أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - ميثم الجنابي - من نقد الدين إلى وحدة الأديان في الثقافة الاسلامية(2)















المزيد.....

من نقد الدين إلى وحدة الأديان في الثقافة الاسلامية(2)


ميثم الجنابي
(Maythem Al-janabi)


الحوار المتمدن-العدد: 6558 - 2020 / 5 / 8 - 02:48
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


موقف علم الكلام (المعتزلي) من الأديان


ومع هدوء القوة الصاعدة للإسلام وسيطرته الجغرافية الواسعة وترسخ عقيدته ومبادئه الشاملة في الخلافة وشعوبها المتوحدة بالإسلام، أخذت تبرز إلى الأمام أولويات الصراع والمواجهات الفكرية بين ممثلي مختلف الأديان. وقد جاء الهجوم الأول المضاد من جانب الكنيسة الشرقية. ولم يكن هجومها المباشر وغير المباشر، المنظم وغير المنظم في الأغلب سوى التعويض الباهت عن هزائم الدولة الرومية و"حرابها" الروحية المتكسرة في الكنائس المترامية على أطراف جغرافيتها المتهرئة آنذاك. ولم يكن ذلك في الواقع سوى سبب من أسباب الصراع ووجه من أوجهه. وهو الأمر الذي نعثر على مفارقته التاريخية في صراع الإسلام في البدء مع اليهودية، وتمحوره لاحقا بالضد من النصرانية. إضافة لذلك أن للنصرانية في العراق وسوريا وفلسطين ومصر رصيدها التاريخي في ميادين الفكر والثقافة. بينما لم تتقن الموجة العربية الإسلامية الصاعدة تقاليد وأساليب الصراع الفكري بعد. وحالما اتخذ الاحتكاك طابع المواجهة بين تيارين كبيرين في التاريخ والثقافة، فانه أدى إلى بروز معالم الوحدة والاختلاف اللتين أخذتا بالتعمق لاحقا مع مجرى التطور الحضاري. إذ لم يجد يوحنا الدمشقي في الإسلام حينذاك اكثر من "هرطقة نصرانية"، بينما أعتبر المفكرون والمؤرخون المسلمون في وقت لاحق النصرانية مجرد تيارات متباينة من حيث ابتعادها واقترابها من حقيقة الإسلام. ومع ذلك ظلت الخطوط العامة للصراع والمواجهة والحوار محددة بالمبادئ العامة التي بلورها القرآن في موقفه من الأديان. أما التغيرات التي طرأت عليها فإنها كانت مرتبطة أساسا بتطور وتعمق الجدل الفكري بين المدارس الإسلامية نفسها، وكذلك بتطور الدراسات التاريخية والدراسات المقارنة في ميادين الكلام والفلسفة والأديان والأمم.
فقد ارتبطت الصراعات الفكرية الأولى في تاريخ الإسلام بالقضايا السياسية. وافرز ذلك التيارات الكبرى الأساسية كالسنة والشيعة والخوارج. وهي مادرس مختلفة ومتباينة، احتوت على كل النماذج الأساسية المميزة لحركة الحضارات الكبرى من عقلانية ولا عقلانية، تقليدية ومعارضة للتقليد، متحررة ومتزمتة. كما لم يخل أي جانب من جوانب الإبداع النظري والعملي في ميادين الأدب والكلام والفلسفة واللغة والتاريخ عن الصراع والجدل والحوار. وافرز ذلك انعكاسه الخاص في علم الملل والنحل بوصفه علم الموسوعات الفلسفية والدينية. وهي موسوعات تمثلت وعبرّت في مجرى تطورها عن طبيعة الصراعات الفكرية وحوارها، وبالتالي تعمق وترسخ تقاليد الرؤية العلمية عنها .
