله الإلكتروني.

ووفقًا لهذا السند الإلكتروني يتفق الناقل والشاحن على تبادل البيانات إلكترونيًا، فيرد في سند الشحن البحري الإلكتروني أوصاف وشروط البضاعة المشحونة محل التعاقد. ولاحظ هنا أن هذا السند لا يرد فيه أشخاص يتصلون بعملية النقل كربان السفينة مثلاً، فهو ليس طرفًا في عقد النقل البحري، إلا أنه من أشخاص السفينة، ويتصل بمالكها للتداول بأمور النقل، ولكن توقيعه على سند الشحن هو مجرد تمثيل للناقل فهو مجرد ممثل له، كما أن المرسل إليه ليس طرفًا في سند الشحن، وأيضًا وكيل النقل فيسري عليه أحكام الوكالة، ولا يعد طرفًا في سند الشحن البحري([87]).

ويمكننا القول بأن إبرام عقد النقل البحري يتطلب تلاقي الإيجاب والقبول من طرفي العقد، وهما الشاحن والناقل من دون غيرهما على ما يرد عليه الالتزام بنقل البضاعة. فيصدر الإيجاب الذي يقابله ويتلاقى معه القبول وعلم الموجب، أما إذا كان التعاقد عبر الوسائل الإلكترونية فيجوز أن يتم التعاقد بين وسائط إلكترونية مؤمنة، ويكون التعاقد صحيحًا ونافذًا منتجًا لآثاره القانونية دون النظر لوسائل إبرامه الإلكترونية([88]). يجوز أن يكون التعبير عن الإيجاب والقبول جزئيًا أو كليًا بواسطة المراسلة الإلكترونية، ولا يفقد العقد صحته أو قابليته للتنفيذ لمجرد أنه تم بواسطة مراسلة إلكترونية واحدة أو أكثر.

وقد ذهب جانب من الفقه ـ وبحق ـ إلى أنه يتم إبرام العقد عبر الوسائل الإلكترونية، بأن يصدر الإيجاب ويقابله القبول وعلم الموجب في ذات الوقت مع عدم اتحاد المكان. ولهذا يصح إبرام السند بالوسائل الإلكترونية، فالأطراف اتحدا زمانًا لا مكانًا، ولم يعد هناك مجالاً للخلاف الفقهي حول صحة إبرام العقود إلكترونيًا([89]).

ويُضاف لتوافر الإيجاب والقبول ضرورة تمتع أطراف السند بالأهلية القانونية للتعاقد، وكذلك توافر الضمانات الإلكترونية للتيقن من وجود الإيجاب والقبول الإلكتروني بصفة قانونية وتقنية صحيحة، ككلمات السر والشفرات وغيرها([90]).

ومن أهم البنوك الإلكترونية التي وضعت نظامًا خاصًا لسندات الشحن البحري الإلكترونية بنك Sea Docs، حيث يعد وسيطًا مركزيًا لاستقبال سندات الشحن الإلكترونية وتسجيلها. بالإضافة لمكتب التسجيل الذي وضعه نظام مشروع البوليرو، وتضمن كل هذه الأنظمة والبنوك ضمانات للتعامل بموجب سند الشحن الإلكتروني.

وإذا كان الإيجاب والقبول يعد أهما أركان وشروط وجود سند الشحن البحري الإلكتروني، فالسؤال المهم ما هي الشروط الشكلية لانعقاد سند الشحن البحري الإلكتروني؟

الفرع الثالث
الشروط الشكلية لسند الشحن البحري الإلكتروني
تعد الكتابة والتوقيع من أهم الشروط الشكلية لنشأة السند الإلكتروني ومن بينها سند الشحن البحري الإلكتروني، ويضاف إليها الشروط القانونية الأخري.

أ- الكتابة:
تعتبر الكتابة شرطًا لإثبات التصرفات القانونية في أغلب التشريعات المقارنة، ولا يحول هذا دون حق الأطراف في اختيار الشكل الذي يتم به الكتابة، إذ لا يوجد شكل ثابت لها، ولا يشترط الكتابة في وسيط ورقي، ولا يستلزم إتباع شكل معين أو أسلوب كتابة معين ـ ما يشترط القانون هذا ـ ليمنح السند قوة الإثبات في مواجهة أطرافه والغير([91]).

ولابد وأن نوضح هنا أن تفسير مصطلح مستند يمتد ليشمل المستند الإلكتروني، ذلك أن المستند لغويًا لا يقتصر على شكل معين، وإنما يشمل الكتابة بمفهومها التقليدي والكتابة عن طريق الوسائل الإلكترونية([92]).

ولا يشترط أن تتم الكتابة بالطريقة اليدوية التقليدية. فيمكن إبرامها بطرق إلكترونية. فالغرض من استلزامها أن يأخذ العقد شكلاً معينًا، ليس المقصود منه الدعامة الورقية بذاتها. وإنما تعد الدعامة الورقية وسيلة لإثبات المعلومات عليها، فكل المطلوب هو كون الكتابة مقروءة بسهولة مع إمكانة الرجوع إليها ونقلها ونسخها([93]).

ويتعين علينا أن نوضح هنا أن الكتابة الإلكترونية قد تتضمن ميزات تقنية تضمن سلامتها وصحتها، وقد تتجاوز الضمانات التي تتمتع بها الكتابة اليدوية، فلا يوجد تلازم بين فكرة الكتابة والورق بمعناه التقليدي.

ورغم هذا فهناك رأي فقهي يرى صعوبة إضفاء القوة الثبوتية على المستند الإلكتروني. وخاصةً في مجال المراسلة الإلكترونية من خلال البريد الإلكتروني وغرف الدردشة، إذ أنها لا تترك أثرًا مكتوبًا له نفس طبيعة المستند الورقي([94]). فالكتابة الإلكترونية وفقًا لهذا الرأي هي عبارة عن مجموعة من الحروف والأرقام والإشارات التي تدل على معنى معين، وتكون ثابتة على دعامة قوية، وهي الدعامة الورقية التي تحتوي على بيانات معينة يذيلها توقيع يدوي من جانب أطراف المستند([95]).

ويمكن الرد علي الرأي السابق بأن الغاية من استلزام أن يكون للعقد شكلاً معينًا ليس المقصود به الدعامة الورقية بذاتها، وإنما تعد الدعامة الورقية وسيلة لتثبيت المعلومات عليها، فكل ما في الأمر يجب أن تكون الكتابة مقروءة بسهولة مع إمكانة الرجوع إليها ونقلها واستخراج نسخ منها([96]). ومن ثم يجب التخلي عن المفهوم التقليدي للمستند، والأخذ بفكرة الكتابة الإلكترونية فلا يوجد تلازم بين فكرة الكتابة والورق بمعناه التقليدي، ولا يوجد أساس حقيقي لرفض الكتابة الإلكترونية سوي مجرد الخوف من إمكانية التبديل والتحريف، فكل هذا يمكن تجنبه من خلال توفير سبل الأمان التقنية الكاملة لحماية المستند الإلكتروني([97]).

وأيضًا تفاديًا للإشكاليات الخاصة بإثبات المستند الإلكتروني يمكن تحديد شخص ثقة (موثق إلكتروني) يكون عمله مراقبة وفحص مضمون الوثائق والبيانات التي يتم تبادلها بين أطراف العلاقة القانونية الإلكترونية، وتخزين المعلومات بشكل إلكتروني منضبط يكفل الرجوع إليها عندما يُراد التحقق منها في أي وقت من قبل الأطراف المتعاقدة([98]).

ونوضح هنا أن الاتجاه الحديث في الفقه القانوني ذهب إلى المساواة بين الكتابة الإلكترونية والكتابة اليدوية، وهو ما فعلته غرفة التجارة الفرنسية في مجال تنظيم المعاملات الإلكترونية بين التاجر والمستهلك، عندما اعتمدت العقد النموذجي الذي أشار إلى قيام الكتابة الإلكترونية بنفس وظيفة الكتابة اليدوية لإعداد المستند الإلكتروني([99]).

وربما يرجع الخلاف الحقيقي إلى أن الاتجاه التقليدي للكتابة اليدوية يشترط أن تذيل المستندات الورقية بتوقيع يدوي، لأنه يرى أن هذا يضمن الثقة في المستند الورقي، ومع هذا نجده يقبل أنماط من التوقيع تحمل قدرًا من المخاطرة كما في التوقيع بالختم والبصمة، والسؤال المهم الآن كيف يمكن الرد على هؤلاء، وكيف نضمن الأمان من خلال التوقيع على المستند الإلكتروني؟

ب- التوقيع:
يؤدي التوقيع وظائف عدة منها تعيين هوية الشخص، وإقرار الموقع بما هو مدون في السند، وحصول الرضا، والالتزام بما هو مكتوب وموقع عليه من قبل الشخص ذاته. فالتوقيع هو حجر الزاوية في بناء أي سند، ومن بين هذه السندات سند الشحن البحري الإلكتروني، إلا أن التوقيع هنا يأخذ صورة إلكترونية.

وقد ذهبت التشريعات المقارنة إلى إفراد تنظيمًا قانونيًا مستقلاً للتوقيع الإلكتروني باعتباره أحد تطبيقات المستند الإلكتروني، وترك باقي التطبيقات للتنظيم العام المعني بالمعلومات الإلكترونية، ومن بين هذه القوانين: القانون الإنجليزي([100]) والقانون الأمريكي([101]).

وقد أورد المشرع المصري في نص المادة 202 من قانون التجارة البحرية ما يفيد شرعية الوسائل الأخرى غير الكتابة في الاعتراف بما ورد في سند الشحن من بيانات، فوفقًا لهذا النص يعترف المشرع المصري بالتوقيع الإلكتروني للاعتداد بصحة البيانات الواردة في سند الشحن.

وهذا يعني أن الاعتراف بالتوقيع يخفي في طياته الاعتراف المسبق بسند الشحن الإلكتروني، لأنه لا يمكن استحداث نص تشريعي للاعتراف بالتوقيع الإلكتروني دون الاعتراف بالسند الذي تم التوقيع عليه([102]). مما يعني أن القانون المصري لا يقف عائقًا أمام تطبيق اتفاقية هامبورج على سند الشحن الإلكتروني.

ولا يختلف الأمر كثيرًا في القانون الفرنسي، فقد نصت المادة 106 من قانون التجارة الفرنسي على مبدأ حرية الإثبات في المواد التجارية، بما في ذلك الوسائل الإلكترونية بشرط أن تقدم الضمانات الكافية لصحة البيانات الواردة بالمستندات الإلكترونية([103]).

وبتطبيق ذلك على سند الشحن الإلكتروني بوصفه حجة في إثبات عقد النقل، وفي إثبات استلام الناقل للبضائع من يد الشاحن. فإنه يشترط للاعتداد به توافر الضمانات الكافية حتى يتسنى الاعتراف به بوصفه سندًا للشحن، وهو ما يمكن تحقيقه من خلال ضمان عدم التلاعب في البيانات الخاصة بالسند من خلال تشفير السند، ووضع رقم كودي سري خاص به لا يعلمه إلا الناقل والشاحن([104]).

وقد حرص المشرع الإنجليزي على وضع قاعدة خاصة بسند الشحن الإلكتروني عام 1992([105]) يسمح بقبوله أمام القضاء، ولا يكفي هذا النص وحده، بل لابد من قواعد منظمة له خاصةً علي ضوء مشروع بوليرو([106]).

ويأتي هذا متسقًا مع ما أقرته قواعد الإثبات في القانون الإنجليزي الصادرة
عام 1995، حيث أعطت الحجية القانونية لكل سند يصدر من المستخرجات الإلكترونية. كما أصبح التوقيع الإلكتروني دليلاً مقبولاً أمام المحاكم، كما لو كان مستندًا ورقيًا([107]).

وقد حرصا البرلمان الأوروبي والمجلس الأوروبي علي إصدار توجيهًا برقم 93/1999 حددا فيه الإطار القانوني للتوقيع الإلكتروني الذي يجب أن تعتمده الدول الأعضاء في المجموعة الأوروبية، كي يسمح لها بتنمية المعاملات التجارية المأمونة([108]).

ويعد التوقيع الإلكتروني وسيلة إلكترونية يمكن بمقتضاها تحديد هوية الشخص المنسوب إليه التوقيع مع توافر النية لديه في أن ينتج آثاره القانونية. وقد عرفته المادة الأولي من القانون المصري رقم 15 لسنة 2004 الخاص بالتوقيع الإلكتروني بأنه "ما يوضع على محرر إلكتروني، ويتخذ شكل حروف أو أرقام أو رموز أو إشارات أو غيرها، ويكون لها طابع متفرد يسمح بتحديد شخص الموقع ويميزه عن غيره". ويتقارب هذا التعريف مع ما ورد في القانون الفرنسي([109]) والإنجليزي([110]) والألماني([111]).

ولم تشترط اتفاقية هامبورج أن يكون التوقيع بخط اليد، بل أجازت أيضًا يكون التوقيع بأي طريقة آلية أو إلكترونية([112]). فقد نصت المادة 38/2 من قواعد روتردام على أنه "يضمن سجل النقل الإلكتروني التوقيع الإلكتروني للناقل أو الشخص الذي يتصرف نيابة عنه، وحدد ذلك التوقيع الإلكتروني هوية الموقع من حيث صلته بسجل النقل الإلكتروني، ويبين أن الناقل قد أذن بسجل النقل الإلكتروني".

ويأتي هذا متسقًا مع ما سعت إليه قواعد روتردام 2008 في محاولتها
لمواكبة المستجدات الحديثة في مجال النقل البحري، والتخلي عن استعمال
الأوراق واستخدام الوسائل الإلكترونية. فقد نصت على استعمال الوثائق الإلكترونية، بالإضافة إلى الوثائق الورقية التقليدية، مثل سجل النقل الإلكتروني([113])، والخطاب الإلكتروني([114]). ويعد التعاقد الإلكتروني ـ كما بينا سابقًا ـ من أهم المستحدثات في عالم التجارة الدولية، فهو نظام عالمي يتميز بالسرعة والدقة وقلة التكاليف، وكذلك السرية، ولهذا جاءت قواعد روتردام منظمة للمستندات الإلكترونية في محاولة منها لوضع أطر للتعامل الإلكتروني في مجال النقل البحري([115]). فقد نصت المادة 8 من قواعد روتردام على أن أي وثيقة للنقل البحري يمكن تسجيلها إلكترونيًا، ويكون لها ذات القوة الثبوتية للمستند الورقي.

ويمكننا هنا أن نشير لبعض الصور الخاصة باستعمال وسيلة إلكترونية للتوقيع، ومنها([116]):

الضغط على فأرة جهاز الكومبيوتر في خانة تفيد الموافقة على مضمون رسالة البيانات.
التوقيع اليدوي على شاشة الجهاز.
التوقيع البيومتري الذي يعتمد على بصمات أصابع أو شبكية العين.
ويلاحظ علي كافة التشريعات المقارنة أنها كانت تتوسع في الوسائل التي تصلح لإجراء التوقيع الإلكتروني، وذلك بغية توفير مرونة أكبر في مجال التجارة الإلكترونية. ولكنها من جانب آخر حاولت أن تكفل نوع من الضمانة والحماية لاستخدام التوقيع الإلكتروني، فقد أعطت التشريعات المقارنة فاعلية للتوقيع الإلكتروني، من خلال ضرورة توثيق هذا التوقيع من خلال ما يُعرف بالتوثيق الإلكتروني أو هيئات التوثيق([117]).

ج- الشروط القانونية:
نصت المادة 202 من قانون التجارة البحري المصري على مجموعة من البيانات التي يتعين أن يتضمنها سند الشحن البحري، وهي: مكان وتاريخ إصدار الوثيقة، اسم الناقل، والمرسل، والمرسل إليه والوكيل بالعمولة إن وجد وعناوينهم، مكان القيام ومكان الوصول وصف البضاعة وعدد طرودها. ويضاف لذلك البيانات الأخرى ومنها عدد النسخ الأصلية للوثيقة، الموعد المعني لمباشرة النقل، قيمة الشيء محل عقد النقل، أجرة النقل، المصروفات، وتوقيع الناقل أو من ينوب عنه.

ويتفق هذا مع ما نصت عليه المادة 31/1 من اتفاقية روتردام من أنه "يزود الشاحن الناقل في الوقت المناسب بالمعلومات الصحيحة اللازمة لإعداد تفاصيل العقد، ولإصدار مستندات النقل أو سجلات النقل الإلكترونية، بما فيها التفاصيل المشار إليها في الفقرة من المادة 36، واسم الطرف الذي يذكر في تفاصيل العقد أنه هو الشاحن، واسم المرسل إليه إن وجد، واسم الشخص الذي سيصدر مستند النقل أو سجل النقل الإلكتروني لأمره، إن وجد".

عرضنا في الصفحات القليلة السابقة لتعريف سند الشحن الإلكتروني، ووظائفه ثم عرضنا لآلية عمله، وكذا شروط إنشائه. والسؤال الآن هل يتسم سند الشحن البحري الإلكتروني بالدولية أم لا؟. وهو الأمر الذي نعرض له في المطلب التالي.

المطلب الرابع
دولية سند الشحن البحري الإلكتروني
درج الفقهاء على وضع معايير للعقد الدولي فهناك معيار قانوني وأخر اقتصادي، كما أن هناك معيار مختلط يجمع بينهما، لذلك سنحاول أن نعرض لهذه المعايير بصورة موجزة، حتى يتسنى لنا بيان مدى تحققها في سند الشحن الإلكتروني، ومعرفة أي من هذه المعايير يلائم سندات الشحن الإلكترونية، مع بيان موقف الاتفاقيات الدولية والتشريعات المقارنة من هذه المعايير.

أولاً: المعيار القانوني:
تعتبر العلاقة دولية وفقًا لهذا المعيار، عندما تنطوي على عنصر أجنبي أو أكثر، فالعقد يكون دوليًا عندما يشمل عنصرًا أجنبيًا([118]). وقد يكون هذا العنصر أحد أطراف العقد أو مكان إبرامه أو تنفيذه في دولة غير الدولة التي تم فيها العقد. فالدولية قد تكون في أطراف العقد أو سببه أو موضوعه.

ووفقًا لهذا الرأي يكون السند دوليًا، إذا كان الشاحن والناقل من جنسيتين مختلفتين أو ميناء التفريغ في دولة غير دولة ميناء الشحن أو السفينة تحمل علم دولة أجنبية.

وينتقد هذا المعيار لأنه يؤدي إلى تطبيق القانون وإصباغ صفة الدولية بشكل آلي وجامد. وينطبق فيه القانون الأجنبي كلما ارتبط بعنصر من عناصر العلاقة، في حين أن العنصر الأجنبي في العقد قد يكون أمرًا عارضًا لا علاقة له بالتجارة الدولية أو مصالحها([119]).

لذلك ذهب جانب من الفقه إلى أنه ليس كل عنصر أجنبي يحويه العقد يمكن أن يضفي الصفة الدولية على العقد، وإنما هناك عناصر إيجابية فاعلة وأخرى سلبية هي والعدم سواء. ويظل العقد داخليًا لا تأثير لهذا العنصر عليه([120]).

ويذهب بعض الآراء إلى القول بأن تطرق الصفة الأجنبية للعلاقة العقدية ذات طابع نسبي، فما يكون مؤثرًا في عقد قد لا يكون مؤثرًا في عقد آخر. ومن ثم فالأمر متروك لقاضي الموضوع، فهو الذي يقدر مدى كفاية هذا الهدف أو ذاك في إضفاء الصفة الدولية على العقد([121]).

ثانيًا: المعيار الاقتصادي:
يعد هذا المعيار من المعايير الحديثة، إذ يقوم على فكرة قوامها حركة التجارة وعبور الأموال للحدود. فالعقد يعد دوليًا إذا تعلق بمصالح التجارة الدولية أو ارتبط بعملية تتجاوز آثارها نطاق الاقتصاد الوطني([122]). وهذا المعيار لا يقيم وزنًا لجنسية أو مكان إبرام أو تنفيذ العقد.

وإذا كان هذا المعيار يلائم في الغالب الأعم عقود التوريد وغيرها من العقود التي تنتقل فيها رؤوس الأموال عبر الدول، فهذا الأمر يصعب على ضوء عقود الخدمات والعقود المصرفية الدولية التي يتم الوفاء بها عن طريق المقاصة دون حركة مد أو جزر للأموال.

ولا نجد صعوبة في تطبيق هذا المعيار على سندات الشحن الإلكترونية، فعقود النقل البحري بموجب سندات الشحن تتضمن دائمًا حركة مد وجزر للبضائع والأموال عبر الحدود، ويتضح ذلك من خلال أحكام القضاء الفرنسي في هذا الصدد([123]).

ثالثًا: المعيار المختلط:
يقوم هذا المعيار على الجمع بين المعيارين القانوني والاقتصادي. فلكي يكون العقد الدولي وفقًا لهذا المعيار، فيجب أن يكون العقد مرتبط بأنظمة قانونية تعود لدول مختلفة، تهدف إلى نقل الخدمات والأموال عبر الحدود أو بغية تحقيق مصالح التجارة الدولية([124]).

وقد ارتكن القضاء الفرنسي إلى هذا المعيار في بعض أحكامه في تحديد دولية العقد طبقًا للمعيار القانوني، لأن العلاقة ترتبط بعناصرها بأكثر من نظام قانوني. لكنه استند أيضًا ـ في بعض أحكامه ـ إلى المعيار الاقتصادي بغية تشجيع انتقال الأموال عبر الحدود، والعمل علي دعم مصالح التجارة الدولية([125]).

وتتضمن في الغالب سندات الشحن البحرية كلا المعيارين، ذلك أن الصفة الأجنبية تتطرق إلى العلاقة القانونية من أكثر من جانب، كما أنه يتضمن نقل قيم وبضائع وأموال عبر الحدود مما يجعلها متعلقة بمصالح التجارة الدولية.

إلا أنه لا يتصور توافر المعيار الاقتصادي في حالة الدول ذات السواحل الكبيرة وشبه الجزر كأستراليا وإنجلترا، فمثلاً إذا أبرم سند الشحن بين فرنسي وأمريكي لنقل بضائع من أحد المواني الأمريكية إلى ميناء أمريكي آخر، ففي هذا الفرض توافر المعيار القانوني دون المعيار الاقتصادي.

ولهذا نجد من الأنسب الاعتداد بالمعيار القانوني لإضفاء صفة الدولية على سند الشحن البحري في صورته التقليدية والإلكترونية، مع مراعاة أن هذا الأمر يعود إلى تقدير القاضي، فهو الذي يبحث في دولية سند الشحن من عدمه عند فصله في النزاع بداءةً.

ورغم أن اتفاقية بروكسل لسندات الشحن لم تضع قواعد قانونية موحدة، ولم تنص على قواعد خاصة بتنازع القوانين، إلا أنها وضعت حزمة من القواعد المادية (الموضوعية) المنظمة لعقد النقل البحري بموجب سند الشحن البحري الذي يتم بين دول صدقت على هذه الاتفاقية([126]). وهو ما نصت عليه المادة 10 من الاتفاقية من سريانها على كل سند شحن يصدر في إحدى الدول المتعاقدة. ولا تسري قواعد هذه الاتفاقية إلا إذا كان سند الشحن دوليًا، ومن هنا صار السؤال حول دولية سند الشحن علي ضوء أحكام هذه الاتفاقية.

فوفقًا للنص السابق تسري أحكام هذه الاتفاقية على كل سند شحن يصدر في دولة متعاقدة أو منضمة، ولا عبرة هنا بجنسية الناقل أو الشاحن أو ميناء التفريغ أو علم السفينة. ويُستثنى من ذلك الملاحة الساحلية للدول التي تحفظت على إخراج الملاحة الساحلية من نطاق تطبيق الاتفاقية. إلا أن التفسير الحرفي لنص المادة العاشرة من الاتفاقية يؤدي إلى تعطيل القوانين الداخلية.

ولهذا ثار خلاف حول معيار تحديد دولية سند الشحن علي ضوء نصوص الاتفاقية، فظهر معيار شخصي يرى أن نص المادة 10 لا يكفي ، وإنما لابد من اختلاف جنسية طرفي عقد النقل حتى تنطبق أحكام الاتفاقية، فإذا كان طرفي عقد النقل البحري بموجب سند الشحن البحري إنجليزيين، فإن القانون الداخلي الإنجليزي هو الذي يطبق، ووفقًا لهذا الرأي يشترط توافر ثلاث شروط لانطباق الاتفاقية([127]).

1ـ صدور سند الشحن في دولة متعاقدة أو منضمة.

2ـ أن يكون أطراف عقد النقل مختلفي الجنسية.

3ـ أن يتبع كل من أطراف عقد النقل متمتعًا بجنسية دولة متعاقدة أو منضمة إلى الاتفاقية.

أما المعيار الموضوعي فيستند إلى الاختلاف في الموانئ، فتنص المادة 10 من اتفاقية بروكسل علي انطباق قواعدها، إذا توافر شرطين([128]):

1ـ صدور سند الشحن في دولة متعاقدة أو دولة منضمة، وهو شرط ثابت في المادة 102 من الاتفاقية.

الشرط الثاني يختلف وفقًا للآتي:
أ – ميناء الشحن وميناء التفريغ في دولتين مختلفتين، ولا اعتبار لجنسية الأطراف المعنية بالنقل، أو كون كل من ميناء الشحن أو ميناء التفريغ أو كلاهما يتبعان دولاً متعاقدة.

ب- إذا تم النقل بين ميناءين تابعين لدولة واحدة، فلا تنطبق الاتفاقية إلا إذا وجد عنصر يبرر ذلك كاختلاف جنسية المتعاقدين.

وقد تباين الفقه الفرنسي ما بين الأخذ بالمعيار الشخصي والمعيار الموضوعي. وقد امتد هذا الخلاف إلى الفقه المصري، إلا أن الغالب منه يرى أنه يشترط اختلاف جنسية الأطراف لاعتبار النقل دوليًا بموجب اتفاقية بروكسل، أي أن يكون طرفي عقد النقل أي الناقل والشاحن مختلفي الجنسية([129]).

وقد وضعت محكمة النقض المصرية شروط أخرى لإعمال نص المادة 10 من اتفاقية بروكسل، وأجملت هذه الشروط في ثلاث([130]):

أن يحرر سند الشحن في دولة متعاقدة أو منضمة إلى الاتفاقية.
أن يكونا طرفا عقد النقل تابعين لدول متعاقدة.
أن يتم النقل بين ميناءين تابعين لدولتين مختلفتين.
وفي إنجلترا عندما صدر قانون نقل البضائع بطريق البحر عام 1924، والذي تبنى قواعد بروكسل، نص في المادة الأولى منه على أنه ينطبق على نقل البضائع من ميناء في بريطانيا وإيرلندا الشمالية إلى أي ميناء آخر سواء داخل المملكة المتحدة، أم خارجها، أي عندما تكون الشحنة من ميناء يقع فيها([131]). وهو ذات ما ذهب إليه القانون الأمريكي الخاص بنقل البضائع عن طريق البحر والصادر عام 1936، فنص على معيار دولية العلاقة، فأكد أنه ينطبق على جميع شحنات التجارة الخارجية من الولايات المتحدة الأمريكية وإليها([132]).

ونصت المادة 102 من اتفاقية لاهاي والتي تعد تطورًا حقيقيًا لاتفاقية بروكسل على أن قواعد هذا البروتوكول تنطبق على كل سند شحن يتعلق بنقل بضائع بين موانئ تابعة لدولتين مختلفتين في الحالات الآتية:

أ – إذا صدر سند الشحن في دولة متعاقدة.

ب ـ أو إذا كان النقل من ميناء في دولة متعاقدة.

ج ـ أو إذا نص في سند الشحن على أن أحكام هذه الاتفاقية أو أي تشريع آخر يأخذ بها هي التي تحكم العقد.

وأيًا كانت جنسية السفينة أو جنسية الناقل أو جنسية الشاحن أو جنسية المرسل إليه أو جنسية آخر ذي شأن. وتطبق كل دولة متعاقدة، أحكام هذه الاتفاقية، على سندات الشحن السابق ذكرها. ولا تخل هذه المادة بحق أية دولة متعاقدة في تطبيق هذه الاتفاقية، على سندات الشحن غير تلك الواردة في الفقرات السابقة.

يعني هذا أن معيار الشخصي لم يعد له أهمية بموجب تعديل لاهاي، فلا عبرة لجنسية الأطراف، ومن ثم تطبق قواعد لاهاي على النقل الدولي بين ميناءين تابعين لدولتين مختلفتين في الحالات الآتية([133]):

1ـ صدور سند الشحن في دولة متعاقدة، والعبرة بمكان صدور سند الشحن، وليس في مكان إبرام عقد النقل.

2ـ أن يبدأ النقل من ميناء في دولة متعاقدة، حتى لو صدر سند الشحن في دولة غير متعاقدة، طالما أن النقل بدأ في ميناء دولة متعاقدة.

3ـ انطباق الاتفاقية بموجب شرط باراماونت([134])، أي حق الأطراف في تطبيق قواعد الاتفاقية على اتفاقهم، ويفرق الفقه هنا بين حالتين:

أ – إذا كانت الدولة تحفظت وأخرجت النقل الساحلي من نطاق تطبيق الاتفاقية، وفقًا لما خوله لها بروتوكول توقيع الاتفاقية الأصلية 1924، فإن تطبيق الشرط أو عدم تطبيقه يخضع للقواعد العامة في القانون الداخلي، على أساس أنه قانون إرادة المتعاقدين.

ب- إذا لم تكن الدولة قد تحفظت على النقل الساحلي، فإن الشرط يكون نافذًا، ويجب تطبيق قواعد اتفاقية بروكسل في هذه الحالة على الملاحة الساحلية الداخلية([135]).

4- الحالة التي نصت عليها الفقرة الأخيرة من المادة 10 المعدلة وهي تتعلق بتوسيع نطاق تطبيق الاتفاقية، على حالات لا تنطبق عليها([136]).

وقد أخذ القانون الإنجليزي بما جاء في الاتفاقية وقواعدها، وصارت قواعد الاتفاقية جزءًا من قانون نقل البضائع الإنجليزي عن طريق البحر عام 1971 الذي ألغي قانون 1924، وأدخل هذا القانون نصوص الاتفاقية، كجزء من القانون الداخلي وفقًا لتعديلات قواعد لاهاي ـ فسبي عام 1968([137]).

وينطبق هذا القانون على عقود النقل البحري ودون إخلال بقواعد اتفاقية لاهاي عندما يكون ميناء الشحن واقعًا في المملكة المتحدة، سواء توافرت شروط المادة 10 من الاتفاقية أم لا، مما يعد توسيعًا في نطاق إعمال أحكام بروتوكول لاهاي([138]).

وذات الأمر نصت عليه المادة 16 من قانون التجارة البحرية الفرنسي الصادر في عام 1966 فأكدت على أن القانون ينطبق على جميع عقود النقل التي تتم في ميناء فرنسي وإلى ميناء فرنسي والتي لا تخضع لاتفاقية تكون فرنسا طرفًا فيها. وفي كل الأحوال فإنه ينطبق على عمليات النقل التي تخرج عن نطاق تطبيق تلك الاتفاقية([139]).

ولا يتعارض هذا النص مع الاتفاقية، فقواعد الاتفاقية بمجرد التصديق عليها صارت جزءًا من التشريع الداخلي، فتطبق حال تحقق شروط إعمالها، وعندما لا تنطبق شروطها يظهر في الأفق قواعد القانون البحري الفرنسي الداخلي الذي تبنى نصوص هذه الاتفاقية.

ولم تخرج مصر عن هذا السياق فصدقت على بروتوكول لاهاي ـ فسبي، ومن ثم أصبحت الشروط التي نصت عليها المادة العاشرة، واجبة التطبيق بخصوص تحديد دولية العلاقة.

ويبقى أن نعرض هنا لما جاءت به أحكام اتفاقية الأمم المتحدة المتعلقة بعقود النقل الدولي للبضائع عن طريق البحر كليًا أو جزئيًا، وهو ما عرفت بقواعد روتردام الصادرة عام 2008 والمصدق عليها بالجلسة العامة رقم 67 للجمعية العامة في 11 ديسمبر 2008.

فقد نصت المادة 5 على أنه "1ـ رهنًا بأحكام المادة ٦، تنطبق هذه الاتفاقية على عقود النقل التي يكون فيها مكان التسلم ومكان التسليم واقعين في دولتين مختلفتين، ويكون فيها ميناء التحميل في عملية نقل بحري وميناء التفريغ في عملية النقل البحري ذاتها واقعين في دولتين مختلفتين، إذا كان أي من الأماكن التالية يقع، وفقًا لعقد النقل، في دولة متعاقدة: مكان التسلم؛ أو (ب) ميناء التحميل؛ أو(ج) مكان التسليم؛ أو(د) ميناء التفريغ.

2ـ تنطبق هذه الاتفاقية دون اعتبار لجنسية المركب أو الناقل أو الأطراف المنفذة أو الشاحن أو المرسل إليه أو أي أطراف أخرى ذات مصلحة".

ويلاحظ أن هذه المادة لم تأخذ بالمعيار الشخصي، ولم تنص على حق الأطراف في اللجوء لقواعدها صراحةً في حالة عدم انطباقها. إلا أن هذا لا يحول دون حق الأطراف في الارتكان لقواعدها بوصفها القانون الواجب التطبيق على سند الشحن الإلكتروني الصادر في عقد النقل البحري الدولي.

عرضنا في هذا المبحث لماهية سند الشحن الإلكتروني، من خلال بيان تعريفه ونشأته وكذا وظائفه، ثم بينا دولية هذا السند بوصفه المدخل الحقيقي لدراسة تنازع الاختصاص التشريعي والقضائي في شأن سند الشحن الإلكتروني.

ولا يمكن لنا الحديث عن القانون الواجب التطبيق على سند الشحن الإلكتروني، دون بيان المحكمة المختصة بالفصل في المنازعات الخاصة به، والتي تعد صاحبة الاختصاص في تطبيق القانون الواجب التطبيق على النزاع، ولهذا نعرض في المبحث التالي للمحكمة المختصة بالفصل في منازعات سند الشحن الإلكتروني.



المبحث الثاني
الاختصاص القضائي بالمنازعات الخاصة
بسند الشحن البحري الإلكتروني
تمهيد وتقسيم:
لابد وأن نوضح أن استخدام سند الشحن البحري الإلكتروني، لا يخرج عقد النقل البحري عن صورته التقليدية وما ينتج عنه من آثار وحقوق والتزامات على عاتق أطراف العقد، ولهذا تبقى قواعد الاختصاص القضائي بمنازعات العقد البحري سارية على كافة المنازعات المتصلة به.

وتتعلق قواعد الاختصاص النوعي بالنظام العام، ومن ثم يجوز للمحكمة أن تثيرها من تلقاء نفسها، وفي أي مرحلة تكون عليها الدعوى. وعلى خلاف هذا لا تتعلق قواعد الاختصاص المحلي بالنظام العام، وبالتالي لا يجوز للمحكمة التي تنظر الدعوى أن تتصدى للاختصاص المحلي من تلقاء نفسها، ولا يجوز التمسك بالدفع بالاختصاص المحلي إلا قبل الحديث في الموضوع، وإلا سقط الحق فيه.

ولم تتضمن اتفاقية بروكسل الخاصة ببعض القواعد المتعلقة بسندات الشحن الصادرة عام 1924، أية تحديد للمسائل المتعلقة بالاختصاص القضائي المتعلق بالمنازعات الناشئة عن عقد النقل البحري للبضائع، وقد يكون بغية المشرع الدولي من هذا ترك الأمر للدول الأعضاء لتنظيمها من خلال تشريعاتها الداخلية. وعلى خلاف هذا وضعت اتفاقية هامبورج قواعد خاصة بالاختصاص القضائي للمسائل المتعلقة بالمنازعات الناشئة عن عقد النقل البحري.

وعلى هذا الأساس تم تقسيم هذا المبحث إلى مطلبين هما:

المطلب الأول: قواعد الاختصاص القضائي وفقًا لقواعد اتفاقية هامبورج.

المطلب الثاني: قواعد الاختصاص القضائي في القانون المصري والقوانين المقارنة.

المطلب الأول
قواعد الاختصاص القضائي وفقًا لقواعد اتفاقية هامبورج
تضمنت قواعد هامبورج 1978 عدة محاكم يمكن للمدعي اللجوء إليها عند الاقتضاء، إذ نصت المادة 21/1 من اتفاقية هامبورج على أنه([140]).

"1- في جميع حالات التقاضي المتعلقة بنقل البضائع بموجب هذه الاتفاقية للمدعي حسب اختياره أن يقيم الدعوى أمام محكمة تكون وفقًا لقانون الدولة التي تقع فيها المحكمة ذات الاختصاص، ويدخل في نطاق ولايتها أحد الأماكن الآتية:

أ ـ المحل الرئيسي للمدعي عليه، وإن لم يكن له محل عمل رسمي فالمحل الاعتباري لإقامة المدعي عليه.

ب ـ مكان إبرام العقد بشرط أن يكون للمدعي عليه، وإن لم يكن له محل عمل أو فرع أو وكالة أبرم العقد عن طريق أي منها.

ج ـ ميناء الشحن أو ميناء التفريغ.

دـ أي مكان آخر يعين لهذا الغرض في عقد النقل البحري".

كما نصت المادة 21/2 من الاتفاقية، على أنه: " أ) خلافا للأحكام السابقة من هذه المادة، يجوز إقامة الدعوى أمام محاكم أي ميناء أو مكان في دولة متعاقدة يكون الحجز قد وقع فيه على السفينة الناقلة أو على أية سفينة أخرى لنفس المالك استنادًا إلى قواعد القانون المطبقة في تلك الدولة وقواعد القانون الدولي، على أنه يجب في هذه الحالة أن يقوم المدعي، بناءً على التماس من المدعى عليه، بنقل الدعوى حسب اختياره، إلى إحدى المحاكم المختصة المشار إليها في الفقرة 1 من هذه المادة، لكي تقوم بالفصل في الدعوى، ولكن يتعين قبل إجراء هذا النقل أن يقدم المدعى عليه كفالة تكفي لضمان الوفاء بأي مبلغ يحكم به في الدعوى في وقت لاحق لصالح المدعي، ب) تفصل محكمة ميناء أو مكان الحجز في جميع المسائل المتعلقة بكفاية الكفالة أو عدم كفايتها".

لم تتضمن قواعد لاهاي 1924 أي نصوص خاصة بالاختصاص القضائي أو التحكيم. ومع ذلك فقد جرى العمل على اتفاق الناقلين على إدراج شرط خاص بالاختصاص القضائي، ولكن اشترط فيه أن يكون واضحًا، ولا لبس فيه([141]). ولم تخرج قواعد لاهاي المعدلة عام 1979 عن سابقتها، واكتفت بتأييد الشروط المدرجة من قبل الناقلين([142]).

يتضح من هذه النصوص أن الفقرة الأولى من المادة 21 من الاتفاقية حددت محكمة الدولة التي يجوز إقامة الدعوى أمامها. وجعلت للمدعي الخيار بين اختصاص محاكم إحدى الدول التي يقع في إقليمها أحد الأماكن التي عددتها والمكان المعين لهذا الغرض في عقد النقل البحري، والمكان الأخير ليس إلا خيارًا يضاف إلى باقي الخيارات([143]). فإذا اختار المدعي من بين هذه الخيارات التي أتاحها النص، دولة معينة لإقامة الدعوى، فإن قانون هذه الدولة هو الذي يعين المحكمة المختصة نوعيًا ومحليًا بنظر النزاع.

