أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - حسين البناء - باسل و مغوار انت يا اباجهل! كيف لا وانت تقاتل رجالا بلا سلاح!















المزيد.....



باسل و مغوار انت يا اباجهل! كيف لا وانت تقاتل رجالا بلا سلاح!


حسين البناء
كاتب

(Hussain Albana)


الحوار المتمدن-العدد: 6570 - 2020 / 5 / 21 - 08:45
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


كل دين من الاديان او كل حضارة من الحضارات على مر تاريخها واجهتها تحديات، ليست فقط تحديات في بعض افكارها ولكنها كانت تحديات في جوهرها، اصل وجودها و حياتها كادت تقضي عليها وتندثر، و هذا ماحدث في التاريخ .. كثير من المذاهب و الفرق والافكار والحضارات التي لم تعد موجودة فاصبحنا نقرأ عن وجودها في الكتب فقط. اما في عصرنا فان اهم تحد يواجه الاديان والحضارات عموما و الاسلام والحضارة العربية خصوصا، هو "الحداثة الغربية"، هذه الحداثة التي بدأت منذ قرنين بدأت حتى وصلت لتدخل في كل مفاصل الحياة الانسانية من اقتصادية، سياسية، فكرية، اجتماعية و اخلاقية ..الخ، و تريد ان تقلب كل موازين البشرية و هذه هي المشكلة الاكبر التي تعيشها الانسانية ان يحاول الفكر الغربي ان يعطي صفة الاطلاق و الكونية لفكره، ان يحاول الفكر الغربي ان يلقن الانسانية جمعاء انه هو محور العالم، هو محور الانسانية، هو المرجعية في كل القيم و العلوم فلابد ان يقاس اليه وعليه! كل شيء اقوله صحيح و كل شيء تقوله خطئ، يجب ان تفعل كل شيء مثلي، ويدعي لنفسه متفاخراً (ليس لكم غيري انا ربكم الاعلى! ) متنساسين عوراتهم و كثير من اخفاقاتهم المريرة.

وبالطبع كانت لتلك الحضارة ردة فعل مباشرة تمثلت بطريقين اثنين اساسيين:
1-اما ان تصر على قراءاتها السابقة للدين والتاريخ، وان كل مايأتينا من الحداثة ومن الاخر هو خطئ لابد ان نقف امامه كالسد و نحذفه من حياتنا وهي تردد و تقول عليك بالسلف و الرجوع الى القرن السابع!، حتى كيف نأكل، كيف نشرب، كيف نلبس، كيف نتعامل، كيف، كيف، كيف ..الخ. نفي مطلق للآخر!
.. و هنا يظهر السؤال .. هل هذا ممكن في عصر الاتصالات و العولمة ؟! باجابة مختصرة: بالطبع لا .. سمه هجوم ثقافي، سمه غزو ثقافي .. سمه ماتشاء، فهو في بيوتنا الان! فان اكملنا في هذا المسار فليس لك ايتها الحضارة الا الموت و الاندثار لتصبحي جزءا من التاريخ!.
2- واما ان تقدم قراءة جديدة لذلك الدين وتلك الحضارة ، تحفظ فيها هويتها، جوهرها، حقيقتها، و قيم ذلك الدين و تلك الحضارة ولكن بافاق جديد و بقراءة جديدة.

ولانني افضل اختيار الخيار الثاني بكل تأكيد لذلك في نظري ان اهم مسألة يجب ان نقف عليها في التعامل مع الفكر الاخر مع اي فكر كان، يجب علينا ان نفهمه اولاً و ان نتساءل اين بذرت بذرة ذلك الفكر و ماهي البيئة الثقافية والاجتماعية و الاقتصادية والسياسية التي نشأ فيها ذلك الفكر حتى وصل الى حد بلوغه و رشده، لا فقط مع ذلك الغربي بل حتى مع فكرنا العربي و الاسلامي، حينما نأتي الى منظومة الافكار التي بنيت في القرون الاولى من الحضارة العربية و الاسلامية و عصور ازدهار الفكر العربي و الاسلامي في مختلف ابعاده من علوم، يجب ان نتعرف على الظروف التي نشأ فيها ذلك الفكر، مع التزامنا في فهمه بعدم وجود مايسمى مطلق ثابت او صحيح من باب الحيادية.
قبل ذلك يجب علينا ان نفهم حقيقة ان هذه الافكار و الفلسفات و النظريات ليست فوق الزمان ولا المكان هي حقيقة لايمكن التغاضي عنها، اذ يقول هاشم صالح في كتابه مدخل الى التنوير الاوروبي " والفلسفة بنت وقتها و عصرها كما يقول هيغل، ولا يمكنك ان تخرج كليا على عصرك او ان تهمل مشروطيته التاريخية مهما تكن عبقريا و سابقا لزمنك فانك مشروط بمصلطحاته و لغاته، ومسموحاته و محرماته". ولكي نفهم اكثر مباني الفكر الغربي دعنا نمر سريعاً على مراحل نشأته فينقل لنا هاشم صالح في كتابه المذكور سالفاً "في الواقع ان العصور الوسطى تشكل الفترة الوسيطة التي تفصل بين الحضارة اليونانية/الرومانية وبين العصور الحديثة. فاذا مااستخدمنا لغة علماء الجيولوجيا او الاركيولجيا قلنا بان اسفل طبقة من طبقات الفكر الاوروبي هي الطبقة اليونانية/ الرومانية التي امتدت من القرن الخامس قبل الميلاد (سقراط) الى القرن الخامس بعد الميلاد (سقوط الحضارة الرومانية وانتصار المسيحية) ثم جاءت بعدها طبقىة العصور الوسطى التي استمرت منذ سقوط الحضارة الرومانية الى سقوط الحضارة البيزنطية في الشرق اي انها استمرت 1000 سنة تقريباً! وهذه فترة طويلة جدا في تاريخ حضارات و عمر الشعوب. ثم جاءت بعدها طبقة الحداثة التي لاتزال مستمرة منذ اربعة قرون وحتى اليوم." وفي نفس الكتاب يقول" نحن نعلم ان الفكر الاوروبي المعاصر يقسم تاريخ الفكر الى ثلاث مراحل اساسية: اليونانية/الرومانية، العصور الوسطى، العصور الحديثة."
بل انهم يحاولون ان يصبغو علينا تقاسيمهم التاريخية بان يعمموا ذلك التصوير علينا في مغالطة تاريخية عظيمة فالواقع يقول بانهم في وقت ظلامهم التاريخي لمدة 1000 عام عاشت الحضارة الاسلامية ازهى عصورها، يقول هاشم صالح"بل ان اسهامنا ظهر في العصور الاولى اساساً، اي عندما كانت اوروبا لاتزال تغط في نوم عميق (بدءا من ظهور الاسلام في القرن السابع الميلادي و انتهاءا بموت ابن رشد في القرن الثاني عشر، اي طيلة 5 او 6 قرون من العطاء والقيادة للعالم). ولكن بما ان تسمية العصور الوسطى شائنة او محاطة بسلبية الوعيين الجماعيين العربي والاوروبي فاننا نشعر بالالم بل والغضب الشديد لان افضل ماعندنا مصنف في خانتها! .. الا يدفع بنا ذلك الى اعادة تحقيب تاريخ الفكر بشكل يتماشى مع خصوصية تاريخنا؟ .. في الواقع ذلك مايفعله بعض الباحثين المعاصرين عندما يقسمون تاريخ الفكر في الناحية العربية الى المراحل التالية: مرحلة العصر الكلاسيكي، اي مرحلة الانتاج و التفاعل و العطاء الحضاري، وتشمل القرون الستة الاولى من الاسلام ثم تليها مرحلة عصر الانحطاط وهي تمثل عصورنا الوسطى، وفيها التكرارية و الانجرارية لما سبق وقد استمرت من القرن الثالث عشر وحتى التاسع عشر .. ثم جاءت مرحلة عصر النهضة -نهضتنا نحن- بدءا من القرن التاسع عشر(..تأخرت عن النهضة الأوروبية مدة ثلاثة او اربعة قرون، وهي مسافة التفاوت التاريخي بيننا و بينهم حتى الان) "
فان فترتنا الاولى يمكن ان نرى فيها جل تاريخنا العلمي بمختلف اشكاله، فتعملق علماءنا في شتى المجالات، منها الفيزياء و الكيمياء و الاحياء و الفلسفة والطب والرياضيات و الفلك و المنطق والهندسة و البصريات والموسيقى والصيدلة والادب و الجغرافيا والجيولوجيا ..الخ، بل حاول ان تتذكر اي اسم من اسماء علماء العرب و المسلمين الذين قد يخطرون ببالك سترى ان جلهم كان ينتمي الى تلك الحقبة( ماعدا طفرات هنا و هناك)، بل و حتى العلوم الدينية فسترى ان جل المذاهب الاسلامية المنتشرة اليوم كان اغلب علومها و اسسها في تلك الحقبة، انتهى ذلك العصر بموت ابن رشد. ثم تلتها عصور الانحطاط التي بدأت حتى التاريخ المذكور.

وفي نفس السياق ينقل صالح "قد لا يصدق المرء بسبب الوضع المتدهور والمزري الذي وصلنا اليه اننا كنا يوما ما اساتذة لهذا العالم المتحضر الذي يهيمن علينا الان: أي اوروبا و العالم الغربي بشكل عام. قد لا يصدق ان فلاسفتنا قبل سبعة قرون او ستة يمثلون المرجعية العليا لكبار مفكري القارة الاوروبية: من ابيلار الى البريتوس الكبير الى توما الاكويني الى عشرات غيرهم. و عندما اقول فلاسفتنا فاني اقصد الفارابي و ابن سينا وابن باجة و ابن رشد بشكل اساسي. واقول ذلك وانا لا اتحدث الا عن المجال الفلسفي فقط فكيف بي لو اتحدث عن المجال العلمي ايضا؟ اقصد عن اسهامنا في مجال علم الفلك و الجبر و الهندسة و البصريات ..الخ. " بل من يراجع التاريخ يرى ان الاوروبي كان يفتخر بانه بنى داراً على طريقة العمارة العربية الاسلامية وفرشه بالسجاد العربي و يفتخر بشكل اكبر حينما يتعلم الكتابة بالخط الكوفي! و كانوا يتراقصون ويتمايلون على انغام الالات الموسيقية العربية، و لا ننسى التطور التقني الذي كان يعيشه العرب فعلم العرب نظرائهم الغربيين استخدام الاجهزة التي طوروها مثل الاسطرلاب والة السدس(الة فلكية) ..الخ، دون ان نغفل قول ان لغة العلم كانت في ذلك الوقت هي اللغة العربية كما هي الانجليزية اليوم. ذلك هو الذي جعل الغربي يحتاج لنا وليس فكر الطهارة و النجاسة ذلك الذي يحسبه البعض كل فكرنا!.
حينما ادرس تاريخ فكرنا وثقافتنا و كيف اثر العرب من يهود و مسيح و مسلمين بل والملحدين ايضا و غيرهم على الغرب انا لا افعل ذلك من اجل التبجح بالذات او التغني بتاريخ الاجداد! فانا لا اريد ان اكون مجرد عروبي او اسلامي مؤدلج اخر، لكن اريد ان اتساءل اذا كنا قدرنا على فعل ذلك في الماضي و نقدم اسهامنا للحضارة الكونية فلم لانستطيع ان نفعلها الان؟ كما يقول صالح "لربما اعطانا ذلك بعض الثقة بالنفس من اجل الاقلاع الحضاري يوما ما. يضاف الى ذلك اني اعتقد بضرورة اضاءة هذا التراث القديم لمعرفة اين كنا وكيف اصبحنا ولماذا اصبحنا على مانحن عليه الان : اي لماذا توقفنا؟ لماذا مرضنا؟ ولماذا تأخرنا؟ .. وكذلك فاني اهدف الى معرفة كيف واجهت المسيحية الاوربية او اللاتينية هذا التراث الهاجم علينا، وكيف اتخذت منه موقفا، و كيف واجهت اوروبا هذا الغزو الفكري من العرب؟"
لماذا خرجنا من دائرة التاريخ؟
يقول صالح " لقد خرج العرب من التاريخ بمجرد ان ماتت الفلسفة في ارضهم، او قل بمجرد ان توقفت لغتهم عن ان تكون لغة فلسفة و علم" و اقول ان الفلسفة ماهي الا ان تعيش تساؤلات عصرك و ان تثير مشاكل عصرك في مختلف الابعاد بدون خطوط حمراء، على عكس مانعيش بان يبحث المعاصرون عن حلول مشكلات السلف ويحرمون ماسواه. يكمل صالح " باختصار لقد خرج العرب من التاريخ عندما كفوا عن التثاقف مع الاخرين، عندما كفوا عن الترجمة. " واعلق بانه ابتدأ عصر الحلال و الحرام الفكري، ويكمل" ان سر النهضة الاوروبية .. هو سر جميع النهضات انه الترجمة و الانفتاح على الاخر. من لايترجم من لا يسمح بتدفق دم جديد في شرايينه و عروقه فانه ينشف قليلا قليلا و يموت. وهذا هو سر ذبول الفكر العربي لمدة عدة قرون قبل ان يستيقظ في بدايات القرن التاسع عشر على يد محمد علي".
في الحقيقة حينما نتساءل انا وانت و غيرنا مالذي يشد انتباهنا فكرياً؟ مالذي يجعلنا نريد ان نقدم شيئا لننافس به ونثبت ذواتنا؟ فاجيب ماهو الا الاستفزاز الفكري! فحينما يكون الفكر المنتشر رتيبا لا تتوقع ان يصدر هناك ما ينافسه! بل يجب ان تملأ المكان بالاسئلة التي تحتاج لاجابات لا ان تكفرها و تغلق فم المتكلم بها ان لم تستطع الاجابة! وان لم تبحث عن الاجابة فان عقلك لن يعمل بل سيستمر في سباته. هناك كانت متعتهم في الرد على الاستفزازات الفكرية و التعامل معها، تلك الرحلة اثبتت بان العقل العربي هو احد المع العقول و افضلها ان كان هناك مايستحق ذلك. وحينما نستذكر بانهم كانوا عندما يرد لفظ "الحداثة" او الموازي لها ينصرف الذهن الى العالم العربي، في الحقيقة لم تكن مكتفية بذاتها بل من خلال معرفة الاخر و تراث و علوم من سبقها، فلم ينسج العالم الاسلامي في ذلك الوقت جدار بينه و بين الاخر والا كل الكتب و الافكار التي دخلت من اليونانية و الهندية والفارسية ..الخ دخلت الينا في تلك القرون، فماذا فعلت تلك العقول الجبارة حينما استقبلت الفكر الاخر؟ في بداية الامر؟ لم تنبطح لها! بل فهمتها وهضمتها وانتجت منه فكراً اخر فكرا اكثر تطورا! الاستفزاز اتى من الاخر ايضاً لكن الفكر العربي و الاسلامي لم يقف موقف المتفرج و التابع او المستهلك في وقتها انما اخذها و طورها و انتج فكره الخاص.
قد يدعي البعض و اكثرهم الملاحدة "عبدة الغرب منهم" بان الدين هو مايكبح جماح العلماء و المفكرين مع اننا كما سبق ان ذكرنا ان نهضة الحضارة العربية والاسلامية لم تكن الا مرتبطة ببدايات الاسلام و ابتعدوا عنها بمرور الزمن عن فترة بدايات الاسلام (و هذا مايرتكز عليه الفكر السلفي دون ان يأخذ بالاسباب الحقيقية فهو يعتقد ان جل العلوم نزلت عليهم من السماء بعد ان اتخذوا الاسلام دينا!)، مستدلين بذلك على ان هناك احكام صدرت ضد بعض العلماء و المفكرين والحقيقة ان كون اللغة هي الرابط و هي لغة العلم في ذلك الوقت كانت العربية هي دليل يكفي على انها كانت حاضنة للعلماء والمفكرين بغض النظر عن مايصدره بعض الجهلة والسطحيين هنا و هناك من احكام، لكن ذلك لا يعني ان لا نجابه تلك القضية بردها على صاحبها فنقول بانه كما صدر بعض الاحكام هنا و هناك من بعض السطحيين في تاريخنا فكذلك صدر ضد الكثير من علماء الغرب او من حاول التفكير من قبل بعض السطحيين في بلادهم ( فكما تلاحظ هنا ان البلهاء و الهمج ليسوا قصرا على بقعة جغرافية معينة او تاريخ معين) و نذكر من اولئك العلماء والمفكرين الغربيين:
• ميغيل سيرفيت: هو فيزيائي، طبيب، مترجم، وعالم دين إسباني، تضمنت اهتماماته العديد من العلوم: علم الفلك وعلم الأرصاد الجوية؛ والجغرافية، وعلم التشريع، ودراسة التوراة، والرياضيات، وعلم التشريح، الطب. اعدم حرقاً بتهمة الهرطقة!
• انتوان لافوازييه: فرنسي ذو صيت في تاريخ الكيمياء والتمويل والأحياء والاقتصاد. أول من صاغ قانون حفظ المادة، وتعرّف على الأوكسجين وقام بتسميته، وفنّد نظرية الفلوجستون، وساعد في تشكيل نظام التسمية الكيميائي. وعادةً يشار إلى لافوسيه بأنه أحد آباء الكيمياء الحديثة، اعدم تحت المقصلة!
• مارتشيلو ملبيغي: طبيب وعالم بيولوجيا إيطالي، يُعتبر أحد أكثر الشخصيات تأثيراً في تاريخ الطب ويُشار إليه عادةً باسم "أبو التشريح المجهري وعلم الأنسج والأجنة وعلم وظائف الأعضاء"، استدعاه بابا الكنيسة الكاثولكية ليرجعه عن افكاره! كان يهدد دائما و يضرب، احرق بيته و مكتبته!
• جون ج ويرسون: فيزيائي بافاري، قتل بالرصاص الحي!
• جيمس واردروب: جراح و عالم بصريات اسكتلندي، حكم عليه بالسجن!
• غاليلو: عالِم فلكي وفيلسوف وفيزيائي ايطالي، حوكم بتهمة الهرطقة و منعت كتبه و حكم عليه بالسجن حتى مات في سجنه!
• كوبرنيكوس:عالم رياضياتي وفيلسوف وفلكي وقانوني وطبيب وإداري ودبلوماسي وجندي بولندي كان أحد أعظم علماء عصره. يعتبر أول من صاغ نظرية مركزية الشمس وكون الأرض جرماً يدور في فلكها في كتابه "حول دوران الأجرام السماوية". وهو مطور نظرية دوران الأرض، ويعتبر مؤسس علم الفلك الحديث. اتهم بالهطرقة و منعت كتبه!
• هنري اولدنبورغ: دبلوماسي وفيلسوف طبيعي ولاهوتي ألماني، حكم عليه بالسجن!
• الان تورينغ: هو عالم حاسوب بريطاني رائد، ورياضياتي، وعالم منطق، وعالم تحليل الشفرات، وعالم بيولوجيا نظرية. كان له تأثير عظيم في تطوّر علوم الحاسوب النظرية، حيث أضفى الطابع الرسمي لمفاهيم الخوارزمية والحوسبة بواسطة آلة تورنغ، والتي يمكن أن تُعتبر نموذجًا لحاسوب يستعمل لأغراض عامة. يُعتبر تورنغ على نطاق واسع رائد علوم الحاسوب النظرية والذكاء الاصطناعي. فصل من عمله كأستاذ جامعي و من مركز الاتصالات الحكومي و "اخصي" بحكم المحكمة، فانتحر على اثر ذلك!.
• رودولف فيرخوف: طبيب وأخصائي علم أمراض وبيولوجي وسياسي وكاتب ألماني، يُعرف بوالد علم الأمراض الحديث بسبب أعماله وإنجازاته التي ساهمت في دحض الخرافات المحيطة بهذا العلم ووضع منهجيَّة واضحة ومتوازنة له، وهو معروف أيضاً باسم مؤسِّس الطب الاجتماعي والمهني، ولزملائه باسم "بابا الطب"، طرد من عمله و نفي من بلده!
• غرهارت دوماك: عالم أمراض وأحياء دقيقة ألماني، اكتشف السلفوناميدوكرايسودين، وهو أول مضاد حيوي يتاح تجارياً (تحت اسم "برونوستيل")، وحصل لذلك على جائزة نوبل في الطب، حكم عليه بالسجن!
• بل حتى اينشتاين نفسه، احرقت كتبه و نهبت ممتلكاته!
هذه عينة بسيطة من تاريخهم المريب في التعامل مع العلماء والمفكرين و لم يقتصر اي من ذلك على الفترات المظلمة في تاريخهم بل هؤلاء المذكورين هم من نوابغ عصور النهضة و الحداثة!
بعد ان فهمنا كل ماسبق، و هو مافهمه الكثير من مفكرينا بمختلف توجهاتهم تشكلت لديهم عدة مدارس في معاملة هذا الفكر الغربي، اهمها من قال:
1- ان نرتمي في احضان الغرب و ننسلخ عن كل تراثنا و ماضينا و ثقافاتنا و عاداتنا و مكتسباتنا و نضع كل ذلك في سلة المهملات و نبدأ من حيث انتهوا، و نكون من التابعين الابديين للفكر الغربي اي ان لا نفكر ان يكون لنا مكانة و نهضة ترتفع من ارضنا و هو ماعليه الكثير من الكتاب، و يدعون ايضا الى تهميش التاريخ العربي او تجاهله .. وظيفتهم هي فقط ان يبجلوا الغرب، و هو السائد المنتشر في الفترة الاخيرة.
2- تبجيل التراث فقط والتغاضي عن الغرب، وهو الاتجاه السلفي و قولي السلفي لايعني فقط من يسمون بالوهابية او اتباع محمد بن عبدالوهاب، بل كل من يرى ان القرن الاول الاسلامي هو خير القرون ثم القرون التي تلته تباعاً فيشمل بذلك السائد عند متبعي اغلب المذاهب الاسلامية.
3- تبجيل الغرب و اتباعهم اتباعا اعمى و نقد الفكر العربي والاسلامي او مهاجمته، وهو ماعليه صراحة اغلب الملحدين العرب و من يتبعهم. حينما يصل الامر الى التراث يفتح الباب على مصراعيه للنقد او الهجوم و حينما يصل الامر الى الغرب يقولها (سمعنا و اطعنا) ويسلم عقله له فهو مقدس و مطلق لكل زمان و مكان حسب رأيه. وهم تلامذة الفكر الاستشراقي اذ ان هناك من الغربيين من يقوم بنقد و قراءة الحضارة العربية و الاسلامية بناءا على منطلقاته وذلك هو مايسمى الاستشراق، فيحاولون محاكاة و محاكمة شخصياتنا التاريخية وحضارتنا في زمن معين و ظروف معينة بفهم الغربيين في هذا الزمن. ومن طرافة الامر انك حينما تقرأ احد كتابات هؤلاء او مقالاتهم تجدها كانما هي ترجمة حرفية لاي مقالة لكاتب غربي ويبدوا ذلك واضحا في اختيار الكلمات و المصطلحات التي هي في اغلب الاحيان لاتنطبق ابدا على مفاهيم مجتمعاتنا و مانعيشه وانما هي تبدو نقلا حرفيا للمفكر او الكاتب الذي استسقى فكره منه.
4- تبجيل التراث و تسفيه الغرب، فان وصل للفكر الغربي فهو ينزل عليه كل الشرور و كل السوء و اسماه فكرا تاريخيا و عندما يصل للتراث فهو مقدس و مطلق لكل زمان و مكان مع اننا نرددها في بيوتنا و مجتمعاتنا دائماً (خذ الحكمة ولو من افواه المجانين!)
اما ماانا عليه،
5- فاقول ان علينا ان نستخدم الية النقد المزدوج، ان ننقل الفكر الغربي لنتباحثه وننقده و ننقد فكرنا و تراثنا في ذات الوقت للوصول الى ما نستفيد منه، لا ان ننقد الفكر الغربي باستخدام منطلقاتنا الفكرية و تراثنا ولا ان ننقد فكرنا التراثي من خلال منطلقات غربية. لأن لكل فكر منطلقات واسس معرفية و مباني فلسفية بغض النظر ان كان الاخر يقبلها او يرفضها. فالصحيح اننا اذا اردنا ان ننقد فكرا فاننا ننقده ضمن المباني التي هو يعتقدها ولا ان نستخدم ادوات انتقاد اخرى غريبة على ذلك الفكر. فالغرب لن يقبل ان تنتقده منطلقا من اساس قرآني الذي تراه كتابا ربانيا! ولن يضع لذلك اعتبار اصلاً، بل ان تنتقده عن طريق فهم كتبه و الاسس التي انطلق منها ومن غير المنطقي ايضا ان يستخدم الغربي اليته في نقد نظريات المسلمين و اسسهم!
فلا مجال لأي نهضة و حركة نهضوية و تقدمية في الفكر الا مع فهم الاخر و التثاقف مع الاخر، وهو ماكان في صدر الاسلام، حيث ان المدنية التي بنيت في القرون الخمسة او الستة الاولى كان احد اهم عوامل وجودها هو ترجمة الفكر الاخر، الهندي و اليوناني و الفارسي ..الخ. وهو مابينته ضخامة حركة الترجمة القائمة في ذلك الوقت ولكن دون ان نتناسى انفسنا ونسلم تسليما كليا لتلك الافكار..

ولنصل لذلك هناك نقاط عدة يجب ان نصل اليها قبل الانطلاق:
1- تقوية الحس النقدي عند الناقد، والتمرين على النقد و عدم الانبهار لا بالافكار مهما قويت ولا بالاشخاص مهما بنيت حولهم من قداسة ولا يوجد شيء اسمه فوق النقد، كل شيء قابل للنقد. ولايستثني فكرا او شخصا من ذلك النقد. لا التسليم الواضح كان يقول احدهم ان تلك الفكرة مبناها كانط فهي مسلم به او هيغل او غيرهم، ولا يستخدم النقد لكانط نفسه الا ان ينسخ ما صدر عن مفكر غربي اخر! متناسين ماقاله احد اهم مفكري الغرب ديكارت حينما قال في كتابه مقال عن المنهج" أنا أشك إذن أنا أفكر إذن أنا موجود "، وكذا يجب ان يكون الحال في التراث العربي و الاسلامي بل هو الاولى ان ينقد.
2- تقوية الحس التاريخي، ففهمك مرتبط بمكانك و زمانك يغير شعورك و طريقة تفكيرك و غيرها مما يترتب عليه ان معاني الكلمات و مقاصد الكلم تختلف بتغير الزمان و المكان.
3- نسبية الفهم، فانت كما اسلفنا الذكر ابن زمنك ولا تحيط بكل مقاصد الكلم ولا معانيه لا توجد افكار مطلقة ليس كل ماتملك صحيح و كل مايملكه غيرك خطئ بل هناك امر قد تقبله في قول ذاك المختلف معك و يكون اصح بالنسبة لك فتأخذ به لا ان تتمسك بما لديك حتى لو بدا غير منطقيا لك، ان تتواضع للعلم ولا تتكبر عليه.
حين نضمن كون ذلك الشخص قد امتلك تلك الخصائص فاننا لانستطيع ان نتهم متخذ تلك الاسس بالتحيز لأي فكر. و حينها يمكن التقبل منه.

