أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - القاسم محمد - اللاشعور الاجتماعي والديموقراطية الجديدة .. الطريق نحو المجهول















المزيد.....

اللاشعور الاجتماعي والديموقراطية الجديدة .. الطريق نحو المجهول


القاسم محمد
طالب

(Al-kasim Mohammed)


الحوار المتمدن-العدد: 6566 - 2020 / 5 / 17 - 11:29
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


عندما تسأل أي مواطن في بلداننا العربية عن رأيه في أفضل أشكال الحكومة ستكون الإجابة للغالبية العظمى انها تلك الحكومة التي تتبنى المبادئ الديموقراطية، لا شك أنها اجابة تصيب الحقيقة حتى إنَ اغلب الحركات السياسية في عصرنا الحاضر تتغنى بأنها ديموقراطية وتوفر الحقوق العامة للشعب بالتساوي وإن كانت مبادئ هذه الحركات تنافي الديمقراطية السياسية من حيث المبدأ، إلا أن هذه الدعاية هي احد اساليب الوصول إلى السلطة في الوقت الحاضر،فلا توجد وسيلة أفضل من ركوب موجة رغبات الشعب للوصول إلى السلطة والانقلاب عليها فيما بعد.
إنَ السواد الأعظم من الناس لا يعرف الكثير عن الأنظمة السياسية القديمة منها والحديثة، إشكالاتها، مبادئها الفلسفية وكيف تشكلت وظهرت للوجود السياسي ومن ناحية أخرى نجدهم متأثرين إلى حد كبير بنجاح النموذج الأوروبي الديموقراطي بعد فشل الأنظمة القومية التي سيطرت على أوروبا بعد الحروب النابليونية وفشل الدكتاتورية السوفيتية وانهيارها بعد سقوط جدار برلين، ربما إذا وضعنا هذه الحقائق في الحسبان نستطيع ان نجيب بقدر لا يبتعد عن الحقيقة على سبب هذا التبجيل للأنظمة الديموقراطية بين عامة الناس لدرجة تصويرها على انها النظام الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.
لكن ما علاقة هذا بالحقيقة التي نراها على ارض الواقع وهل فعلاً ان النظام الديموقراطي بمعناه الحقيقي"سلطة الشعب" هو حقاً الخير الأسمى لجميع الشعوب؟ هل يؤدي هذا النظام فعلاً إلى تحقيق صورة مقاربة على الأقل للجمهورية أو المدينة التي توفر الرفاهية للمواطنين ؟ وهل ان تطبيق الديموقراطية بمعناها المطلق لا يؤدي إلى الغوغائية وتحكم الانتهازيين الذين يسيطرون على الشعب بأثارة النزاعات فيما بينهم ؟
لكي نستهل هذا البحث لا بد ان نذكر رأي سقراط وتلميذه افلاطون في هذا النوع من الأنظمة، لقد احتقر سقراط النظام الديموقراطي القائم في اثينا خلال تلك الفترة قائلاً بأنها لا تؤدي إلى وصول الرجال الاكفاء إلى المناصب الحساسة ، ان الفلاسفة والعقلاء الذين يخطون حياتهم على أسس المنطق والعقل لا يلقون أي فرصة في السلطة حيث ان عامة الشعب تميل إلى من يحرك عواطفها ويداعب الاحاسيس اللاشعورية لديها لا إلى من يسيرها بالحكمة ، لقد كان افلاطون بارعاً حقاً في وصف رأي سقراط هذا خلال محاوراته في كتاب الجمهورية الذي يوضح فيه سقراط ان الناس تميل إلى تفضيل بائع الحلوى على الطبيب فالأول يحبه الناس لما يقدمه لهم من اطعمة وان كانت ضارة على المدى البعيد اما الثاني فأنه يسقط في خداع بائع الحلوى للناس حينما يعلن لهم ان الطبيب يحرمهم من الاشياء التي يحبونها ويذوقهم المر من الأطعمة والأدوية تحت شعار الفائدة على المدى البعيد، ان غالبية الناس يعانون من قصر النظر خلال البحث في هكذا أمور حيث ينظرون إلى الفائدة القريبة بصورة تفضيلية على تلك الوعود البعيدة، ان هذا هو السبب الذي يجعلهم يبيعون اصواتهم قبل الانتخابات مقابل فوائد مادية متناسين بذلك ما قد يحصل على المدى البعيد. وهذا ما يحصل خلال الانتخابات حيث ان النصر حتماً سيكون لمن يحرك عواطف الأغلبية ويستغلها لا إلى من يعرض عليها الحكمة والفلسفة والمنطق. ومن ناحية أخرى أوضح افلاطون عن تناقض في الأولويات حيث ان الناس خلال ما يمرون به من مشاكل يبحثون عن أفضل الحلول لا عن أكثرها شعبية أو أكثرها قبولاً بين الناس، حينما يتعطل لديك شيء ما فأنك حتماً ستلجأ إلى الشخص الأكثر براعة لإصلاحه وعندما تمرض فأنك تلجأ إلى الطبيب الأفضل وفي المسائل القضائية فإننا نلجأ إلى المحامي الأفضل ونوكل إليه القضية ، فما الذي يمنع والحالة هذه جعل امر إدارة الدولة وهي من اعظم الأمور إلى الأشخاص المختصين الأكثر براعة كما نفعل في بقية مشاكلنا الأقل أهمية بدلاً من مجازفة التصويت وخطورة وصول السلطة لأشخاص لا يفقهون منها شيئاً لمجرد انهم ذوي شعبية بين الناس وبناءً على ذلك فازوا في الانتخابات ؟ ألا يعلمنا التاريخ ان عباقرة عصرهم من الفلاسفة تكون شعبيتهم ضئيلة أو ربما محتقرين مقارنةً بالمنافقين و الذين يستغلون العواطف الإنسانية ببشاعة للوصول إلى السلطة ؟
بعد هذا العرض السريع نقول : ان الأنظمة الديموقراطية هي بالتأكيد ستكون ناجحة في الدول التي تكون غالبية سكانها من المثقفين ، الدول التي تتمتع بالليبرالية الكاملة وتسمح بعرض الرأي والرأي الأخر ، حينما تكون الطبقة الوسطى مُسيرة بواسطة المنطق لا العاطفة ، تنظر إلى مصلحة الدولة ككل لا إلى مصالح فئوية ضيقة كالمصالح الدينية والمذهبية والقومية، ما عدا ذلك وخاصةً لدى الشعوب التي عانت من نير الدكتاتوريات والاستعمار ولم تألف النظام الانتخابي وحكم نفسها بنفسها ستؤدي الديموقراطية إلى الفوضى وصعود الانتهازيين إلى المناصب العليا بسهولة مقارنة بالأشخاص الاختصاص ، سينتخب الناس من يرون فيهم الصلاح لكن أي صلاح هذا ؟ انه صلاح مشوه حتماً أن الصالح في نظر الدهماء هو القريب منهم من حيث العلاقات الاجتماعية ، القريب منهم دينياً وقومياً ، سيرفعون شعار سأنتخب فلان لا لكفاءته لكنه على الأقل ابنُ جلدتي وصديقي .. إلى أين يؤدي الطريق في هذه الحالة ؟ إلى دولة تحكمها القبليات والانتماءات الضيقة، ما مصير الاكفاء هنا ؟ في غالب الأحيان لن يحصلوا على شيء ولن ينتخبهم احد، انهم يحاولون الإقناع بالمنطق والناس تريد العاطفة والنتيجة ستكون واضحة من البداية إذ إنه من النادر ان يصل هؤلاء إلى المناصب العليا. ان نتيجة كل هذا هو الفوضى بلا شك والضياع وربما التقسيم والاقتتال الداخلي حيث ستضطهد الأغلبية بحصولها على المقاعد الأكثر في الانتخابات الأقلية والرائع في الأمر ان هذا الاضطهاد سيكون دستورياً ومبنياً على الأسس الديموقراطية التي تبيح لهؤلاء الأغلبية السيطرة على الحكومة الجديدة ، ان نتائج هذا ستؤدي حتماً إلى الانحطاط فترى الشعب في هذه الحالة يشتاق لطغاته السابقين مع حالة الحرمان والاضطهاد التي عانوا منها خلال حكمهم فهم كانوا يفرضون الأمن لهم بالقوة وما وفرته لهم الديموقراطية هو الفوضى.
إن تسلم الشعب للحكم بعد عقود من الحكم الدكتاتوري سيؤدي حتماً إلى هذه النتائج خاصةً إذا اضطهد هذا الدكتاتور فئة معينة خلال حكمه وكبح جماح عواطفها الاجتماعية والدينية فالحال هنا هو نفس الحال في التحليل النفسي للأمراض العصابية اذ ان الأمور المكبوتة واللاشعورية تظل خفية تتسلل تحت السطح الشعوري ولا يمكن لها الظهور بسهولة بسبب الكبت الاجتماعي الشديد التي تعانيه ويجعل منها أمور غير مقبولة وتؤدي في حال ظهورها إلى نتائج تهدد الوجود الإنساني لكن مع زوال هذا الكبت وهذه العوائق وهي هنا بالمعنى الاجتماعي لا النفسي "الاضطهاد والخوف من الدكتاتور" ستظهر مباشرةً بعد زوال هذا الخوف بسقوط الدكتاتور أو ازالته من الحكم ، سيطلب هؤلاء بعد سنوات الاضطهاد الديموقراطية لكي يتخلصوا شعورياً من الغبن الذي تعرضوا إليه خلال الحقبة السابقة ، لكن ما النتائج هنا وإلى أين نسير في هذه الحالة ؟ ستشارك هذه الفئة بقوة في الانتخابات وتتحرر غرائزها الدينية والاجتماعية التي كانت مكبوتة لسنوات طويلة سوف تكون أية محاولة لدعوتهم إلى التعقل ضرب من الجنون والعبثية، إن المكبوت الاجتماعي هنا تحرر من موانع ظهوره وسيظهر بقوة تعويضاً عما سبق من الكبت وستكون محاولات "الأنا الواقعية" فرض مبدأ التعقل ومسك العصا من المنتصف بين العاطفة والعقل لا طائل منها، لقد ظهر اللاشعور الاجتماعي ومن الان فصاعداً سينظر الناس ضمن القوالب المذهبية والعرقية لا الوطنية لكي ينتخبوا من يمثلهم وسيعمل هؤلاء الذين وصلوا بفضل عواطف الناس على تأجيج هذه العواطف اكثر فوجودهم السياسي مؤصلٌ بوجودها وضياعها يعني ضياعهم واختفائهم من المشهد السياسي إلى الأبد. سندور من الآن فصاعداً في حلقة مغلقة : عواطف الناس تجلب هؤلاء إلى الحكم وهم يغذون هذه العواطف لأجل ضمان بقاء مناصبهم وانتخابهم مجدداً.