ثم نصت الفقرة الثانية اختصاص محكمة ميناء الحجز على السفينة، وإمكانة قيام المدعي برفع دعواه أمام المحكمة التي تنظر في الحجز على السفينة التي كانت محل عقد النقل البحري، أو سفينة أخرى مملوكة لنفس الناقل التي تسمى السفينة الشقيقة([144])، للحصول على سند تنفيذي يخوله الحق في المشاركة في توزيع ثمن بيع السفينة المحجوزة على الدائنين الآخرين([145]).

وقد أوضحت الفقرة الثالثة من ذات المادة أنه لا يجوز إقامة الدعوى في أي مكان لم تحدده الفقرتان الأولي والثانية، والاتفاق على خلاف هذا يعد باطلاً، على أن هذا لا يمنع محاكم الدولة المتعاقدة، ولو لم تكن مختصة بنظر الدعوى من الحق في اتخاذ ما يلزم من تدابير وقتية أو وقائية.

ونصت الفقرة الرابعة على أنه إذا تم رفع الدعوى أمام إحدى المحاكم المحددة في الفقرتين الأولي والثانية من ذات المادة، أو إذا صدر حكم من المحاكم المذكورة فإنه لا يجوز إعادة رفعها من جديد أمام محكمة أخرى بين نفس الأطراف حول ذات الموضوع، إلا في حالة ما إذا كان الحكم الذي سيصدر أو الذي صدر لا يمكن تنفيذه في هذه الدولة([146]).

وأقرت الاتفاقية صحة اتفاق الأطراف على جهة قضائية أخرى مهما كانت، ولكن بعد نشوء النزاع وليس قبله، إذ يكون الأطراف أمام ضررًا حقيقيًا وفعليًا ، وتبدأ المفاوضات بينهما حول كيفية التعويض.

ولابد وأن نبين هنا أن قواعد لاهاي 1924 رغم خلوها تمامًا من أي إشارة للاختصاص القضائي، فإننا نجد أن معظم العقود البحرية المستندة إليها تشتمل على نص صريح حول تحديد الاختصاص القضائي بالمنازعات الناشئة عنها([147]).

ويمكننا القول بأن اتفاقية هامبورج وضعت جزءًا مهما فيما يخص تحديد الاختصاص المحلي لنظر دعوى المسئولية المرفوعة ضد الناقل البحري، ويرجع سبب هذا إلى محاولة الاتفاقية معالجة النقص، وتقليل المشكلات في مجال الاختصاص القضائي في دعاوى النقل البحري.

وقبل أن نترك الحديث عن الاختصاص القضائي علي ضوء قواعد اتفاقية هامبورج لابد، وأن نعرض لقواعد الاختصاص علي ضوء قواعد روتردام، ورغم عدم دخول هذه القواعد حيز التنفيذ بعد، إلا أننا نعرض لها ببعض التفصيل.

فقد نصت المادة 66 من هذه القواعد على أنه "إذا لم يتضمن عقد النقل اتفاقًا بشأن اختيار حصري للمحكمة يمتثل لأحكام المادة 67 أو المادة 72، فيحق للمدعي أن يرفع دعوى قضائية بمقتضى هذه الاتفاقية على الناقل. أمام محكمة مختصة يقع ضمن نطاق ولايتها أحد الأماكن التالية: 1ـ مقر الناقل أو، 2ـ مكان التسلم المتفق عليه في عقد النقل أو، 3ـ مكان التسليم المتفق عليه أو، 4ـ الميناء الذي تحمل فيه البضائع على السفينة في البداية، أو الميناء الذي تفرغ فيه البضائع من السفينة في النهاية أو، (ب) أمام محكمة أو محاكم مختصة يعينها اتفاق مبرم بين الشاحن والناقل لغرض البت فيما قد ينشأ بمقتضى هذه الاتفاقية من مطالبات تجاه الناقل".

يتضح لنا أن الاتفاقية منحت الأطراف حق الاتفاق المسبق على اختيار المحكمة المختصة، وفي غياب هذا الاتفاق نصت على عدد من الاختيارات يكون للأطراف حق اللجوء لإحداها. وزادت الاتفاقية على هذا حق الأطراف في اللجوء إلى محكمة متفق عليها بعد نشوء النزاع، فقد نصت الفقرة الخامسة من المادة الثانية من الاتفاقية على أنه "بعد نشوء النزاع، يجوز لطرفي النزاع أن يتفقا على أي محكمة مختصة".

وإذا كان الحال كذلك علي ضوء قواعد القانون الدولي الاتفاقي، فالسؤال ما هو الحال علي ضوء قواعد القانون المصري والتشريعات المقارنة.

وقبل أن نعرض لهذه القوانين بمزيد من التفاصيل يتعين علينا أن نبين أن معظم التشريعات المقارنة ارتكنت عند سنها لنصوصها لقواعد اتفاقية هامبورج، كما هو الحال في التشريع الدنمركي والتشريع الفنلندي وكذا التشريع السويدي. كما أن هناك من التشريعات المقارنة التي اكتفت بالإحالة إلى قواعد الاتفاقية كما هو الحال في القانون المشترك للدولة الإسكندنافية الصادر عام 1994([148]).

المطلب الثاني
قواعد الاختصاص القضائي في القانون المصري
والقوانين المقارنة
لم يتضمن قانون التجارة البحرية المصري أي نصوص خاصة بتحديد المحكمة المختصة نوعيًا بالنظر في المنازعات البحرية. ولهذا تكون المحاكم الابتدائية العادية هي المختصة نوعيًا بالنظر في كل المنازعات المتعلقة بالملاحة البحرية باعتبار أنها المحاكم ذات الولاية العامة للنظر في جميع الدعاوى. ويلاحظ هنا أن الاختصاص النوعي من النظام العام، ولهذا لا يجوز الاتفاق على مخالفته، والحال على خلاف هذا في الاختصاص المحلي للمحاكم.

وقد نصت المادة 245 من قانون التجارة البحرية المصري على أنه "ترفع الدعاوى الناشئة عن عقدة نقل البضائع بالبحر أمام المحكمة المختصة وفقًا لأحكام قانون المرافعات المدنية والتجارية، ويجوز أيضًا حسب اختيار المدعي أن ترفع الدعاوى المذكورة إلى المحكمة التي يقع في دائرتها ميناء الشحن أو ميناء التفريغ أو الميناء الذي حجز فيه على السفينة، ويقع باطلاً كل اتفاق سابق على قيام النزاع يقضي بسلب المدعي الحق في هذا الاختيار أو تقييده".

يتبين من النص السابق أن المشرع المصري أعاد الأمر إلى القواعد العامة بقانون الإجراءات المدنية والتجارية، ومن ثم تكون المحكمة المختصة، هي محكمة مقر إقامة المدعي عليه. وفي الغالب الأعم يكون مقر الناقل وفقًا لما ورد في نص 29 من قانون المرافعات المصري، وهو ذات ما أخذت به المادة 408 من القانون الفرنسي([149]).

ثم جاءت ذات المادة لتنص على حق المدعي في اختيار محكمة من بين المحاكم الآتية وهي: محكمة ميناء الشحن أو ميناء التفريغ أو ميناء حجز السفينة، وذيلت المادة 245 بنص يبين عدم جواز الاتفاق على خلاف ذلك، ويقع باطلاً كل اتفاق سابق على النزاع على خلاف ما نصت عليه المادة. مما يعني جواز الاتفاق علي خلاف ذلك بعد قيام النزاع. وهو ذات ما نص عليه القانون الكندي الصادر عام 2001 في مادته 46.

يعني هذا أن المدعي لديه اختيار بين عدد من المحاكم، والتي يمكن إجمالها في الآتي:

1- اختصاص محكمة جنسية المدعي عليه:
جرى العمل على اختصاص محاكم الدولة بالنظر في الدعاوى التي ترفع على رعاياها بغض النظر عن موطنهم، استنادًا إلى أن للدولة القدرة على كفالة آثار أحكامها في مواجهة المتمتعين بجنسيتها([150]). وهذا الاختصاص نصت عليه المادة 282 من قانون المرافعات المدنية والتجارية المصري على أنه: "تختص محاكم الجمهورية بنظر الدعاوى التي ترفع على المصري ولو لم يكن له موطن أو محل إقامة في الجمهورية".

وقد اكتفى هذا النص بمجرد تمتع الشخص بالجنسية المصرية سواء كان هذا الشخص طبيعي أم معنوي لعقد الاختصاص للمحاكم المصرية. ولم ينص على أي ضابط يتعلق بالمدعي، فالعبرة هنا بالجنسية وليس محل الإقامة أو الموطن.

يضاف لهذا أن الاختصاص يثبت ولو كان المدعي عليه مقيمًا بالخارج، وسواء أكان رافع الدعوى مصريًا أم أجنبيًا. كما يثبت هذا الاختصاص ولو كان سبب العلاقة محل النزاع منشئ في مصر أو في الخارج، وسواء أكان القانون المصري واجب التطبيق أم قانون أجنبي([151]).

وقد أكدت المحكمة العليا الأمريكية على حق أطراف سند الشحن في اللجوء للمحاكم الأمريكية إذا كان المدعي عليه ـ سواء الناقل أم الشاحن يحمل الجنسية الأمريكية ـ، ويعد هذا تطبيقًا للقواعد العامة للاختصاص القضائي([152]).

2- اختصاص محكمة موطن أو محل إقامة المدعي عليه:
يرى جانب من الفقهاء في حالة إبرام سند الشحن الإلكتروني أنه لا يوجد ما يبرر الخروج عن القواعد العامة في تحديد الاختصاص القضائي الدولي للمحاكم([153])، حيث يمكن رفع الدعوى أمام محكمة موطن أو محل إقامة المدعي عليه، عملاً بما هو مستقر عليه في قانون المرافعات الداخلي أو الدولي، من أن المدعي يسعى إلى المدعي عليه في محكمته([154]).

ويذهب الرأي القائل بهذا الضابط إلى أن هذا الاختصاص يؤدي إلى إكساب النفاذ للأحكام الصادرة من القضاء الوطني، فموطن المدعي عليه أو إقامته يسهل اتخاذ إجراءات التنفيذ في مواجهته أو على أمواله، وهو ما أخذ به المشرع المصري في المادة 29 من قانون المرافعات المصرية التي نصت على أنه "تختص محاكم الجمهورية بالدعاوى التي ترفع على الأجنبي الذي له موطن أو محل إقامة في الجمهورية"([155]).

إلا أن هناك صعوبة قد تواجه إعمال هذا الضابط نظرًا لصعوبة تحديد الموطن في العالم الافتراضي. إلا أن هذا الأمر لا يظهر في حالة عقد النقل البحري نظرًا لسهولة تحديد موطن أطراف سند الشحن الإلكتروني، كما أن الواقع العملي لم يكشف بعد عن وجود شركات ملاحية أو متعاقدين افتراضيين، فالغالب أن شركات النقل البحري معروفة لأطراف النقل، محددة مراكز إدارتها.

ورغم هذا فإن هناك من يرى أن هذا الافتراض غير مقبول علي ضوء التطورات الحديثة([156])، فيرى جانب من الفقهاء أنه يتصور وجود موطن افتراضي لأحد أطراف السند، كذلك قد يصعب الوصول لموطن المدعي عليه مما يضع العراقيل أمام المدعي، ويفاجئه بضرورة رفع دعواه في دولة بعيدة، وبلغة غير معروفة له، وطبقًا لقانون لا يتوقعه([157]).

ولهذا حاولت اتفاقية الأمم المتحدة المتعلقة باستخدام الخطابات الإلكترونية في العقود الدولية الصادرة عام 2005، وقبلها قواعد القانون النموذج للتجارة الإلكترونية الصادرة عن الأمم المتحدة عام 1996 وضع معيار يسترشد به الفقه والقضاء في تحديد موطن الأطراف عبر شبكة الإنترنت، وهو معيار المقر الأوثق صلة بالعقد، مع الأخذ في الاعتبار الظروف والملابسات التي حدثت أثناء التعاقد أو حتى في مرحلة المفاوضات السابقة على التعاقد مثل: المراسلات البريدية التي تمت على مقر العمل أو أرقام الهواتف المتبادلة أثناء الصفقة.

ولابد من التأكيد هنا أن هذا المبدأ من أهم المبادئ التي يقوم عليها الاختصاص القضائي، فالمدعي عليه هو الذي يسعى لمحكمة المدعي عليه ليقاضيه أمامها. وأساس ذلك أن الأصل هو براءة ذمة المدعي عليه إلي أن يثبت العكس، وليس من العدل أن يذهب المدعي عليه إلي محكمة المدعي الذي قد يتضح أن دعواه كيدية، ويتكبد المدعي عليه نفقات الانتقال.

ويلاحظ هنا أن هذا الضابط يعقد الاختصاص للمحاكم المصرية بالنسبة للأجانب الذين لهم موطن أو محل إقامة في مصر، مع العلم بأن محل إقامة الشخص الاعتباري يتم تحديده من خلال تحديد مركز الإدارة الرئيس للمؤسسة أو الشركة، ومع ذلك يتم عقد الاختصاص لمحكمة الفرع إذا اتصلت الدعوى بهذا الفرع أو لمحكمة موطن الوكالة إذا اتصلت الدعوى بالوكالة.

وقد حرصت المحاكم الإنجليزية على امتداد اختصاصها في حالة كونها مقر العمل الرئيس للناقل البحري، وأكدت على أنها أكثر ملائمة في حالة اتخاذ التدابير الوقتية والتحفظية([158]). ثم عادت المحكمة العليا الإنجليزية وأكدت في حكم حديث لها على ضرورة احترام شرط التحكيم إلا أنه في حالة بطلان شرط التحكيم، فإنه لا يكون أمام المدعي إلا اللجوء لقواعد الاختصاص القضائي، ويعد اللجوء إلى محكمة مقر الإدارة الرئيس هو أنسب الطرق في تحديد الاختصاص القضائي([159]). وقد استخدم القضاء الأمريكي أرقام التليفونات في أكثر من قضية للدلالة علي ارتباط موقع إلكتروني بدولة معينة([160]).

3- اختصاص محكمة إبرام العقد أو تنفيذه:
يمكن عقد الاختصاص الدولي للمحاكم الوطنية بمنازعات التجارة الإلكترونية ذات الطابع الدولي استنادًا إلى ضابطي محل إبرام ومحل تنفيذ هذه العقود. ونظرًا للطبيعة الخاصة لسند الشحن البحري الإلكتروني فهو يبرم بين حاضرين في الزمان غائبين عن المكان، فإن تحديد مكان إبرام العقد يتم وفقًا للقواعد المتبعة في مجال عقود التجارة الإلكترونية. فالعقد يعد مبرمًا في المكان الذي علم فيه الموجب بالقبول، ويعتبر الموجب في عقود التجارة الإلكترونية موجودًا دائمًا في بلد هذا الطرف، وهو ما يتحقق بالقبول الذي يثبته هذا الطرف على صفحة الموجب بشبكة الإنترنت([161]).

نصت المادة 245 من قانون التجارة البحرية المصري على هذا الاختصاص، ومن ثم تكون محكمة إبرام العقد من حقها نظر الدعوى بوصفها المحكمة المختصة إذا رفع المدعي عليه دعواه أمامها ولكن تظهر صعوبة تحديد مكان إبرام العقد في حالة سند الشحن الإلكتروني.

وقد حسم قانون الأونسيترال النموذجي الأمر، فاعتبر أن رسالة البيانات أرسلت في المكان الذي يقع فيه مقر عمل المنشئ، فتعتبر أي رسالة البيانات أرسلت في المكان الذي يقع فيه مقر عمل المنشئ، ويعتبر أنها استلمت في المكان الذي يقع فيه مقر عمل المرسل إليه([162]).

ويتضح من هذا أن العقد يعتبر مبرمًا في المكان الذي يقع فيه عمل المرسل إليه([163])، وفي حالة تعدد المواقع ينسب لموقع العمل الأكثر صلة بموضوع العقد، وفقًا لما ورد في المادة 15/4/أ من قانون الأونيسترال النموذجي، والتي جاء فيها في حالة توافر أكثر من مركز عمل للموجب، فقد حدد المشرع الدولي مركز العمل الرئيس للموجب لاعتبار مكانه الإقليمي هو نفس مكان إبرام العقد الإلكتروني. أما إذا لم يكن للمقر عمل مختص بموضوع العقد أو لم يكن هناك مقر عمل خاص به، فيتم الأخذ بمكان الإقامة المعتاد بدلاً من مقر العمل المعتاد، ويحل محله في كافة التصرفات الخاصة بالعقد الإلكتروني المبرم عبر الإنترنت([164]).

إذا وفقًا لهذا يكون المقصود بمحكمة إبرام العقد، المحكمة التي بها مقر عمل الناقل بوصفه مصدر الإيجاب في حالة سند الشحن الإلكتروني.

ولا عبرة في هذه الحالة بمكان تنفيذ العقد المبرم، أو كان العقد واجب التنفيذ في خارج محكمة محل إبرام العقد. غير أنه يمكن أن تختص المحاكم في دولة تنفيذ الالتزامات التعاقدية بصرف النظر عن مكان إبرام العقد، فقد تكون محكمة ميناء الشحن أو التفريغ أو ميناء حجز السفينة كما نصت المادة 245 من قانون التجارة البحرية المصري والمادة 46/2 من القانون الفرنسي.

4- اختصاص محكمة الشحن:
وفقًا لنص المادة 245 من قانون التجارة البحرية المصري يجوز للمدعي أن يرفع دعواه أمام المحاكم المصرية إذا كانت ميناء شحن البضائع يقع على الإقليم المصري، فتختص محكمة هذا الميناء بنظر الدعوى. ويعد هذا تطبيقًا حقيقيًا لمبدأ اختصاص محكمة تنفيذ العقد، فالعقد بدء في تنفيذه وتم شحن البضاعة من هذا الميناء.

وقد سار على ذات النسق القانون الاسترالي الصادر في عام 1991، فنصت المادة 11 الفقرة ج على اختصاص محكمة ميناء الشحن([165]).

ويُقصد بميناء الشحن الميناء الذي يتم تم فيه الشحن، وقد تتعدد موانئ الشحن نظرًا لتعدد أجزاء الشحنة وشحنها من عدة موانئ فيصبح رفع الدعوى أمام أي محكمة من محاكم هذه الموانئ.

5ـ اختصاص محكمة ميناء التفريغ:
ويُقصد به الميناء الذي تم فيه تفريغ البضاعة، أي تم تسليم البضاعة فيه على رصيف الميناء، وقد لا يكون ميناء التسليم هو ميناء التفريغ فقد يتم نقل البضاعة في مرحلة لاحقة عن طريق البر لتصل لمكان المرسل إليه كما في الدول الحبيسة ـ التي لا يوجد لها أي موانئ أو شطآن ـ، فالعبرة هنا بميناء التفريغ البحري، ويكون للمدعي حق رفع دعواه أمام محكمة ميناء التفريغ بوصفها إحدى المحاكم المختصة بهذا.

وهو ذات ما نصت عليه المادة 245 من قانون التجارة البحرية المصري، وكذا الفصل 177 من القانون البحري المغربي.

وقد قضت محكمة النقض المصرية باختصاص محكمة بور سعيد الابتدائية بنظر الدعوى التي تتلخص وقائعها في قيام عقد نقل بحري بين شركة أمريكية وناقل بحري بشأن نقل صائدة الألغام الساحلية رقم من ميناء نيوأورليانز بالولايات المتحدة الأمريكية إلى ميناء بورسعيد على ظهر السفينة. وقضت بأن محكمة بورسعيد الابتدائية تعد المحكمة التي كان يجب تنفيذ الاتفاق بها بوصفها ميناء التفريغ، وذلك استنادًا للمادة 55 من قانون المرافعات المدنية والتجارية والمادة 245 من قانون التجارة البحرية المصري([166]).

6 - اختصاص المحكمة التي اتفق على اللجوء إليها (الخضوع الاختياري):
تسعى قواعد الاختصاص إلى التيسير على المدعي من أجل الحصول على الحماية القضائية، وبذلك يمكن الاتفاق بين الخصوم على الخروج على تلك القواعد، وذلك بالاتفاق على تقرير الاختصاص لمحكمة أخرى على خلاف المحكمة التي حددتها المادة 245 من قانون التجارة البحرية المصري. ويراعى هنا أن هذا الاتفاق لابد وأن يكون لاحق على قيام النزاع وليس سابق عليه.

