أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - نايل شامة - التأثير الثقافي اللبناني في مصر















المزيد.....

التأثير الثقافي اللبناني في مصر


نايل شامة

الحوار المتمدن-العدد: 6610 - 2020 / 7 / 5 - 23:42
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


يحار المرء كثيراً حين يتذكر المقولة الشهيرة التي راجت من أن المصريين- من فرط صلابة ثقافتهم وكونها ضاربة في أعماق التاريخ- يؤثرون فيمن احتلوهم، بدلاً من أن يتأثروا بهم على عكس ما حدث في أقطار شرقية أخرى عديدة . فالمصريون – كما تقول الطرفة – علموا البريطانيين اللغة العربية، بدلاً من أن يتعلموا منهم الإنجليزية، ويبدو هذا في تناقض صارخ مع الحالة الجزائرية مثلاً التي بذل قادة ثورتها جهوداً مضنية من أجل التعريب في أعقاب الاستقلال. وبرغم التسليم الكامل باختلاف الاحتلال البريطاني عن نظيره الفرنسي في كون الأول سياسياً وإدارياً بالأساس، بينما الثاني يسخر جزءاً غير يسير من طاقته لبسط الهيمنة الثقافية، إلا أن المؤكد أن المصريين – رغم تأثرهم بثقافات وحضارات شتى حطت على أرضهم واستقرت (وهذا أمر طبيعي) – كانت مناعتهم الثقافية أقوى من غيرهم بمراحل. مبعث تلك الحيرة إذن أن تلك المناعة كما يبدو قد ضعفت كثيراً في العقود الماضية، وبدا وكأن المصري على استعداد لتقبل، بل واعتناق أي ثقافة وافدة، مهما بلغ حد شططها، أو شذوذها عما استقر عليه العرف في مصر لسنوات وقرون.

المثال البارز على تلك الظاهرة في السنوات الأخيرة، هو حالة الانبهار الشديد بنمط الحياة اللبناني ومن ثم تقليده والسير على منواله. يظهر ذلك في الشعبية الكبيرة للفن اللبناني، وبرامج الترفيه اللبنانية، وفي الاستعانة الواسعة بالخبرات اللبنانية في مجالات عدة، كالأزياء، والتجميل، وصناعة الترفيه. يتجلى ذلك أيضاً في العدد الكبير من المطاعم المتخصصة في المطبخ اللبناني، أو المقاهي التي تحمل أسماء لبنانية (يوجد على الأقل خمسة منهم في حي واحد فقط من أحياء القاهرة). لم يكن غريباً إذن ما سمعت من أن أحد مندوبي المبيعات أتقن اللهجة اللبنانية، وصار يستخدمها دوماً في أحاديثه مع زبائنه، اعتقاداً منه لا شك بأن ذلك "يحلي" البضاعة التي يروجها ويساعد على بيعها. لاحظ أن بعض الإعلانات التليفزيونية على القنوات المصرية تستخدم الأسلوب ذاته.

السؤال هنا هو: لماذا كل هذا الهوس بالأسلوب اللبناني في الحياة؟ وكيف تؤثر دولة صغيرة الحجم والسكان في أكبر الدول العربية مكانة ووزناً بهذا الشكل؟ لا يمكن إنكار أن الوجود الثقافي المصري حاضر بقوة في سائر الدول العربية، ربما بتأثير من فترات سابقة كان للسياسة والثقافة المصرية فيها تأثير قوي في المحيط الإقليمي. ثم إن هذا منطقي بحكم وزن مصر الحضاري وتراثها الثقافي الضخم، أما العكس فيحتاج إلى تفسير وإيضاح.

ربما كان الأنسب للإحاطة بهذه الظاهرة، وضعها في إطار عملية التغريب الكبيرة التي تتعرض لها الحياة والثقافة المصرية منذ قرون، والتي زادت وتائرها في ظل الإيقاع المتسارع للعولمة، لتشمل كافة مناحي الحياة حتى بات منطقياً أن نضيف عموداً ثامناً إلى الأعمدة السبعة المكونة للشخصية المصرية - بحسب دراسة المفكر المستنير ميلاد حنا – والتي تضم انتماءات تاريخية أربع (الفرعونية، اليونانية/الرومانية، القبطية والإسلامية) وانتماءات جغرافية ثلاث (عربية ومتوسطية وإفريقية) تشكل في مجموعها شخصية الفرد المصري المعاصر. لا بأس من إضافة العمود الثامن إذن، خاصة وأن حنا قد أشار في دراسته القيمة إلى أنه لا يرى الأعمدة السبعة "كانتماءات أبدية"، بل لعلها تتراكم مع الزمن، ويضاف إليها انتماءات جديدة". العمود الثامن هو العمود الغربي وهو مختلف عن المتوسطي وإن تقاطع معه. فالمتوسطية كانت محصورة في نفر قليل من النخبة المثقفة في النصف الأول من القرن الفائت ممن احتكوا بالغرب وتأثروا به، ثم راحوا يبشروا به في كتاباتهم مثل طه حسين في "مستقبل الثقافة في مصر" وتوفيق الحكيم وحسين فوزي. العمود الغربي مختلف فتأثيره أعمق، كما أنه يشمل قطاعات أوسع بعيداً عن أبراج المثقفين العاجية وقصور الأغنياء المنيفة. الغرب الآن صار بحق – كما يقول الأكاديمي الراحل فؤاد عجمي – تحت جلود المصريين.

