الحسن أوعبو
الحوار المتمدن-العدد: 6584 - 2020 / 6 / 5 - 19:30
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
إننا اليوم لا نحتاج إلى التاريخ، بقدر ما نحتاج إلى صناعة التاريخ، وهذا لا يعني بتاتا بأنه إنكار للتاريخ القديم أو محاولة التنكر له، فبدونه، باعتباره تاريخ الماضي وتجربة كانت على أرض الواقع ، معروفة بوقائعها، وموثقة بين دفات الكتب، فلا يمكن التكهن مثلا بالمستقبل أو حتى التفكير فيه دون استحضاره (الماضي)، فبدون العودة إلى التاريخ القديم وتفحصه ودراسته دراسة تأملية ومركزة، لمعرفة نقاط الضعف والقوة، وعدد السقطات والأمجاد، لا يمكن إحياء وإيجاد وصناعة تاريخ اخر مشابه أو أفضل، بمعنى آخر، لا يمكننا البدء في إحياء تاريخ آخر ونحن غير مجهزون بالتاريخ القديم.. ..فالعلاقة بين التاريخ الماضي، و صناعة التاريخ في المستقبل، ستكون علاقة تكاملية واستمرارية ما تم استغلال الفترة التي بينهما التي تسمى الحاضر فيمكننا من بداية التاريخ مجددا،وهذا ما يلزمنا التركيز عليه، ومحاولة استغلاله.
وبالرغم أن كل المؤشرات تشير إلى انهزام آخر بعد هذا الانهيار الأخلاقي والعلمي والعملي و التفريط في المبادئ ....إلا أنه علينا تدارك الأمر وعدم الاستسلام له بإصلاح وإعداد الشباب لذلك...والتوصية على ملازمة التاريخ جملة وتفصيلا.
فلا يمكننا النهوض ونفض غبار الانهزام إلا بإعطاء التاريخ الأولوية الصارمة في حياتنا العملية والعلمية، فالتاريخ وحده كفيل بتحريضنا وتوجيهنا في الطريق الصحيح نحو حداثة جديدة للتاريخ نفسه، لأننا نقع الآن بين انتصار كان وانهزام كان ومازلنا نعيشه، وبين انتصار سيأتي إذا ما حاولنا السير قدما بين ردهات التاريخ وفهمه الفهم السليم الذي ينبغي، وهذا ما سيمكننا بغير قليل من الاطمئنان في إحداث رغبة صارمة في التغيير نحو الأفضل.
و عليه يجب أن نعرف أن التاريخ بصفة عامة أو تاريخ أمة بصفة خاصة سيرورة أحداث غير منقطعة سواء تعلق الأمر بانتصار أو انهزام، أو اعتلاء أو انحدار في الخط الزمني والمبياني إلا أن ذلك لا يلغي صفة الاستمرارية لتلك السيرورة التي تبقى رهينة أحداث كثيرة مادام أنها تخص أمة ما....
لكن على كل أمة تريد لنفسها القمة أن تراجع هذه السيرورة من الأحداث لتستفيد منها وتأخذ منها بعبرة وحكمة ما يمكنها من رفع معنوياتها من أجل تسطير أحداث جديدة تمكن قطارها للعودة مجددا نحو السكة....فالتاريخ إن جاز التعبير هو شرف كل أمة، وعلى كل أمة أن تغار وأن تصون شرفها بحرفية وبعناية مركزة، يحسدهم بذلك أعداؤهم الآخرون....
لاشك أن التاريخ اليوم وفي الأزمنة الغابرة قد شابته التزويرات والتغييرات والتحريفات، ولكن هذا لا يمنعنا ولن يمنعنا في محاولة تقفي آثار الحقيقة، فالتزويرات في الأخير لا يمكنها تغطية كل أحداث تاريخ أمة ما، لأنه من الصعب فعل ذلك، صحيح قد يحدث تزوير لبعض الأحداث وهذا لا يختلف عليه اثنان، والتزوير لا يحدث إلا إذا ما تم النجاح في تزوير الأسباب التي أدت إلى تلك الأحداث التي تم تزويرها، و إلا فإن قضية التزوير قد تشوبها الشكوك، فتزوير أحداث ما رهين بتزوير أو إخفاء أسبابها المباشرة التي أدت إلى ذلك....
وهذا يطرح فكرة عميقة وصلبة قد تعيق دراسة التاريخ وهي حضور فكرة الشك في حقيقة الأحداث التي سطرت بين دفات الكتب وهذا يقودنا إلى سؤال واسع وجيه، هل يعني أن أحداث التاريخ غير صحيحة وخاطئة....؟ قد نجيب بلا لأن الأحداث كلها لا يمكنها أن تكون خاطئة، وقد نجيب بنعم لأن جميع الأحداث لا يمكنها أن تكون صحيحة. فأحداث التاريخ بالنسبة لي إلى حد ما قد أقول عنها نسبية في بعض الأحيان وغير نسبية في أحيان أخرى، لهذا على المؤرخ أن يحيط بالتاريخ كله وأن لا يعتمد في طرحه ودراسته على منبع واحد، لأن ذلك أمر خطير، لذلك يجب على المؤرخ أن يكون موضوعيا وموسوعيا في التعامل مع التاريخ والأحداث وبحذر بالغ حتى لا يسقط في سقطات غير مقبولة، ويغير بهفوة منه مجرى ما كان في الماضي وما سيكون بسببه اليوم، كتأكيد على ارتباط الأحداث بعضها ببعض...وفي الأخير فبالأحداث يتشكل التاريخ...وهي كحقل ألغام على نطاق واسع يستوجب على المتخصص التأني في فحصها و استكشافها....
وعليه فلا يجب علينا الحديث عن تاريخ شعب من الشعوب وأصوليته، لأننا منتمون لأحدها فقط، بل واجب الحديث عنها ونحن مؤرخون مجهزون بالتاريخ، وبأدواته من قبيل التحليل والوصف والتوثيق والتدقيق والاستقصاء الزمني، هنا سترشدنا الأحداث إلى حقيقتها، لأن جميع تلك الأدوات تسعى إلى جعل دراسة الحقائق علمية وموضوعية ممنهجة..وإذا نجحنا في الابتعاد عن إقحام الذاتية والعاطفة التي تحول دون علمية هذه الدراسة وهذا البحث القويم...كمشكلة قائمة في العلوم الإنسانية...
وعليه فعلم التاريخ مهم جدا في صناعة وخلق ثورة من أجل تحقيق الانتصار على هذا الركود المنحط الذي نسير فيه، ومهمتنا نحن أن ندرس هذا التاريخ و نفهمه ونحيط به علما....ولكن بأساليب دقيقة وعلمية بامتياز...وبدون هذا نكون في مهب ضياع بين حقائق وأحداث لا نعرف صحيحها من خاطئها....
وعبو الحسن.
#الحسن_أوعبو (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