أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الحسين شعبان - ثقافة وحداثة














المزيد.....

ثقافة وحداثة


عبد الحسين شعبان

الحوار المتمدن-العدد: 6544 - 2020 / 4 / 23 - 00:31
المحور: الادب والفن
    


الثقافة فضاء رحب للتعاطي مع الحقول الأخرى الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والدينية والصحية والنفسية والبيئية وغيرها.
ليس تعالياً على الواقع حين يُقال إن مفهوم الوطن يتأسس على الثقافة، فهي الوعاء الذي يستوعب الهوية ويجسدها على نحو حي وواعٍ بتعبيرها عن الشعور بالانتماء، فحين يولد الإنسان فإن أجواء ثقافية فطرية يتربى فيها، وهذه عصارة تطور تاريخي ولغات وأديان وتقاليد وسلوك وفنون وميثولوجيات، وبالطبع فتلك ليست معطى ساكناً أو سرمدياً؛ بل هي مفتوحة وخاضعة للتغيير، حتى لو بقيت الأصول قائمة، فإن العديد من عناصرها ستتطور وتكون عرضة هي الأخرى لتغييرات جديدة، حذفاً أو إضافة، لاسيما علاقاتها مع الثقافات الأخرى تأصيلاً أو استعارة، تأثراً وتأثيراً، حتى وإن لم تأت دفعة واحدة، لكن عملية تراكم وتطور تدرجي طويل الأمد ستطالها، خصوصاً بالتأثيرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية على مستوى كل بلد أو على المستوى العالمي.
في عام 1992 قال الروائي الإسباني انطونيو جالا وفي حفل عشاء في مدريد على شرف مائدة وزيرة الثقافة السورية حينها نجاح العطار، هناك سيدة وخادمتان، أما السيدة فهي «الثقافة» في حين أن الخادمتين هما السياسة والاقتصاد، لكن الخادمتين استطاعتا أن تسرقا مكان «السيدة» وتجلسا محلها، ومهمتنا كمثقفين هي: إعادة السيدة إلى مكانها الطبيعي والخادمتين إلى عملهما الاعتيادي.
هناك من يغالي في هذه النظرة بجعل الثقافة نقيضاً للسياسة والاقتصاد أو عدواً لهما، في حين هناك من يرى أنها بالتوازي معهما يمكن أن تسهم في إعلاء شأن الاقتصاد وتعزيز العلاقات التجارية بين الأمم والشعوب، كما لعبت مثل هذا الدور منذ الحضارات الأولى لوادي الرافدين ووادي النيل والحضارتين الصينية والهندية وما بعدها، وإذا كان الحديث اليوم عن طريق الحرير الجديد «الحزام والطريق» فإنه تأكيد لدور العلاقات الثقافية في تعزيز العلاقات التجارية والسياسية السلمية، والتي بدونها لا يمكن أن تنتعش الثقافة أو التجارة أو السياسة.
وإذا كانت ثمة حساسيات ومنافسات في الكثير من الأحيان بين السلطتين السياسية والعسكرية والسلطة الثقافية، فلأن هذه الأخيرة لها قوة معنوية نافذة، لأنها
تمثل قوة المعرفة، أو «سلطة المعرفة» على حد تعبير الفيلسوف البريطاني فرانسيس بيكون، وإذا ما حظيت هذه السلطة باعتراف المجتمع بما فيها السلطتان السياسية والعسكرية اللتان بحاجة إليها؛ بل لا يمكنهما الاستغناء عنها، مثلما هي سلطة المال والاقتصاد، لأن هذه السلطات ستبدو عارية ودون غطاء مقنع وإنساني، وحين يتحقق مثل هذا التوافق يمكن للثقافة أن تنجز مهمتها الإبداعية مثلما للسلطات الأخرى أن تؤدي وظيفتها على أحسن وجه وبالتكامل.
ولهذه الأسباب سعى الطغاة والمتسلطون للهيمنة على الثقافة وتوظيفها لصالح سياساتهم الأنانية الضيقة، سواء باستخدام المثقفين في تزيين إجراءاتهم وتجميل سلوكهم أو «أدلجة» نهجهم، ناهيك عن حرق البخور لهم وإضفاء
نوع من «القدسية» فوق البشرية عليهم، وكان إدوارد سعيد قد أثار جدلاً كبيراً لم ينقطع بالأساس حول معنى ودور المثقف ووظيفته الإبداعية وذلك في كتابه «صور المثقف».
الثقافة بهذا المعنى مثل الحب؛ بل مثل فعل الحياة لا يمكن تجزئتها أو اقتطاع قسم منها، وهي بكل حقولها علوم وتكنولوجيا وعمران ورواية وقصة وشعر ومقالة ونقد ورسم ونحت ومسرح وسينما وموسيقى وغناء وكل أنواع الكتابة والإبداع، هي فضاء رحب للتعاطي مع الحقول الأخرى الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والدينية والصحية والنفسية والبيئية وغيرها.
لقد شكلت الستينات من القرن الماضي وعياً ثقافياً جديداً وعبّرت عن روح جديدة ولغة جديدة، في المضمون أولاً، ثم في الشكل، مثلما اقترنت التسعينات بحداثة جديدة وغير مشهودة من قبل، خصوصاً بالتخلص من الكثير من الأوهام الإيديولوجية وما ارتبط بها من أنظمة ومؤسسات ويقينيات، في إطار حساسية إنسانية جديدة ورؤية إبداعية مغايرة، بالارتباط مع نتائج الثورة العلمية- التقنية والثورة الصناعية في طورها الرابع، والذكاء الاصطناعي والطفرة الرقمية «الديجيتل» وتكنولوجيا الاتصالات والمواصلات والإعلام.
إذا كان التجديد سمة بشرية للعصور المختلفة، فإن الحداثة هي السمة الأكثر حضوراً لعصرنا الذي شهد لحظات انعطاف «ثورية» تاريخية هائلة وفائقة السرعة على صعيد العلم والتكنولوجيا بتوفر الشروط الداخلية والخارجية، والعوامل الموضوعية والذاتية، في إطار سلسلة من التراكمات والتحولات التي قادت إلى تغييرات نوعية، لأن الحداثة عملية كونية تاريخية مرتبطة بنضوج شروط وعيها وليست بشكلها فحسب، وبالتالي فهي ليست فضيلة أو رذيلة بقدر ما هي استكمال لفهم جديد للعالم وفاء للعصر المتميز الذي نعيش فيه.
يمكن القول إن الثقافة تعني خير الناس، وهي صيرورة حياتنا بكل معنى الكلمة لأنها تمثل عاداتنا وتقاليدنا وأفكارنا وتراثنا وآدابنا وأمزجتنا وسلوكنا وطريقة مأكلنا ومشربنا وملبسنا وعمارتنا وأساطيرنا وتفسير لكل ما نحن عليه.