فإذا كانت الدراسات الأولى مرتبطة أساسا بالفرق الإسلامية كما هو الحال عند الكعبي والاشعري وغيرهم، فإنها أخذت في مجرى تطور الحضارة الإسلامية على احتواء فرق الأديان الأخرى والمدارس الفلسفية من نصرانية ويهودية ومانوية وزرادشتية وبراهمة وغيرهم كما هو الحال عند الباقلاني والبغدادي وابن حزم وغيرهم. بينما ستظهر في وقت لاحق دراسات مستقلة متعلقة بمقارنة الأديان كما هو الحال عند البيروني (ت-440).
وعمقت هذه الدراسات الكثير من نتائج الصراع الفكري والعقائدي، وكشفت في نفس الوقت عن التأثير المتبادل بين مختلف الاتجاهات. إضافة لذلك بينت في مواقفها وتحليليها الكثير من الجوانب التاريخية المتعلقة بظهور الأديان وخصوصياتها وكيفية نشوء فرقها ومذاهبها. إلا أن ذلك لا يعني تشابهها في الموقف من الأديان. أي أننا نرى نفس الصورة الكبرى التي ميزت مواقفها من الإسلام وفرقه. فهناك من استعرضها كما وصلت إليه، وهناك من حاول تحليلها بصورة موضوعية وحيادية، بينما انتقدها البعض وهاجمها الآخر. وهي مواقف حددها في الأغلب منهجية المؤرخ والمفكر وانتمائه الفرقي (بالمعنى الإسلامي) والأسباب المباشرة القائمة وراء تناوله إياها. إلا أن ما يميز هذه الدراسات هو ارتقائها النسبي مقارنة بدراسة الفرق الإسلامية. بمعنى أنها استفادت من أساليبها السابقة في تحليل الفرق الإسلامية ونقدها.
كانت تجربة التعامل مع الفرق الإسلامية مقدمة عمقت الوعي الذاتي وسلحته في نفس الوقت بأساليب الرؤية العقائدية والفلسفية في التعامل مع الآخرين. أي أن الجدل مع الأديان الأخرى لم تحدده السياسة وتأثيراتها المباشرة في المواقف الفكرية. مما أعطى للموقف من الأديان الأخرى صيغة الجدل العقائدي الديني العام. وهو الأمر الذي نلاحظه في القرنين الأول والثاني الهجريين في الموقف من النصرانية واليهودية. بينما تغريت الحالة نسبيا بعد ذلك، رغم أن العناصر الجوهرية الكبرى في الموقف من الأديان الأخرى (التوحيدية) ظلت كما هي. فهي لم تظهر في القرنين الأول والثاني بفعل السيادة العربية الإسلامية وانتصاراتها العسكرية الكبرى على النطاق العالمي وكذلك بفعل الموقف الإسلامي من "أهل الكتاب"، ومعارضته للجدل، والتسامح العميق المميز للإسلام. وهي أسباب نرى ملامحها الجلية في تعدد الفرق واختلافاتها وتنوع الأديان وحرية اتباعها في ممارسة عباداتهم ومعتقداتهم، بما في ذلك اشتراكهم في الحياة الاجتماعية والعلمية والإدارية للدولة، واحتلالهم لمواقع متقدمة من السلطة (كتّاب وأطباء وندماء). وهي ظاهرة بدأتها الخلافة الأموية ووسعتها الخلافة العباسية. فإذا كانت الدولة الأموية قد قربت النصارى أساسا، فان العباسية أشركت النصارى واليهود والمجوس والصابئة وغيرهم. وهي ظاهرة كانت تحتوي في أعماقها على دبيب الصراع الخفي بين الأديان أيضا، باعتباره جزءا من عملية حضارية موحدة كبرى. وتشكيل أساليب علم الكلام وجدله مع الأديان نموذج عمليا لذلك.
عكس علم الكلام مختلف المواقف من الأديان بالشكل الذي ميز خلافات فرقه ومدارسه الكبرى والصغرى. اذ نرى في مواقفه منها صيغا معتزلية واشعرية وظاهرية وغيرها. غير أن ذلك لا يعني وجود خلافات جوهرية تامة بين هذه المدارس الإسلامية من الأديان الأخرى. إننا نعثر على اشتراكهم في المواقف الأساسية الكبرى فيما يتعلق بالدفاع عن الإسلام ومبادئه الكبرى وأفضليته. وهي عملية أدت إلى تعميق هوة الخلاف بين الإسلام والأديان الأخرى من جهة، وساهمت في تعميق الرؤية العلمية والمواقف النقدية من جهة أخرى.
