أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - داود السلمان - هل مكيافيللي يؤمن بالحظ؟















المزيد.....

هل مكيافيللي يؤمن بالحظ؟


داود السلمان

الحوار المتمدن-العدد: 6550 - 2020 / 4 / 30 - 16:03
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


في علم التشريح إذا درسنا الانسان من مختلف جوانبه، سوف نستثني ثلاثة اشياء أو قضايا، وسنسقط عنها الفروض، هي: الضمير، العقل، الحظ، وما شاكل، لأن هذه الاسماء الثلاث ليس لها وجود عيني أو فعلي (أي مادي)؛ كالقلب والدماغ والبنكرياس، وهلمَّ جراً.
وحينما نسمع أحدهم يقول: إن فلانا لديه حظ، وعلّان ليس لديه حظ، هو يعني: إن الاول ذو الـ "حظ"، قد يمتلك اعتبارات- نفسية وشخصية- ما لا يمتلكها الثاني، وهذه الاعتبارات مبنية على قوة شخصيته، كتعامله الحسن مع الناس، وأنه يمتلك الشطارة، والحذاقة، وبُعد النظر، والخبرة الطويلة في ادارة القضايا التي يديرها، وكذلك الجاذبية، والحنكة، والامانة، والاخلاق الحميدة التي يمتلكها، وطبيعة تركيبته الجسمانية، ورأيه الصائب في اختيار القرارات السليمة. هذه وغيرها من الامور الاخرى الكثيرة التي يمتلكها الانسان الناجح الـ (محظوظ) أو الذي يطلق عليه بعضهم هكذا. بعكس الانسان الثاني الذي يفتقد لهذه القضايا أو يمتلك جزءاً منها، ويفقد الجزء الآخر. فيكون نصيبه، اقل من نصيب الاول. فمثلا التاجر الذي يثق به اغلب الذين يتعاملون معه، من ناحية جودة البضاعة التي يقدمها، أو من حيث السعر المناسب الذي يفرضه عليهم من دون غبن أو غش، فمن المؤكد أنه هو الانسان الناجح ويقولون عنه أنه ذو "حظ"، بعكس الآخر تماماً.
إذن، هو ليس الـ "حظ" وانما هذه القضايا التي يمتلكها الاول، ويفتقدها الثاني، هي سر النجاح. اما مفهوم "حظ" فهي عبارة عامية جوفاء.
ويرى مكيافيللي أن ثمة اعتقاد شائع بين كثير من الناس بأن الحوادث –جميعها- مقيدة ومربوطة بالحظ، وهي في الوقت نفسه تخضع لإرادة الله!، ولا يمكن تغييرها بأي حال من الاحوال، ومهما سعى الانسان الى تغييرها فأنه سيعجز وستجري، كما اراد الله!.
وهذا الرأي، طبعًا مغلوط وبعيد عن الواقع، لأن العديد من الامور والقضايا هي تعود- بلا شك- الى إرادة الانسان، وليس لله فيها تدخل مباشر أو غير مباشر، فمثلا: اذا قرر انسان أن ينتحر ثم نفذ قراره، فهل يعني أن الله أوحى له ذلك؟!. قطعًا: لا. والامثلة حول الموضوع كثيرة جداً.
يقول مكيافيللي:" وإنني إذا فكرت في بعض تلك الحوادث أراني أميل إلى القول بهذا الرأي أيضًا، ومع هذا فإن إرادتنا لا ينبغي أن تطفأ جذوتها، فإنني أعتقد أن الحظ يدير نصف أعمالنا، وأنه يترك لنا النصف الآخر أو أقل منه لندبره بأنفسنا، وإني أشبه الحظ بالنهر، فإذا هاج أغرق الوديان واقتلع الأشجار وهدم الديار فيفر من وجهه كل إنسان ويخضع له كل شيء، فإذا هدأ هذا النهر أمكن للبشر أن يتقوا هياجه فيقيمون السدود والجسور فإذا هاج فإما ينصرف هياجه مصارف أخرى، وإما لا تكون عاقبته شديدة".
واعتقد أن مكيافيللي ليس هذا رأيه الحقيقي الذي يقر به، فهذا المُعلن لكن الباطن هو المخفي. لأن الرجل سياسي ومنظّر وفيلسوف، ومن عشاق السلطة وكتابه "الامير" كتبه بالخصوص للتقرب به للساسة، والكتاب عبارة عن توصيات وخطط وبرامج وضعها كي يقتفي اثرها ارباب السلطة والمناصب، لذلك فاغلب رجال الدولة اخذوا بهذه التوصيات وطبقوها على ارض الواقع، بينما اكثر هذه التعاليم تجهض حق المواطن.
وقد التمس العذر لمكيافيللي، فهو قد يفسّر مفهوم الـ "حظ" بغير المعنى الذي يتبادر الى اذهاننا اليوم. فالرجل ليس بهذه السذاجة، وهو مفكر وفيلسوف سياسي ذو نظر ثاقب.
ثم يضرب مكيافيللي نموذج بالدول التي تمتلك نصيبا من الحظ، والتي ليس لها حظ، مثل ايطاليا:" وإذا نظرت إلى إيطاليا التي كانت ميدانًا لحوادث الحظِّ تراها بلا مانع ولا سدٍّ، فلو أنها كانت محمية كفرنسا وألمانيا وإسبانيا، فإن الفيضان ما كان ليغتالها قط، ولو حدث فما كان ليجلب عليها من الخراب ما جلب".
