أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - اميرة بيت شموئيل - المهمة















المزيد.....

المهمة


اميرة بيت شموئيل

الحوار المتمدن-العدد: 464 - 2003 / 4 / 21 - 06:13
المحور: الادب والفن
    


 

قصة قصيرة بقلم : اميرة بيت شموئيل

 

جمعت دليلة بقية ملابسها، واسرعت بالخروج من بيتها لئلا تتأخر عن العمل.... او ربما لئلا تصل الخلافات بينها وزوجها الى حد تدخل الجيران واستدعاء البوليس، بعد ان ضربها ، كما فعل سابقا. لا تدري لماذا تخاف من تدخل البوليس اكثر من هجمات الزوج الشرسة.... ايكون السبب في ايمانها بضرورة تضحية المرأة للحفاظ على العلاقات العائلية... ام خوفها من مجتمعها، الذي يدين المرأة كلما تفككت عائلة... او الخوف من المجهول الذي ينتظرها في مجتمع لم تتعرف اليه بما فيه الكفاية. ربما، وقد باتت تعرف دمارات زوجها جيدا بعد زواج طال اكثر من عشرة سنوات، انجبت منه طفليها، رامي ورانيا. في العمل، كانت تحاول دائما دخول المطبخ لحبس دموعها... احزانها ... خوفها على مصيرها وطفليها، بالانغماس في غسل الصحون، حتى خيل الى الجميع بانها تعشق هذا الواجب.

 

نادى عليها المدير لتذهب الى خدمة زبون دخل المطعم، فخرجت تلبي النداء. اقتربت من الزبون المتخفي وراء جريدة اجنبية كانت تحمل في صفحتها الاولى صورة لصدام، يتفرس في عيون الكامرة بصلافة. استغلت فرصة صمت الزبون واخذت تقترب اكثر من الصورة، والقلق يفترس وجهها الحزين. تحولت بنظراتها وخيالاتها بين العينين الصلفتين، حتى استوقفتها حركة ساخرة من احداهما!!!. استنفرت ذواتها السبعة من هذا الشيطان الذي لم يكتفي بقتل امالها وتقييد حياتها، ها هو يلاحقها في الخارج ايضا ليبقي الرعب في قلبها...  صرخت فزعة واخذت تصلي الى الله لينقذها من يومها المخيف وفجأة... انكمشت الجريدة على بعضها واستقرت بين يدي صاحبها، الذي بادرها ضاحكا:

-          هل اخافك صدام... ام انا؟؟؟؟

علمت اخيرا بان الكابوس الذي رأته في الصورة امامها لم يتعدى المزاح من قبل الزبون. فقد قام بفقع احدى عيني صدام واستخدم الفتحة للنظر من الخلف الى ردة فعلها... تركت دليلة ضحكة سجينة تنطلق من شفتيها بحرية، رغم احمرار خديها، ثم قالت.

-          هل انت مجنون؟؟؟... لقد اخفتني حتى الموت... لماذا فعلت هذا؟

-          اردت ان اتأكد من عراقية هذه العيون المشعة الجميلة... لقد راقبتها اياما وعلمت انها من الشرق الاوسط، الا انني لم اكن متأكدا من اي بلد فيه...  سامحيني ارجوك.

-          ها قد تأكدت بأني من العراق... هل من خدمة اقدمها لك؟

-          انا معجب بعينيك ووجهك الدافئ الجميل... هل استطيع ان استضيفك على العشاء هذه الليلة؟؟

-          لا استطيع... انا في الخدمة الان.

-          استطيع ان انتظر الى ان تتحرري منها ونتعشى معا.

 

جاءت عبارات وموقف هذا الغريب كحبال خفية تشدها الى التقرب منه اكثر... لم تسمع عبارات الاعجاب هذه من زوجها منذ زمن بعيد... بل لا تدري اذا كان قد تفوه بها اصلا.  تململت بين الرفض الراغب والقبول المتردد، مستمتعة بعبارات التوسل والاعجاب التي يغدقها بها الرجل. هذه العبارات التي افتقدتها، تعيدها بجنون الى زمن المراهقة الغابر. قررت ان تعود الى مديرها وتخبره برغبتها بالحصول على اجازة قصيرة... عادت لتتعشى مع سام.

 

وصلت الى البيت متأخرة قليلا .. استقبلتها عبارات زوجها المتذمرة ابدا:

-          اين كنت ايتها الـ...... ؟ الم تستطيعي ان تسرعي في العودة لئلا اتأخر على البنكو؟ اين وضعت النقود يا بلهاء؟

لم تجبه، بل اسرعت الى غرفة نوم اطفالها، لتخرج بعض المال من تحت فراش ابنها رامي وتعطيها له، عسى ان يتركها، هذا السكران، وشانها. بخروج زوجها من البيت، اخذت الاطفال الى غرفة نومها، ليرغموا ابيهم على النوم في الصالة، عندما يعود. تمددت هي في الفراش الى جانبهما، وسط العتمة، واخذت تفكر بما جرى بينها وبين سام.

 

-          قررت ان انضم الى مجموعة الدروع البشرية واذهب الى بغداد، لحمايتها من الحرب المدمرة.

-          لا تفعل ارجوك... لانك بذلك تحمي اكبر فاشية في التاريخ.

-          لست آبها بصدام، ولكني اتأسف على هذه المدينة التاريخية التي يهددها الدمار. الا يؤلمك دمارها؟

-           كيف لا، وقد اودعت حبي وذكرياتي في قلبها.

-          الان عرفت سر هذا الحزن المحفور في وجهك الجميل... اسمعي، اعطيني عنوان المنطقة التي سكنتيها وسازورها نيابة عنك.

-          هل انت جاد بزيارة بغداد؟

-          كل الجد. وساتصل بك من منطقتك لتتأكدي.

-          ولكن، لماذا تعرض نفسك للخطر من اجل بلد لم تراه قط؟

-          انها قضية انسانية تنطلق من ضرورة مساعدة  شعب يعيش دوامة الحرب.

-          ولكنكم لن تستطيعوا تحريره من ايدي صدام الدموية بالسلم، لانه لا يفقه في لغة الحوار.

-          الانباء والتصريحات عن حقيقة الاوضاع متضاربة هنا، وانا اريد ان اتعرف عليها في ارض الواقع.

-          ماذا عن اهلك... هل تقبلوا فكرة ذهابك.

-          ابي يؤيد امريكا وامي تؤيد روسيا وفرنسا.

-          الا تؤثر مواقفكم المتضاربة على علاقاتكم الاسرية؟

-          لا علاقة لمواقفنا السياسية بعلاقاتنا الاسرية. نحن لا نخلط الاوراق.

 

استسلمت لسلطان النوم وعبارة " نحن لا نخلط الاوراق" تشدها الى مناظر المواجهات المسلحة والتصفيات الجسدية التي تسببت نتيجة خلط الاوراق في الازقة السياسية في العراق على مدى العصور.

 

مرت ايام على اول واخر لقاء بين دليلة وسام، قبل ان يختفي هو ويتركها لدوامة الخوف والاحزان بقراره. هذا الغريب، ماذا كان يحمل معه ليقترب منها حدود الذوات؟؟ ما الذي وجدت فيه لينال منها هذا الاهتمام؟؟ فهي لم تعد تفكر ببيتها واطفالها كما تفكر به!!. اوا تراه كذابا مخادعا، كما زوجها؟ لقد سمعت كثيرا ان الرجال هنا لا ينظرون الى المرأة الا من خلال الجنس... وما مجاملاتهم للنساء الا وسيلة لاغواءهن ليركعن لهم ويسددن حاجاتهم الجنسية. ولكن... سام لم يطلبها للجنس ولم يتحدث معها عنه؟؟؟ اتراه لاحظ اهتمامها بالسياسة واراد اذلالها بتصرفه؟؟ ام انه غربي النزعة، اراد تحقير شرقيتها؟؟!!. مع كل ثورة كانت تجتاح افكارها المشتتة، كانت نسمات الامل تعود بها الى البقاء في العمل، عسى ان تلتقي به مرة اخرى... الى ان نادتها صديقتها، ممسكة بسماعة الهاتف. اسرعت دليلة الى سماعة الهاتف تحتضنها بين يديها واذنها وشفتيها.

-          الو.

-          دليلة... انا سام ... اتحدث اليك من بغداد.

-          سام ... بغداد ... حبي ... كيف انت وكيف بغداد؟؟

-          انا بخير وبغداد بخير ايضا.... أتدرين اين انا الان؟؟

-          اين يا سام ... اسرع بالله عليك.

-          في منطقتك، الدورة... لا استطيع ان ابقى فيها طويلا، لانها ليست ضمن برنامجنا... الدورة جميلة ... بغداد جميلة ولكن...

-          ماذا يا سام... قل الحقيقة... لا تخفي شيئا.

-          كل العيون حزينة كعينيك.

انقطع الاتصال... اخذت دليلة تبكي بجانب الهاتف... لم تعد تدري، اتفرح للمكالمة، ام تحزن... تمنت لو لم يتصل بها سام  ويهيج فيها كل هذه المشاعر في وقت واحد. طلبت اجازة لتعود الى البيت وترتاح، بعد ان احست بان قواها قد خارت تماما ولن تتمكن من خدمة الزبائن، الا ان اقدامها ثشبثت بجانب الهاتف ولم تقبل مفارقته، حتى انتهاء الدوام.

 

عادت الى الهاتف في اليوم الثاني والثالث والرابع عسى ان تسمع منه شيئا، دون جدوى.. اختفى مرة اخرى ليقبرها في متاهات الكوابيس... ولكن الى متى؟؟. لم تعد تحتمل العمل... لم تعد تهتم بالبيت ... اهملتهما معا...احتقرت زوجها السكير ... احتقرت نفسها المقبورة بين البيت والعمل، الى ان ظهر سام في اليوم السابع... بشحمه ولحمه.