يقول الدكتور محمد سبيلا في كتابه مدارات الحداثة عن تعريفها: "الحداثة هي ظهور ملامح المجتمع الحديث المتميز بدرجة معينة من التقنية والعقلانية و التعدد و التفتح و الحداثة كونياً والحداثة كونيا هي ظهور المجتمع الغربي الحديث في اطار مايسمى النهضة الغربية او الاوربية هذه النهضة التي جعلت المجتمعات المتطورة صناعيا تحقق مستوى عال من التطور مكنها و دفعها الى غزو وترويض المجتمعات الاخرى" وهذا مانعيشه الان، ولهذا ان تخير احدهم ان تعيش في بلادك ام تعيش في الغرب؟ قطعا سيفضل الغرب لاسباب لاتنتهي، منها الخدمات، الحريات، الكرامة ..الخ، حتى ان ادعاء البعض ان المهاجرين يصدمون بالواقع الغربي السيء ماهو الا ادعاء باطل، حقيقة ان هذه الملايين المهاجرة التي تضحي بحياتها و حياة نساءها و اطفالها و تتحمل المخاطر حتى تصل الى تلك البلدان ثم يتفاجئون بانها ليست الجنة الموعودة .. لماذا لاتحدث موجة ارتدادية؟ لم لا نرى هذه الملايين المهاجرة تعود من وهمها ؟ و يعودون لبلادهم لعيش حياتهم السابقة؟ اليس منطقيا ان نرى عودة الملايين؟ بل لنقل الالاف على الاقل؟
السؤال المهم، هو ماذا يوجد هناك حتى يصبح امل ذلك الانسان ان يصبح وجوده هناك؟
يكمل الدكتور محمد و يقول " مما ادى الى مايسمى بصدمة الحداثة و خاصة تلك المجتمعات التي تلقت نتائج الحداثة من دون ان تكون مهدها او مخاضها المباشر ".
في الواقع هذه الحداثة صدمت كل قيمنا و ديننا و مجتمعاتنا و ثقافتنا، هي غريبة علينا .. هي لم تنشأ في ارضنا و ثقافتنا بل نبتت جذورها في مجتمع اخر، نحن غير مهيئين لها. كمن يجلب نبتة زرع وهي لا تكبر الا في ارض خاصة و شمس خاصة و تريد ان تزرعها في ارض اخرى غير مهيئة لها فلا تنبت، اقل ماسيحصل ان تحدث صدمة لذلك النبات و يموت.
يكمل الدكتور فيقول" انها اذا خلخلة تتفاوت قوة و عنفا في جميع مستويات حياة المجتمعات التي عانت الحداثة، اما داخليا او نتيجة صدمة خارجية. فالحداثة تخرج هذه المجتمعات من دائرة التكرار والاجترار و المراوحة و تفجر دينامية التحول بما يستتبع ذلك من اهتزاز في القيم و العادات و الهويات، و من تقطعات تلحق وتيرة الاتصال والاستمرار"، وهذا هو الواقع الذي نعيشه الان شئت ام ابيت.
يكمل الدكتور فيقول" المظهر الاول و الاقوى للحداثة هو المظهر الاقتصادي " وهذا في الواقع هو مايبهر الناس ويجذبهم، يجذب الناس لهم سياراتهم، مصانعهم، طياراتهم ..الخ، امكاناتهم المادية، حياتهم المرفهة. والا لن يسأل احدهم دون ان يرى ذلك عليهم .. ياترى ماهي قيمهم الاخلاقية و المعنوية؟!
ويكمل " .. الى ان يليه مظهرهم السياسي" يعني بذلك الديمقراطية و الحرية والانتخاب المباشر و الخروج الى الشارع و اسقاط مايريد و عدم قبولا مالايريد. ان تقبل بمشروعية الاخر الذي يختلف معك اومايسمى بالتعددية، لا تنخدع فتخلط ذلك كحال الفوقية التي تمارس على بعض الاقليات في بلادنا حين نقول لهم: انتم اقلية نحن نحترمكم و لكن نحن من نمتلك السلطة هذا ليس بمنطق قبول الاخر هذا منطق الوصاية عليهم، نحترمهم بفوقية .. كانما نقول انا صاحب الامر و النهي، انا من يقول هكذا تعيش و هكذا لاتعيش، هل هذا قبول للآخر؟ قبول الاخر هو ان تقبله كما هو، كما تريد ان يقبلك كما انت. في الواقع نحن نقبل الاخر لكن .. ضمن مقاساتنا لا ضمن مقاساته هو او ضمن مقاسات تشملنا نحن الاثنين.
"وثالثا الحياة الاجتماعية بكل قيمها" .. " و رابعا و اخطرها الحداثة الفكرية"
حتى يصل الى ان يقول " ويمكن تلخيص تلك المظاهر الى شقين .. الحداثة المادية و الحداثة الفكرية"
فدخلوا الى كل صغيرة و كبيرة في حياتنا، فالسؤال المطروح هنا هل الحداثة الغربية كونية فعلاً ام لها خصوصية؟ هل هي صالحة لكل مجتمع؟
لجواب ذلك لنلق نظرة على كتاب الحداثة جدل الكونية و الخصوصية يقول الكاتب " يستأثر سؤال الحداثة بمساحة واسعة في خريطة النقاش المعرفي العربي بعد ان تجاوزت اطارها الغربي واخذت بفعل عوامل عديدة تفرض نفسها على مجتمعات العالم المختلفة لتشكل تحديا مركزيا و ايدلوجية ساحقة خاصة حين خيل للكثير منا انها "الحداثة" ب"أل" التعريف، أي لا مجال للحديث الا عن نمط واحد من الحداثة ليس على مجتمعاتنا الا الاخذ به، وهي بذلك تزحف بنا للركون الى مطلقات ولا تراعي الخصوصية الحضارية اي انها حداثة فوقية .. بحيث يكون الشكل السياسي و الاجتماعي الجديد مشوهاً او حاملاً للفوضى من خلال انماط من الحلول الحداثية الجاهزة.
أفضى هذا المسار الحداثي الدخيل الى بروز الخطاب الهوياتي المقاوم للحداثة مع انه يقف على منجزاتها التقنية، خطاب يعلي قيمة الذات التاريخية و يتمثلها كانها المستقبل ويركن الى الخصوصية لأجل ان يدخل في سجال مع الاخر ويغيب بذلك الرؤية العلمية الرصينة".