في ظل عملية التغريب الكبيرة هذه يوفر النموذج اللبناني ميزة واضحة هي المزج بين النموذج الغربي بكل مكوناته ومفرداته مع وضع كل هذا في قالب عربي، فلبنان بلد عربي ينطق أهله بلغة الضاد وتحتفظ ألحانه ببعض شرقيتها، كما يقترب طعامه مما ألفه المصريون. ففي ظل الانتقال من ثقافة عربية إسلامية سادت لقرون يبدو التقبل أو الامتثال الكاملين للتركيبة الغربية الصرف أمر جد صعب. في ظل هذه السيولة الثقافية يبدو النموذج اللبناني بمزيجه الفريد بين المكونات العربية والغربية شديد الجاذبية.

التفسير الآخر هو تطلع معظم فئات الشعب المصري - وهو شعب شديد الوعي بوضعه على السلم الطبقي- إلى تقليد ما يعتبرونه نمط سلوك وحياة الصفوة، بدءاً من اقتناء السلع الاستهلاكية للتباهي بها إلى إقامة الحفلات الصاخبة (بكل ما فيها من حرية وانفتاح غريبتين عن أسلوب الشعب المصري في عمومه) وحتى إلى نمط العلاقات الاجتماعية السائدة. ولأن القشرة الظاهرة من المجتمع اللبناني والتي تعكسها القنوات الفضائية والأغاني المصورة والحسابات على مواقع التواصل الاجتماعي توحي بأن ذلك هو نمط حياة كل أفراده، فإن المصري ترسخ في عقله الباطن اعتقاد بأن الرقي ولبنان مترادفان. لذلك صار مفهوماً أن يتفاخر البعض يأن لهم أصولاً لبنانية أو شامية. أما الحقيقة التي يغفلها الكثيرون ممن انساقوا وراء بريق الحياة اللبنانية فهي انتشار الفقر في لبنان، حيث تبلغ نسبة من يرزحون تحت خط الفقر حوالي 33% وهي من أعلى النسب في منطقة غرب آسيا ومرشحة للزيادة في ظل الأزمة الاقتصادية الطاحنة الراهنة. يجهل هؤلاء أيضاً انتشار مظاهر التعصب الديني المقيت في أوساط بعض قطاعات الشعب اللبناني في السنوات الأخيرة. الصورة خداعة إذن، ولا تعكس الحقيقة.

كذلك يبدو الجنس حاضراً وبقوة في تحليل ظاهرة الإعجاب بالحياة على الطريقة اللبنانية. فالعقلية المصرية التقليدية ترى الأمور عادة من خلال عدسة "الجنس". وفي ظل انفتاح "فضائي" وسيبراني فاق الحدود في السنوات الأخيرة، وفي ظل كبت جنسي يقارب حد الانفجار، يصبح نموذج الفتاة اللبنانية كما يعكسه الواقع الإعلامي مغرياً للغاية، خاصة إذا ما تمت مقارنته بالفتاة المصرية المتحفظة والتي يكبح جموحها قيود أسرية ومجتمعية شتى.

يبقى أخيراً أن نشير إلى أن الفئة "المتلبننة" هي في معظمها من أفراد الطبقة العليا والمتوسطة العليا، إضافة بالطبع إلى الطامحين في الانتساب إليهما، أما الطبقات الدنيا - حيث تنتشر الأصولية والحجاب - فيحدث فيها استقطاب معاكس حيث تجد نموذجها المفضل في مجتمعات محافظة كالسعودية وإيران، وما انتشار التدين على الطريقة السعودية الوهابية في أوساط الطبقات الشعبية وبين العائدين من إقامة طويلة بدول الخليج إلا دليل على ذلك، وهذا مثال آخر على أي حال على القابلية المفرطة للتماثل مع نسق قيمي "أجنبي".

وما بين "اللبننة" و"السعودة" وغيرهما تبقى الهوية المصرية لدى قطاعات واسعة ضائعة ومشتتة، ويبقى السؤال حول ماهية تلك الهوية وما تفرضه من قيم وسلوكيات وما تنبذه، ما هو أصيل فيها وما هو وافد محيراً وربما مربكاً أيضاً. ومع تلك الحيرة، فلا مناص من وضعه على مائدة البحث والتقصي، سعياً وراء فهم أدق لخصائص الثقافة والمجتمع في مصر.



#نايل_شامة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مأسسة السياسات الخارجية العربية
- القوة الناعمة المصرية: الرصيد والتحدي
- لماذا تخلفت مصر وتقدمت اليابان؟
- مصر والنيل: الحياة والخطر
- السلطوية الفاشلة وكورونا: هل تخسر مصر معركتها؟
- ماذا أدرك حسني مبارك؟
- عن أشباه الدول في العصر الحديث
- لعنة إسرائيل الأخرى
- المجلس العسكري ومستقبل الديمقراطية في مصر
- مصر: أصنام سقطت، وأصنام تأبى أن تسقط


المزيد.....




- السعودية تعلن ضبط أكثر من 25 شركة وهمية تسوق للحج التجاري با ...
- اسبانيا تعلن إرسال صواريخ باتريوت إلى كييف ومركبات مدرعة ودب ...
- السعودية.. إغلاق مطعم شهير في الرياض بعد تسمم 15 شخصا (فيديو ...
- حادث جديد يضرب طائرة من طراز -بوينغ- أثناء تحليقها في السماء ...
- كندا تخصص أكثر من مليوني دولار لصناعة المسيرات الأوكرانية
- مجلس جامعة كولومبيا الأمريكية يدعو للتحقيق مع الإدارة بعد اس ...
- عاجل | خليل الحية: تسلمنا في حركة حماس رد الاحتلال على موقف ...
- الحوثيون يعلنون استهداف سفينة نفط بريطانية وإسقاط مسيّرة أمي ...
- بعد الإعلان التركي عن تأجيلها.. البيت الأبيض يعلق على -زيارة ...
- ما الذي يحمله الوفد المصري إلى إسرائيل؟


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - نايل شامة - التأثير الثقافي اللبناني في مصر