إعادة توطين النازحين في مناطق ما بعد داعش وانعكاساتها على الاستقرار السياسي

محمد محي محمد الجنابي
باحث واكاديمي في الشؤون السياسية والاجتماعية
(Mohammed Muhi Aljanabi)

الحوار المتمدن-العدد: 6547 - 2020 / 4 / 26 - 23:38
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    

لاشك أنَّ الأضرار والخســـائر الناجمـــة عن الإرهاب والعنف والإقتتال في المناطق التي شهدت احتلال (داعش) لها والتي طالت المدنيين أكثـــر من غيرها، كان لها الأثر الواضح فـــي تراجع عناصر التماســـك الاجتماعي والمعاناة فـــي توافر مقومات الحيـــاة، فمع دمار البنـــى التحتية والمنازل أوجـــدت النزاعات كلفـــاً كبيرة جداً لكتلـــة من الحراك الســـكاني في أزمة غير مســـبوقة من النزوح والتهجير القســـري إنعكس وبضغـــط كبير على البنى التحتية والخدمات والنشـــاطات الإقتصادية فـــي المحافظات التي عانت من احتلال تنظيمات الفكر الضال والمحافظات المضيفة ايضاً. وعلى سبيل المثال بلـــغ أعـــداد العوائل النازحة بسبب سيطرة التنظيمات الإرهابية والعائـــدة لبعض المناطق العراقية بعد التحرير للمدة 2014-2017.
وكما مبين فـــي الجدول (رقم_1) أدناه:
جدول (1)
أعداد العوائل النازحة والعائدة ونسب العودة موزعة بحسب المحافظات 2014 - 2017
المحافظة أعداد العوائل النازحة اعداد العوائل العائدة نسبة العودة %
نينوى 470.070 93.487 19
الانبار 256.806 168.841 64
صلاح الدين 133.183 116.929 88
ديالى 62.308 31.539 51
الجدول من إعداد الباحث استناداً للمصدر الآتي: وزارة التخطيط العراقية، خطة التنمية الوطنية للسنوات 2018-2022 ، ص109.

يتضح من الجدول أعلاه ، إنَّ أعداد العوائل العائدة والمســـجلة لـــدى القوات الأمنية بلغ حتـــى 3/12/2017 نحـــو( 424.845) موزعة على أربعة محافظات وتُمثل نسبة 41% من مجموع العوائل النازحة في مرحلة النزاع ، في حين أشـــر الســـجل الإحصائي عدم عـــودة (679.583) عائلة .
وهذا يتطلب مســـاع جدية للعمـــل علـــى عـــودة جميـــع النازحيـــن لمدنهـــم مع الســـعي إلـــى إعادة الإستقرار السياسي والمجتمعي وإعمـــار وتنميـــة المناطـــق المحـــررة، لتبـــدأ مســـيرة التعافي وتوطيد أسس السلام المستدام، ولاسّيما للعوائل العادة منها، والتي من الممكن أن تتحقق في المراحل الاتية:
1_ مرحلة الأمد القصير: وهي مرحلة سياسات الإغاثة والاستجابة الإنسانية السريعة، ولاسّيما للنازحين في مخيمات النزوح، وتتصل بأهداف تتولى إيـــواء العوائل النازحـــة ومتابعـــة أوضاعهـــم ومعاناتهم والســـعي لحلهـــا، مع توافر خدمات رئيسة فـــي المخيمات (صحـــة وتعليم)، وزيادة تخصيصات الإنفاق على برامج الاغاثة للنازحين وتغطية حاجاتهم الضرورية من المأكل والملبس.
2_ مرحلة الأمد المتوسط : وهي مرحلة إعادة النازحين وتوافر الخدمات الأساس في مناطق ما بعد النزاع، وتلبيـــة إحتياجـــات إعادة الإستقرار والعـــودة الأمنة والمســـتدامة للنازحيـــن إلـــى مدنهـــم وفـــق مجموعـــة معطيـــات ذات أولويـــات وأهمها، إعادة اصلاح البنى التحتية العامة الأساس والأشد إلحاحـــاً (خدمات الماء والكهرباء والصرف الصحي مع تشـــغيل فرق لفتح مســـارات النقـــل وإزالة الأنقاض ومخلفات الحرب)، وإعادة تأهيل المدارس والمراكز الصحية والمباني الخدمية، وتشغيل منشآت الاعمال العامة والخاصة لتقليل معدلات البطالة للعوائل العائدين وتشجيع الأخرى للعودة.
3_ مرحلة الأمد الطويل (المستدام): وهي مرحلة البناء والتثبيت، والتي تتمثل بما يأتي:
أ- ربط خطة إعادة الإعمار في المناطق المحررة بالخطط التنموية وأجندة التنمية المستدامة.
ب_ الشمولية في الرعاية مع أسبقية الفئات الأكثر تضرراً، وضمان الحلول المستدامة للنازحين داخلياً بالإعتماد على منهج الحق في العودة والإندماج.
ج_ تظافر الجهود الرسمية والشعبية للعمل على وقف العوامل المشجعة للهجرة القسرية، والقضاء على الاسباب الجذرية للعنف، مع إستمرار عمليات المصالحة المجتمعية.
د_ ضمان معالجة النزاعات على الأراضي والممتلكات وحالات الزواج، ولاسّيما أنًّ التنظيمات الإرهابية سيطرت ولمدة أكثر من ثلاث سنوات في بعض المناطق، وباشرت معاملات البيع والشراء والزواج والحكم وفق أسسها بعيداً عن قوانين وأنظمة الدولة العراقية.
ه_ العمل على تحسين مستويات دخل العوائل العائدة وتوافر فرص عمل والمشاركة في إعادة الاعمار عبر ايديها العاملة، وتحسين مستوى الخدمات المقدمة، ولاسّيما في المناطق الريفية ولو بشكل نسبي لتشجيع العوائل النازحة من تلك المناطق للعودة اليها، إذ تشير العديد من الدراسات أن نسب كبیرة من هذه العوائل لا ترغب في العودة الى مناطقها، لإفتقارها لمقومات الحياة الأساس لأغلب المناطق الريفية اُسوة بالمدن الكبيرة الأخرى.