لكن هنا ايضاً سؤال يبرز، اذا كان هؤلاء الغربيين يملكون كل ذلك الفكر و العلم و مظاهر الحداثة الواضحة، هل هم الاجدر لتقييم وضعنا وتقييمه؟ هل نأخذ بافكار المستشرقين المتعالين في نظرتهم تجاهنا؟
لنتخيل جميعا ان استاذا جامعيا قد اراد ان يكتب تقريرا اكاديميا حول مشهد في حفلة و لغرض البحث يذهب لتلك الحفلة و عندما وصل كانت الحفلة في اوجها حيث معظم الضيوف يرتدون ملابس غير رسمية ويرقصون على انغام الموسيقى الصاخبة، اخرون يجلسون حولهم وبعض منهم يتسكعون على الارض و يضحكون. الوضع كله غريب بالنسبة للاستاذ فهو لديه مجموعته الخاصة من القيم ويصعب عليه فهم او تقدير تصرفات مرتادي الحفلة لايستطيع ان يقارن نفسه بهم ويعرف مالذي يجعلهم على ماهم عليه، في اعماقه يشعر الاستاذ ان قيمه لها مبرراتها فهو في النهاية رجل اكاديمي واستياءه من نمط سلوك مرتادي الحفل يؤكد له ان وجهه نظره فيهم صحيحة تكتمل الصورة في ذهن صديقنا الاستاذ فيهرع الى نشر تقريره معنونا اياه " مرتادوا الحفل صاخبون و شهوانيون غير مثقفين و اغبياء!" وعلل ذلك الى انهم منحرفون عن قيمه الشخصية، وكما يرى الاستاذ في قصتنا انه متفوق على مرتادي الحفل، كذلك يرى المستشرقون (واتباعهم) جميع العالم العربي والاسلامي.
ولان الاستشراق هو ماتعودنا عليه من قراءات لواقعنا وهو بالعادة فهم مغالط لواقع الحال العربي وهذا مايستشعره الناس في بلادنا حتى وان لم يستطيعوا صياغة مايعبر عن سبب رفضهم لتلك القراءة فلم يكن هناك مجال واقعي في النقد قد يتقبله لا اقول سلفية المجتمع بل حتى المنفتحين منهم، فكانت النتائج هي احدى ماسبق، فلم يك هنالك ابواب للتواصل اصلاً بين الاثنين، مما استدعى ان يظهر علم جديد اسمي الاستغراب ردا على الاستشراق لرؤية المجتمع الغربي بعيون عربية على يد المفكر الدكتور حسن حنفي في كتابه -مقدمة في علم الاستغراب ويقول في كتابه" اذا كان الاستشراق هو دراسة الحضارة الاسلامية من باحثين ينتمون الى حضارة اخرى ولهم بناء شعوري مخالف الى بناء الحضارة التي يدرسونها فان الاستغراب هو العلم المقابل بل و المضاد له" ".. وبالتالي يضيع الخطر الماثل باعتبار الحضارة الاوربية مصدر كل علم وماسواها من حضارة تعيش عليها، و تنتظر منها المذاهب و النظريات و قد خلق هذا الموقف انحراف الحضارات اللااوروبية كلها و انحسارها عن واقعها، و بترها من جذورها والارتباط بالحضارة الاوروبية والدخول في فلكها باعتبار انها الحصيلة النهائية للتجربة البشرية، و بلغة هيجل نقول ان كل حضارة اصبحت مغتربة خارج نفسها، مرتبطة بشيء اخر سواها." "مهمة هذا العلم ان يقوم باعادة الشعور اللااوروبي الى وضعه الطبيعي، والقضاء على اغترابه و اعادة ربطه بجذوره القديمة، واعادة توجيهه الى واقعه الخاص من اجل التحليل المباشر له واخذ موقف بالنسبة لهذه الحضارة التي يظنها الجميع مصدر كل علم، وهي الحقيقة حضارة غازية لحضارة اخرى ناشئة نشأة ثانية او تعيش عصر احياءها و نهضتها". ويذكر الدكتور في هذه الاسطر اهم اهداف علم الاستغراب" القضاء على المركزية الاوروبية، بيان كيف اخذ الوعي الاوروبي مركز الصدارة عبر التاريخ الحديث داخل بيئته الحضارية الخاصة".
وهنا نتساءل لماذا حينما وصل الاوربي او على الاقل تابعه العربي الى فكره يصفه كانما هو فوق التاريخ؟ اي مالانستطيع قياسه على مكانه و عصره؟ .. يكمل الدكتور فيقول"مهمة هذا العلم الجديد رد ثقافة الغرب الى حدودها الطبيعية بعد ان انتشر خارج حدوده ابان عنفوانه الاستعماري من خلال سيطرته اجهزة الاعلام وهيمنته على وكالات الانباء ودور النشر الكبرى و مراكز الابحاث العلمية والاستخبارات العامة مهمته القضاء على اسطورة الثقافة العالمية التي يتوحد بها الغرب، ويجعلها مرادفة لثقافته وهي الثقافة التي على كل شعب ان يتبناها حتى ينتقل من التقليد الى الحداثة.. والتراث الغربي وكما هو معروف ليس تراثا انسانيا عاما يحتوي على نموذج التجربة البشرية، وليس فقط وريث خبراتها الطويلة تراكمت فيه المعارف انتقالا من الشرق الى الغرب بل هو فكر بيئي محض نشأ في ظروف معينة هو تاريخ الغرب و هو نفسه صدى لهذه الظروف. ويعبر الكتاب الغربيين انفسهم عن ذلك بقولهم: فلسفتنا، حضارتنا، فكرنا، ادبنا، فننا، تاريخنا، موسيقانا، علومنا بل حتى ديننا، الهنا! فعند الكتاب الاوروبيين احساس واضح بانهم ينتمون الى حضارة بعينها" في الواقع لو بحثت في كتب الغربيين لوجدت حتى تعريف الاله مختلف عن تعريفه عندنا!.
ويكمل الدكتور حسن ليقول عن الداعي الى علم الاستغراب " هي القضاء على ثنائية المركز والاطراف على مستوى الثقافة والحضارة. فمهما حاول رجال السياسة و الاقتصاد القضاء على هذه الثنائية في ميدان السياسة و الاقتصاد دون القضاء عليها مسبقا في الثقافة فان تبعية الاطراف للمركز في السياسة و الاقتصاد قائمة. وطالما ان الثقافة الغربية هي المركز و الثقافات اللاغربية في الاطراف ستظل هذه الثقافة احادية الطرف من المركز الى الاطراف، علاقة المعلم بالتلميذ، والسيد بالعبد. فالغرب هو المعلم الابدي واللاغرب هو التلميذ والعلاقة بينهما احادية الطرف اخذ مستمر من الثاني وعطاء مستمر من الاول، استهلاك دائم من الثاني و ابداع دائم من الاول، ومهما تعلم التلميذ فانه يكبر تلميذا، ومهما شاخ الاستاذ فانه يكبر معلما. ولن يلحق التلميذ بالاستاذ لان معدل الابداع عند الاستاذ اسرع بكثير من معدل الاستهلاك عند التلميذ، فيجري التلميذ لاهثا وراء المعلم ولن يلحق به، وكلما جرى ازدادت المسافة اتساعا حتى تدركه الصدمة الحضارية فيقع ويدرك قدره، ويرى مصيره، ويقبل وضعه في التاريخ" هو عين مايقومون بفعله الان ان يكونوا هم متخذي القرارات ونحن على الهامش، ويتبين ذلك واضحا في تعاملاتهم السياسية حينما يفرضون الحصارات و الحروب على الدول المخالفة او من تريد ان تتفرد بثقافتها و سيادتها ونذكر من سبيل الذكر لا الحصر كوريا، سوريا، ايران، فنزويلا ..الخ. ( فمن انتم ؟!)بنطق مايفكرون تجاهنا ماانتم الا مجموعة من الحفاة العراة الهمج المتخلفين راكبي الجمال و عاشقي الشقراوات! كما يصوروننا في ادبياتهم و افلامهم نحن هنا لنعلمكم و نجعلكم بشر متحضرين!، هم لايقبلون في تعاملهم معنا انه امر وقتي و نتيجة زمانه، لا! بل يصرون انها علاقة ابدية!
ويكمل الدكتور فيقول"مهمة علم الاستغراب هو اعادة التوازن للثقافة الانسانية بدل هذه الكفة الراجحة للوعي الاوروبي والكفة المرجوحة للوعي اللااوروبي. فطالما ان الكفتين غير متعادلتين سيظل الوعي الاوروبي هو الذي يمد الثقافة الانسانية بنتاجه الفكري و العلمي وكانه هو النمط الوحيد للانتاج. وبالتالي يستمر هذا الظلم التاريخي الواقع على الثقافات غير المتميزة في سبيل الثقافة المتميزة" ومن امثلة ذلك هو جائزة نوبل فماهي معاييرها؟ و لمن تعطى؟ ولماذا؟ تلك اسئلة يثيرها الناس.
فما هو الدليل على قولي ان تلك الافكار الغربية هي نتاج زمانها و مكانها؟ اهم الادلة على ذلك هو اننا نجد نظريات وافكار مابعد الحداثة، فلو كانت الحداثة مطلقة وغير نسبية فلم ظهرت افكار مابعد الحداثة؟! التي هي بحد ذاتها نقد الحداثة بفهمهم .. وكذلك افكار مابعد بعد الحداثة؟! .. كما يقال من فمك ادينك، اذن النتيجة انهم يعترفون ضمنيا بانها نسبية ولا تخص كل مكان و زمان.
يقول الدكتور عبدالاله بلقزيز في كتابه من النهضة الى الحداثة"من الثابت ان كل حداثة تنهل من الحداثة الاوروبية لكن ايا منها يتلون بلون المجتمع الخاص الذي تنبع منه افكار الحداثة ويتكيف مع معطيات تاريخه و مواريثه. من يريد الحداثة في اي مكان في العالم وفي اي ثقافة على مثال الحداثة الاوروبية او نسخة منها يتجاهل التاريخ و يتخيل الافكار الكائنة سابحة في الفضاء عابرة للمكان و الزمان و الوقائع. وعندي ان في مثل ذلك قدرا كبيرا من الخفة في فهم ظواهر الفكر و الثقافة مقرونا بنزعة مثالية و ميتافيزيقية لاتملك الا اخفاء نفسها عن الاكتشاف النقدي. هذه واحدة، اما الثانية ففي ان حداثة ما فكرية لا تنشأ مكتملة في لحظة الميلاد و القيام، وانما تتطور و تنمو في سياق تراكمي تغتني فيه وتكتسب ملامح اوضح. "
يتساءل احدهم لماذا الحداثة في اي مجتمع تاخذ خصوصيات البيئة الجديدة؟ الجواب لان الحداثة ليست افكارا سابحة في الفضاء تأخذها معلبة جاهزة وتنقلها كما تشاء بل هي صيرورة تاريخية في المجتمع الناشئة فيه - اي مجتمع بعينه، هي حركة في المجتمع فعندما تأتي الحداثة الى البيئة الثقافية المختلفة فانها تخلق حداثة منسجمة مع بيئتها ولايمكن غير ذلك.
اذا بطبيعة الحال اي حداثة تاتي الى مجتمع تريد ان تغير سوف تختلط مع بيئة ثقافية مختلفة فاذا اختلطت سوف تؤثر و تتأثر.
يقول الدكتور بلقزيز "ان هؤلاء واولئك يجمعهم الاشتراك في مجموع واحد وهو الحداثة، والحداثة ليست نموذجا جاهزا للاستنساخ ليست بضاعة يمكن استيرادها كأي مقتنى مادي من المقتنيات، وانما الحداثة مشروع تاريخي كوني تبنيه الثقافات و المجتمعات مستفيدة من خبرات الثقافات و المجتمعات كافة.. لذلك تحدثنا في مناسبات عدة عن الحداثة بانها حداثات" فاذا فهمنا باننا ملزمين باخذ الهوية الثقافية للمجتمع الذي نعيش فيه فان ذلك يسهل علينا. فهل يخيل لك ان حداثة اليابان هي مثل حداثة امريكا و فرنسا مثلا؟ طبعاً لا، ولكنها تقرأ الحداثة بما يناسب بيئتها وفكرها، حتى الغرب نفسه لايعيش حداثة واحدة بل الى حداثات مختلفة كل بمايتناسب و بيئته و ثقافته وكذلك الصين وهي الحضارة العريقة التي تعود الى الاف السنين. وان سلمنا جدلا الى قولك باننا يجب ان نستنسخ الحداثة فأخرج لنا ياسيدي الكريم الساعي الى استنساخ الحداثة الغربية .. اي حداثة منها نستنسخ؟ وكما يذكر كتاب من النهضة الى الحداثة "ان عقلانية ديكارت هي ليست عقلانية هيغل و تجريبية بيكون غير تجريبية ديفيد هيوم وليبرالية هوبس و لوك هي غير ليبرالية روسيو و مونتسيكيو، وهذه غير ليبرالية توكفيل، ونقدية ديكارت و سبينوزا غير نقدية ايمانويل كانط، و اجتماعيات اوغست كونت غير اجتماعيات ماكس فيبر، و تاريخانية ثيودور نولدكه ويوليوس فلهاوزن غير تاريخانية جورج لوكاش .. الخ.
لا معنى اذا لانتزاع الحداثة الغربية من سياق تطورها التاريخي من اجل فهمها."

