|
الفنَ و المجتمع
سهيَل العرفاوي
الحوار المتمدن-العدد: 6607 - 2020 / 7 / 1 - 01:14
المحور:
الادب والفن
الإنسان كائن رغبة ، فهو يرى العالم من جوانب عديدة و يسعى من خلاله تبليغ رؤيته و تخليد بصمته و تحقيق كيانه ، بإعتباره الكائن العاقل الوحيد. الفنَ يمثل تصوَر للعالم و محاكاة للطَبيعة و للمجتمع أيضاً الذي تتعدد قضاياه و مشاكله و تناقضاته ، فالفن يمكن أن يعبر عن فكرة قد تنعدم في المجتمع و يكون له صبغة نقديَة بحتة ، و لهذا كانت رؤية الفنَ ضرورة إنسانيَة كما أن الفنَ بإمكانه أن يحقَق ما عجزت عنه اللَغة في قوله فهو حسب المنظور الفرويدي نتاج لكبت و صدَ لرغبات الإنسان تحت ضغط من الهو و الأنا الأعلى الذي صار عبدا لثلاث أسياد قساة، بعمليَات الإعلاء ، و يكون هذا الإعلاء في الميدان الفنَي وهو عبارة عن فضاء يتجلَى فيه اللَيبدو أو الغرائز اللاَواعية.
الحاجة للفنَ ضروريَة و علاقته تبدو لازمة إذ أن الاحتياج إلى الفنَ للتَعبير عن الأفكار و التمثَلات هو للتعبير عن أفكار مثل فكرة العظمة من ذلك سور الصَين العظيم ، أو فكرة الخلود كأهرام المصريَة و الحضارة الفرعونيَة ، كتب هيغل : "مازالت الأهرام المصريَة تدهشنا " و هنا تظهر تعبيرات الفنَ حيث يمكنها أن تدهشنا أو تجلب انتباهها أو تبهرنا و أن تدل على حضارت و تاريخ شعوب و لقد ربط هيغل الفنَ بتمثَلات الروح بما هو تمثَل في الواقع و أن تعبر عن ما عجزت عنه الأساليب الأخرى كاللَغة مثلا، الفنَ هنا تعبير عن الحضارة بغاية التَعامل معها و المساعدة في كسب ثقافات أخرى و تجسيد الواقع باختراقه للسَياسة و الرأسماليَة من ذلك لوحات الرسَام رفائيل الذي رسم مظاهر الَتقريب بين الحضارات مختلفة منها الاغريقيَة ، الإسلاميَة و الرومانيَة . إنَ الفنَ يؤكد إلزامية حضوره و اجباريَة تواجده ، و من هنا كانت حاجة الانسان إليه ، خاصَة و أنَ الفنَ يتجاوز حدود القمع و الاستبداد الذَي يختص به النَظام العالمي الجديد و يعبر عن الحقيقة بإعتباره ملجأ و معبرا عن نوازع الإنسان و هو الوسيلة النموذجيَة للتعبير عن الأفكار. لكن أضحى دققنا فالفنَ لإكتشفنا أن الفنَ صار عاملا من عوامل الَتناحر و الصَراع فلو مارسنا إبوكيا لوجدنا أنه يخفي وجها آخر ، و هذا ما تم تبيانه من خلال كارل ماركس الذي أرجع الفن إلى تشكل للوعي و الوعي هو نتاج للطبقية و الصراع الطبقي و رغبة طبقة في سيطرة على طبقة و سيطرة على الانتاجية و هذا ما أكَده جيل دولوز في كتابه منطق الإحساس وهو كتاب يتعلَق بفرانسيس بيكون و بيَن أن الرسَام يأخذ الأحداث من الواقع و الألوان من الطَبيعة ليضفي عليها نوعا من الجمال لكنها فالأصل قبح ، قبح الصراع و الصدام و رغبة سيطرة طبقة على طبقة أخرى ، و يصل هذا الصَراع إلى قيام الحروب ، أليس الفنَ عاملا من عوامل قيام الصَراع في الماضي ؟ و لأنَ الماضي هو إمتداد للحاضر فإنَ الفنَ مازال يؤكَد قيام الصَراع ، فصناعة الأفلام في هوليود جعلت الإنسان السَوفياتي يبدو مشوَها في الحرب الباردة ، ثمَ صار التركيز على الانسان العربي خاصة بعد أحداث 11 سبتمبر ، كما أن الفنَ تعبيرة من تعبيرات الألم و الطبقيَة ، لقد بيَن شكسبير في رواية "تاجر البندقيَة " ، التي قد تبدو رواية فحسب، لكن في جوهرها تحمل رغبة في السَلطة و رغبة البرجوازيَة في سحق الإقطاعيَة كما أنَ رواية الأمَ لمكسيم غوركي تعبر في جوهرها عن رغبة البروليتاريا في سحق طبقة الكولاك. إنَ الفنَ تعبير عن هذا العالم ، مثله مثل الَلغة ، فهو أداة تعبير و وصف ، لكن يمكن له أن يحمل وظيفة خفَية و باطنيَة ، يمكن أن نكتشفها من خلال التأويل و من خلال اخضاعه للتفكَك ، إذ اكتشفنا الفن كوسيلة تعبير و تواصل و طابعه الوظيفي المتمثل في إبراز الأفكار و التمثَلات ، لكنَنا اكتشفنا بعداً آخر هو بعد صناعي ، إستعماري أو حتى استشرافي يحدَد مستقبل العالم من خلال ما يخفيه الفنَ كلغة تتجاوز الكلام و يذهب إلى عنف معنوي غير مرئي ، ولكنه يمكن أن يؤثر أيضًا على شكل آخر من أشكال الحياة الاجتماعية و حتَى السَياسية.
المراجع :
(1)سيغموند فرويد، حياتي والتحليل النفسي، ترجمة مصطفى زيور و عبد المنعم المليجي، دار المعارف، 1994 (2)هيغل ، فينومينولوجيا الرَوح ترجمة و تقديم ناجي العونلي المنظَمة العربيَة للترجمة ، مركز دراسات الوحدة العربية ، بيروت 2006 (3)كارل ماركس، الإيديولوجية الألمانيَة، ترجمة الدكتور فؤاد أيَوب،مصادر الإشتراكيَة العلميَة،دار دمشق، 1976 (4)Gilles Deleuze and Francis Bacon , The Logic of Sensation , CONTINUUM LONDON .NEW YORK , 2003 (5)William Shakespeare ,The marchant of Venice, etc.usf.edu (6) مكسيم جوركي، الأمَ file:///C:/Users/dell/Downloads/%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%85-%D9%85%D9%83%D8%B3%D9%8A%D9%85-%D8%BA%D9%88%D8%B1%D9%83%D9%8A-kutub-pdf.net%20(2).pdf
#سهيَل_العرفاوي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
عنف و سياسة
المزيد.....
-
متابعة مسلسل صلاح الدين الايوبي الحلقة 28 مترجمة عبر قناة Tr
...
-
تطوير -النبي دانيال-.. قبلة حياة لمجمع الأديان ومحراب الثقاف
...
-
مشهد خطف الأنظار.. قطة تتبختر على المسرح خلال عرض أوركسترا ف
...
-
موشحة بالخراب.. بؤرة الموصل الثقافية تحتضر
-
ليست للقطط فقط.. لقطات طريفة ومضحكة من مسابقة التصوير الكومي
...
-
تَابع مسلسل قيامة عثمان الحلقة 163 مترجمة المؤسس عثمان الجزء
...
-
مصر.. إحالة 5 من مطربي المهرجانات الشعبية للمحاكمة
-
بوتين: روسيا تحمل الثقافة الأوروبية التقليدية
-
مصادر تفنّد للجزيرة الرواية الإسرائيلية لتبرير مجزرة النصيرا
...
-
تابع مسلسل صلاح الدين الايوبي الحلقة 28 مترجمة عبر تردد القن
...
المزيد.....
-
أنا جنونُكَ--- مجموعة قصصيّة
/ ريتا عودة
-
صحيفة -روسيا الأدبية- تنشر بحث: -بوشكين العربي- باللغة الروس
...
/ شاهر أحمد نصر
-
حكايات أحفادي- قصص قصيرة جدا
/ السيد حافظ
-
غرائبية العتبات النصية في مسرواية "حتى يطمئن قلبي": السيد حا
...
/ مروة محمد أبواليزيد
-
أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية
/ رضا الظاهر
-
السلام على محمود درويش " شعر"
/ محمود شاهين
-
صغار لكن..
/ سليمان جبران
-
لا ميّةُ العراق
/ نزار ماضي
-
تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي
/ لمى محمد
-
علي السوري -الحب بالأزرق-
/ لمى محمد
المزيد.....
|