أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - السياسة والعلاقات الدولية - محمد عبد الشفيع عيسى - كورونا: مقدمة فكرية لظاهرة الوباء الكوني الراهن















المزيد.....

كورونا: مقدمة فكرية لظاهرة الوباء الكوني الراهن


محمد عبد الشفيع عيسى

الحوار المتمدن-العدد: 6541 - 2020 / 4 / 18 - 03:26
المحور: السياسة والعلاقات الدولية
    


-1-
اقتصاد عالمي متشابك، في بيئة "جيوبوليتيكية" ملغومة
لن يكون عالم ماقبل كورونا مثل ما بعده؛ هكذا يقول الجميع. ولكن ماهو الذي كان (قبل كورونا)؟ و الحديث هنا عن الاقتصاد العالمي بالتحديد.
لقد كانت تلك مقامرة خطرة حقا- أن يحاول أحد أطراف اللعبة التي أسهم هو في وضع قواعدها المستقرة منذ عشرات السنين، أن يعصف بها ويضرب بها عرض الحائط، كما يقولون، ليحاول النأي بها عن قواعدها، ويذهب بها باتجاه "المباراة الصفرية" الخالصة. ذلك ما قام به الرئيس الأمريكي دونالد ترامب و إدارته الراهنة، في مضمار التجارة المتبادلة مع شركائه الأقربين، وخاصة الصين، حين (قلب رأس المجنّ) و انقلب على ما كان قائما، و إن كان معه، من وجهة نظره، بعض الحق أو شيء من ذلك .
خلال ثلاثين عاما أو يزيد، شرعت الولايات المتحدة أبواب التجارة والاستثمار أمام الشركاء القدامى (أوربا واليابان) والجدد نسبيا( بلدان الشرق الأقصى وبعض من أمريكا اللاتينية خاصة المكسيك والبرازيل والأرجنتين) والجدد (لا سيما الصين) مترددة بين الفتح والإغلاق و "المواربة"، قبل وبعد إقامة "منظمة التجارة العالمية" 1994.
وفي سبيل ذك مضت الرأسمالية العالمية مطلقة السراح تماما بعد انهيار المنظومة السوفيتية عام 1990 لتعيد تشكيل العالم على مثالها الاقتصادي و أنموذجها الثقافي، ولكن في أسوأ صور الرأسمالية؛ و إنها ما تسمّي "الليبرالية الجديدة" التي قامت منذ منتصف السبعينات من القرن المنصرم بالحلول محل مذهب تدخل الدولة و "دولة الرفاهة" في كل من الولايات المتحدة و أوربا الغربية بصفة خاصة.
ومنذ أوائل الثمانينات، مع انفجار "أزمة الديون العالمية" في الدول النامية، وخاصة المكسيك، كانت الدول الغربية الرأسمالية بالقيادة الأمريكية قد أوكلت إلى "صندوق النقد الدولي" –بالاشتراك مع "البنك الدولي" -مهمة القيادة الحثيثة للنظام النقدي والمالي الدولي، بما في ذلك تصميم وإنفاذ صفقات الديون وفق برامج "التكيف الهيكلي" حيث الاستدانة المشروطة بشروط معلومة تحقق الأهداف المبتغاة من "الصندوق" و "البنك".
عند هذه المحطات الانتقالية إذن، مضت الرأسمالية العالمية، وفي تواريخ تقريبية: من تدشين "الليبرالية الجديدة" 1975، إلى القيادة المشروطة للمنظمتيْن: الصندوق والبنك 1984، و سقوط الاتحاد السوفيتي 1990، ومن بعد ذلك: فرض "منطقة اليورو" وفق منطق سوق الليبرالية الجديدة في 2000، ثم الخروج من مأزق الأزمة المالية 2008-2009 باستعادة فجّة(في أوربا) أو غير فجّة(في امريكا) للرأسمالية الاحتكارية النهمة ذاتها...وصولا إلى "أزمة كورونا" 2019-2020.