و ان كنت قد تعرضت في كلامي السابق الى الجوانب الفكرية من علاقة الغرب و الشرق منزها الغرب عن كل شر فعلينا ان لا ننسى الجوانب والابعاد السياسية للأمور و الرؤية العرقية العنصرية الفوقية التي يلخصها فلاسفتهم في رؤيتهم للأمور و باقي الامم وذلك مايترجمونه فيما بين سطورهم او مايقولونه صراحة في بعض مقولاتهم، التي تقول بان العرق الاري ارفع من باقي الاعراق وان يقولوا ان الاوربيين خلقوا ليكونوا اسيادا و الصينيين مجرد عمال و الزنوج فلاحين..الخ! من الالفاظ و الافكار العنصرية البحتة وذلك عند اشهرهم مثل هيغل و رينان و كانت و هيوم و هيدجر و فيشر و نينشه و دو غيبينو وغيرهم! وتلك هي الفلسفة التي اثرت في تعاملهم مع الشرق ولم تقتصر على الفلاسفة بل انتقلت للعامة و الساسة وكل مكونات مجتمعاتهم كوعي لا شعوري في رؤيتهم لباقي البشر. عدا عن مصالح الغرب المختلفة في علاقتهم بالشرق و استخدامهم لادواتهم التي من شأنها ان تقوم على الاقل بتأخير تلك النهضة باستزراع المتطرفين و استخدامهم متى شاؤوا و محاربة حركات التحرر و الاستقلالية و غيرها من اشكال التعدي على بلادنا باعترافاتهم، و على عكسهم حينما بدؤوا بشق طريقهم للوصول لتلك النهضة لم يكن لهم معارض من الخارج او من يبحث عن مصالح استراتيجية او سياسية او اقتصادية ..الخ في بلاده، بينما نحن نواجه مايضعون في طريقنا، بغرض كسب خيرات هذه المنطقة باسهل طريقة ممكنة كواحد من اهم اسبابهم و ردع للحضارة العربية والاسلامية من النهوض من جانب اخر كما يبرر اسباب ذلك الكثير من الكتاب و الفلاسفة الغرب و لم يكتف الغرب بذلك بل اختاروا اسوأ من فينا من يجعل الطريق سالكا امامهم لنهب خيراتنا و استغلالنا و استغلال ارضنا ونصبوهم على رؤوس الاشهاد فاصبحوا رعاة للتخلف في بلادنا بتمكينهم من التكفيريين في مفاصل الدولة الخطوة التي من شأنها ان تساعد في بقاءهم في تلك المناصب متغاضين عن سوء ذلك على الشعوب و على مستقبلها و محاربين لأي ممن ارادوا ان تكون لهم كلمة في ارضهم و نهضة، لكني اقول ذلك دون ان اضعه كعذر لعدم تطور الوعي العربي بل توضيحاً لسبب من الاسباب.