#عبد_الحسين_شعبان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رفعت الجادرجي أثمة استعادة وتأصيل ل - الليبرالية العراقية-؟
- «كورونا» وقلم أينشتاين
- من دفتر الاختفاء القسري
- -الهندوية- وروح غاندي
- اليوم العالمي لمعرفة الحقيقة
- ماذا بعد الاتفاق الأمريكي مع طالبان؟
- الدرس الصيني
- عن فكرة الحوار والتكامل والأمم الأربع
- هل «الوطنية» من إرث الحرب الباردة؟
- مقدمة الطبعة الثانية لكتاب الهوية والمواطنة - الحاجة إلى الإ ...
- السرّ الأكثر علانية - العراق يتجه إلى المجهول
- د. شعبان: في العراق، لا بدّ من اعتماد آليات توحيد ديمقراطية ...
- الشيعة والشيعية السياسية- مقاربات سسيوثقافية -
- العنف الراديكالي
- التربية على الدولة المدنية
- لينين.. كراكوف وأوشفيتز
- طارق الدليمي: -الصديق اللّدود-
- «الصفقة» من منظور الداخل «الإسرائيلي»
- -قفص الدجاج -و - القوة الناعمة-!
- اقتصاديات الثقافة


المزيد.....




- سيطرة أبناء الفنانين على مسلسلات رمضان.. -شللية- أم فرص مستح ...
- منارة العلم العالمية.. افتتاح جامع قصبة بجاية -الأعظم- بالجز ...
- فنانون روس يسجلون ألبوما من أغاني مسلم موغامايف تخليدا لضحاي ...
- سمية الخشاب تقاضي رامز جلال (فيديو)
- وزير الثقافة الإيراني: نشر أعمال لمفكرين مسيحيين عن أهل البي ...
- -كائناتٌ مسكينة-: فيلم نسوي أم عمل خاضع لـ-النظرة الذكورية-؟ ...
- ألف ليلة وليلة: الجذور التاريخية للكتاب الأكثر سحرا في الشرق ...
- رواية -سيرة الرماد- لخديجة مروازي ضمن القائمة القصيرة لجائزة ...
- الغاوون .قصيدة (إرسم صورتك)الشاعرة روض صدقى.مصر
- صورة الممثل الأميركي ويل سميث في المغرب.. ما حقيقتها؟


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الحسين شعبان - ثقافة وحداثة