ويرى جانب من الفقهاء أنه من أجل أن ينتج الاتفاق على الاختصاص أثره فلابد من توافر شروط يمكن إجمالها في الآتي([167]):

1ـ ضرورة وجود رابطة جدية بين النزاع المطروح والمحكمة التي اتفق على جعل الاختصاص لها أو توافر مصلحة مشروعة للأطراف في هذا الصدد، ومثل هذه الرابطة تتحقق بأسهل الوسائل أو الروابط.

2ـ يجب ألا ينطوي الاتفاق على الاختصاص غشًا، سواء أكان الاتفاق على الاختصاص سابقًا أم لاحقًا على قيام النزاع، إلا أنه في حالة الاختصاص القضائي في العقود التجارية الإلكترونية. فيرى جانب من الفقهاء ضرورة أن يكون الاتفاق صريحًا وليس ضمنيًا([168]). وهو ذات ما ذهب إليه القانون الكندي الصادر عام 2001 في مادته 46([169]). وهو نفس ما نصت عليه التشريعات المقارنة من حق الأطراف في تحديد المحكمة المختصة كما في المادة 4 من القانون الإيطالي الصادر عام 1995. وأضاف المشرع الصيني نصًا يجيز اللجوء للمحاكم الأجنبية بشرط المعاملة بالمثل([170]).

كما أكدت المحكمة العليا الأسبانية عام 2007 في أحد أحكامها على حق الأطراف في اللجوء إلى محاكمها طواعيةً في شأن منازعات سند الشحن استنادًا لقواعد اتفاقية بروكسل الصادرة عام 1968 بشأن الاختصاص القضائي وتنفيذ الأحكام في المسائل المدنية والتجارية، وذلك وفقًا لأحكام المادة 17/1/ج من الاتفاقية، وأيضًا المادة 32/1 من لائحة الاتحاد الأوروبي بشأن الاختصاص القضائي الصادرة عام 2001([171]).

وربما كان هذا المسلك التشريعي الوطني هو نتاج لقواعد اتفاقية لاهاي 1924، فرغم أنها خلت تمامًا من أي إشارة للاختصاص القضائي، إلا أنها أكدت على حق الأطراف في اللجوء الاختياري لمحكمة بعينها، ومن هنا نجد أن معظم العقود البحرية التي تستند إليها تضع نصًا صريحًا حول الاختصاص القضائي للمنازعات الناشئة عن تلك العقود([172]).

وهو ما ذهبت إليه المحاكم الأمريكية في أحكامها، ففي قضية Indussa([173])، قضت محكمة الاستئناف بأن اختيار محكمة أجنبية في سند الشحن الخاضع لقانون نقل البضائع الأمريكي فيه انتهاك لأحكام المادة 3/8 من قانون نقل البضائع الأمريكي التي تنص على أن أي اتفاق في عقد نقل البضائع يتضمن إعفاء الناقل من المسئولية يكون باطلاً وعديم التأثير([174]). ثم عادت المحاكم الأمريكية وأكدت على أن شرط اختيار المحكمة الأجنبية مشروع وصحيح مادام ظاهر الأوراق يكشف عن أن الاختيار كان صحيحًا لم يشبه غش أو إذعان وكذلك تنفيذ العقد كان منصفًا، ولا يتعارض مع النظام العام([175]).

يتضح من العرض السابق أن المدعي بالاختيار بين أي من المحاكم السابقة لرفع دعواه أو أن يورد في سند شحنه الإلكتروني نصًا يفيد اختياره لمحكمة دولة بعينها أو اتفاق الأطراف علي هذا بعد نشأة النزاع بينهم، ويراعي في حالة الخضوع الاختياري أن يكون الاتفاق صريحًا، وبمجرد انعقاد الاختصاص لمحكمة معينة يثور السؤال المهم حول القانون الواجب التطبيق علي النزاع، وهو الأمر الذي نعرض له في المبحث التالي.

المبحث الثاني
القانون الواجب التطبيق على سند الشحن البحري الإلكتروني
تمهيد وتقسيم:
تثير سندات الشحن الإلكترونية عدة مشكلات تستدعي تحديد القانون الواجب التطبيق، من بينها مشكلة التداول الإلكتروني، وهل من الممكن أن تلبي هذه المستندات هذه الوظيفة التي ارتبطت بالمستندات الورقية؟ وما هو القانون الواجب التطبيق على كل هذه المسائل؟

إن مشكلة تحديد القانون الذي يحكم سندات الشحن الإلكترونية يكون أكثر صعوبة منه في سندات الشحن العادية الورقية، فالمسألة تتعلق بالتعاقد بين أطراف لا يجمعهم مجلس واحد بالمعنى التقليدي لهذا المفهوم. فالتعاقد يتم بين حاضرين في الزمان غائبين في المكان، وغيرها من المسائل التي نعرض لها بمزيد من التفصيل نظرًا للطبيعة الخاصة لسند الشحن الإلكتروني، ولكونه يتم إبرامه من خلال شبكة الإنترنت.

ويرى بعض الفقه أن الطبيعة غير المادية لشبكة الإنترنت، لا تنسجم مع المنهج التقليدي لقواعد تنازع القوانين([176]). فمنهج تنازع القوانين في صورته التقليدية يقوم على افتراض تقسيم المجتمع الدولي لوحدات إقليمية مستقلة ذات سيادة وتشريع داخلي مستقل، ونشوء علاقات بين أفراد هذه الوحدات الإقليمية، مما يستوجب ضرورة البحث عن النظام القانوني الذي يحكم العلاقات المذكورة.ومن مصلحة الدولة تطبيق القوانين الصادرة منها، تحقيقًا لمصالح رعاياها. ومن ثم كان هناك حاجة للتوفيق بين المصالح المتعارضة، وذلك من خلال الاعتماد على ضوابط موضوعية يمكن الاحتكام إليها لتحديد القانون الواجب التطبيق. ولهذا ظهر منهج تنازع القوانين الذي يحدد القانون واجب التطبيق من خلال قواعد إسناد تلحق العلاقات القانونية الخاصة الدولية بالنظام القانوني الملائم في محاولة للتنسيق بين المصالح المتعارضة في القوانين المتنازعة في هذا الشأن.

ونظرًا للطبيعة الخاصة للتعاقد عبر شبكة الإنترنت بوصفها شبكة عالمية بلا حدود فاصلة، فهي كيان غير محسوس لا يمكن حصره وسيطرته في إقليم دولة بعينها. مما يؤدي إلى صعوبة تركيز العلاقة العقدية التي تتم من خلالها داخل إقليم دولة معينة، في حين أن الأصل في تحديد القانون الواجب التطبيق على العقد الدولي هو تركيز العلاقة العقدية في إقليم معين. وذلك من أجل إسناد العقد إلى النظام القانوني لدولة هذا الإقليم، ولهذا نجد أن طبيعة شبكة الإنترنت تتنافر مع المنهج التقليدي لتنازع القوانين. وهذا دعي جانب من الفقهاء إلى البحث عن قانون موضوعي يتسم بالصبغة العالمية بعيدًا عن قواعد القانون الدولي الخاص التقليدية الوطنية([177]).

وعلى خلاف الرأي السابق يذهب جانب من الفقهاء إلى أنه لا يمكن هجر منهج الإسناد الذي يتم من خلاله تحديد القانون الوطني واجب التطبيق على المنازعات الناشئة عن التعاقد عبر الإنترنت([178]). ويضيف هذا الرأي إلى أن القول بأن عدم قدرة القوانين الوطنية على حكم المنازعات الناشئة عن التعاقد عبر شبكة الإنترنت قوله جانبه الصواب، بعد قيام معظم الدول بتطوير وتحديث تشريعاتها لتواكب المستجدات التكنولوجية. كما أن تطبيق عادات التجار الإلكترونية في مجال العقود الإلكترونية قد يؤدي إلى دعم مصالح الشركات والمشاريع الاستثمارية الأجنبية المصدرة للبضائع، وتجاهل مصالح المستهلكين والأطراف المتعاقدة الأخرى. فهذه العادات الإلكترونية من صنع رجال القانون لشركات الأعمال الأجنبية في الدول الغربية، وهي تحقق مصالح الدول المصدرة للتكنولوجيا والمتحكمة في التجارة الدولية على كافة الأصعدة على حساب مصالح الدول المستوردة.

ولهذا نرى أنه رغم الدعوات الفقهية القائلة بضرورة وجود قانون مستقل للتجارة الإلكترونية يقوم أساسًا على عادات وأعراف هذه التجارة، إلا أنه حتى ولو وجد هذا القانون فإنه يفتقر إلى حلول لكل المسائل والموضوعات المتعلقة بالتجارة الإلكترونية، كما أنه لا يمكننا القول بعزل هذه العقود الدولية الإلكترونية عن قواعد تنازع القوانين الوطنية، ولكن قد تكون هناك حاجة لتطويرها وتحديها للتواكب مع المتغيرات التكنولوجية الحديثة، وحماية مصالح الدول النامية في هذا الصدد.

كما أن العولمة لا تعني عزل الدولة عن سلطتها وسيادتها التشريعية في المسائل التي تهم مصالحها الاقتصادية والاجتماعية والتكنولوجية، ومن ثم يبقى خضوع العقود الإلكترونية إلى القوانين الوطنية في محاولة للتعايش بين المنهج التقليدي لتنازع القوانين والمستجدات الإلكترونية.

وقبل أن نعرض لقواعد الإسناد، ودور الإرادة في تحديد القانون الواجب التطبيق يتعين علينا أن نعرض للقواعد الدولية الاتفاقية في اتفاقية سندات الشحن المبرمة عام 1924، وما تلاها من اتفاقيات بوصفها مجموعة من القواعد المادية التي حرصت على وضع تنظيم قانوني لسندات الشحن على السعيد الدولي، وسعت هذه القواعد لوضع قواعد موحدة في شأن تنظيم هذه السندات.

ولهذا نقسم هذا المبحث إلى ثلاث مطالب.

المطلب الأول: القانون الواجب التطبيق على سندات الشحن الإلكترونية علي ضوء الاتفاقيات الدولية.

المطلب الثاني: القانون الواجب التطبيق على شكل سند الشحن الإلكتروني في القانون المصري والتشريعات المقارنة.

المطلب الثالث: القانون الواجب التطبيق على موضوع سند الشحن الإلكتروني في القانون المصري والتشريعات المقارنة.

المطلب الأول
القانون الواجب التطبيق على سندات الشحن الإلكترونية
علي ضوء الاتفاقيات الدولية
عرضنا في الصفحات القليلة السابقة لقواعد الاختصاص القضائي بوصفه السبيل والطريق الشرعي لوصول المتنازعين إلى حقوقهم، ولكن يتعين أن يجد القاضي السبيل للوصول للقانون الواجب التطبيق على النزاع الخاص بسند الشحن، وقد لعبت الاتفاقيات الدولية دورًا مهمًا في تنظيم القواعد والمسائل الخاصة بسند الشحن والقانون الواجب التطبيق عليها، ومن ثم صار علينا أن نعرض لها بمزيد من التفصيل المناسب.

تعد مصر من الدول التي وافقت على اتفاقية هامبورج للنقل الدولي البحري للبضائع عام 1978، بموجب القرار الجمهوري رقم 104 لسنة 1979، وبموجب المادة 31/1 من اتفاقية هامبورج، عندما تصبح دولة عضوًا في هذه الاتفاقية، فإن أية دولة عضو في اتفاقية سندات الشحن المبرمة في بروكسل 1924 يجب أن تعلن لحكومة بلجيكا كوديع لاتفاقية 1924 عن انسحابها من الاتفاقية المذكورة، مع الإعلان أن الانسحاب سيبدأ من تاريخ بدء سريان هذه الاتفاقية فيما يتعلق بهذه الدولة.

ويسري هذا الأمر كذلك على بروتوكول لاهاي- فسبي، كما أنه يجوز للدول المتعاقدة أن تؤجل بناءً على رغبتها الانسحاب من اتفاقية 1924 وتعديلاها عام 1968 لمدة أقصاها خمس سنوات من تاريخ بدء سريان هذه الاتفاقية على الدول المتعاقدة، وتستبعد أي اتفاقية أخرى([179]).

وقد دخلت الاتفاقية حيز النفاذ في عام 1992، ولهذا انتهت المدة التي سمحت بها الاتفاقية في عام 1997، وكانت مصر خلال هذه الفترة تطبق قواعد لاهاي- فسبي فيما يتعلق بنطاق تطبيقها، وقواعد هامبورج مع الدول الأطراف بها([180]).

وقد بينا سابقًا أن مصر قامت بالتصديق على اتفاقية بروكسل وقواعدها المعدلة في لاهاي-فسبي، بالإضافة لتصديقها على اتفاقية هامبورج, ومن ثم يكون على القاضي المصري الأخذ ببنود اتفاقية سندات الشحن، وكذا اتفاقية لاهاي بوصفها جزءًا من القانون الداخلي المصري. ولهذا أصبح نص المادة 10 من قواعد لاهاي ينطبق على كل سند شحن خاص بنقل بضاعة بين أحد الموانئ المصرية وأي ميناء آخر مهما كانت جنسية السفينة أو الناقل أو الشاحن أو المرسل إليه، أو أي شخص آخر يهمه أمر البضاعة، عندما يكون سند الشحن صادرًا في مصر أو يكون النقل من ميناء في دولة متعاقدة أو يشترط في سند الشحن تطبيق أحكام الاتفاقية أو القانون المصري الذي يأخذ بأحكامها([181]).

وبعد أن صدقت مصر على بروتوكول لاهاي-فسبي، فإنه يجب إعمال نص المادة 6 منه من حيث كون أي طرف في هذا البروتوكول لا يلتزم بتطبيق نصوصه على سندات الشحن التي تصدر في دولة طرف في الاتفاقية، إلا أنها ليست طرفًا في البروتوكول. يعني هذا أن العلاقة إذا كانت دولية بموجب سند الشحن وكانت الدولة الأخرى قد صدقت على الاتفاقية دون البروتوكول، فعلى القاضي المصري الاكتفاء بتطبيق الاتفاقية الأصلية الصادرة عام 1924 دون البروتوكول، أما لو كان الطرف الآخر ينتمي لدولة صدقت على البروتوكول، فالواجب التطبيق على سند الشحن هو البروتوكول([182]).

وحسنا فعل المشرع المصري عندما أخذ في أحكامه بنصوص اتفاقية هامبورج، وعدل قواعده في قانون التجارة البحرية المصري لتتواءم مع نصوص الاتفاقية.

ويتعين علينا أن نبين هنا أن اتفاقية هامبورج حجمت من دور الإرادة بشكل كبير لما لها من نطاق تطبيق واسع، بحيث لا يكون هناك مجال لإعمال إرادة الأطراف في اختيار القانون الواجب التطبيق في حالة انطباق قواعدها، خاصة وأنها تتبع منهج سارت عليه الاتفاقيات السابقة من السماح بإيراد نصوصها طبقًا لما يلائم هذه التشريعات، الأمر الذي أحدث خلافًا في نطاق تطبيقها، فاتفاقية هامبورج لم تجز حتى التحفظ علي ما ورد بها من أحكام([183]).

ومن ثم لا يكون هناك مجالاً لتطبيق نص المادة 19 من القانون المدني المصري([184]) إلا في حالات عدم انطباق اتفاقية هامبورج، وهذه الحالات تتسم بالندرة. كما يكشف لنا الواقع العملي ذلك، لأن كون ميناء التفريغ موجودًا بمصر، فإن القاضي المصري سيطبق اتفاقية هامبورج، ويبقى مجال إعمال المادة 19 من القانون المدني المصري مقصورًا في سندات الشحن البحرية فقط في الحالات التي يكون تطبيق الاتفاقية غير متحقق. فعلي سبيل المثال مجرد اتفاق الأطراف على إعمال شرط بارامونت في سند الشحن فإن مفاد ذلك اتفاق الأطراف على تطبيق اتفاقية بروكسل لسنة 1924 الخاصة بتوحيد بعض القواعد المتعلقة بسند الشحن([185]).

والأمر لا يختلف كثيرًا في القانون الفرنسي، فقد نصت المادة 16 من قانون عقود النقل البحري وإيجار السفن على أن القانون الفرنسي يطبق على عقد النقل البحري متى كان النقل قد بدأ من ميناء فرنسي، وانتهى إليه في غير الحالات التي تكون فيها فرنسا مرتبطة باتفاقية دولية تقضي بغير ذلك([186])، ويذهب جانب من الفقه إلى القول بأن هذا النص من القواعد ذات التطبيق المباشر أو قوانين البوليس([187]).

مما يعني انطباق هذا النص سواء كانت العلاقة وطنية أم دولية، ليخرج القانون الواجب التطبيق عن مجال إعمال قانون الإرادة، وكذا قواعد تنازع القوانين. مفاد هذا أنه عند تحقق شروط انطباق اتفاقية بروكسل فإن قواعدها تكون واجبة التطبيق لما لها من طبيعة آمرة، وبناءً على نص المادة 6 من بروتوكول لاهاي- فسبي، فإن فرنسا لا تلتزم بتطبيق البروتوكول على سندات الشحن البحرية التي تصدر في دولة طرف في الاتفاقية دون أن تكون طرفًا في البروتوكول، وبالتالي يقتصر تطبيق البروتوكول على الدول الأطراف.

ورغم هذا يمكننا القول بأنه رغم الزعم بانحصار دور قانون الإرادة علي ضوء انطباق قواعد الاتفاقية، فإنه يبقى له دور في تنظيم المسائل الخارجة عن نطاق تطبيق الاتفاقية، وهو ما دعي البعض من الفقهاء للقول بأن العصر الذهبي لقانون الإرادة قد أخذ في الزوال، والأفول، فالنصوص التشريعية الآمرة في مجال سندات الشحن والقواعد الدولية الاتفاقية تضيق النطاق على إرادة المتعاقدين، بحيث لم تعد هذه الإرادة تتمتع بحرية كاملة([188]).

ويبقى أن نبين هنا أن فرنسا لم تنضم بعد لاتفاقية هامبورج، ومع ذلك فالقضاء الفرنسي يرتكن في الكثير من أحكامه إلى نصوص هذه الاتفاقية، فقد طبقت محكمة مرسيليا التجارية قواعد اتفاقية هامبورج استنادًا للمادة 2/1 من الاتفاقية التي تنص على أن الاتفاقية، تنطبق على جميع عقود النقل بين دولتين مختلفتين، إذا كان ميناء التفريغ حسب ما هو منصوص في عقد نقل البضائع يقع في دولة متعاقدة([189]).

والحال لم يختلف كثيرًا في النظام الإنجليزي، فعلي ضوء أحكام نصوص اتفاقية سندات الشحن وقانون التجارة البحرية الإنجليزي الصادر عام 1971، والذي تبنى أحكام قواعد لاهاي- فسبي، فقد قلصت تلك النصوص حجم دور قانون الإرادة، فإنجلترا صدقت على الاتفاقية، وضمنت نصوصها في قانون نقل البضائع بطريق البحر الإنجليزي بطريق البحر لعام 1924، وكذلك قواعد لاهاي- فسبي 1968 التي تبناها قانون نقل البضائع الإنجليزي عام 1971، الذي حدد مجال تطبيقه على الشحنات المنطلقة من المملكة المتحدة عندما يكون ميناء الشحن واقعًا فيها([190]). ومن ثم فإن هذا القانون ينطبق على جميع الشحنات التي يكون شحنها من إحدى الموانئ الإنجليزية، كما أنه ينطبق على الشحنات الواردة بشروط المادة 10 المعدلة من الاتفاقية بموجب قواعد لاهاي-فسبي عندما يكون النقل من دولة متعاقدة، أو عندما يصدر سند الشحن في دولة متعاقدة، وعندما يتضمن سند الشحن شرط باراماونت على تطبيق هذا القانون أو الاتفاقية بصورة صريحة.