ختاماً اسأل .. ماهو النقد؟ مما يؤسف اليه انه في ثقافتنا بل خصوصا في فهم "المثقفين" عندنا عندما يقال نقد فان الذهن ينصرف الى الابعاد السلبية في الفكر المنقود، عندما يقول احدهم ان فلان قد بدأ نقده فان الذهن يبرز صورة نقاط رداءة ذلك الفكر، نقاط ضعفه، نقاط عيبه و نحو ذلك، ولهذا النقد في ثقافتنا يعتبر مفهوما سلبيا .. فحينما يقال بان احدهم ينتقد اخر فنتساءل متعجبين لماذا قد يفعل ذلك؟! مع اننا حينما نرجع الى اللغة نجد ان النقد مفهوم ايجابي و ليس سلبي. فحينما نرجع مثلا الى معجم المقاييس في اللغة نجد التعريف التالي" ..ان يكشف في حاله في جودته او غير ذلك،.." او كما يعرفه الاصطلاحيون "ان النقد هو تعبير مكتوب أو منطوق من متخصّص يسمى ناقدًا، عن الجَيِّد والرديء في أفعال أو إبداعات أو قرارات يتخذها الإنسان أو مجموعة من البشر في مختلِف المجالات من وجهة نظر الناقد.. كما يذكر مكامن القوة ومكامن الضعف فيها، وقد يقترح أحيانا الحلول. وقد يكون النقد في مجال الأدب، والسياسة، والسينما، والمسرح وفي مختلف المجالات الأخرى." بمعنى ان يميز هذا المنقود بين ماهو جيد و رديء فيه، وليس محاولة دؤوبة الى اظهار السلبية فيه .. فالواجب علينا ان نستمع و ننتقد، لا ان نسمع و نذم.