-          هل افتقدتيني؟؟

-          سام صديقي، لقد جعلتني اعد الدقائق في انتظارك... ايها الغريب القريب ماذا فعلت بي؟

ارتمت الى احضانه وراحت تستنشق نسمات بلادها من قمصانه قبل ان تقول:

-          اشتقت اليك ايها العزيز ... اشتقت الى بغداد الحبيبة... اوا تدري كم تحدثت اليكما في نفسي.

-          نحن ايضا تحدثنا اليك وانا اسير فيها، وخاصة في ازقة منطقتك، الدورة.

 

اخبرها بانه قرر العودة الى بلاده ليبدأ رحلة اخرى بعد ان تبين الصورة الحقيقية للاوضاع .

-          هذا الرئيس مجنون واعوانه مجانين ايضا.. لقد اخترنا نحن البقاء قرب المستشفيات والمستوصفات ودور العجزة والايتام لحمايتها، ولكنهم اصروا على اجبارنا لحماية مستنقعاته الحربية.. اتتصورين؟؟!! رفضنا طلبهم طبعا وقفلنا راجعين... لا ادري كيف تحملتهم هؤلاء الجهلاء كل هذه السنين؟

-          الحمد لله... هل عرفتم اخيرا من هو صدام؟

-          كتبت عنهم وفضحت ممارساتهم اللانسانية لنا، امام المنظمة والكامرات العالمية وارسلت نسخ اخرى للمحافل الدولية والمنظمات الانسانية مؤكدا على ضرورة ازاحتهم ولو بالقوة، لانهم شياطين لا يفهمون الحوار . امثاله خطر على الشعوب ويجب تنظيف البيت الانساني منه. دليلة، هل ستساعديني؟

-          ما بيدي حيلة لاساعدك يا سام... انا مجرد امرأة لا استطيع ان افعل شيئا.

-          كيف لا؟وانت انسانة مثلي مثل الاخرين. يجب ان لا تسمحي لاحد باذلالك وزرع الخنوع فيك... انت انسانة ولدت حرة لتعيش حرة . اسمعي، لقد كتبت كل مارأيت وسمعت ولكني في حاجة الى المزيد، هل تساعديني على العثور على المزيد من ممارسات هذا الجاهل في صحفكم وتترجميها لي؟

-          نعم ... نعم، سافعل.. فليس هنالك احب الي من فضح ممارسات هذا الجاهل.

-          عظيم.

عادت دليلة الى بيتها متعبة، لتجد اطفالها وحيدين بلا حارس... سألت عن زوجها، فاخبروها بأنه تركهم واسرع الى البنكو، متذمرا ومتوعدا بضربها عندما يعود. تعشت مع اطفالها وسهرت معهم حتى داهمهم النوم... جلست وحيدة تفكر في كلمات سام " يجب ان لا تسمحي لاحد باذلالك وزرع الخنوع فيك"... " انت انسانة ولدت حرة لتعيش حرة ".

-          نعم يا سام.. انا انسانة ولدت حرة وساعيش حرة كريمة غصبا عن الجميع.

 

في اليوم الثاني، بعد ان ارسلت اطفالها الى المدرسة، وزوجها السكير الى الجحيم، اقفلت باب بيتها بمفتاح جديد و... عادت الى عملها تعمل بهمة ونشاط حقيقيان،  فقد شعرت بأهمية وجودها الانساني منذ استلامها مهمة ارسال الجهلاء الى الجحيم.

 
 



#اميرة_بيت_شموئيل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الشعب الهمام يقطع الصور ويهدم الاصنام
- اقتراح الشيخ زايد بن سلطان ومشادة الامير عبد الله بن عبد الع ...
- الملاك الضحية
- المنافق
- لن أعود اليك
- سيحدث غدا
- الشهيدة مركريت جورج مقاتلة اشورية، اغفلها الكتاب الاكراد وال ...
- رأفة بالعراق المثقل بجروح الأمهات والأرامل والأيتام
- اتكمن المشكلة في التسمية ام في المناصب؟؟؟
- ماهذا بتمثيل للشعب الاشوري
- الى اللجنة التحضيرية والمشاركين في مؤتمر المعارضة العراقية ف ...
- قضية المرأة واعدائها الحقيقيين


المزيد.....




- وفاة الفنانة السورية القديرة خديجة العبد ونجلها الفنان قيس ا ...
- مطالبات متزايدة بانقاذ مغني الراب الإيراني توماج صالحي من ال ...
- -قناع بلون السماء- للأسير الفلسطيني باسم خندقجي تفوز بالجائز ...
- اشتُهر بدوره في -أبو الطيب المتنبي-.. رحيل الفنان العراقي عا ...
- عبد الرحمن بن معمر يرحل عن تاريخ غني بالصحافة والثقافة
- -كذب أبيض- المغربي يفوز بجائزة مالمو للسينما العربية
- الوثائقي المغربي -كذب أبيض- يتوج بجائزة مهرجان مالمو للسينما ...
- لا تشمل الآثار العربية.. المتاحف الفرنسية تبحث إعادة قطع أثر ...
- بوغدانوف للبرهان: -مجلس السيادة السوداني- هو السلطة الشرعية ...
- مارسيل خليفة في بيت الفلسفة.. أوبرا لـ-جدارية درويش-


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - اميرة بيت شموئيل - المهمة