ان الدولة وبفضل النظام الديموقراطي الجديد الذي ازاح العوائق امام عامة الناس تُحكم الآن بواسطة مجموعة من أشباه السياسيين الذين يعتاشون على الأزمات والصراعات الطائفية بين الناس فالحل هنا أما ان يقف الشعب بعد هذه التجربة المريرة وراء قائد أوتوقراطي كما وقف الفرنسيون خلف نابليون بونابرت بعد سنوات الإرهاب التي تلت الثورة الفرنسية لكي ينهي هذا الضياع ويفرض سلطة القوة بقبضة من حديد أو انهم سوف يدركون ما حدث ربما بعد ان يصل اللاشعور الذين كان مكبوتاً مرحلة الإشباع ويبدأ العقل الاجتماعي بالظهور حينها فقط سوف يحصل التغيير عن طريق الديموقراطية لتصحيح الحال خلال السنوات القادمة ، ماعدا ذلك ستستمر النزاعات هذه وربما تؤدي إلى التقسيم على أسس فئوية.

اصبح واضحاً الآن ان الديموقراطية الحديثة على الشعوب لن تؤدي إلا إلى الانحطاط والمزيد من الضياع، كما ان نجاح هذه التجربة في أوروبا لم يكن وليد الصدفة إنما نتيجة حقب متوالية من النكبات، وسيكون عبثياً في هذه الحالة تطبيق هذه التجربة وتوقع نجاحها مباشرةً في شعوب لم تألفها بعدما كانت تعاني تحت نير الاستعمار والدكتاتوريات، والامثلة هنا كثيرة على دول فشلت فيها الديموقراطية وأدت إلى ما أدت إليه من نتائج سلبية. ان الحل في هذه الحالة ان لا نعامل النظام الديموقراطي على انه سلعة مثالية لا تخلوا من أي عيب وان نتوقع منه النجاح تحت ظروف غير ملائمة. ان سلعة الديمقراطية ستنجح حتماً في شعوب ذات نظام تعليم متطور ، شعوب ادركت معنى الاستبداد والظلم للطرف الآخر لأبنائها والأهم من ذلك شعوب تؤمن ان الانتماء الوطني يتفوق على شتى الانتمائات الأخرى مهما كانت وإن الولاء للأوطان قبل كل شيء وإلا فالنتيجة هنا لن تكون مختلفة عن عهد الإرهاب الذي تلى الثورة الفرنسية.



#القاسم_محمد (هاشتاغ)       Al-kasim_Mohammed#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ثنائية الديموقراطية والكبت الاجتماعي .. الطريق إلى الانحطاط


المزيد.....




- صحفي إيراني يتحدث لـCNN عن كيفية تغطية وسائل الإعلام الإيران ...
- إصابة ياباني في هجوم انتحاري جنوب باكستان
- كييف تعلن إسقاط قاذفة استراتيجية روسية بعيدة المدى وموسكو ت ...
- دعوات لوقف التصعيد عقب انفجارات في إيران نُسبت لإسرائيل
- أنقرة تحذر من -صراع دائم- بدأ باستهداف القنصلية الإيرانية في ...
- لافروف: أبلغنا إسرائيل عبر القنوات الدبلوماسية بعدم رغبة إير ...
- -الرجل يهلوس-.. وزراء إسرائيليون ينتقدون تصريحات بن غفير بشأ ...
- سوريا تدين الفيتو الأمريكي بشأن فلسطين: وصمة عار أخرى
- خبير ألماني: زيلينسكي دمر أوكرانيا وقضى على جيل كامل من الرج ...
- زلزال يضرب غرب تركيا


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - القاسم محمد - اللاشعور الاجتماعي والديموقراطية الجديدة .. الطريق نحو المجهول