على طريق الأشواك ذاك، مضت تلك الرأسمالية الاحتكارية النهمة، وفق نسخة" الليبرالية الجديدة" بقيادة المنظمتين، في أمريكا واوربا خاصة منطقة اليورو ، تستعيد ماضيها البعيد وغير البعيد، حيث الشركات العملاقة عابرة الجنسيات، تخدم، و تخدمها، حكومات قصيرة النظر دائما، تدير الأزمات ولا تعالجها، كما هو الشأن طوال التاريخ الرأسمالي للعالم الكوني في العصر الحديث. و كعهدها دائما قامت وتقوم بتدويل الإنتاج وفق صيغة لتقسيم العمل وتوزيع المهام، على النحو غير المتكافيء المعروف، الذي قد أنتج ما هو معلوم من ممارسات "الاستعمار القديم" طوال أربعة او خمسة قرون متطاولة منذ فجر العصر الحديث في مطلع القرن السادس عشر، و من خلال "الاستعمار الجديد" في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية، ثم (مابعد الكولونيالية) معها ومعه.
هذه كورونا إذن، تطل علينا، بعيون "الليبرالية الجديدة" حيث تغيب الحكومات الكبيرة لصالح الاحتكارات العملاقة، ويغيب منطق الوظيفة الاجتماعية لصالح منطق الربحية، وتُشيّد مصانع الأسلحة وتخاض الحروب بدلامن بناء المشافي والمدارس والجامعات من أجل الجميع. وهي تطل علينا وقد غاب المنافسون الحقيقيون و الأغيار (السوفييت، و صين ماو تسي تونج) ليحل محلهم شركاء تابعون عسكريا أو منخرطون اقتصاديا في سلاسل الإنتاج المدوّل والموسع على نحو غير مسبوق. سلاسل تعملقت لتلْتهِم الجميع كبارا وصغارا، من "الصين الجديدة" إلى سنغافورة، ومن كوريا الجنوبية إلى البرازيل والأرجنتين والمكسيك، مرورا بماليزيا وربما تركيا وغيرها عديد.
هذا هو العالم الاقتصادي الكوكبي، الرأسمالي العالمي، الذي أفرز أزمتين كوْنيّتيْن في أقل من عقد زمني واحد (بين 2009 و2019)، عالم جديد قديم، لا يرحم منطق السوق والربح فيه. يسعى إلى العالمية الموسعة للرأسمال-باسم العولمة، عابرا من فوق الأقاليم-باسم "الإقليمية الجديدة" New Regionalism مؤسّسا الاتحادات –باسم الفيدرالية، حتى في عقر دار أوربا (الاتحاد الأوربي) ومقيما مناطق "الأسواق الحرة" في كل مكان: أمريكا الشمالية والوسطى (نافتا وما بعدها) و امريكا الجنوبية (ميركسور وغيرها) و إفريقيا (كوميسا وما حولها وما بعد الجميع: منطقة التجارة الحرة الثلاثية TFT) وآسيا (آسيان) وشراكة عبر آسيا والباسيفيكي، وشراكة عبر الأطلنطي. بينما تختفي أو تشحب التكتلات (القديمة) القومية حقا (الجماعة العربية). ومن خلف المشهد و أمامه، تطل من بعيد ومن قريب رايات الأنانية القومية لتسقط أوهام الاتحاد والكونية و "الأوروباوية"، حيث يسقط الاتحاد الأوربي في اختبار"بريكسيت"-خروج بريطانيا- ثم تحت سنابك كورونا على وقع أنين إيطاليا وأسبانيا، بينما تترك إفريقيا والمنطقة العربية وغرب آسيا للأقدار تقذف بها يمنةً ويسرةً، وإن كانت رفيقة بها حتى الآن، مع أقل قدر ممكن من ضحايا "الإصابات والوفيات".
تلك إذن هي كورونا، وهذا عالمها المهيب، الخائف المخيف، حيث الذي توقعناه من أثر هيمنة "الليبراليين الجدد" على المقادير، يصل إلى حد النذير بنهاية العالم الوشيكة، مع وصول التهديد البيئي والمناخي إلى أقصاه، بما يحمله من تهديد ممكن او فعليّ للأوبئة والمجاعات.
ذلك ما يمكن لنا أن نصفه بالتشابك الاقتصادي العميق، تحوطه بيئة "جيوبوليتيكية" ملغومة او مأزومة.
من أين و إلى اين إذن؟ ذلك ما نحاول السعي بين يديه الآن وغدا.