ولقد كان للنصوص الآمرة السابقة أثر كبير على إرادة المتعاقدين، ويتضح هذا من خلال الأحكام الصادرة من المحاكم الإنجليزية، إلا أن هذا الأمر لم يكن مطلقًا، فمثل هذه النصوص تركت المجال للإرادة في بعض المسائل.

ففي قضية The Torni، والتي تتلخص وقائعها في شحن صفقة من البرتقال من ميناء يافا إلى ميناء Hull في إنجلترا، واتفق الأطراف في سند الشحن على أن يكون تفسير السند وفقًا للقانون الإنجليزي. وفي هذه الدعوى طبقت محكمة الاستئناف القانون الفلسطيني على الرغم من اختيار الأطراف للقانون الإنجليزي، وقد أكد الحكم على أن الشروط الإلزامية لقانون محل العقد لا يمكن أن تكون خارج الاتفاق باختيار قانون آخر([191]). وأسس الحكم قضاؤه على أن نصوص القانون الفلسطيني تنص على أنه عند شحن البضائع من فلسطين يتعين على المتعاقدين أن يضمنا عقدهما شرط يقضي بتطبيق قواعد لاهاي، والعقد الذي لا يتضمن هذا الشرط يكون باطلاً([192])، فقواعد لاهاي جزءًا من القانون الفلسطيني، التي تبنت قواعده نصوص الاتفاقية عام 1926 في قانون نقل البضائع بطريق البحر. وهذا القانون يشترط أن كل سند شحن يصدر في فلسطين يجب أن يتضمن شرطًا بإخضاعه للقانون الفلسطيني([193]).

وقد أكدت المحاكم الإنجليزية على احترام القواعد المادية، وقضت باستبعاد قانون الإرادة الذي اختاره الأطراف، فقضت محكمة الاستئناف بأن اختيار القانون الإنجليزي يعتبر باطلاً بموجب المادة 9 من القانون الأسترالي التي نصت صراحةً على أن الأطراف في العقد الذي يتضمن نقل البضائع من أي مكان في أستراليا إلى أي مكان خارج أستراليا يجب أن يخضعوا العقد لقانون ميناء الشحن أي القانون الأسترالي في حالة النزاع المعروض، وأي اتفاق يخالف ذلك يعتبر باطلاً، ولهذا طبقت المحكمة القانون الأسترالي الذي منع اختيار أي قانون عدا القانون الأسترالي، ومن ثم فإن الإشارة إلى القانون الإنجليزي عُد باطلاً([194]).

وعلى خلاف هذا قضى القضاء الإنجليزي بالقواعد الإلزامية الدولية، ففي قضية Vito food، لم يتضمن سند الشحن الصادر شرط باراماونت([195])، وإنما تضمن شرطًا

مفاده أن هذا العقد سيكون محكومًا بالقانون الإنجليزي([196]). ولما كان قانون نيوفوندلاند لنقل البضائع بطريق البحر الصادر عام 1932 قد تبنى قواعد لاهاي، وكانت المادة الثالثة من هذا القانون تنص على أن كل سند شحن يصدر في الدومنيون، كما كانت المادة الأولي من هذا القانون تنص على تطبيق قواعد هذا القانون على عقود نقل البضائع التي يتم نقلها من أي ميناء في الدومنيون "نيوفوندلاند" إلى أي ميناء آخر سواء أكان في الدومنيون أم خارجه.

وقد قضت محكمة أول درجة بأن غياب شرط باراماونت الذي تطلبته نصوص قانون نيوفوندلاند لا تجعل من سند الشحن باطلاً، وأكد الحكم على أن قانون نيوفوندلاند يجب أن يطبق طبقًا للمادة الأولي منه، وأن حقوق الأطراف يجب أن تقرر وفق أحكام هذا القانون. كما قضت بعد ذلك محكمة الاستئناف بأن عدم تضمين سند الشحن شرط باراماونت طبقًا لنصوص المادة الثالثة من قانون نيوفوندلاند يجعل من سند الشحن باطلاً، إلا أن المجلس الخاص أو ما يعرف آنذاك بمجلس الملك([197]). عند نظره للدعوى اتفق مع قضاء المحكمة الابتدائية، وأكد على صحة السند، وبين أن ما تطلبته المادة الثالثة من وجوب تضمين سند الشحن شرط باراماونت كان توجيهيًا وإرشاديًا، وليس إلزاميًا، لذلك فإن سند الشحن لا يعد باطلاً. ولهذا قرر المجلس الخاص أن القانون الواجب التطبيق هو القانون الإنجليزي الذي اتفق عليه الأطراف وليس قانون نيوفوندلاند([198])، وفي هذا احترام لإرادة الأطراف([199]).

وقد أكد جانب من الفقهاء على أن عدم تضمين سند الشحن لشرط باراماونت لا يؤدي إلى إبطال هذا السند، إلا أن هذا لا يعني أن القانون يفقد طبيعته الآمرة، وهذا ما قضى به الحكم السابق([200])، ويرى هذا الجانب من الفقهاء أنه يتعين مراعاة هذه النصوص الإلزامية، ولهذا كان على المحكمة تطبيق قانون نيوفوندلاند، كما أنه انتقد القرار لأنه طبق القانون الإنجليزي على الرغم من عدم وجود صلة بين القانون المختار والعقد([201]).

والوضع لا يختلف كثيرًا في القانون الأمريكي فقد لعبت القواعد الدولية الاتفاقية المنظمة لسندات الشحن دورًا مهمًا في تقييد إرادة الأطراف في اختيار القانون الذي يحكم سندات الشحن البحري. ففي نهاية القرن التاسع عشر عكف الكونجرس الأمريكي على إصدار قانون هارتر لحماية الشاحنين الأمريكيين من قواعد المسئولية في النقل البحري عام 1893، ولكي يضمن الشاحنون الحماية وفقًا لأحكام هذا القانون كانت سندات الشحن الصادرة في الولايات المتحدة الأمريكية تتضمن شرطًا صريحًا بخضوعها للشروط والبنود والإعفاءات من المسئولية الواردة في هذا القانون([202]).

وفي عام 1936 قام الكونجرس بإصدار قانون نقل البضائع عن طريق البحر، والذي أطلق عليه اختصار COGSA([203])، وتبنى هذا القانون القواعد الواردة في اتفاقية بروكسل لسندات الشحن، وهذا القانون يطبق بشكل ملزم على جميع سندات الشحن الخاصة بنقل البضائع من الولايات المتحدة الأمريكية وإليها في مجال التجارة الدولية([204]).

وقد التزم القانون الأمريكي بنصوص الاتفاقية مع بعض الاختلاف في شأن نطاق تطبيق القانون الذي ينطبق على كل سند شحن لنقل البضائع من الولايات المتحدة وإليها([205])، كذلك النص الذي يتضمن أن أي سند شحن أو وثيقة مماثلة تعد دليلاً لنقل البضائع يجب أن تتضمن بيانًا صريحًا في الخضوع لهذا القانون، وهو ما يعرف بشرط باراماونت([206]).

ويتعين علينا أن نبين هنا أن الكثير من الدول التي تبنت اتفاقية بروكسل نصت على تطبيق القوانين التي تضمنت أحكام الاتفاقية، وهي تنص على تطبيق هذه القوانين عندما يكون ميناء الشحن واقعًا في تلك الدولة، أي على الشحنات الخارجية فقط. خلافًا للقانون الأمريكي الذي ينص على انطباقه على الشحنات الدولية والوطنية أي من الولايات المتحدة وإليها، والنتيجة التي ترتب على ذلك أن قانونين مختلفين قد ينطبقا على شحنة واحدة تتم عن طريق البحر إلى الولايات المتحدة([207]).

فقد قضت المحاكم الأمريكية في قضية Van Qmneran([208]) باختصاصها بنظر النزاع بوصفها المحكمة الذي اتفق الأطراف على عقد الاختصاص لها، ورغم هذا فقد قضت بعدم قبول الدعوى لسبق الفصل فيها أمام المحاكم البلجيكية، إلا أنها قضت في دعوى أخرى رفعها الناقل لمقاضاة عمال الشحن في بالتيمور، بعدم صحة التسوية التي دفعها الناقل، فقد سدد مبلغ 57 ألف دولار أمريكي، في حين أن المسئولية وفقًا للقانون الأمريكي لن تتجاوز 7500 دولار أمريكي، والذي قضت به المحكمة، وأكدت على أن الضمان سوف يتحدد بهذا المبلغ([209]).

يفهم من هذا أن القانون الواجب التطبيق على سندات الشحن البحرية علي ضوء القانون الأمريكي يتحدد بالقواعد الآمرة في هذا القانون وفي قانون هارتر الأمريكي، الذي قامت الاتفاقية ارتكانًا لنصوصه ـ كما بينا سابقًا ـ([210]).

ولكن المتأمل لأحكام القضاء الأمريكي يجد أن هناك نصًا في القانون الأمريكي يتطلب تطبيقه على كل الشحنات من الولايات المتحدة وإليها، فقد بدأ شرط اختيار القانون الأجنبي مقبولاً في سندات الشحن البحرية، وهذا الأمر يمتد إلى شرط الاختصاص القضائي وشرط التحكيم، فهناك قرينة على مشروعية هذه الشروط ما لم يتبين أنها فرضت عن طريق الإذعان أو تعارضها مع النظام العام الأمريكي أو تعارضت مع نصوص قانون نقل البضائع الأمريكي التي صنعت شرط الإعفاء من المسئولية([211]). وهذا بغية مراعاة مصالح التجارة الدولية، واحترام الأعراف والقواعد الدولية، وسوف نعود للحديث مرة أخرى عن هذا الأمر عند الحديث عن إرادة الأطراف في اختيار القانون الذي يحكم سندات الشحن البحرية.

ويمكننا القول بأن كل هذا الخلاف القضائي والفقهي على صعيد الأنظمة القانونية المختلفة سيحل في حالة انضمام الدول لاتفاقية هامبورج فقد عملت على حل الإشكالات التي تتعلق بعقود النقل البحري بموجب سندات الشحن، فقد حددت نطاق تطبيقها بشكل آمر وواسع، ما حظرت أي تحفظات في شأن المواد الخاصة بها، كما أن الانضمام إليها سينهي اتفاقية بروكسل وتعديلها، وما ترتب عليها من إشكالات([212]).

وربما هذا الحل كان واقعيًا قبل صدور قواعد روتردام 2008، فبرغم عدم التصديق على قواعدها ودخولها حيز النفاذ حتى الآن، إلا أنها صارت أساس لوجود وتنظيم القواعد القانونية الخاصة بسند الشحن الإلكتروني، مما يدفعنا للقول بضرورة السعي نحو انضمام الدول لهذه القواعد بغية تفعيل وتطوير التعامل بسندات الشحن الإلكترونية.

في النهاية لابد وأن نؤكد أنه رغم المحاولات الدولية الساعية لتوحيد قواعد سندات الشحن، إلا أننا يلزم علينا أن نبين هنا أنه في حالة عدم انضمام الدولة لأي اتفاقية، من المعاهدات السابقة، فهذا لا يحول دون تطبيق القواعد المادية.

فقد تبنت العديد من الدول القواعد الخاصة بلائحة روما الخاصة بالالتزامات التعاقدية، ولهذا فإن القانون الواجب التطبيق على سندات الشحن الإلكترونية سيتحدد وفقًا لهذه الاتفاقية، وهذه الاتفاقية تكفل للأطراف الحق في اختيار القانون الواجب التطبيق على سندات الشحن، وقد يكون هذا الاختيار صراحةً أو ضمنًا، وفي حالة عدم وجود مثل هذا الاتفاق يطبق قانون الدولة الأكثر اتصالاً بسند الشحن الإلكتروني.

ولهذا سيبقى المجال واسعًا أمام قواعد الإسناد الوطنية لتحكم سندات الشحن الإلكترونية، وهو الأمر الذي نعرض له في الصفحات التالية، إلا أنه يتعين علينا أن نفرق بين القانون الواجب التطبيق علي شكل سند الشحن الإلكتروني، والقانون الواجب التطبيق علي موضوعه ـ كما سنرى لاحقًاـ.

المطلب الثاني
القانون الواجب التطبيق على شكل سند الشحن الإلكتروني
في القانون المصري والتشريعات المقارنة
عقد النقل البحري بموجب سند الشحن الإلكتروني هو عقد رضائي، ينعقد بالتراضي ولا يشترط لانعقاده شكل خارجي، إلا أن القانون قد يشترط الكتابة لإثباته حسمًا للمنازعات فهو ليس شكليًا تستلزمه الرسمية، وليس عينيًا يشترط لتمامه تسليم الشيء المراد نقله([213]). إلا أن قانون التجارة البحرية المصري نص في المادة 197 منه على أنه لا يثبت عقد النقل البحري إلا بالكتابة، وهو يتسق مع ما سارت عليه التشريعات المقارنة([214]).

ولما كانت المادة 20 من القانون المدني المصري قد نصت على أنه "العقود ما بين الأحياء تخضع في شكلها لقانون البلد الذي تمت فيه، ويجوز أيضًا أن يخضع للقانون الذي يسري على أحكامها الموضوعية، كما يجوز أن تخضع لقانون موطن المتعاقدين أو قانونهم الوطني المشترك". فيتبين لنا من النص السابق أن المشرع المصري وضع مجموعة من قواعد الإسناد الاختيارية ليخضع شكل العقد لعدد من القوانين التي ذكرتها المادة السابقة.

ويخول هذا الاتجاه الذي أقره المشرع المصري للأطراف الحق في اختيار أكثر من قانون لحكم شكل التصرف، وهو ذات ما أخذت به اتفاقية روما للقانون الواجب التطبيق، وكذا القانون الفرنسي والقانون الإنجليزي([215]).

أما الولايات المتحدة الأمريكية فإنها تناولت مسألة شكلية العقود بموجب المجموعة الثانية لقواعد التنازع إذ تعتبر تامة وفقًا للقانون المختار الأكثر ملاءمة وعلاقة بالعقد أو وفقًا لقانون المكان الذي سيتم فيه عادة تنفيذ العقد([216]).

ويمكننا القول بأن فكرة الشكل في العقد تتحدد بالأعمال المادية التي يقترن بها انعقاد العقد والتي تكون المظهر الخارجي للتعبير عن الإرادة أو القالب الذي يفرغ فيه ركن الرضا في العق. فيدخل في الشكل مختلف الأنماط التي تتبع في تحرير العقد سواء أكانت الكتابة ركنًا في العقد يتطلبه قانون الموضوع أم كانت دليلاً معدًا للإثبات، وسواء أكان المحرر رسميًا أم عرفيًا، ومن بين هذه الأنماط الشكلية عدد النسخ المحررة، ووجوب ذكر التاريخ وإمضاء الطرفين ووجوب الكتابة والبيانات الجوهرية التي
يجب أن يتضمنها المحرر فكل هذه الأوضاع يرجع إليها في القانون الذي يحكم شكل العقد.

يعني هذا أن شكل سند الشحن يكون خاضعًا لأحد القوانين الآتية:

1ـ قانون محل الإبرام:
هذا القانون يعد محل ثقة لدى التشريعات الوطنية، وتستند إليه لمبررات عملية يمكن إجمالها في الآتي:

أ ـ إلزام الشخص المتعاقد بالخارج باتباع الشكل المقرر في جنسيته أو قانون موطنه قد يقف عائقًا أمام إتمام العقد في حالة اختلاف المتعاقدين في الجنسية والموطن.

ب ـ صعوبة مباشرة قانون غير قانون محل إبرام التصرف بوصفه أكثر القوانين قربًا من العقد عند إبرامه. ولهذا كان المشرع الوطني حريصًا على التسهيل على المتعاقدين ومراعاة احتياجات التجارة الدولية، فهو يقضي بالسماح لهم بمباشرة تصرفاتهم بالشكل المحلي بوصفه القانون الذي يسهل إبرام تصرفاتهم فيه دون الاصطدام بعوائق مادية وقانونية.

ولكن الصعوبة تثور في مجال سندات الشحن الإلكترونية، ويثور التساؤل حول مكان إبرام مثل هذا السند.

قيل بوجود أربع نظريات خاصة بتحديد لحظة انعقاد العقد الإلكتروني([217]) ـ وهو الأمر الذي لا تتسع دراستنا لعرضه بالتفصيل ـ ويمكن القول بأنهن نظرية إعلان القبول([218]) ونظرية تصدير القبول([219]) ونظرية وصول القبول([220]) ونظرية العلم بالقبول([221]).

ويؤدي الاعتماد على نظرية من النظريات السابقة إلى اختلاف تحديد مكان العقد عن تحديده وفقًا لقواعد النظرية الأخرى مما يؤدي إلى اختلاف القانون الواجب التطبيق. وقد أخذ القانون المدني المصري في مادته 97، 98 بنظرية العلم بالقبول، إلا أن مشروع قانون التجارة الإلكترونية المصري أخذ في مادته الثانية بنظرية تصدير القبول، فقد نصت المادة على أنه "يسري على الالتزامات التعاقدية في مفهوم أحكام هذا القانون، قانون الدولة التي يوجد فيها الموطن المشترك للمتعاقدين إذا اتخذا موطنًا، فإن اختلفا يسري قانون الدولة التي تم فيها العقد، ما لم يتفق المتعاقدان على غير ذلك، ويعتبر العقد قد تم بمجرد تصدير القبول".

أي أن العقد ينعقد بمجرد تصدير القابل لقبوله، وتتجلى ميزة هذه النظرية في الإثبات ولهذا أخذ بها المشرع في مشروع قانون التجارة الإلكترونية. إلا أنه يُعاب عليها أن القابل يبقى قادرًا على استرداد قبوله قبل أن يصل إلى الموجب. وربما يرجع السبب إلى قبول العديد من الآراء الفقهية لنظرية تصدير القبول إلى أن المرسل إليه ـ في الواقع الأعم ـ يفقد كل سيطرة على القبول بمجرد إيداعه جهاز الكومبيوتر أو إرساله عبر شبكة الإنترنت([222]).

ويميل جانب من الفقهاء الفرنسيين إلى الأخذ بنظرية تصدير القبول([223])، وهو ما أخذ به مشروع تعديل القانون المدني الفرنسي بالنص على أن العقد يعد منعقدًا بين الغائبين عند عدم الاتفاق على خلافه في الزمان والمكان اللذين يصدر فيهما القبول([224]). وهو الأمر الذي أخذت به محكمة النقض الفرنسية، حيث أكدت على مبدأ مفاده أن عدم وجود اتفاق على خلاف ذلك ينشأ العقد من تاريخ إرسال القبول وليس من تاريخ استلامه([225]).

ولم يكن الأمر على خلاف هذا على صعيد القانون الإنجليزي، فالراجح أن الفقه والقضاء قد استقرا على الأخذ بنظرية تصدير القبول([226]). ولكن القانون الأمريكي اتخذ موقفًا مخالفًا يتمثل في أن للموجب تحديد الوسيلة التي يتعين على القابل اتباعها لإبلاغه بالقبول، ويتعين على القابل التقيد بذلك وإلا عد قبوله غير سليم([227])، وفي حالة عدم تحديد الموجب لوسيلة إبلاغ القبول فإن جانب من الفقهاء يرى أن أفضل وسيلة الإبلاغ هي الوسيلة التي استخدمها الموجب في إبلاغ الإيجاب([228]).

إن اختلاف التشريعات الوطنية في تحديد زمان التعاقد ومكانه يؤدي إلى اختلاف القانون الواجب التطبيق، ففي القانون المصري على سبيل المثال إذا أبرم سند شحن بين مصري وعراقي فإذا صدر الإيجاب من الطرف العراقي لا ينعقد العقد إلا إذا علم بالقبول وسيعلم بالقبول في العراق. ويسري في هذه الحالة القانون العراقي بوصفه مكان إبرام العقد في حالة نظر النزاع من قبل قاضي عراقي، أما لو كان النزاع معروض على القاضي المصري فيعد العقد مبرمًا بمصر ويطبق القانون المصري كونه قانون محل إبرام العقد، لأن القاضي المصري سيأخذ بنظرية تصدير القبول.