#حسين_البناء (هاشتاغ)       Hussain_Albana#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- خرافة الثقافة الافضل في العالم العربي


المزيد.....




- مجلس الأوقاف بالقدس يحذر من تعاظم المخاوف تجاه المسجد الأقصى ...
- مصلون يهود عند حائط البراق في ثالث أيام عيد الفصح
- الإحتلال يغلق الحرم الابراهيمي بوجه الفلسطينيين بمناسبة عيد ...
- لبنان: المقاومة الإسلامية تستهدف ثكنة ‏زبدين في مزارع شبعا ...
- تزامنًا مع اقتحامات باحات المسجد الأقصى.. آلاف اليهود يؤدون ...
- “عيد مجيد سعيد” .. موعد عيد القيامة 2024 ومظاهر احتفال المسي ...
- شاهد..المستوطنين يقتحمون الأقصى في ثالث أيام عيد -الفصح اليه ...
- الأردن يدين سماح شرطة الاحتلال الإسرائيلي للمستوطنين باقتحام ...
- طلاب يهود بجامعة كولومبيا: مظاهرات دعم فلسطين ليست معادية لل ...
- مصادر فلسطينية: أكثر من 900 مستعمر اقتحموا المسجد الأقصى في ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - حسين البناء - باسل و مغوار انت يا اباجهل! كيف لا وانت تقاتل رجالا بلا سلاح!