تشير المصادر التاريخية وكتب السير إلى وجود مؤلفات تتعلق بدراسات الأديان من جانب اغلب المدارس والفرق الإسلامية. فمن بين المعتزلة كتب الأصم (ت-200) كتاب (الرد على اليهود)، وكتب العلاف أربعة كتب أحدها على اليهود وآخر على النصارى وثالث على عمار النصراني ورابع عن أهل الأديان. كما كتب المردار (ت – 226) كتاب الرد على النصارى وكتاب الرد على أبي قرة النصراني. أما أبو عيسى الوراق (ت – 247) فتنسب له أربعة كتب ثلاثة منها في الرد على النصارى الكبير والأوسط والصغير، وكتاب في الرد على اليهود. وكتب الجاحظ رسالة (الرد على النصارى). كما كتب من بين ممثلي الفرق الإسلامية الأخرى كالجبرية والاشعرية وغيرهم كتبا عديدة بهذا الصدد مثل كتاب ضرار بن عمرو في (الرد على أهل الملل) وكتاب (الرد على النصارى)، كما صنف النوبختي كتابا عن (الآراء والديانات)، وكتب ابن الراوندي جملة رسائل في مهاجمة الأديان، كما تناول هذه القضايا الباقلاني في كتابه (التمهيد)، والجويني في (الإرشاد) وفي (شفاء الغليل فيما وقع في التوراة والإنجيل من التبديل) .
إن سعة انتشار الكتابات المعتزلية في الرد على الأديان يعكس أولا وقبل كل شيئ نقدية المعتزلة وتمثيلهم العقلاني للثقافة الإسلامية من حيث الانتماء لها والتعبير عنها بمعايير الانفتاح والتسامح والرؤية العلمية. ففي رسالة الجاحظ الصغيرة في الرد على النصارى، نعثر على بواعث كثيرة تكشف لنا الخيوط غير المرئية القائمة وراء الجدل المباشر بين النصرانية والإسلام. والاهم من ذلك أنها مؤشر على مستوى التسامح الديني والفكري. إذ لا نعثر عند الجاحظ بشكل عام على اهتمام بقضايا الجدل الديني، بل أن فصاحته الأدبية وبلاغته مؤشران على جمال العقل والضمير، بينما يكشف في مواقفه وأحكامه من مختلف جوانب الحياة الاجتماعية والسياسة والأخلاقية عن انفتاح عقلاني ومتسام بنفس القدر. وإذا أخذنا بنظر الاعتبار ما يورده ياقوت الحموي، عن أن الجاحظ كتب هذه الرسالة بطلب من أمير المؤمنين، حينذاك ستبدو واضحة مهمتها . لهذا السبب علق ابن قتيبة في (مختلف تأويل الحديث) على عدم ثقته بانتقادات الجاحظ للأديان الأخرى، واتهمه بالاستهزاء بالأديان جميعا بما في ذلك في القرآن والحديث. وكتب عن رسالته في الرد على النصارى، قائلا "ويعمل كتابا يذكر فيه حجج النصارى على المسلمين، فإذا صار الرد عليهم تجوز في الحجة كأنما أراد تنبيههم على ما يعرفون، وتشكيك الضعفة من المسلمين" .
وبغض النظر عن مواقف ابن قتيبة المتحاملة على الجاحظ، فإن ملاحظته لها أهمية بالنسبة لفهم إحدى خصائص انتقادات المعتزلة للأديان. فالجاحظ يرد انتقاد النصارى ومهاجمتهم للقرآن، من حيث أن ما يورده القرآن يختلف عما تقوله التوراة والأناجيل من الأحداث المتعلقة بهامان وفرعون وكلام عيسى في المهد، بينما لا إشارة لذلك في الأناجيل ولا عند اليهود ولا حتى عند الصابئة والبوذيين. والشيء نفسه يمكن قوله عن قضايا أخرى مثل ما أورده القرآن عن دعوى اليهود بأن عزير ابن الله. وعندما يأخذ الجاحظ بالرد على هذه الآراء، فانه ينطلق من تحديد طبيعة العلاقة بين الإسلام والمسلمين ومواقفهما من النصرانية والنصارى واليهود. ويجد مقدمات هذه العلاقة والمواقف في صدر الإسلام. ويربطها الجاحظ بما اسماه بعداوة القريب. فاليهود كانوا جيران المسلمين في يثرب. وعداوة الجيران شبيهة بعداوة الأقارب من حيث حدتها وثباتها. وإنما يعادي الإنسان من يعرف، والعيوب تبدو من خلال المخالطة. وعلى قدر الحب والقرب يكون البغض والبعد. من هنا استمرار العداء بين المسلمين واليهود.
وعلى عكس ذلك يبدو الخلاف مع النصارى. إذ للعلاقة الطيبة بين المسلمين والنصارى مقدماتها القائمة في مساعدة نصارى الحبشة للمسلمين الأوائل . إضافة لذلك كانت النصرانية منتشرة بين العرب. فقد كان بعض من ملوك العرب نصارى، مثل ملوك الغساسنة واللخميون والمناذرة. كما أن العرب كانت تتعامل في تجارتها مع نصارى الشام واليمن والحبشة. ثم أن بينهم الكثير من الأطباء والمتكلمين والمنجمين والحكماء. كل ذلك يجعل المسلمين اكثر عطفا على النصارى، على عكس تعاملهم مع اليهود، الذين كرهوا العلم والمعرفة. إذ هم يرون "النظر في الفلسفة كفر، والكلام في الدين بدعة، وانه لا علم إلا ما كان في التوراة وكتب الأنبياء" . ويضيف الجاحظ إلى الأسباب الدينية والعلمية – الثقافية سببا اجتماعيا، يقوم في ما اسماه بالانعزال الذاتي لليهود. فهو يقرر واقع عدم تزاوجهم مع الآخرين، مما أدى إلى "ضعف عقولهم وأرواحهم، كما نلاحظ ذلك في الخيل والإبل. بينما عوام اليهود على خلاف النصارى الذين بينهم كتاب السلاطين والملوك وأطباء الأشراف، لا تجد اليهودي إلا صباغا أو دباغا أو حجاما أو قصابا، مما توهم الناس بان دين اليهود في الأديان كصناعتهم في الصناعات" . غير أن ذلك لا يعني وجود علاقة عضوية بين النصارى والعلم والحكمة. ففيما لو نظرنا بصورة متفحصة، كما يقول الجاحظ، إلى الحقيقة النصرانية والروم، لتبين لنا بأنهما كلاهما ليس له حكمة (فلسفة) ولا بيان ولا بعد رؤية، سوى "حكمة النجر والتصوير والحياكة"، كما يقول الجاحظ. وهو أمر يعطي لنا إمكانية محوهم من "ديوان الفلاسفة والحكماء". إذ ليس لهم علاقة بما يحاولوا البرهنة عليه مما يدعوه بتراثهم وهو لليونان لا لهم. فلا أرسطو ولا اقليديس ولا جالينوس ولا ديمقريط ولا بقراط ولا أفلاطون كانوا نصارى أو روم. ووضع ذلك في حكمه النقدي الصارم القائل، بان "دينهم غير دين النصارى، وأدبهم غير أدبهم. أولئك علماء وهؤلاء صناع" . إضافة لذلك لقد شوه الروم والنصارى حقيقة الفكر اليوناني وافسدوا فلسفتهم. وبالتالي فان حكماء المسلمين ليسوا على مثالهم، إذ لا علاقة لليونان بالنصرانية، كما لا علاقة بالنصارى الذين يتكلم عنهم القران بنصارى الملكانية واليعقوبية. ثم أن الفكر النصراني تقليدي لا مجال للعقل فيه. وتقليديته ليست من حرص العوام وتبعيتهم التامة للأسلاف، بل وبسبب لا عقلانية النصرانية نفسها. فمن الصعب عقل حقيقتها، وبالأخص مواقفها المتناقضة من المسيح. فالأناجيل يختلف ويعارض ويناقض بعضها الآخر في مواقع عديدة. غير أن أكثر ما يثير فيها هو لا عقلانية أطروحتها بصدد إلوهية المسيح. ولم يجد الجاحظ في التأويلات العديدة لهذه الإلوهية سوى تلاعب بالألفاظ لا معنى له. وبالتالي ليست آراء الاتجاهات النصرانية سوى شكل من أشكال التشبيه الفج. ويستغل الجاحظ هذه الحصيلة لمهاجمة الحشوية والمشبهة بين المسلمين وللدفاع عن آراء المعتزلة وتأويلاتها العقلانية بهذا الصدد . إذ لا معنى لإلوهية المسيح، كما يقول الجاحظ، لا من حيث طابعها التجريدي الفكري، ولا من أي جانب ما آخر. وبالتالي فهي إلوهية لها معناها وثباتها ويقينها بالإيمان العادي والتقليد الأعمى لا بالعقل الفاحص . وذلك لان مفاهيم "الأبوة" و"البنوة" النصرانية ليست نتاجا "لسوء العبارة" و"طبائع الأمم" في المخاطبة والتعامل مع لغاتها، ولا "لخصوصية اللغة" التي كتبت فيها الأناجيل. إذ ليست هذه التفسيرات سوى تأويلات محبوكة من الوهم والتبرير. إذ أن مجرد تجويز الأبوة والتبني على الله ومعه هو بحد ذاته جهل عظيم، كما يقول الجاحظ. فلو جاز أن يكون الله أبا ليعقوب لجاز أن يكون جدا ليوسف. وإذا كان ذلك لا يعيب في البشر وبينهم، فانه يؤدي تجاه الله إلى حماقات لا تحصى . بل أن ذلك ممكن بحق من لا يعرف قدر الله وقدر الإنسان. إذ ليس بحكيم من ابتذل نفسه، وليس من الحكمة أن تحسن إلى عبدك بأن تسيء إلى نفسك. ولم يمجّد الله ولم يعرف الهيبة من جوّز عليه صفات البشر. فإذا كان الله لا يقدر على رفع قدر غيره إلا بنقص قدر نفسه فهذا هو العجز، وإذا كان قادرا على ذلك وعمله فهذا هو الجهل" كما يقول الجاحظ. ثم يوجه الجاحظ هذه المواقف النقدية العامة تجاه شخصية المسيح بصيغتها الإنجيلية (النصرانية). ويحاول البرهنة على انه لا خصوصية فيها وفرادة ولا تميز خالص، بما في ذلك ما يتعلق منه "بالمعجزات". ورد على "معجزة" خلقه من "دون ذكر"، قائلا، بأنه "لو صار عيسى ابنا لله لأنه خلقه من غير ذكر، فآدم وحواء أولى".
ولا يقف الجاحظ عند هذه الحدود، بل ينتقل منها إلى القضايا اللاهوتية الفلسفية المتعلقة بمسائل اللاهوت والناسوت في شخصية المسيح. وانطلق في نقده العقلاني لها من مجادلة المفاهيم العامة للاهوت والناسوت نفسها. فالمسيح أما أن يكون إنسانا خالصا أو إلها خالصا أو أن يكون جامعا لكليهما. فإذا تقول النصارى بأنه اله بلا إنسان، فإننا نعرف من الأناجيل بأنه كان صغيرا ثم شبّ والتحى، وكان يأكل ويشرب وينجو ويبول. فأي شئ يا ترى هو الإنسان إن لم يكن ما ذكرناه؟ وكيف يمكن أن يكون إلها خالصا وهو الموصوف بجميع صفات الإنسان. وفي حالة زعمهم بأنه لم ينتقل عن الإنسانية ولم يتحول عن جوهر البشرية، ولكنه سمي إلها (خالقا) بسبب صيرورة اللاهوت فيه. غير انه هنا تبرز أمامنا معضلات عديدة مثل هل أن قيام اللاهوت فيه أو في غيره؟ فإذا أقررنا بالحالة الأولى، فان المسيح ليس بأولى من غيره في أن يسمى إلها. وإذا أقررنا بالحالة الثانية، فان اللاهوت صار جسما. وبالتالي لا معنى للاهوت هنا. ومع أن الجاحظ يشير إلى الاختلاف والتباين بين متكلمي النصارى وفلاسفتهم، إلا انه يعتبر هذه التصورات بمجملها إحدى صيغ التشبيه والتجسيم، الذي يمكن العثور عليه في مختلف الأديان، كما نراه عند اليهود (الذين يعتبرهم الجاحظ مشبهة ومجبرة) وعند الرافضة المشبهة والحشوية في الفرق الإسلامية.