ويمكننا القول بأن حل هذه المشكلة لا يتأت إلا من خلال إيجاد قاعدة قانونية واحدة خاصة بتحديد زمن ومكان إبرام المستندات الإلكترونية، ولم يعد الأمر صعبًا علي ضوء وجود القانون النموذج للتجارة الإلكترونية، حيث نصت المادة 15 منه على أنه " ما لم يتفق المنشئ والمرسل إليه على خلاف ذلك، يقع إرسال رسالة البيانات عندما تدخل الرسالة نظام معلومات لا يخضع لسيطرة المنشئ، أو سيطرة الشخص الذي أرسل رسالة البيانات نيابة عن المنشئ.

ما لم يتفق المنشئ والمرسل إليه على غير ذلك ، يتحدد وقت استلام رسالة البيانات على النحو التالي: إذا كان المرسل إليه قد عين نظام معلومات لغرض استلام رسائل البيانات يقع الاستلام:

"1" وقت دخول رسالة البيانات نظام المعلومات المعين. أو

"2" وقت استرجاع المرسل إليه لرسالة البيانات، إذا أرسلت رسالة البيانات إلى نظام معلومات تابع للمرسل إليه ولكن ليس هو النظام الذي تم تعيينه.

(ب) إذا لم يعين المرسل إليه نظام معلومات، يتم الاستلام عندما تدخل رسالة البيانات نظام معلومات تابعًا للمرسل إليه.

تنطبق الفقرة ولو كان المكان الذي يوجد فيه نظام المعلومات مختلفا عن المكان الذي يعتبر أن رسالة البيانات استلمت فيه بموجب الفقرة .

ما لم يتفق المنشئ والمرسل إليه على غير ذلك يعتبر أن رسالة البيانات أرسلت من المكان الذي يقع فيه مقر عمل المنشئ، ويعتبر أنها استلمت في المكان الذي يقع فيه مقر عمل المرسل إليه. ولأغراض هذه الفقرة:

إذا كان للمنشئ أو المرسل إليه أكثر من مقر عمل واحد، كان مقر العمل هو المقر الذي له أوثق علاقة بالمعاملة المعنية، أو مقرًا للعمل الرئيسي إذا لم توجد مثل تلك المعاملة.

(ب) إذا لم يكن للمنشئ أو المرسل إليه مقر عمل، يشار من ثم إلى محل إقامته المعتاد".

وقد صدرت العديد من التشريعات على ضوء هذا القانون النموذج، وتبنت ما أقره في شأن تحديد زمان التعاقد ومكانه بواسطة رسائل البيانات كما في القانون الإماراتي الصادر عام 2002، والقانون التونسي الصادر عام 2000 وتعديلاته عام 2001، والقانون البحريني الصادر عام 2002 وتعديلاته عام 2006، وكذا القانون العماني الصادر عام 2008، والقانون الصادر عن السلطة الفلسطينية عام 2010، وفي ذات العام القانون القطري.

2- قانون الموطن المشترك للمتعاقدين:
يصعب القول بوجود هذا القانون ليحكم شكل السندات الإلكترونية، لأن الغالب الأعم هو وجود كل منهم في دولة مختلفة. فخضوع الشكل لقانون الموطن المشترك يرجع إلى معرفة المتعاقدين، بالإضافة إلى أهميته عند تنفيذ العقد.

3- قانون الجنسية المشتركة للمتعاقدين:
يرجع هذا الاستناد إلى محاولة المشرع التسهيل على المتعاقدين بافتراض معرفتهم بقانون جنسيتهم المشتركة، وإن كان من الصعب حدوث هذا على صعيد التجارة الدولية، وعلى ضوء سيطرة دول بعينها على الحركة الملاحية من خلال شركاتها، وهو يعني عدم إمكانية وحدة الجنسية- في الغالب الأعم في مجال سندات الشحن الإلكترونية، فمن المعلوم سيطرة الدول الغربية والولايات المتحدة الأمريكية علي شركات النقل البحري التي تتسم بالعالمية.

4- القانون الذي يحكم موضوع النزاع:
ربما يكون هذا القانون هو أكفأ القوانين ليحكم سند الشحن الإلكتروني، فهو يكفل وحده القانون الواجب التطبيق على الشكل والموضوع، وهو الأمر الذي أخذت به المادة 3 من مشروع التجارة الإلكترونية المصري فقد نصت على أنه: " يسرى على العقود الإلكترونية من حيث الشكل الواجب اتباعه قانون البلد الذي يسرى على أحكامها الموضوعية".

يبقى أن نؤكد هنا أنه علي ضوء غياب نصوص تشريعية وقواعد إسناد خاصة بسندات الشحن الإلكترونية، فإننا نجد عجز النصوص الوطنية عن حل المشكلات العملية والقانونية الخاصة بسندات الشحن الإلكترونية. ولهذا حاولنا أن نعرض الأمر من خلال عرض قواعد الإسناد التقليدية في التشريعات المقارنة.

وفي النهاية يتعين أن نبين هنا أن هناك دعوة بين رجال الفقه من جانب
ورجال القضاء لتوحيد القانون الواجب التطبيق على العقد، فيكون هذا القانون
هو الحاكم لشكل وموضوع العقد، ومن ثم يكون الحال كذلك في سند الشحن سواء
في صورته التقليدية أم الإلكترونية. ولهذا نعرض للقانون الواجب التطبيق على موضوع سند الشحن الإلكتروني من خلال بيان موقف القانون المصري، والتشريعات المقارنة.

المطلب الثالث
القانون الواجب التطبيق على موضوع سند الشحن الإلكتروني
في القانون المصري والتشريعات المقارنة
تمهيد وتقسيم:
استقرت معظم القواعد المادية والتشريعات المقارنة على قاعدة مؤداها خضوع العقد لقانون الإرادة، أي خضوعه للقانون الذي تختاره الأطراف المتعاقدة، وهو ما أخذت به العديد من التشريعات بالنص على هذا صراحةً، أو قضت به المحاكم الوطنية بوصفه مبدأ من المبادئ القانونية المستقر عليها.

ولكن قد لا يسعى أطراف العقد إلى اختيار قانون بعينه تاركين الأمر للمحكمة المختصة بالنزاع. وهنا يتعين علينا أن نبين أن هناك من التشريعات من درج على وضع قاعدة إسناد خاصة بالعقود الدولية، والتي تندرج تحتها عقود النقل بموجب سندات الشحن البحرية، ومن بين هذه القوانين القانون المصري.

وعلى خلاف هذا نجد الولايات المتحدة الأمريكية خلى تشريعها من أي ضوابط إسناد تحدد القانون الواجب التطبيق على العقود الدولية ومنها سندات الشحن البحرية، عدا ما ورد في المجموعة الأولى لتنازع القوانين عام 1934، والمجموعة الثانية الصادرة عام 1969 التي دخلت حيز التنفيذ عام 1971. وهاتان المجموعتان بينتا القواعد الخاصة بتنازع القوانين التي تسترشد بها المحاكم الأمريكية في قضايا التنازع ومنها القانون الواجب التطبيق على العقود الدولية عام 1994، على غرار ما نصت عليه قواعد لائحة روما الخاصة بالمسائل المتعلقة بالالتزامات التعاقدية وما لحقها من تعديلات من تاريخ صدورها كاتفاقية عام 1980.

وعلى هذا الأساس فإننا نقسم هذا المطلب إلى فرعين:

الفرع الأول: القانون الواجب التطبيق علي ضوء اتفاق الأطراف.

الفرع الثاني: القانون الواجب التطبيق في غيبة اتفاق الأطراف.

الفرع الأول
القانون الواجب التطبيق علي ضوء اتفاق الأطراف
يعد قانون الإرادة هو المبدأ الأساسي في مجال العقود الدولية، فعلى صعيد قواعد الإسناد تعتبر إرادة الأطراف هي المعول الأساسي لتحديد القانون الواجب التطبيق. وتقوم فكرة قانون الإرادة على الاعتراف لطرفي العقد بالحق في تحديد واختيار القانون واجب التطبيق على العقد الدولي.

وقد استقرت التشريعات المقارنة والاتفاقات الدولية على مبدأ حرية الأطراف في تحديد القانون الواجب التطبيق على عقدهم. وقد نصت المادة 19/1 من القانون المدني المصري على أنه "يسري على الالتزامات التعاقدية قانون الدولة التي يوجد فيها الموطن المشترك للمتعاقدين إذا اتحدا موطنًا وإذا اختلفا يسري قانون الدولة التي تم فيها العقد، هذا ما لم يتفق المتعاقدان أو يتبين من الظروف أن قانونًا آخر هو الذي يراد تطبيقه".

ويكشف الواقع أنه قبل العمل بأحكام المادة السابقة، فقد جرى العمل علي ضوء أحكام المحاكم المختلطة على تبني مبدأ قانون الإرادة، وذلك في حالة وجود نص صريح في العقد لاختيار القانون الذي يحكمه([229]). واعتد المشرع المصري بالإرادة الصريحة والضمنية للأطراف في اختيار القانون الواجب التطبيق على العقد.

ويمكن للقاضي بيان إرادة الأطراف من خلال نصهم الصريح على هذا في العقد، وإذا لم يعلن المتعاقدان عن نيتهما في اختيار القانون الواجب التطبيق، فعلى القاضي أن يكشف عن إرادتهم الضمنية من ظروف العقد وملابساته. ومن الظروف التي تكشف عن إرادة الأطراف الضمنية في الخضوع لقانون دولة معينة، نصهم على اختصاص محاكم هذه الدولة بالمنازعات المتصلة بالعقد أو لغة تحرير العقد أو مكان تنفيذه.

وهو ما أكدته أحكام محكمة النقض المصرية، حيث أخضعت سند الشحن للقانون الذي اتفق عليه الأطراف عندما اتفق الأطراف على إعمال شرط باراماونت([230])، كما طبقت القانون الأمريكي الصادر عام 1936 والذي أحال لاتفاقية بروكسل لسندات الشحن، وذلك استنادًا لاتفاق الأطراف([231]).

ويرى جانب من الفقهاء أن تطبيق قانون الإرادة على سندات الشحن البحرية يتفق مع القواعد العامة في تحديد القانون الواجب التطبيق على الالتزامات التعاقدية، فقانون الإرادة يحقق أكبر قدر ممكن من وحدة القانون الواجب التطبيق على سندات الشحن البحرية، لأن القاضي سوف يطبق قانون الإرادة على جميع عناصر العقد بدلاً من تطبيق قانون على شكل العقد وآخر على موضوع العقد([232]).

إلا أننا نرى أنه من الصعب القول بأن قانون الإرادة يوحد القانون الواجب التطبيق على العقد، فمما سبق نجد أن نطاق تطبيق اتفاقية سندات الشحن البحرية ينطبق على الرحلة البحرية فقط، أي بين شحن البضاعة وبين تفريغها، ومن الملاحظ تبني غالبية التشريعات البحرية المقارنة في الدول التي تسيطر علي حركة الملاحة البحرية، والتي تحويها أغلب سندات الشحن البحرية بوصفها قوانين واجبة التطبيق عليها للقواعد الاتفاقية الدولية.

مما يعني قصر تطبيقها على مدة الرحلة البحرية فقط، وبالتالي فإن هناك لإمكانة تطبيق أكثر من قانون على سندات الشحن البحرية، ليطبق بجانب قواعد الاتفاقية قوانين أخرى كقانون ميناء الشحن أو قانون ميناء التفريغ. بالإضافة إلى أن هناك من الأمور والمسائل التي لم تنظمها القواعد المادية، ففي الغالب يطبق عليها قانون دولة القاضي.

وقد حرصت التشريعات المقارنة على ترسيخ مبدأ سلطان الإرادة، رغم أن قواعد تنازع القوانين في القانون الفرنسي شأنها شأن أغلب قواعد تنازع القوانين في البلدان الأوربية، وخاصة في مجال العقود غير مكتوبة. إلا أن القضاء لعب دورًا مهمًا في إرساء قواعد التنازع الخاصة بالعقود([233])، وكذا سند الشحن الذي خلت قواعد تنازع القوانين الفرنسية من أي نصوص في شأنه.

وقد طبق القضاء الفرنسي مبدأ قانون الإرادة منذ عام 1910 على سند الشحن البحري فقد قرر أن العقد يكون محكومًا بالقانون الذي يختاره الأفراد([234]). ولا صعوبة في الكشف عن القانون الواجب التطبيق الذي اختاره الأطراف بإرادة صريحة، وفي حالة غياب الاختيار الصريح يتم البحث عن الإرادة الضمنية، ويكون الكشف عن تلك الإرادة الضمنية بأمور عدة من بينها شرط الاختصاص القضائي، أو قانون محل إبرام العقد([235]).

وقد حرص القضاء الفرنسي في أحكام حديثة له على التأكيد على حرية الأطراف في اختيار القانون الواجب التطبيق على سند الشحن ففي عام 2001 قضت محكمة النقض الفرنسية بأنه ورغم عدم وجود إرادة صريحة حول اختيار القانون الواجب التطبيق على سند الشحن، إلا أنه يتعين الأخذ في الاعتبار بإرادة الأفراد الضمنية، وارتكنت إلى أن النص على اختصاص محكمة دولة بعينها يعد قرينة على اتجاه إرادة الأطراف نحو تطبيق هذا القانون على سند الشحن([236]).

وكذلك حرصت محاكم الاستئناف الفرنسية على التأكيد في أحكامها على حق الأطراف في اختيار المحكمة المختصة، وكذا القانون الواجب التطبيق على سند الشحن، وإنه ليس هناك إلزامية في توحيد الاختيار، فيجوز للأفراد الاتفاق على اختيار قانون دولة ما غير قانون دولة القاضي([237]).

وهو ذات ما أخذت به المحاكم الانجليزية، فقد كانت تقضي باختيار القانون الذي يحكم العقد طبقا للإرادة المفترضة الأطراف بوصفه القانون الذي اتجهت إليه إرادة الأطراف([238]). ففي العديد من العقود التجارية الدولية، وخاصة في مسائل الشحن تتضمن شروط السند اختيار القانون الإنجليزي كقانون ملائم ليحكم ما يتصل به من منازعات. هذه الحرية في أحكام القانون العام تسمح للأطراف باختيار قانون مكان الإبرام الذي غالبًا ما يقود إلى تطبيق القانون الإنجليزي([239]).

ولهذا حرص القضاء الإنجليزي على القول بأن القانون الملائم للعقد هو القانون الذي اتجهت نية الأطراف إلى تطبيقه، وهذه النية قد يكشف عنها صراحة أو ضمنًا من خلال شروط العقد والظروف المحيطة به. وهو ما كشف عنه في قضية Vita food ـ كما بينا سابقًا ـ([240])، ففي هذه القضية اتفق الأطراف صراحةً على اختيار القانون الإنجليزي.

وعلي ضوء أحكام القضاء الإنجليزي نجد أن المجال كان رحبًا أمام الأطراف في إخضاع علاقاتهم التعاقدية لقانون غير مرتبط بالعقد([241])، ففي العديد من العقود التجارية الدولية، وخاصةً في مسائل الشحن ورد نص خاص باختيار القانون الإنجليزي بوصفه القانون الواجب التطبيق وفقًا لإرادة الأطراف، رغم أنه لا يوجد صلة حقيقية بين هذا القانون وسند الشحن([242]). إلا أن هذا الاختيار لم يكن مطلقًا دون قيد، فيجب أن يكون الاختيار مبنيًا على حسن نية، ولا يتعارض مع النظام العام لدولة القاضي المعروض النزاع أمامه، كما أن اختيار قانون بعينه لا يعطي الحق للأطراف في استبعاد القواعد الآمرة أو مخالفة النظام العام بإنجلترا في حالة نظر النزاع أمام القضاء الإنجليزي([243]).

ولكن على عكس ذلك فقد تبنت بعض المحاكم الإنجليزية اتجاهًا مخالفًا، وأصرت على تطبيق القانون أو النظام القانوني الذي يتصل بالعقد اتصالاً وثيقًا، واستبعدت قانون الإرادة([244]). ويرى جانب من الفقهاء أن القانون الملائم للعقد هو القانون الذي تكون العقد على ضوئه أو القانون الذي تكون فيه العلاقة أكثر اتصالاً به، وليس القانون الذي نوى الأطراف الخضوع له([245]).

إلا أن حقيقية الأمر أن هذا الرأي لا يستبعد قانون الإرادة، ولكنه يرى أنه يتعين على القاضي بداءةً احترام قانون الإرادة الصريحة، فإن تعذر على القاضي الكشف عن هذه الإرادة فإن قانون العقد سوف يتحدد علي ضوء النظام القانوني الذي يرتبط به العقد ارتباطًا فعليًا. ويحدد القاضي هذا من خلال شروط العقد والظروف المحيطة به. إلا أن هذا الرأي عاد وأكد على إمكانة حياد القاضي عن هذا، فللقاضي أن يطبق القانون الأوثق صلة بالعقد رغم وجود قانون الإرادة، فوفقًا لهذا الرأي فإن القانون يحدد وفقًا لمعيار القاضي، وليس وفقًا لنية الطرفين([246]). ولكن الحقيقة أن الاستبعاد وفقًا لهذا الرأي كان لمخالفة القانون للنظام العام الدولي، وهو ما طبقته المحاكم الإنجليزية على سندات الشحن البحرية كما حدث في قضية ASSUNZIONE([247])، وكان استبعاد قانون الإرادة نظرًا لأنه قلل من مسئولية الناقل المفروضة بموجب قواعد لاهاي ـ فسبي، حيث أنها قواعد آمرة تبناها قانون نقل البضائع الإنجليزي عبر البحر الصادر عام 1971([248]).

والدليل على ما سبق موقف القضاء الإنجليزي الذي مازال يقدر قانون الإرادة خاصةً علي ضوء قواعد لائحة روما، وكذلك التوجيهات الأوربية الصادرة في هذا الشأن. وإذا كانت التشريعات المقارنة ترسخ مبدأ سلطان الإرادة، فإن القواعد القانونية الاتفاقية الدولية حرصت على هذا أيضًا في المعاملات الإلكترونية، وما يتصل بها من أوراق وسندات، فقد أكدت التوصيات الأوربية على أنها لا تشتمل على أي قواعد جديدة بالنسبة للقانون الدولي الخاص على عكس ما كان متوقعًا منها([249]).

فقد نصت المادة 1/4 من التوجيه الأوربي الخاص بالجوانب القانونية لخدمات المعلومات وخاصة التجارة الإلكترونية على أنه لا ينشئ هذا التوجيه قواعد إضافية بشأن القانون الدولي الخاص أو الاختصاص القضائي للمحاكم([250]).

وهذا يعني أن القانون الواجب التطبيق علي ضوء قانون العقود الإنجليزي الصادر عام 1990 هو قانون الإرادة بداءةً، وهو ما يعني حسم الخلاف الذي خلقه تباين الأحكام القضائية الصادرة عن المحاكم الإنجليزية([251]).

ويفهم من هذا أن القانون الواجب التطبيق على سندات الشحن البحرية الإلكترونية هو القانون الذي يختاره الأطراف صراحة أو ضمنًا على أن يكون الاختيار الضمني مؤكد وغير متعارض بصورة ظاهرة مع موضوع العقد([252]).

وإذا كان الاختيار الصريح علي ضوء لائحة روما لا يثير مشكلة فإن الجدل ثار حول الإرادة الضمنية والمقصود بها. فالاختيار الضمني يمكن الاستدلال عليه كما جرى العمل قبل الاتفاقية من خلال شرط الاختصاص القضائي وشرط التحكيم، وهو ما ذهبت إليه المحاكم الفرنسية والإنجليزية في الكثير من أحكامها([253]).