وهو يعتقد أن ايطاليا لو كان لها "حظ" لما جرى الذي جرى لها، ولا أدري ما علاقة الحظ بالحوادث الطبيعية؟. واين غاب وعي مكيافيللي هنا وهو يفلسف هذه القضية.
ويضيف:" هذا يكفي فيما يتعلق بمعاونة الحظ بوجه عام، ولكن إذا قصرنا البحث على الأفراد رأينا أميرًا يومًا سعيدًا ويومًا شقيًّا بدون أن يكون قد تغير خلقه أو سلوكه، وأنا أعتقد أن هذا ناشئ عن الأسباب التي سبق الكلام عليها بإسهاب، فالأمير الذي يوكل أمره للحظ يهلكه الحظ فيما يريد، كما أن سعادة الأمير وشقاءه مرتبطان بسلوكه حسبما يقتضيه الزمان أو ضد ذلك، فإن الرجال يقصدون بلوغ المجد والغنى بوسائل مختلفة، فمنهم العَجول ومنهم المبطئ، ومنهم اللين ومنهم الشديد، ومنهم اللطيف ومنهم العنيد، وقد يصل كل منهم إلى غرضه بالدرب الذي سار عليه، وقد نرى حذرَيْن يبلغ أحدهما غايته ولا يبلغها الآخر، ونرى حذرًا ومندفعًا يبلغ كل منهما غايته، وهذا تابع لأحوال الزمان والمكان، قد يكون للحظ النصيب الأوفر في وصول الإنسان لغايته، فإذا بلغ الحذر غايته مرة ثم تغير حظه ولم يغير وسيلته فشل، ويستحيل على الرجال تغيير الوسائل إما بحكم الغريزة أو بحكم العادة، ولذا إذا عرض للحذر وقت يقتضي الإسراع فشل، وإذا استطاع رجل أن يغير خلقه حسبما تقتضيه الأحوال فهيهات أن يتبدل حظه".
وأنا لم استطع أن أفهم هذا الكلام، الا على أنه هذيان، فكيف لرجل منظّر وفيلسوف كمكيافيللي وهو يقول مثل هذه الترهات.
ثم يدافع عن رأيه الذي يعتقد فيه بأن الحظ هو وراء الحوادث التي تجري: خيرًا أم شرًا. "وقد كان البابا «يوليوس» مندفعًا وفاز في أعماله لموافقة الأحوال له، انظر إلى الحرب الأولى التي أعلنها على «بولونيا» لحياة «جيوفاني بنتيفولي» فإن أهل البندقية لم يكونوا عنها راضين، لذلك كانت فرنسا وإسبانيا تعارضان فيها، ومع هذا فإن البابا لم يتردد في إشعال نارها بمفرده".
وهكذا يستمر في ربط احداث تاريخية وسياسية وسواها، وكلها يربطها بالحظ، الى أن يقول: "وقد أثرت تلك الهمة في إسبانيا وفي البندقية، الأولى خوفًا والثانية رغبة في الحصول على مملكة نابولي، ثم إن ملك فرنسا أراد أن يوقع بأهل البندقية بمصادقة البابا فلم يستطع أن يحرم البابا من مساعدته بجنده؛ وبذا نجح البابا باندفاعه في إنجاز ما لم يكن في استطاعة أشد الباباوات حذرًا إنجازه؛ لأنه لو انتظر ترتيب كل شيء قبل التحرك من رومة كما كان يفعل أي بابا آخر، فما كان هذا التحرك بواقع أبدًا؛ لأن ملك فرنسا كان لا يعجز عن إيجاد ألف عذر، كما أن الآخرين كانوا يملئون قلب البابا بالمخاوف، وإنني أترك أفعاله الأخرى التي تمت بفوزه لقصر عمره، فإنه لو طال وأدركه الحظ في عمل يقتضي التبصر والحذر فما كان ليفوز؛ لأنه لا يستطيع تغيير وسيلة العمل، فاستنتج أن الحظ يتغير، ووسائل أعمال الرجال لا تتغير، فهم يفوزون طالما وافقت أعمالهم حال الحظ، فإذا خالفوه فشلوا.
ولعل الاغرب من ذلك أن مترجم كتاب "الامير" يقول في مقدمة الكتاب:" لم يكن نيقولا مكيافيللي مجرّد كاتب أو فيلسوف أو صاحب نظرية، بل أنه كان مشتركا بقوة في الحياة السياسية المضطربة وغير المستقرة التي مرت بها مدينة "فلورنسا" في الفترة التي عاش فيها". (أنظر: الامير، ترجمة أكرم مؤمن، مكتبة ابن سينا بالقاهرة سنة الطبع 2004)
ويختتم مكيافيللي كلامه اذ يصف الحظ كأنثى تبخل بحسنها على ما اسماهم بـ "الباردين"، لكنها تمنح نفسها للأقوياء:" وأنا أظن أن الاندفاع أفضل من الحذر والتبصر؛ لأن الحظ أنثى ولا يغلبها إلا من يقهرها بالقوة، وهي تسلم ذاتها للأقوياء المندفعين، وتبخل بحسنها على الباردين والمترددين، وهي ككل أنثى صديقة الشباب لقلة حذره، ولكونه أقسى وأقوى وأجرأ من الشيوخ".
فالـ "حظ" مفهوم اسلامي محض، بمعنى الـ "نصيب" (للذكر مثل حظ الانثيين)، لكن مكيافيللي اساء استعماله في هذا التحليل.



