أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - إلياس التاغي - قراءة في نص أدبي - آمال هاربة-















المزيد.....

قراءة في نص أدبي - آمال هاربة-


إلياس التاغي

الحوار المتمدن-العدد: 6584 - 2020 / 6 / 5 - 02:20
المحور: الادب والفن
    


لعل موضوع القراءة وإشكالية العلاقة بينها وبين النص الأدبي من المواضيع الهامة في الدرس المعاصر في مجال القراءة. ففعل القراءة في الدرس المعاصر صيرنا نحدد له مستويات وأنواع. فالقارئ الذي يستمتع في منعرجات ومنعطفات الأحداث، ليس كمن يبحث في عمق وروح النص ليكشف لنا عن المستتر والمخفي والمبطن والمسكوت عنه في طياته. هذا يعني الوعي بأن القارئ لم يعد ببغائيا يكرر ما يقوله الكاتب(ة) فقط، بل صار يشارك الكاتب(ة) في بناء المعنى. والنص الإبداعي الذي بين أيدينا " آمال هاربة" للكاتبة أميمة الميموني وضعته لكي يأتي القارئ ليتنزه فيه ويظفر بالدلالة والمعنى المخفية في طياته.
العنوان في هذا العمل لاشك أنه الممر الأول نحو فناء النص، ولعله يعكس النص في خيمته الداخلية. فعنوان " آمال هاربة"، هو اختيار دقيق وذكي يعكس الهيكل العظمي للنص. فهو صيغ صياغة ذكية. والقارئ للعمل يرى بوضوح جلي أن المحفل السردي في هذا النص يحكي عن ثلاث فتيات: نجلاء، نهى، أسماء. وهن شخصيات أساسية شكلت الخيط الرابط للحكاية، بالإضافة للشخصيات العرضية والثانوية: صاحب الدكان، العجوز.. فالحكاية تحكي عن ثلاث فتيات السالفة الذكر يحملن في قلوبهن أحلام وآمال وطموحات، لكن الواقع الاجتماعي و الاقتصادي والثقافي والبئي كان جاهضا لها، فدفعهن للخروج بغية البحث عن لقمة العيش في مجتمع لا يعترف إلا بالأقوياء والذين يمتلكون سلطة المال مما جعل طموحاتهن هاربة صعبة المنال. ستنمو الأحداث في اتجاهات متعددة، و تمر بمنعرجات ومنعطفات وقضايا كثيرة عبر الشخصيات الأساسية السالفة الذكر.
إذا قمنا بقراءة عكسية، بمعنى من نهاية النص إلى أوله سنلاحظ بعين ثاقبة أن الكاتبة تبدو أنها شكلت برنامجها السردي على سؤال إشكالي كالتالي: إلى أي حد يمكن لفتيات من طبقة اجتماعية بائسة يمكنهن أن يحققن أهدافهن وطموحاتهن في مجتمع غارق في أفكار وتمثيلات المتوارثة والمتفق عليها عن صورة المرأة ووضعها؟
للإجابة عن هذا الإشكال تعاملت الساردة بفطنة وحذاقة في اختيار الشخصيات، وهي معظمها تنتمي للهامش و الضواحي، غادرن هربا بسبب معايير ثقافية واجتماعية لتستقر في المدينة تحديدا في حي شعبي، ومن ثم تبحث ـ الشخصيات ـ عن لقمة العيش حاملات في دواخيلهن أحلامهن وطموحاتهن، فإحداهن ستعمل في المقهى، وهي أسماء، ونهى ونجلاء سيعملان في أعمال تبدو في تصور آل الحي أنها غير شريفة، مما يجعلهن ـ الفتيات الثلاث ـ موضع الحديث والكلام في الحي. تقول الساردة:" صاحب الدكان يلبي طلبات الزبونات البسيطات ويعود إلى جلسة النميمة مع العجوز الذي يجلس قرب دكانه ليخوضا في الحديث عن الفتيات الثلاث".
ترصد الكاتبة التناقضات التي يعيشها أفراد المجتمع المغربي عموما، وخصوصا ممن يعيشون في الحي الشعبي، فهم يدعون العفة والوقار والشرف والقيم النبيلة، وفي الليل يمارسون حياتهم الليلية التي تتناقض مع القيم التي يؤمنون بها. فصاحب الدكان الذي يجسد شخصية التي تدافع عن الأخلاق والشرف والقيم النبيلة فهو لا ينظر إلى الفظاعات التي فعلها تجاه زوجته وأبنائه الذين تركهم بدون معيل ولا سقف يأويهم. فتجده يصدر أحكام على الفتيات الثلاث اللواتي جعلتهن الظروف يبحثن عن لقمة العيش، رافضات أن يمدن أيدهن للمارة في الشوارع. تقول الساردة على لسان العجوز الذي يجلس مع صاحب الدكان:" إنهن يستحقن العذاب في الدنيا قبل الآخر، إنهن عاهرات يجب أن يضع