ولهذا ذهب جانب من الفقهاء إلى أن اختيار محكمة بعينها قد يبين أن الأطراف قصدوا إخضاع العقد لقانون هذه المحكمة مع الأخذ في الاعتبار الشروط الأخرى للعقد والظروف المحيطة به([254]). ويرجع البعض هذا إلى أنه من السهل للقاضي تطبيق قانونه الخاص أكثر من تطبيقه لقانون آخر، بالإضافة لوجود ميل دائم من القضاة لتطبيق قانونهم الوطني، وكذلك فإن الأطراف باختيارهم محكمة معينة فهم على دراية بالقانون الخاص بهذه الدولة([255]).

ورغم هذا فهناك جانب من الفقهاء يري خلاف ذلك، فهناك حالات يتبين منها أن الأطراف لم ينتوا اختيار قانون المحكمة، وهي حالات تتحقق عندما يختار الأطراف المحكمة بعد ظهور النزاع، والأمر ذاته ينطبق إذا أعطى العقد للمدعي الحق في اختيار محكمة من بين عدة محاكم موجودة بدول مختلفة. ففي هذه الحالة فإن المحكمة لم تكن محددة عند إبرام العقد، لذا لا يمكن القول بأن إرادة الأطراف اتجهت إلى اختيار قانون المحكمة([256]).

ولكن هذا لا ينفي أن شرط الاختصاص القضائي يبقى من القرائن القوية على اختيار الأطراف لقانون دولة القاضي، وهو ما أخذت به الأحكام الإنجليزية. كما هو الحال في قضية KIMINOS، فقد قضت المحكمة بأنه لما كان الأطراف قد نصوا صراحة على أن جميع المنازعات الخاصة بسند الشحن يتم نظرها أمام المحاكم الإنجليزية، وكذلك تضمن سند الشحن شرطًا للإعفاء من المسئولية، وهو ما يعد باطلاً وفقًا لقواعد لاهاي ولاهاي ـ فسبى، وكذلك هذا الشرط يعد غير مشروع وفقًا للقانون اليوناني، إلا أن محكمة الاستئناف الإنجليزية ورغم إقرارها بأن سند الشحن يعد مرتبطًا ارتباطًا وثيقًا بالقانون اليوناني. إلا أن اختارت تطبيق القانون الإنجليزي بوصفه قانون إرادة الأطراف، وهذا يبدو جليًا من خلال شرط الاختصاص القضائي([257]). وأسست المحكمة قضائها على أنها لم تطبق القانون الإنجليزي لنقل البضائع بطريق البحر لعام 1971، لأن الشحنة لم تشحن من أحد المواني الإنجليزية حسبما ينص القانون، كما أنها لم تطبق القانون اليوناني الذي صدر فيها سند الشحن، وتم شحن البضائع من موانيها لأنها ليست طرفًا في قواعد لاهاي ـ فسبى. لذلك طبقت القانون العام الإنجليزي الذي يجيز شرط الإعفاء من المسئولية، وهذا الشرط يعد باطلاً وفقًا لقواعد لاهاي- فسبى([258]).

ولم يخرج القانون الأمريكي عن السياق التشريعي العالمي فقد تبنى القانون التجاري الأمريكي مبدأ سلطان الإرادة، فقد نصت المادة 105/1 منه على أنه "عندما تحمل الصفقة علاقة معقولة مع هذه الولاية وأيضًا مع ولاية أخري أو دولة أخري قد يوافق الأطراف على أن قانون هذه الولاية أو تلك الولاية أو الدولة سيحكم حقوقهم والتزاماتهم"([259]).

ونشير هنا إلى قانون Inter-American للتجارة الإلكترونية الموحد الذي حاول قدر الإمكان وضع قواعد خاصة بالتنظيم التشريعي للتجارة الإلكترونية تطبق على كل وثيقة أو توقيع إلكتروني يتم من خلال نشاط تجاري، ويعد هذا النص ترديدًا لنص المادة الأولي من القانون النموذج للتجارة الإلكترونية.

كما نصت الفقرة الأولي من المادة السادسة من قانون Inter-American للتجارة الإلكترونية الموحد على حق الأطراف في اختيار القانون الذي يطبق على الوثائق الإلكترونية أو التوقيع الإلكتروني، وهذا الاتفاق يجب أن يكون صريحًا. وفي حالة عدم وجود اتفاق صريح يجب أن يكون هناك مجموعة من الدلائل التي تكشف عن الإرادة الضمنية. ونصت الفقرة الثانية من ذات المادة على أن اختيار الأطراف لمحكمة معينة لا يستلزم بالضرورة اختيار القانون الواجب التطبيق لتلك المحكمة.

ويُعاب على هذا القانون أنه لم يضع حلولاً لحالة عدم اتفاق الأطراف صراحةً أو ضمنًا على اختيار قانون بعينه. إلا أنه يمكننا القول بأن الضوابط الواجب إتباعها على سند الشحن الورقي لا يوجد ما يحول دون تطبيقها على سند الشحن الإلكتروني ـ كما سنرى لاحقًا ـ.

وقد أكد القضاء الأمريكي على حق الأطراف في اختيار القانون الواجب التطبيق على نزاعهم، مادام هذا الاختيار لم يلابسه غش أو إذعان أو يتعارض مع النظام العام([260]).

ولهذا ذهب جانب من الفقهاء الأمريكيين إلى القول بأن تمسك القضاء الأمريكي بالمفهوم الضيق لسلطان الإرادة بغية فصل جميع المنازعات أمام المحاكم الأمريكية وبموجب القانون الأمريكي، سيحمل على تضييق مجال التجارة والصناعة الأمريكية([261]). ومع ذلك فقد رفض القضاء الأمريكي الاعتداد باتفاق الأطراف إذا كان الغرض من اختيار قانون بعينه هو تقليل مسئولية الناقل([262]). ورغم هذا فقد أكد الفقه علي حق الأطراف في اختيار قانون أجنبي غير القانون الأمريكي إذا كانت قواعد لاهاي 1924 أو قواعد لاهاي- فسبي إلزامية في القانون المختار من قبل الأطراف([263]).

وعلى خلاف الكثير من الاتفاقيات الدولية فقد حرصت اتفاقية الدول الأمريكية للالتزامات التعاقدية الموقعة عام 1994([264]) على التأكيد على أنه ورغم احترامها لمبدأ سلطان الإرادة، إلا أن اختيار الأطراف لمحكمة معينة لا يستلزم بالضرورة اختيار قانون تلك المحكمة.

عرضنا هنا لمجموعة من التشريعات المقارنة، وكذا التشريع المصري، ووجدنا حرص هذه التشريعات على التأكيد على مبدأ سلطان الإرادة، وحق الأطراف في اختيار القانون الواجب التطبيق.

ويأتي هذا متسقًا مع ما أقرته قواعد اتفاقية بروكسل وكذا اتفاقية هامبورج. فقد أعطت اتفاقية هامبورج دورًا مهمًا لإرادة الأفراد في إدراج شرط في سند الشحن يجعل من هذه القواعد واجبة التطبيق على عقدهم ـ كما بينا سابقًاـ. فقد أصبح بإمكان الأطراف تطبيق أحكام الاتفاقية على سندات الشحن الخاصة بنقل البضائع بين المواني التابعة لدول مختلفة، إذا أحال الأطراف في سند الشحن إلى تطبيق أحكام الاتفاقية أو أي تشريع وطني آخر يستند لأحكام الاتفاقية، ويعرف هذا الشرط ـ كما بينا سابقًا ـ شرط باراماونت.

ويحدد هذا الشرط القانون الواجب التطبيق على سندات الشحن البحرية، وكان هذا الشرط ينص على خضوع سندات الشحن لاتفاقية بروكسل، ولما عدلت الاتفاقية، بقواعد لاهاي ولاهاي- فسبي أصبحت سندات الشحن تتضمن شرط باراماونت مما يعني خضوعها لهذه القواعد حسب تعديل عام 1968.

وقد قضت محكمة النقض المصرية في الكثير من أحكامها إلى جواز اتفاق الأطراف على خضوعهم لأحكام تلك الاتفاقية، ومن ثم تكون أحكامها هي الواجبة التطبيق([265])، وهو ذات ما أقرته المحاكم الإنجليزية في قضية Anglo-Saxon([266]).

كما قضت المحاكم الأمريكية بجواز تطبيق قواعد اتفاقية بروكسل بالتوأمة مع التشريعات الوطنية خاصة في المراحل التي لا تسري فيها هذه القواعد على سند الشحن([267]).

وما ورد في اتفاقية بروكسل لم تخرج عنه اتفاقية هامبورج، إذ أبقت على حرية الأطراف في تضمن سند شحنهم شرط يقضي بسريان أحكام الاتفاقية طبقًا لاتفاق الأطراف، وبذلك تكون هذه الاتفاقية أقرت شرط باراماونت وفقًا لما أقرته اتفاقية بروكسل لسندات الشحن([268]).

فقد نصت اتفاقية هامبورج على سريان أحكامها على جميع عقود النقل البحري بين دولتين مختلفتين، إذا كان منصوصًا في سند الشحن أو الوثيقة الأخرى المثبتة لعقد النقل البحري على أن يخضع العقد لأحكام هذه الاتفاقية أو لقانون أصدرته أية دولة بنفاذ هذه الاتفاقية. وبهذا يكون اتفاق الأطراف صحيحًا مادام أوجب الاستناد إلى قواعد الاتفاقية أو قانون إحدى الدول المتعاقدة، وعلى القاضي احترام الإرادة الاتفاقية للمتعاقدين([269]).

والمتأمل لقواعد روتردام يرى أنها أكدت على مبدأ سلطان الإرادة، ولهذا لا يوجد ما يحول دون ورود شرط ينص على إعمال قواعدها أو قانون أي دولة أخرى متعاقدة على سند الشحن الإلكتروني. إلا أن عدم دخول هذه القواعد حتى الآن حيز النفاذ، يجعل الحديث صعبًا عن وجود تطبيقات عملية وقضائية لأحكامها، إلا أنها فتحت المجال أمام سند الشحن الإلكتروني ليأخذ مكانة في عالم النقل البحري.

في النهاية عرضنا لموقف التشريعات المقارنة والقانون المصري من
حق الأطراف في اختيار القانون الواجب التطبيق، موضحين موقف الاتفاقيات
الدولية المنظمة لسند الشحن من ذلك، والسؤال الآن ما هو الحال في غيبة قانون الإرادة؟

الفرع الثاني
القانون الواجب التطبيق في غيبة اتفاق الأطراف
حرصت الاتفاقيات الدولية والتشريعات المقارنة على التأكيد على أهمية دور قانون الإرادة، إلا أن الواقع يكشف عن وجود حالات لمنازعات خاصة بسند الشحن لم يتفق الأطراف صراحةً على عقد الاختصاص لقانون بعينه، ولم يستطع القاضي الكشف عن إرادتهم الضمنية، ومن ثم لا يكون أمام القاضي إلا الارتكان لقواعد تنازع القوانين في قانونه الوطني، ومن ثم نجد القول بأن قواعد تنازع القوانين في طريقها للأفول قول جانبه الصواب.

وقد خلى القانون المصري من وضع قاعدة إسناد خاصة بسندات الشحن البحرية وكذا الحال في التشريعات المقارنة، ولهذا لعب القضاء دورًا مهمًا في خلق قواعد إسناد خاصة بكل دعوي ـ كما سنرى لاحقًا ـ وفقًا للظروف والوقائع المحيطة بها لسد الفراغ التشريعي في هذا الشأن.

ولهذا نجد أنه في غيبة اتفاق الأطراف لا يكون أمام القاضي إلا اللجوء للضوابط الاحتياطية للإسناد وفقًا لما قررته النصوص الوطنية وهذا الأمر لا يخرج عن عدة قوانين منها قانون الموطن المشترك للمتعاقدين أو قانون مكان إبرام العقد.

فقد نصت المادة 19/1 من القانون المدني المصري على أنه "يسري على الالتزامات التعاقدية قانون الدولة التي يوجد فيها الموطن المشترك للمتعاقدين إذا اتحدا موطنا وإذا اختلفا سرى قانون الدولة التي تم فيها العقد ما لم يتفق المتعاقدان أو يتبين من الظروف أن قانونًا آخر هو الذي يراد تطبيقه".

وسنحاول أن نعرض لمدى ملاءمة تطبيق هذه الضوابط الاحتياطية علي ضوء غياب قاعدة إسناد خاصة بسند الشحن الورقي، وكذا الإلكتروني.

أولاً: قانون الموطن المشترك للمتعاقدين
يعطي ضابط الإسناد للموطن أهمية بالغة باعتباره قانون الدولة التي توطن بها الشخص حتى ولو لم يقيم فيها فعلاً، ولذا أخذ المشرع المصري بضابط الموطن المشترك للمتعاقدين في اختيار القانون الواجب التطبيق.

ويبرر الفقه الخضوع إلى قانون الموطن بأنه أسبق في الوجود من قانون الجنسية، بالإضافة إلى أن الواقع يكشف عن أن الموطن أكثر صلاحية وأكثر استجابة لحاجات الأطراف، كما أن الموطن يعد مركز مصالح الشخص ومركزه القانوني والمكان الذي يباشر فيه حقوقه ودعواه([270]). ولذا فمن المنطقي أن يخضع هذا الشخص لقانون الدولة الذي توطن فيها، كما أن قانون الموطن يوفر مزايا عملية، فيسهل على القاضي تطبيق قانون موطنه بدلاً من قانون جنسية الأطراف الذي قد يكون أجنبيًا ويجهله. كما أن توطن الأطراف في إقليم بعينه يكشف عن وجود مصالح لهم بهذا الإقليم، ولو لم يحملوا جنسية هذا الموطن، وكذلك صعوبة وحدة جنسية أطراف العقد الدولي، على عكس الحال في وحدة الموطن.

ورغم هذا لم يخل هذا الضابط من النقد، فالاعتماد عليه قد يؤدي إلى عدم الوصول إلى القانون الواجب التطبيق في حالة اختلاف موطن أطراف العقد، وهو الحال في غالبية عقود التجارة الدولية.

ثانيًا: قانون الدولة الذي تم فيه العقد:
أوضحنا سابقًا عدم ملاءمة هذا الضابط ليحكم سندات الشحن الإلكترونية، وذلك لصعوبة تحديد لحظة إبرام العقد. ولهذا يمكننا القول بأنه من الصعب الارتكان للضابطين السابقين خاصةً علي ضوء وضع مصر الاقتصادي باعتبارها دولة مستوردة، وليست ناقلة.

فضابط الموطن المشترك للمتعاقدين يقع غالبًا في الخارج، فالناقل دومًا يكون من خارج مصر، ومعنى ذلك تطبيق القانون الأجنبي على الدوام، لذلك نجد هناك دعوة دومًا للقضاء المصري للتوسع في استخدام سلطته المخولة له بنص المادة 19/1 من القانون المصري، واستخلاص النية المشتركة للمتعاقدين وتطبيق قانون محدد وفقًا لإرادة الأطراف يكون أكثر حماية للاقتصاد القومي([271]).

ولهذا نجد أن على المشرع المصري أن يعكف على تعديل النص بما يتلاءم مع وضع ضوابط إسناد تناسب جميع العقود، كالعلاقة الأوثق صلة والأكثر أهمية عند عدم وجود إرادة صريحة أو ضمنية على غرار لائحة روما. والذي حرصت التشريعات المقارنة على الأخذ بقواعدها كما هو الحال في القانون الفرنسي([272]) والقانون الأمريكي([273]) والقانون الإنجليزي([274]). ومن ثم، فإننا سنعرض للوضع في كل من القوانين السابقة بمزيد من التفصيل.

بينا سابقًا أن المشرع الفرنسي حرص على تأكيد مبدأ سلطان الإرادة، وكذلك أرست الأحكام القضائية دعائم هذا المبدأ، ولكن ما هو الحال في غيبة قانون الإرادة؟.

اتجه القضاء الفرنسي عند غياب الاختيار لبحث المؤشرات المختلفة لتركيز العقد في مكان معين، وغالبًا ما يكون ذلك بطريقة موضوعية أي البحث عن المكان الذي ترتبط به العلاقة برابطة وثيقة حيث تحدد المحكمة القانون الواجب التطبيق بطريقة موضوعية من خلال تركيز العقد في مكان معين من خلال قرائن العقد ومحتواه الاقتصادي، حتى يصل إلى القانون صاحب الاتصال الوثيق بالعقد. وهذا ما أقرته محكمة استئناف باريس منذ عام 1955 عندما حددت القانون الواجب التطبيق على العقد بطريقة موضوعية([275]).

ولهذا الأمر دفع مشروع تعديلات القانون المدني الفرنسي في المادة 2313 إلى النص على أنه في حالة غياب الاختيار، يكون العقد محكومًا بالقانون الذي يتصل به بعلاقة وثيقة بمضمونه الاقتصادي وبشكل خاص بالمكان المميز للأداء([276]).

ويتعين علينا أن نبين هنا أنه حتى عام 1991، لم يكن هناك ضابط إسناد محدد تتبعه المحاكم الفرنسية في تحديد القانون الواجب التطبيق على العقد، ولكن الوضع اختلف بانضمام فرنسا في ذات العام إلى لائحة روما والتزامها بالقواعد الصادرة في التوجيهات والأوامر الصادرة عن الاتحاد الأوربي في شأن الالتزامات التعاقدية.

ومن ثم أصبحت قواعد هذه الاتفاقية واجبة التطبيق أمام المحاكم الفرنسية، وأصبحت قواعدها تطبق على عقود النقل وفقًا للفقرة الرابعة من المادة الرابعة منها، ويندرج في المفهوم العام لعقد النقل بموجب هذه الفقرة عقود النقل بموجب سندات الشحن.

وكما بينا سابقًا كيف لعبت قواعد هذه الاتفاقية دورها في التأكيد على مبدأ سلطان الإرادة، وحق الأطراف في اختيار القانون الواجب التطبيق. فوفقًا لهذه الاتفاقية فإن العقد يكون محكومًا بقانون الدولة الأكثر صلة بالعقد، ووضعت الاتفاقية قرينة تم الكشف بموجبها عن القانون الأكثر صلة بالعقد، وذلك بقانون محل إقامة المدين بالأداء المميز([277]).

ولكن قانون محل إقامة المدين وجد المشرع الدولي عدم ملاءمته لعقود النقل. ولهذا وضعت لائحة روما ضابط خاص بعقود النقل في الفقرة الرابعة من المادة الرابعة، وبموجب هذه الفقرة فإن الدولة التي يقع فيها المركز الرئيس للناقل، والتي يقع فيها الشحن أو التفريغ أو الدولة التي يقع فيها المركز الرئيس للمرسل، فيفترض أنها الدولة الأوثق صلة بعقد النقل، وذلك في وقت إبرام العقد.

يعني هنا أن القانون الواجب التطبيق على سند الشحن على ضوء لائحة روما وفي غيبة اتفاق الأطراف هو قانون الدولة الأوثق صلة بسند الشحن. وتكون الدولة على صلة وثيقة بسند الشحن إذا كان يقع فيها المركز الرئيس للناقل أو إذا كانت هي دولة الشحن أو دولة التفريغ، وذلك في وقت إبرام العقد، أو الدولة التي فيها مقر المرسل (الشاحن) وذلك وقت إبرام العقد، أي أن هذه الاتفاقية جعلت من قانون مكان إبرام العقد هو الذي يرجح قانون الدولة التي يقع فيها المركز الرئيس للناقل أو الشاحن، لكي تكون على صلة بسند الشحن.

ولكن هذه القرائن التي تقوم على الصلة الوثيقة بالعقد، قابلة لإثبات العكس طبقًا للفقرة الخامسة من المادة الرابعة من لائحة روما إذ تستطيع المحكمة استبعاد الفرضيات الواردة في الفقرات السابقة إذا اتضح من الظروف المحيطة بالعقد أنه يتصل بروابط أكثر وثوقًا بدولة أخرى.

والوضع لا يختلف كذلك في القانون الإنجليزي، فقد تبنت المحاكم الإنجليزية تطبيق القانون الأكثر اتصالاً بالعقد، وذلك قبل انضمامها للائحة روما([278]). وأصبح الأمر وجوبيًا مع انضمام إنجلترا للائحة روما، وصدور قانون العقود الإنجليزي عام 1991([279])، فالقانون الواجب التطبيق وفقًا لهذه النصوص يكون القانون الأكثر صلة بالعقد كما هو الحال في القانون الفرنسي.

والسؤال الآن إذا كان هذا هو الحال في دول الاتحاد الأوروبي كفرنسا وإنجلترا، فما هو الحال في القانون الأمريكي؟

جرى العمل في الولايات المتحدة الأمريكية على تطبيق قانون المكان الذي حدث به التصرف القانوني، واستمر العمل بهذه القاعدة حتى أوائل الستينيات من القرن الماضي، ولهذا كانت الدعاوى التي تتضمن تنازعًا في العقود يطبق عليها قانون محل إبرام العقد. وكانت هذه القاعدة قاصرة على مسألة صحة العقد ومشروعيته وشكله، أما آثار العقد فتخضع لقانون مكان التنفيذ التي تشمل مسائل الإخلال بالالتزامات الناشئة عن تنفيذ العقد وانقضائه([280]).

وفي عام 1969 قام المشرع الأمريكي بوضع مجموعة من مواد التنازع، وبموجب المادة 187 من هذه القواعد أصبح لأطراف العلاقة العقدية الحق في اختيار القانون الذي يحكم عقدهم، وفي حالة غيبة اتفاقهم يتم الارتكان للقانون الأوثق صلة بالعقد([281]). وقد نصت المادة السادسة من هذه القواعد على عدة ضوابط وقرائن يمكن للقاضي الاستدلال بها، ومنها: مكان التعاقد، مكان المفاوضات، مكان تنفيذ العقد إلا أنه في شأن عقود النقل فقد وجدت أن مكان إرسال البضاعة يعتبر على علاقة وثيقة بالعقد وفقًا لنص المادة 197 من مواد التنازع الأمريكية([282]).

وكما في نصوص تشريعات دول الاتحاد الأوروبي علي ضوء لائحة روما، فقد جاءت نصوص اتفاقية الدول الأمريكية في شأن الالتزامات التعاقدية المبرمة عام 1994 لتضع ضابطًا مهما في حالة غيبة اتفاق الأطراف هو أن العقد يكون محكومًا بقانون الدولة التي لها علاقة وثيقة بالعقد. وللمحكمة النظر بعين الاعتبار للعناصر الموضوعية والشخصية للعقد جميعها لتقرر قانون أي دولة له علاقة وثيقة للعقد. كما تأخذ في اعتبارها المبادئ العامة لقانون التجارة الدولية التي تعترف بها المنظمات الدولية.

إلا أن الاتفاقية أجازت ما يُعرف بتجزئة العقد، ومن ثم فإنها أجازت للمحكمة إذا رأت أن هناك جزءًا من العقد يستوجب تطبيق دولة ما عليه لاتصاله الوثيق بها، فإنها تطبق هذا القانون علي هذا الجزء دون بقية المسائل المتصلة بالعقد([283]).

ويلاحظ هنا أن الاتفاقية الخاصة بالدول الأمريكية منحت الأطراف الحق في تطبيق مبادئ التجارة الدولية Lex Mercatoria، وكذلك الأخذ بعين الاعتبار بالأعراف التجارية المقبولة من قبل الهيئات والمنظمات الدولية، وهو الأمر الذي لم تعرفه نصوص لائحة روما.

ولابد وأن نؤكد هنا علي وجود اختلاف واضح بين لائحة روما واتفاقية الدول الأمريكية. فالأخيرة تتطلب وجود صلة بين العقد والقانون المختار على خلاف لائحة روما، وهذا الأمر واضح من نص المادة التاسعة منها، فإذا تبين أن اختيار الأطراف عديم التأثير فإن العقد سيكون محكومًا بقانون الدولة التي لها علاقة وثيقة بالعقد([284]). إلا أنه ورغم قبول الاتفاقية الخاصة بالدول الأمريكية بالأخذ بأعراف ومبادئ قانون التجارة الدولية. إلا أن حرية الاختيار في تطبيق هذه المبادئ والأعراف ليست مطلقة بل مقيدة بالقواعد الآمرة([285])، كما أنها مقيدة بقواعد النظام العام([286]). بالإضافة إلي أن لا تؤثر على الاتفاقيات الدولية التي تكون الدولة طرفًا فيها أو التي ستصبح طرفًا فيها([287]). ويتعين علينا هنا أن نؤكد على أن اتفاقية الدول الأمريكية لم تدخل حيز النفاذ حتى الآن.

في النهاية، يتضح لنا أن التعامل بسندات الشحن الإلكترونية لا يتعارض مع المعاهدات الدولية لسندات الشحن البحرية ولا مع القوانين التي تبنتها، فالمحاولات التي ذكرناها لوضع نصوص لتنظيم لسندات الشحن الإلكترونية وجدنا أنها تتسق مع القواعد المادية. إلا أن الاعتماد على ضوابط الإسناد الواردة في القوانين المقارنة ما زال يثير مشكلة الاعتراف بتبادل البيانات الإلكترونية ومشكلة تحديد وقت إبرام العقد لتحديد مكانه، ومن ثم تحديد القانون الواجب التطبيق.

ولهذا يتعين علينا القول بأنه حان الوقت ليضع المشرع الدولي نصوصًا موحدة في شأن تنظيم معاملات التجارة الدولية في إطار تحديد القانون الواجب التطبيق وغيرها من المسائل المتصلة بعقود التجارة الدولية علي ضوء المعاملات الإلكترونية بصفة عامة، وسندات الشحن الإلكترونية بصفة خاصة.

الخاتمة
يظهر من خلال دراستنا أن سند الشحن الإلكتروني هو أحد مبتكرات التكنولوجيا الحديثة، الذي يمكن أن يقوم بوظائف سند الشحن التقليدي العملية والقانونية، بل يفوق سند الشحن التقليدي في صعوبة التزوير مما يقلل من المنازعات المتعلقة بالاحتيال البحري الذي يتم عن طريق سندات الشحن التقليدية.

يُضاف لما سبق أن سندات الشحن الإلكترونية تمتاز بسرعة وصولها إلى المرسل إليهم، ومن ثم تم تجاوز مشكلة تأخر وصول سند الشحن إلى ما بعد وصول البضاعة إلى الميناء المقصود، بل كانت هذه السندات تفقد ـ في بعض الأحيان ـ في دوائر البريد، لذا كان يتم إرسال أكثر من نسخة وبوسائل نقل مختلفة.

ولا يمكن لأحد أن ينكر أن سندات الشحن الإلكترونية صارت حقيقة واقعة، وجزءًا من النقل البحري الحديث، ومع ذلك فإن استعمال سند الشحن الإلكتروني مازال يثير العديد من الصعوبات العلمية بصفة عامة، والقانونية بصفة خاصة في غياب التنظيم التشريعي على الصعيد الدولي.

وفيما يتعلق بالجانب العملي، نجد أن الأجهزة الإلكترونية المستعملة في نقل المعلومات الخاصة بسندات الشحن تكون عاجزة عن تأدية بعض المهام كالتوثيق. خاصةً علي ضوء التباين التكنولوجي بين موانئ الشحن والتفريغ خاصة وخاصة في البلدان النامية. بالإضافة إلى احتياج الأجهزة الإلكترونية لخبرة وكفاءات بشرية مدربة قد لا تتوافر في بعض الموانئ.

يُضاف للصعوبات السابقة فكرة التعطيل الإلكتروني الذي قد يحدث ويؤدي إلى فقدان المعلومات أو توقفها لمدة معينة. كما أن استعمال سندات الشحن الإلكتروني تتطلب اعتماد هذه السندات من الأنظمة البنكية، مما يعني وجود بنكيين على درجة من الكفاءة البنكية والإلكترونية.

وعلى الجانب القانوني، نجد الفراغ القانوني المتمثل في غياب التنظيم التشريعي، إلا ما تم استثنائه بتنظيم خاص كما هو الحال في التشريع الكوري ـ كما بينا سابقًا ـ. فما زالت التشريعات الوطنية تخلو من طرق تداول هذه السندات واستخدامها كأداة ائتمان وطرق توقيعها، وهو ما يتطلب إدخال تعديلات جديدة على قوانين النقل البحري السارية حاليًا. ولكن كل هذه الأمور لا تمنع من المضي قدمًا في استعمال هذا النوع من السندات، لما لها من فوائد مهمة في الحياة البحرية.

ونظرًا للطبيعة الدولية لسند الشحن الإلكتروني، فإننا نرى ضرورة ملحة لوضع قواعد خاصة بالاختصاص القضائي فيما يتعلق بمنازعات النقل البحري. وهو ما يدعونا إلى المناداة بوجود محاكم بحرية متخصصة خاصةً في الموانئ المصرية المنتشرة على البحرين الأبيض والأحمر، ويتفق هذا مع ما تشهده مصر من تطورات وتوسعات في الحركة الملاحية لقناة السويس.

ولا ننسى هنا التأكيد علي أهمية الدور الذي ستلعبه الهيئة التشريعية المصرية، متمثلة في مجلس النواب، والذي يتعين عليه إصدار العديد من التعديلات التشريعية في قانون التجارة البحرية المصري ليتلاءم مع المتغيرات التجارية الدولية والتكنولوجية الحديثة، لتتفق مع القواعد المادية الدولية، وآخرها قواعد روتردام 2008.

إن الحديث عن القانون الواجب التطبيق علي ضوء قواعد القانون المصري صار حديث ذا شجون، ومن ثم صارت هناك ضرورة فرضتها التطورات الحديثة إلى وجود تشريع خاص بقواعد التنازع المصرية، تنظم العديد من المسائل الحديثة بقواعد خاصة، ونجد في مقدمة هذه المسائل سند الشحن الإلكتروني وغيره من الأوراق الإلكترونية التي فرضتها متطلبات التجارة الدولية والنقل البحري.

إن احترام حرية الأطراف في اختيار القانون الواجب التطبيق على منازعاتهم، لا يمنع من وجود قواعد محددة أمام القاضي وهيئات التحكيم تكفل لهم الارتكان إليها عند تحديد القانون الواجب التطبيق في غيبة اتفاق الأطراف. ولكن لابد من السعي لإقرار نص قانوني دولي موحد يتضمن معايير أساسية ضابطة لتحديد مفهوم قانون الإرادة، مع مراعاة وجود صلة بين العقد وقانون الإرادة.

وإننا نهيب بالمشرع المصري وضع نصًا تشريعيًا خاصًا بسند الشحن الإلكتروني، وهذا النص يحصر حالات التنازع في حالات عدم وجود تنازع بين القواعد المادية في اتفاقية بروكسل وهامبورج وروتردام والقانون المصري.

وفي النهاية تلك كانت محاولة منا لرسم صورة قانونية واضحة حول
التنظيم القانوني لسند الشحن الإلكتروني علي ضوء القواعد الدولية الاتفاقية
وقواعد تنازع القوانين حتى يتسنى لنا بيان أهمية هذا السند في تطوير حركة التجارة البحرية.

قائمة المراجع
: التخليص الجمركي في السعودية : https://daleli.sa/ar/advertisments/search/?keywords=&activity=%D8%AA%D8%AE%D9%84%D9%8A%D8%B5%20%D8%AC%D9%85%D8%B1%D9%83%D9%8A


-د/ أحمد عشوش، تنازع مناهج تنازع القوانين، مؤسسة شباب الجامعة، الإسكندرية، 1989.

-د/ ثروت حبيب، دراسة في قانون التجارة الدولية، منشأة المعارف، الإسكندرية، 1998.

-د/ حسن الفكهاني، الموسوعة الذهبية للقواعد القانونية التي أقرتها محكمة النقض المصرية، أحكام محكمة النقض المصرية منذ عام 1989 حتى منتصف عام 1992.

-د/ عصام الدين القصبي، القانون الدولي الخاص، تنازع القوانين، مطبعة جامعة المنصورة، 2006، ص213

-د/ عكاشة عبد العال، قانون العمليات المصرفية، دار المطبوعات الجامعية، الإسكندرية، 1994.

-د/ فؤاد عبد المنعم رياض & د/ سامية راشد، الوسيط وتنازع القوانين وتنازع الاختصاص القضائي الدولي، دار النهضة العربية، القاهرة، 1987.

-د/ محمد عبد الخالق عمر، القانون الدولي الليبي الخاص، دار النهضة العربية، القاهرة، 1971.

-د/ محمد وليد المصري، الوجيز في شرح القانون الدولي الخاص، دراسة مقارنة للقانون الأردني مع التشريعات العربية والقانون الفرنسي، دار مكتبة الحمد للنشر والتوزيع، الطبعة الأولى، 2000.

-د/ هشام صادق، القانون الواجب التطبيق على عقود التجارة الدولية، منشأة المعارف، الإسكندرية، 1992.

ب ـ المراجع المتخصصة:

-د/ أحمد شرف الدين، عقود التجارة الإلكترونية، بدون دار نشر، بدون سنة نشر.

-د/ أحمد محمود حسني، النقل الدولي البحري للبضائع، منشأة المعارف، الإسكندرية، 1989.

-د/ خليل الساعدي، مشكلات التعاقد عبر شبكة الإنترنت، مكتبة السنهوري، بغداد، بدون سنة نشر.

-د/ خالد ممدوح إبراهيم، إبرام العقد الإلكتروني، دار الفكر الجامعي، الإسكندرية، الطبعة الأولى، بدون سنة نشر.

-د/ سعيد يحيى، مسئولية الناقل البحري وفقًا لاتفاقية الأمم المتحدة، بطريق البحر لعام 1987، منشأة المعارف، الإسكندرية، 1986.

-د/ سمير برهان، إبرام العقد في التجارة الإلكترونية، المجلس الأعلى للثقافة، القاهرة، 2003.

-د/ سوزان علي حسن، سند الشحن الإلكتروني، دار الجامعة الجديدة، الإسكندرية، 2010.

-د/ صفوان حمزة الهواري، الأحكام القانونية للتجارة الإلكترونية، دار النهضة العربية، القاهرة، 2012.

-د/ عبد العزيز المرسي حمود، مدى حجية المحرر الإلكتروني في الإثبات، بدون دار نشر، 2005.

-د/ عبد الفتاح مراد، أصول القانون البحري، القاهرة، 1993.

-د/ عبد الفضيل محمد أحمد، القانون الخاص البحري، دار الفكر والقانون للنشر والتوزيع، المنصورة، الطبعة الأولى، 2011.

-د/ على جمال الدين، النقل البحري للبضائع، دار النهضة العربية، القاهرة، 1992.

-د/ على يونس، أصول القانون البحري، دار المعارف، الإسكندرية، الطبعة الأولى، 1954.

-د/ فاروق ملش، النقل المتعدد الوسائط، الشهابي للطباعة والنشر، بدون سنة نشر.

-د/ فؤاد العواني، صيغ التحكيم في سندات الشحن ومشارطات الإيجار، دار الحرية للطباعة، بغداد، 1992.

-د/ محمد إبراهيم موسى، سندات الشحن الإلكترونية بين الواقع والمأمول، دار الجامعة الجديد، الإسكندرية، 2005.

-د/ محمد كمال حمدي، مسئولية الناقل البحري للبضائع، دار الجامعة الجديدة الإسكندرية، 2000.

-د/ محمد وسيم غالي، معاملات السفن لضباط أعالي البحار، منشأة المعارف، الإسكندرية، الطبعة الأولى، 1967.

-د/ مصطفى كمال طه،

الوجيز في القانون البحري، منشأة المعارف، الإسكندرية، 1996.
مبادئ القانون البحري، الدار الجامعية للطباعة والنشر، بيروت، الطبعة الثالثة، بدون سنة نشر.
محاضرات في القانون التجاري والبحري، منشأة المعارف، الإسكندرية، الطبعة الأولى، 1960.
ج ـ الأبحاث والمقالات:
د/ أحمد عبد الكريم سلامة، الإنترنت والقانون الدولي الخاص، فراق أم تلاق، بحث مقدم لمؤتمر القانون والكمبيوتر والإنترنت، كلية الشريعة والقانون، جامعة الإمارات العربية المتحدة، دبي 1-3 مايو 2000.
د/ أشرف وفا، عقود التجارة الإلكترونية في القانون الدولي الخاص، المجلة المصرية للقانون الدولي، المجلد 57، 2001.
د/ جعفر الفصلي & عباس العدوي، حجية السندات الإلكترونية في الإثبات، مجلة الوافدين للحقوق، كلية القانون، جامعة الموصل، العدد 11، 2001.
د/ عبد المنعم البدراوي، توحيد القانون الخاص، مجلة القانون والاقتصاد، جامعة القاهرة، العدد الأول، السنة 30، 1960.
د/ محمود سمير الشرقاوي، مركز المرسل إليه في سند الشحن، مجلة القانون والاقتصاد، جامعة القاهرة، العدد الأول، السنة 37، 1967.
محمود شلبي، استخدام نظام تبادل البيانات إلكترونيًا، المؤتمر الدولي الثاني عن النقل البحري في الدول النامية، فندق شيراتون، الإسكندرية، 13 مايو 1993.
د/ هبة تامر محمود عبد الله، عقود التجارة الإلكترونية، مكتبة السنهوري، بغداد، الطبعة الأولى، 2011.
د/ يزيد أنيس نصر، الارتباط بين الإيجاب والقبول في القانون الأردني والمعادن، مجلة الحقوق الكويتية، العدد 3، السنة 27، 2003.



#رشا_علي_الدين (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- -ستاندرد آند بورز- تخفض تصنيف إسرائيل الائتماني
- البنك المركزي المصري يعلن القضاء على السوق السوداء للدولار
- أسعار النفط تقفز وسط تقارير عن ضربات إسرائيلية على إيران
- أسواق آسيا تلونت بالأحمر والذهب ارتفع.. كيف تفاعلت الأسواق م ...
- حرب السودان.. كلفة اقتصادية هائلة ومعاناة مستمرة
- مفاجأة جديدة اليوم|.. أسعار الذهب اليوم الجمعة 19 أبريل 2024 ...
- شويغو يتفقد مصنعا لإنتاج الدبابات وقاذفات اللهب الثقيلة (فيد ...
- ارتفاع أسعار النفط بعد أنباء عن هجوم إسرائيلي على إيران
- بعد انقطاع دام ثلاثة أشهر بلجيكا تستأنف استيراد الماس من روس ...
- مطار حمد الدولي ينتزع الصدارة في قائمة أفضل مطارات العالم


المزيد.....

- تنمية الوعى الاقتصادى لطلاب مدارس التعليم الثانوى الفنى بمصر ... / محمد امين حسن عثمان
- إشكالات الضريبة العقارية في مصر.. بين حاجات التمويل والتنمية ... / مجدى عبد الهادى
- التنمية العربية الممنوعة_علي القادري، ترجمة مجدي عبد الهادي / مجدى عبد الهادى
- نظرية القيمة في عصر الرأسمالية الاحتكارية_سمير أمين، ترجمة م ... / مجدى عبد الهادى
- دور ادارة الموارد البشرية في تعزيز اسس المواطنة التنظيمية في ... / سمية سعيد صديق جبارة
- الطبقات الهيكلية للتضخم في اقتصاد ريعي تابع.. إيران أنموذجًا / مجدى عبد الهادى
- جذور التبعية الاقتصادية وعلاقتها بشروط صندوق النقد والبنك ال ... / الهادي هبَّاني
- الاقتصاد السياسي للجيوش الإقليمية والصناعات العسكرية / دلير زنكنة
- تجربة مملكة النرويج في الاصلاح النقدي وتغيير سعر الصرف ومدى ... / سناء عبد القادر مصطفى
- اقتصادات الدول العربية والعمل الاقتصادي العربي المشترك / الأستاذ الدكتور مصطفى العبد الله الكفري


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادارة و الاقتصاد - رشا علي الدين - النظام القانوني لسندات الشحن الإلكترونية