ولنبدأ بالسؤال من أين. فمن أين؟
عالم اقتصادي وصل بمنطق التوسع الرأسمالي المعولم، إلى أقصاه، إلى نقطة لم يبلغها من قبل، منطق السوق والثمن والربحية والاحتكارات، والنّهّم، وفيضان الأموال الهائمة الساعية، والنزوع إلى الهيمنة على أكبر رقعة جغرا-سياسية ممكنة، مع أنانية "قومانية" مفرطة في حقيقة الأمر. ذلك هو التشابك الاقتصادي الأقصى، تجسده سلاسل العرض Supply Chains سلاسل القيمة المضافة العالمية Global Value Added Chains تستأنف سيرة بدأتها منذ بدأت الرأسمالية كنظام عالمي خلال العصر الحديث. هو التشابك الذي لا يحدّه حدّ إلا منطق الربح، فتسعى إليه لاهثة (ولو في الصين..!) و تضحّي باعتبارات الاعتماد الذاتي، وتذهب إلى أبعد مكان على الكرة الأرضية لتخفض النفقة و تزيد الإيرادات وتعظّم العوائد الخالصة، وتكدس الأموال في خزائن الذهب الفيدرالية والبورصات العالمية و أسواق المال المعولمة في أي مكان، و كل مكان.
هذا عالم ماقبل أو (قبيل كورونا): تشابكٌ مختلط بالأنانية القومية، و تمتزج فيه تيارات الأرباح المائجة، بسيل الدم المهراق في حروب بلا نهاية ولا لزوم لها: من الحرب الكورية في مطلع الخمسينات، إلى حروب الهند الصينية وفيتنام في الستينات، إلى حروب الكيان الصهيوني ضد العرب منذ الأربعينات، إلى حروب الخليج الثلاثة في الثمانينات، وأفغانستان، عدا عن جولات التدخل العسكري المتقطعة هنا وهنالك، خاصة في أمريكا اللاتينية (الفناء الخلفي للولايات المتحدة).
وفي قلب التشابك الاقتصادي العظيم قبل كورونا، يشتعل التوجس "الجيو سياسي" المقيم بين طرفيْه الأبعديْن الأقربيْن : امريكا والصين. حيث ربْح برائحة الدم فإذا هي (أرباح دموية) إن شئت، وتجارة ممتزجة بالحرب، فإذا هي حرب تجارية كما نشهد ونعلم من سيرة (دونالد ترامب).
قد جاءت كورونا إذن محملة بعبق مزيج من العطر والدماء، وخليط للأصوات المتنافرة من صليل السيوف و رنين الذهب الأصفر و خشخشة "الأوراق خضراء الظهر"— الدولارات. وقد تُخْفي كورونا كل ذلك وقتا، ولكن هل تخفيه أبدا..؟
ذلك ما نحن غير مُتيقّنين من كُنْهِهِ، في عالم يسوده "عدم اليقين" كما يقال. ولكن فلنحاول فحص الأمر بعقل بارد نوعا ما، فيما يلي من حديث.


-2-

عودةٌ إلى أطروحة "التطور غير المتكافيْ"

كم هو متشابك هذا الاقتصاد العالميّ في عصر (ما قبل كورونا)، عصر توسع الرأسمالية العالمية بقيادتها الدولية الغربية ، بمركزها الأمريكي، على الصعيد الكوكبي، فيما يطلق عليه "العولمة. عالم وعصر حركة التدويل المتعاظمة على نحو غير مسبوق. عالم وعصر المال الدوار الهائم بغير انقطاع على مدار الساعة، كما يقولون، سعيا إلى تعظيم الأرباح وفق القانون المعهود للنظام الرأسمالي فيما يقال له بالإنجليزية Profit Maximization . ومع الربح نزاعٌ ثم صراع، ومن بعده حرب وحروب. ذلك ديدن الرأسمالية منذ نشأتها الأولى اعتبارا من القرن السادس عشر، ومن ثم تحولها إلى نظام دولي أوربي، فنظام عالمي بانزياحها العنيف، عنفا اعتباطيا ثم منظما، على الصعيد العالمي وراء البحار باتجاه قارات آسيا وإفريقيا و أمريكا وكذلك الأوقيانوسيا (استراليا ونيوزيلندا). من الهند والصين إلى مصر والمنطقة العربية إجمالا، مضت الرأسمالية العالمية تشيد منظومتها الاقتصادية ذات القوة كليّة القدرة، عبر مئات السنين، من "التجارة البعيدة" في عصر الرأسمالية الزراعية و التجارية الناشئة، خلال القرنين السابع عشر والثامن عشر، إلى الرأسمالية الصناعية المبكرة فالمتقدمة خلال القرنين التاسع عشر والعشرين، ممتزجة في طورها المتقدم بالرأسمالية المالية منذ آخر القرن التاسع عشر حتى أعقاب الحرب العالمية الثانية في منتصف القرن العشرين. تلك الرأسمالية المالية، رأسمالية المصارف الكبرى المشتغلة على نطاق كوني، بالإقراض الربوي، هي التي أطلق عليها "لينين" مسمّى "الامبريالية"؛ وهي التي كانت سمة الاستعمار الكلاسيكي، و من أبرز محطاته التاريخية في القرن التاسع عشر استعمار مصر بالرأسمال والديون و تأسيس الشركات.
