أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمذ عمامي - رمادة: العيش في بؤرة الموت














المزيد.....

رمادة: العيش في بؤرة الموت


محمذ عمامي

الحوار المتمدن-العدد: 6622 - 2020 / 7 / 18 - 00:18
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


الساعة تشير إلى منتصف الليل من يوم 7 جويلية 2020. أفاقت قرية رمادة على خبر فاجعة. شاب آخر لم يتجاوز الرابعة والعشرين من عمره يسقط صريع رصاص الجيش. هو أحد الشباب المغامرين من أجل الخبزة المرة. كانت مهمته أن ينقل سلعا يسلمها له تجار ليبيون على الحدود الليبية التونسية. حين اختار "العمل على الحدود" كان الشاب المغامر يعي أن المسالة لعبة حظ: الفوز بألف دينار عند نجاح المهمة أو السجن أو الموت. كان يعرف الخطر ولكنه اختار كغيره من شباب دمرته الخصاصة والتهميش والبطالة أن يركبه. "فإما حياة وإما فلا". نعم هو شاب انتحاري مثله مثل مئات الآلاف من شبابنا "الحارق" للحياة إلى الضفة الأخرى. ضفة أخرى؟ أوروبا بالنسبة للبعض، التهريب على الحدود بالنسبة لآخرين أو بعثات الموت نحو مناطق حروب الوكالة المدمرة ضمن شبكات الإرهاب الإسلاموي بالنسبة لقسم ثالث.

هذه المرة لم يمر الخبر حزينا رتيبا كالعادة. غلى الدم في عروق نفر من شباب القرية فخرجوا يتظاهرون ويعبرون عن سخطهم ومرارة العيش في مستنقع الموت. اشتبكوا مع بعض الجنود فكانت ردّة فعل الجيش عقوبة جماعية لأهالي رمادة شيبا وشبابا، نساء ورجالا وأطفالا. بالأمس يقمع مواطنو تطاوين ويمنعون من حقهم في جزء من ثرواتهم الطبيعية واليوم يقتلون في رمادة لمنعهم من الارتزاق على الحدود. لقد ضاقت الكماشة على منطقة قاحلة ليس لها من مورد سوى التجارة الموازية وتهريب السلع عبر الحدود بعد أن سلبت ثرواتها وتملك بها النهابون من كل الجنسيات.
إذن، مالعمل؟. "أنتم تريدون وأنتم تفعلون ما تريديون" هكذا أجابهم أستاذهم الذي جسّد ذات انتخابات حلمهم بقلب حياتهم رأسا على عقب وهكذا تخلى عنهم. ولكنهم عندما أرادوا ونزلوا ينفذون ما يريدون انتصب يهددهم ويتوعدهم ثم ينفذ وعيده بسرعة. لم يكتف بالبوليس والحرس وكل أنواع الأجهزة القمعية بل نزل الجيش للشوارع والأحياء يهدم البيوت والمقاهي والدكاكين ويهشم الأدوات المنزلية ويضرب النساء في منازلهن ويلاحق الشباب في الشوارع والأنهج.

ترافق كل ذلك بحملة تشويه مسعورة مسّت أهالي تطاوين ثم رمادة ومن ثمة كل الجنوب وحبرت اللعنات المسعورة الحاقدة ضد الجنوبيين المتخلفين العملاء والدواعش بالسليقة. وضع الجميع في سلة واحدة. بائع التبغ وشفرات الحلاقة والطماطم والمازوط على قارعة الطريق أو تحت الحيطان، معلم الصبيان في المدارس المنسية وأستاذ المعاهد الخربة وعون الجمارك المغامر بحياته في الوهاد الحدودية والنساء المشتغلات بالبيت والموظف البسيط في البريد والبنوك والبلديات وعمال الحضائر والعاطلين عن العمل دهرا... كل هؤلاء وضعوا في نفس الخانة مع صفوة كبار المستكرشين من فوضى الدولة الليبرالية ونظام الفساد والرشوة المعممين.

رمادة قرية داعشية، ذلك حكم الدولة التونسية المسبق الذي يفسر حرمان شبابها منذ 5 سنوات من العمل في الجيش أو الجمارك أو الحماية المدنية أو الوظائف الأمنية الأخرى. فضلا عن كونها المنطقة التي تأوي أكثر الحقول النفطية ويحرم شبابها من العمل فيها. ورغم كونها قرية تكونت تاريخيا من العاملين في الجيش فهي أصبحت هدفا مبجلا للاعتداءات الأمنية والعسكرية. إن منع شباب رمادة من العمل ليس قرارا معلنا ولكن جميع سكان رمادة يعرفونه ويحسون الغبن والقهر بسببه. ولا يتوقف الأمر على الحرمان من العمل والعيش الكريم بل تعتبر رمادة من أكثر قرى البلاد تصحرا ثقافيا وحرمانا من المؤسسات والأطر والأنشطة الثقافية، وهو أمر لا نراه عفويا بل مدبرا من الدولة. وفي ما عدا زبدة المهربين الكبار الذين لم يقمعوا يوما أو صودرت أملاكهم، فإن سواد المواطنين في رمادة يعانون الفقر المدقع على خلاف الاراجيف التي راجت أخيرا في وسائل الاعلام الرسمي والاجتماعي والتي تصور تلك المناطق لا تسكنها سوى الحيتان الكبيرة فاحشة الثراء والخائنة للوطن.

أخيرا وبعد القتل والتعنيف والحرق والتكسير والاتهامات العشوائية لتبرير تلك الهمجية قرر الأستاذ الرئيس أن يستقبل وفدا ممثلا لـ"دواعش" رمادة. وزار جنرال من الجيش رمادة والتزم بالتعويض وبناء ما أفسده جنوده. هكذا وبكل بساطة ننتقل من العداء والتخوين إلى سياسة الجزرة وتتجلى بين الشيطنة والاسترضاء والمختلة شعرة دقيقة. إنها مقتضيات السياسة السياسوية!



#محمذ_عمامي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- السعودية.. أحدث صور -الأمير النائم- بعد غيبوبة 20 عاما
- الإمارات.. فيديو أسلوب استماع محمد بن زايد لفتاة تونسية خلال ...
- السعودية.. فيديو لشخصين يعتديان على سائق سيارة.. والداخلية ت ...
- سليل عائلة نابليون يحذر من خطر الانزلاق إلى نزاع مع روسيا
- عملية احتيال أوروبية
- الولايات المتحدة تنفي شن ضربات على قاعدة عسكرية في العراق
- -بلومبرغ-: إسرائيل طلبت من الولايات المتحدة المزيد من القذائ ...
- مسؤولون أمريكيون: الولايات المتحدة وافقت على سحب قواتها من ا ...
- عدد من الضحايا بقصف على قاعدة عسكرية في العراق
- إسرائيل- إيران.. المواجهة المباشرة علقت، فهل تستعر حرب الوكا ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمذ عمامي - رمادة: العيش في بؤرة الموت