إنًّ سياسات إعادة توطين النازحين في مرحلة ما بعد النزاع والحرب، ستٌفضي الى تعزيز قدرة النازحين والمجتمعات المضيفة على مواجهة الصدمات وتقوية عناصر الصمود، ووضع الأُسس السليمة للعدالة والسلم المجتمعي، وتوطيد فرص السلام والحيلولة دون الرجوع لإنتكاسة العنف لكونها توفر مشاركة حقيقية للجميع في إعادة بناء المجتمع والدولة، ومن ثم تهدم الفجوة بين أفراد المجتمع من جهة، وبين المجتمع والدولة من جهة أخرى.
التوصيات:
1_ إعادة توطين النازحين وتوافر مقومات الحياة الأساس، وفي المراحل كافة من مخيمات النزوح وصولاً الى عودتهم، ومن ثم الإجراءات المستدامة لتعزيز فرص السلم والتعايش الاهلي.
2_ تخفيف الفقر وتخفيض معدلات البطالة المرتفعة، ولاسّيما في المناطق المحررة، عبر شمولهم ببرنامج الإقراض بٌغية اَنشاء مشاريع صغيرة، وخاصة لخريجـــي المعاهـــد والكليـــات والاعداديات، وإصلاح نظام البطاقة التموينية وتحسين نوعية مفرداتها، وتحسين واقع الخدمات الصحية وإعادة تأهيل وبناءً المستشفيات والمراكز الصحية العامة، مع ضرورة توافر حماية اجتماعية افضل للمواطنين الفقراء ومحدودي الدخل.
3_ النهوض بواقع المرأة عبر وسائل التمكين الإقتصادية والمعرفية لتعزيز دورها في عملية البناء والتنمية تجسيداً لمبدأ تكافؤ الفرص وإنعكاسه الإيجابي في رفع الوعي الاٌسري في الأجيال القادمة وتحسين ظروف التنشئة الإجتماعية المناهضة للعنف.
4_ ضرورة أن تتولى المؤسسة الدينية ترسيخ ثقافة السلام والتسامح عبر الخطب الدينية والمحاضرات والمناسبات وتوضيح جوهر الإسلام الذي يعتمد على اللاعنف في أداء رسالته السماوية، وذلك لإسقاط ادعاءات قادة الإرهاب وزعاماتها لاسّيما أنهم وظفوا العامل الديني لتحقيق أهدافهم الخاصة، والإستعانة بخبراء مختصين سواء على صعيد الاعلام المقروء كالصحافة ووسائل التواصل الإلكتروني أم على صعيد البرامج والمواد المتلفزة لمواجهة التيارات الفكرية الضالة والمنحرفة التي تروج لها وسائل الاعلام المغرضة.
5_ إعادة إحياء التراث الثقافي وتشمل الجوانب المادية المكتبات والمتاحف والأماكن الأثرية ودور العبادة، أما الجوانب غير المادية كالممارسات والطقوس الدينية والإجتماعية والفنون وتقاليد أداء العروض والكرنفالات والمهارات المرتبطة بالفنون الحرفية التقليدية.
المصادر:
1_ وزارة التخطيط العراقية، خطة التنمية الوطنية للسنوات 2018-2022 .
2_ لهيب هيغل ، ازمة النزوح في العراق الأمن والحماية ، مركز حقوق المواطن ، (نيويورك /الولايات المتحدة الامريكية) ، 2017 .
3_ حازم صباح أحميد ، أزمة النازحين في العراق التحديات والافاق المستقبلية ، المجلة السياسية والدولية ، العدد (35-36) ، كلية العلوم السياسية ، الجامعة المستنصرية ، 2017 .
4_ هیلین محمد عبد الحسين، النزوح في العراق دراسة تطبيقية على النازحين الى مدينة النجف، مجلة مركز دراسات الكوفة، (المجلد 1، الإصدار 49)، مركز دراسات الكوفة، جامعة الكوفة، 2018.
5_ محمد محي محمد ، سياسات إعادة تأهيل مجتمعات ما بعد النزاع ( دراسة حالة العراق بعد عام 2014) ، دار دجلة ناشرون وموزعون، عمان ، 2019.

#محمد_محي_محمد_الجنابي (هاشتاغ)       Mohammed_Muhi_Aljanabi#          

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات