أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - الزا نصره - ما تبقى من جدتي














المزيد.....

ما تبقى من جدتي


الزا نصره

الحوار المتمدن-العدد: 6574 - 2020 / 5 / 26 - 23:52
المحور: الادب والفن
    


إنها الساعة الحادية عشرة صباحاً من يوم صيفي عادي من أيام شهر تموز الحار والدبق. هاهي الجدة بوجهها المتغضن الذي شهد مايزيد عن تسعين موسم زنبق بلدي تقف على باب بيتنا بكامل حضورها البهي ولياقتها الصحية . فاليوم نحن على موعد معها حسب برنامج زياراتها الشهري الحافل لبيوت أبنائها التسعة ...
أسرعت لأفتح الباب وأرمي نفسي في حضنها حتى قبل أن ينهي ذاك العصفور الكهربائي زقزقته. كانت رائحة زهر عطرة تفوح من منديل الحرير الأصفر المشغول يدوياً والذي غطى رأسها وتدلى بأطراف الكروشيه على عنقها و كتفيها كتاج ذهبي يليق بوجه ظلّ جميلاً على الرغم من أنف السنين .. طبعت قبلتين على وجنتي وألحقتهما بضمة من تلك الضمات التي لا تنسى.
بفرح غامرأمسكت بيدها، وشددتها للداخل وأنا أصيح مبتهجة: "تفضلي .ادخلي يا أحلى ست" ..
مبتسمة، مدت يدها الى جيبها وأخرجت كمشة زهر:" هذه الزنبقات البلديات، قطفة صباحية .انها لك يا حلوة"
تناولت الزهرات برفق وشممتهنّ بعمق لكأني كنت أغرف من يومي زاداً لعمري القادم ... آه .. لا تنفك الجدة عن منح الأحبة من جيبها العجيب حفنات زهر حسب المواسم.إذ تارة تلقى الياسمين وتارة أخرى الفل أو الحبق وهكذا دواليك....
..يا لروعتها كم هي امرأة رقيقة وروحها زاهية كجناحي فراشة!!.
عاد صوتها الحنون ليوقظني من شرودي :
-"هيا يا صبية ... إن كانت عجينة الكبة جاهزة أحضريها لأعلمك كيف تعدين أطيب الأقراص".
-"حاضر يا أغلى الستات. كل شيء جاهز"..
كانت أمي على الرغم من زواجها منذ ما يزيد عن عقدين من الزمن قد حرصت على إنهاء طحن البرغل مع اللحم، وتنظيف المنزل قبل وصول الجدة خوفاً من العتب وطمعاً في نيل الرضى ...
ماهي الا دقائق معدودة حتى بدأت يداي ترقّان العجين فيما كنت أراقب يديّ الجدة بإمعان وأحاول مجاراتها كما تفعل بالظبط ... بين الفينة والأخرى كانت تلقي على مسامعي عبارات من قبيل: " رققي العجين من هذا الجانب ..كوري أكثر هنا .. قللي الحشوة قليلاً بعد .." كنت أنفذ بصبر وبدقة تعليماتها بينما كانت عيناها ترقبان بفخر ورضى يدي الحفيدة وهما تنجزان ببراعة معقولة هذا العمل المضني ..
لم أترك الصمت المخيّم يسود طويلاً إذ قطعته بصوت يضجّ حماسا ً وأنا أغمز الى منديلها: " هيا يا جدة لنغني أغنية منديل الحرير الأصفر:
يا ام المنديل الأصفر وين حبكتيه....
ريتو يوقع عن راسك حتى لاقيه....".
افترت شفاهها عن ابتسامة مشرقة وهي تغني بصوتها الحنون مواويل قديمة .. كانت في هذه الأثناء أقراص الكبة تصطف الى جوار بعضها البعض في صينية النحاس العريضة ..ألححت عليها وأنا أتابع العمل بهمة :"الآن أخبريني احدى قصصك القديمة ".. ردت بتكاسل:" أيّ قصة؟!. لقد أخبرتك سابقاً الكثير. لم يتبق شيء جديد".
-" إذاً أعيدي على مسامعي قصة كيف مشيتي حافية وجائعة مع أهلك في سفربرلك، أو كيف خبأت أمك ابنها المراهق في كهف أسفل الوادي كي لا يأخذه العثمالي الى حرب لا ناقة له فيها ولا جمل، أو حدثيني عن عرسك الذي ركبت فيه الخيل الأبيض بثوبك الزاهي واكليل الورد على شعرك و كيف طاف بك العريس والناس على دروب القرية مع دق الطبل وعزف المزمار والزغاريد ..
-"حسناً. حسناً ..سأقصّ عليك مجدداً".
طال الحديث... مرت ثلاث ساعات كلمح البصر. تحدثنا كثيراً، وضحكنا، وغنينا فيما غصّت الصينية حتى آخرها بأقراص الكبة التي استمتعنا بتناولها لاحقاً. كانت كبة شهية لن تشبه بمذاقها أيّ كبة أخرى...
مضى النهار الطويل سريعاً، خفيفاً كنسمة صباحية . كان وقتاً أشبه بركوب أرجوحة تعلو بك الى أعالي السماء لتغرف من نور الكون حفنة تدفىء بها قلبك لسنين العمر القادمة... عندما حلّ المساء غادرتنا الجدة العجوز مع وعد بأن تزورنا قريباً ..لكنها هذه المرة فقط لم تفي بوعدها ..
كان رحيلها سريعاً ..قالوا :" إنها فقط نظرت من النافذة الى العصفور الذي يزقزق بين ثمار شجرة الخوخ، ومدت اليه يدها، ونامت".



#الزا_نصره (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- شعارات بامتياز ولكن ...!؟
- الحلم الأوبامي


المزيد.....




- توم يورك يغادر المسرح بعد مشادة مع متظاهر مؤيد للفلسطينيين ف ...
- كيف شكلت الأعمال الروائية رؤية خامنئي للديمقراطية الأميركية؟ ...
- شوف كل حصري.. تردد قناة روتانا سينما 2024 على القمر الصناعي ...
- رغم حزنه لوفاة شقيقه.. حسين فهمي يواصل التحضيرات للقاهرة الس ...
- أفلام ومسلسلات من اللي بتحبها في انتظارك.. تردد روتانا سينما ...
- فنانة مصرية شهيرة تكشف -مؤامرة بريئة- عن زواجها العرفي 10 سن ...
- بعد الجدل والنجاح.. مسلسل -الحشاشين- يعود للشاشة من خلال فيل ...
- “حـــ 168 مترجمة“ مسلسل المؤسس عثمان الموسم السادس الحلقة ال ...
- جائزة -ديسمبر- الأدبية للمغربي عبدالله الطايع
- التلفزيون البولندي يعرض مسلسلا روسيا!


المزيد.....

- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / أحمد محمود أحمد سعيد
- إيقاعات متفردة على هامش روايات الكاتب السيد حافظ / منى عارف


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - الزا نصره - ما تبقى من جدتي