#داود_السلمان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- علي الوردي وحديث المتصوّفة
- ظاهرة الانتحار: تحليل ترانسندنتالي
- كورونا الفتاوى تقتُل فيلسوف الاشراق
- تائهون بأحلامٍ منفية
- كوفيد - 19 : تحليل ترانسنتدالي
- السعداوي: الأنثى هي الأصل 1/ 2
- السعداوي: الأنثى هي الأصل 2/ 2
- صراع الدين والعلم 2 / 2
- صراع الدين والعلم 1/ 2
- أنهم يحرقون سرڤيتوس!
- مفهوم(البغاء) عند نوال السعداوي1/2
- مفهوم(البغاء) عند نوال السعداوي1/1
- بحث في الدين (2)
- مبحث في الدين (1)
- ماهي قيمة الانسان اذا لم يسمو بطابع وجوده؟
- ابن الفلاح الذي صار الاب الثاني للفلسفة المثالية الحديثة
- من هو الاسكافي الاعجوبة الذي اصبح من عظماء الانسانية
- مزقت شراعه رياح الشك حتى أرسى على شاطئ الايمان*
- مفهوم السعادة لدى الخيام *
- عمر الخيام متصوفاً(1)


المزيد.....




- مكالمة هاتفية حدثت خلال لقاء محمد بن سلمان والسيناتور غراهام ...
- السعودية توقف المالكي لتحرشه بمواطن في مكة وتشهّر باسمه كامل ...
- دراسة: كل ذكرى جديدة نكوّنها تسبب ضررا لخلايا أدمغتنا
- كلب آلي أمريكي مزود بقاذف لهب (فيديو)
- -شياطين الغبار- تثير الفزع في المدينة المنورة (فيديو)
- مصادر فرنسية تكشف عن صفقة أسلحة لتجهيز عدد من الكتائب في الج ...
- ضابط استخبارات سابق يكشف عن آثار تورط فرنسي في معارك ماريوبو ...
- بولندا تنوي إعادة الأوكرانيين المتهربين من الخدمة العسكرية إ ...
- سوية الاستقبال في الولايات المتحدة لا تناسب أردوغان
- الغرب يثير هستيريا عسكرية ونووية


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - داود السلمان - هل مكيافيللي يؤمن بالحظ؟