و انظر إلى قصة إنشاءالسويس ثم احتلال مصر تدريجيا في عصر الخديوي إسماعيل والخديوي توفيق، تحت وطأة أزمة الديون، وصولا إلى فرض الحماية البريطانية عليها، وسلخها من رابطتها الرسمية مع الدولة العثمانية، مع اندلاع الحرب العالمية الأولى عام 1914، إلى بقية التاريخ المعروف. ولم ينقذ مصر من مصيرها كمستعمرة ثم شبه مستعمرة بريطانية سوى قيام ثورة 23 يوليو 1952، كما هو معروف أيضا.
مع ما يمكن تسميته بالرأسمالية التكنولوجية، خلال مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية، انطلق التوسع الرأسمالي، على النطاق الكوكبي، ليتكيف مع "عالم ما بعد الحرب"، حيث انبثق مكوّنان آخران: المنظومة الاشتراكية السوفيتية، و مجموعة البلدان المستقلة حديثا في القارات الثلاثة لآسيا وإفريقيا و أمريكا اللاتينية، ذات الزعامات التاريخية الناهضة، على غرار جواهر لال نهرو و جمال عبد الناصر و أحمد سوكارنو و كوامي نكروما. ومنذ أول السبعينات أخذت تعتمل متغيرات في غير صالح معسكر التحرر الوطني ذاك والمنظومة السوفيتية، في نفس الوقت الذي أخذت فيه المنظومة الرأسمالية العالمية تستغل قوة التقدم التكنولوجي، وتوظف قوة الدولة الاجتماعية وفق المذهب الكينزي، لتحقيق القوة بمعناه الشامل وتذهب بها، في نفس الوقت، باتجاه التدخل العسكري خارج الحدود و الحرب. ثم أن هذه المنظومة الرأسمالية الغربية بقيادتها الأمريكية أخذت تتحول منذ منتصف السبعينات بعيدا عن "الكينزية" باتجاه "الليبرالية الجديدة"-النسخة الرديئة من الرأسمالية- وتنشرها في عموم البلدان النامية، تحت مسمى "الإصلاحات" الموصى بها من صندوق النقد الدولي وقرينه البنك الدولي. في نفس الوقت، أخذت مسيرة التداعي السوفيتي تفعل فعلها، ومعها تراجع الصين ناحية الفوضى بُعَيْد وفاة ماو تسي تونج، وقبل وفاته. ويصبح المسرح مهيأ للانهيار التدريجي للسوفييت وخاصة منذ اواخر الستينات، و كذا لانزياح الصينيين –المتنازعين مع السوفييت منذ 1957 برغم وحدة المذهب الإيديولوجي- باتجاه الوقوع في (حِجْر) الأمريكيين بقيادة (نيكسون-كيسنجر) في 1972-1973. حينذاك، تفاعلت قوة التكنولوجيا في الغرب الرأسمالي، مع قوة آلة العنف العسكري والحرب، لتصنع واقع الزعامة على الصعيد العالمي، في خضم التآكل السوفيتي –الصيني، وتصاعد النفوذ الإسرائيلي في أحد أهم مسارح الصراع القطبي على الصعيد العالمي، المسرح العربي والشرق الأوسطي، بعد حرب أكتوبر 1973، ليتكون من كل ذلك نسيج للقوة جديد. وبالسقوط (الرسمي) للاتحاد السوفيتي عام 1990، والتحول الجذري، ولكن التدريجي، للصين باتجاه التحالف الفعلي مع الغرب، تهيأ الظرف "الجيوبوليتيكي" لتقدم الولايات المتحدة الأمريكية و لتحتلّ موقع كرسيّها على العرش، بوصفها القوة العظمى الوحيدة Lonely super Power .