لقد كانت آراء الجاحظ الانتقادية موجهة من اجل إظهار التباين بين الإسلام والنصرانية واليهودية عبر انتقاد ما في الأديان الأخرى من فقدان للعقلانية وكذلك نقد ما فيها من التشبيه والتجسيم. وهو نقد يعكس أيضا التوجه العام للفكر المعتزلي في نقد هذه الجوانب في الفرق الإسلامية.



#ميثم_الجنابي (هاشتاغ)       Maythem_Al-janabi#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من نقد الدين إلى وحدة الأديان في الثقافة الاسلامية(1
- الهوية الوطنية العراقية: الخلل والبدائل
- عمران بن حطان الخارجي: ممثل الوجدان والعصيان
- -الصحوة السلفية الجهادية- العراقية نموذج للانحطاط المادي وال ...
- الغلو الديني والعقائدي - هاوية الإرهاب والفساد(1-2)
- «الإرهاب الإسلامي» السلفي وتحطيم العدل والاعتدال
- «الإرهاب الإسلامي» السلفي في العراق: المقدمات والنتائج.
- نفسية وذهنية المؤامرة والمغامرة في العراق (3-3)
- نفسية وذهنية المؤامرة والمغامرة في العراق (2-3)
- نفسية وذهنية المؤامرة والمغامرة في العراق (1-3)
- ظاهرة المؤقتين الجدد وضمور المرجعية الوطنية (4-4)
- ظاهرة المؤقتين الجدد وضمور المرجعية الوطنية (3-4)
- ظاهرة المؤقتين الجدد وضمور المرجعية الوطنية (2-4)
- ظاهرة المؤقتين الجدد وضمور المرجعية الوطنية (1-4)
- صعود المرجعيات الدينية وهبوط السياسة المدنية (3-3)
- صعود المرجعيات الدينية وهبوط السياسة المدنية (2-3)
- صعود المرجعيات الدينية وهبوط السياسة المدنية(1-3)
- الأحزاب السياسية الشيعية : من ظلال الروح إلى ضلال العقل الوط ...
- الأحزاب السياسية الشيعية : من ظلال الروح إلى ضلال العقل الوط ...
- الأحزاب السياسية الشيعية : من ظلال الروح إلى ضلال العقل الوط ...


المزيد.....




- شاهد.. فلسطينيون يتوجهون إلى شمال غزة.. والجيش الإسرائيلي مح ...
- الإمارات.. أمطار غزيرة وسيول والداخلية تحذر المواطنين (فيديو ...
- شاهد: توثيق الوصفات الشعبية في المطبخ الإيطالي لمدينة سانسيب ...
- هل الهجوم الإيراني على إسرائيل كان مجرد عرض عضلات؟
- عبر خمسة طرق بسيطة - باحث يدعي أنه استطاع تجديد شبابه
- حماس تؤكد نوايا إسرائيل في استئناف الحرب على غزة بعد اتفاق ت ...
- أردوغان يبحث مع الحكومة التصعيد الأخير بين إسرائيل وإيران
- واشنطن وسعّت التحالفات المناهضة للصين في آسيا
- -إن بي سي-: بايدن يحذر نتنياهو من مهاجمة إيران ويؤكد عدم مشا ...
- رحيل أسطورة الطيران السوفيتي والروسي أناتولي كوفتشور


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - ميثم الجنابي - من نقد الدين إلى وحدة الأديان في الثقافة الاسلامية(2)