أحد لهن الحد". فهذا النص يكشف عن قضايا في المجتمع المغربي الذي ما زال يعيش في تناقضات التي يتخبط فيها، والتي تجسد عائقا لتطور النظام الاجتماعي نحو الأفضل. ولعل من أهم الأسباب التي ترصدها الكاتبة أن المعايير الثقافية التي تجعل المرأة المتزوجة موضع الاحترام والتقدير من ضمن الأسباب الأساسية التي تجعل الكثيرات يخوضن تجربة الزواج، غالبا تكون تعيسة وفاشلة. والخوض في هاته التجربة غالبا تكون أيضا سببا في الوقوف عن الدراسة، ومن ثم الوقوف عن طموحاتهن. وهذا يعود بالأساس أن المرأة في التمثيلات الاجتماعية في المجتمع المغربي مكانها البيت، كأنها خلقت لتشبع حاجيات البيولوجية للرجل وتنظيف البيت ! بالإضافة لأسباب أخرى تذكرها الساردة.. فربط المرأة بتنظيف البيت والإنجاب والتربية فقط، كأنها خلقت فقد لهذا، يجعلهن موضع التجهيل والتهميش و التحرش والمضايقات والعنف اللغوي والابتزاز بغية لمتعة لحظية وعابرة...
انطلاقا من الشخصيات الأساسية توضخ الساردة بشكل غير معلن أن طموحات المرأة عموما في المجتمع المغربي تجهضها المعايير الثقافية والاجتماعية والاقتصادية مما يجعلها موضع الاستغلال بطرق عدة سواء تحت مسمى الحب أو الزواج، فتجهض أحلامها وآمالها وطموحاتها .
الفتيات اللواتي ينتمين إلى طبقة فقيرة متشبعة بثقافة الفقر من الصعب أن تحقق أحلامها وأهدافها وطموحاتها، فالمعايير الثقافية والاجتماعية لها دور كبير في تحقيق ذلك. فالمجتمع الذي يعد حاملا لمعايير ثقافية معينة هو الذي يجعل المرأة عاهرة أو راعية غنم أو وزيرة تعليم أو كاتبة تترك بصمة وأثارا في مجتمعها والمجتمع الإنساني عموما... بالتالي فالرسالة التي ترسلها الكاتبة للقارئ المفترض ينبغي نقد الأعراف والتقاليد و التصورات والأحكام المسبقة عن المرأة القابعة في الأذهان لتكون المرأة مع الرجل في صف واحد لتحقيق نظام اجتماعي أفضل وأرقى وأكثر إنسانية. لكن في ظل المجتمع الذي يقتات من الثقافة المضاوية التي تجرنا للوراء فإن المرأة ستظل موضع التجهيل والتهميش.
الساردة من خلال الشخصيات التي تشكل الخيط الناظم للحكاية تدعو بشكل معلن وضمني للتحرر ومحاولة التخلص من هذا الثقل الثقافي الذي ينخر المرأة العربية عموما والمغربية خصوصا، وبالأخص التي تنتمي لطبقة اجتماعية فقيرة وهشة. فهذا النص هو إعلان عن ثورة ثقافية التي تتغير معها الذهنيات والأفكار تجاه الكثير من القضايا التي تتعلق بالمرأة عموما.
على سبيل الختام يمكننا الآن القول أن الكاتبة قارئة جيدة للأعمال الأدبية التي جعلت الهامش مادة أساسية. هذا من جهة، ومن جهة أخرى، فإن الكاتبة تبدو أنها مهتمة بالأعمال والقضايا التي تهتم بالمرأة سواء كانت أدبية أو فلسفية أو سوسيولوجية. بالإضافة لهذا فإن النص يبدو أنه يعبر ويصف ويكشف عن فعاليات وظواهر و حركيات التي تُعتمل في رحاب المجتمع. وفي جملة واحدة يبدو هذا العمل فيه جرأة واجتهاد في رصد قضايا شائكة يعرفها المجتمع العربي عموما، والمغربي خصوصا، بأسلوب أدبي، وهو يبدو مشروع لعمل أدبي روائي سيكون إضافة للمكتبة العربية عموما والمغربية خصوصا.



#إلياس_التاغي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قراءة في رواية ورود تحترق من الفهم إلى التأويل .


المزيد.....




- تعدد الروايات حول ما حدث في أصفهان
- انطلاق الدورة الـ38 لمعرض تونس الدولي للكتاب
- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب
- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...
- -الضربة المصرية لداعش في ليبيا-.. الإعلان عن موعد عرض فيلم - ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - إلياس التاغي - قراءة في نص أدبي - آمال هاربة-