وعن طريق صيرورة النظام الرأسمالي النظام الوحيد على سدّة القيادة للاقتصاد العالمي، تجارةً ومالاً واستثماراتٍ وغير ذلك، وصيرورة الولايات المتحدة، قوة عظمى وحيدة، في ظل اختفاء السوفييت، و في ظل خاص لاستمالة الصين حت تحولت من عدو سابق جدا ومن خصم بعد ذلك إلى شريك استراتيجي تُضخّ نحوه "الاستثمارات الأجنبية المباشرة" في شطرها الأعظم على الصعيد العالمي، وتُصوّب ناحيتها أعين الشركات العملاقة عابرة الجنسيات، تنقل إليها من عقر ديار أمريكا وأوربا مرافقها الإنتاجية والتكنولوجية، ثم لتصير قوة تصديرية عظمى باتجاه الغرب –القديم الجديد، وتحلّ، بمعنى معين، محلّ شريكه وحليفه العتيد: اليابان.
هكذا، أصبح المسرح الاقتصادي-السياسي العالمي جاهزا تماما للتوسع غير المسبوق في التجارة متعددة الاتجاهات، والاستثمارات المعقدة تكنولوجيًّا، عبر مسار لم يكن سابقا يخطر على بال : مسار الصين-أمريكا، فيما قيل له من جانب البعض في لحظة ما: Chin America.
امتدت منذئذ سلاسل للعرض السلعي والخدمي بين أمريكا و آسيا وأوربا، أو "سلاسل الإمداد" في تعبير آخر؛ و لكن آسيا هي في المركز والمنتصف، آسيا الشرقية بالتحديد، و قلب آسيا الشرقية الصين، ومن حول الصين ترتفع رؤوس أبرزها اليابان، وحواليْها تايوان وكوريا الجنوبية وسنغافوره وغيرها عديد. وهذه آسيا تحتكر لنفسها الشطر الأعظم من حركة المبادلات التجارية والمالية وتدفقات "الرساميل" والاستثمارات المباشرة وغير المباشرة. و مع توسع السلاسل تنتقل التكنولوجيا، ويرتفع معدل النمو، في تلك المناطق والبلدان من آسيا الشرقية دون غيرها حصرا إلى حدّ بعيد. فكأن السلاسل تحرر البعض من القيود، بينما تسجن البعض الآخر وراء أسوار تحجب الاستثمار ومنافع التجارة وتدفقات التكنولوجيا، ومع كل هذا: ضعف النمو.
إنه اقتصاد جديد إذن، ولكنه لم يوجد من العدم، وإنما سبقه تاريخ طويل رعته الرأسمالية العالمية كما أشرنا على امتداد قرون وعقود، لتعمم اقتصاد المبادلة، وتطور من خلالها "مراكز" Centers بينما يتكرس التخلف النسبي للأطراف Peripheries، بعيدة كانت او قريبة. هذه إذن نظرية "المركز والمحيط" التي أقامت بنيانها كوكبة من مدرسة فكرية نُعِتت بمدرسة "التبعية" و معها "المركز والأطراف" و "التبادل غير المتكافيء"، من قبيل أعلام في مقدّمهم راؤوول بريبيش و و إيمانويل والرشتاين و سمير أمين، ولفيف قليل. ولم لا؟ و قد حدّثت الرأسمالية عتادها المادي والمعنوي بالتكنولوجيا والابتكارات و "البحث والتطوير"؛ جددت نفسها كما قال فؤاد مرسي. فليس بمستغرب أن يستعاد تجدد الأفكار من جانب اليسار العالمي ليعيد عرض أطروحة "التشابك" الاقتصادي الدولي من مدخل "التطور غير المتكافيء" ذاته، الذي طالما تسيّد ساحة الفكر التنموي الدولي كأطروحة قابلة لاختبار الصدق الأكيد.
في هذا العالَم الاقتصادي إذن، عالم الربح، و من منطق الرأسمال، عبْر منطلق الهيمنة الكونية، واللاتعادل، ترعرع عالم "الليبراليين الجدد" الذين لا يبالون في سبيل تعظيم الأرباح بالبيئة أو الإصحاح البئي، و بالمحيط الحيوي لعيش الإنسان، ولو تناوشت هذا الإنسان أخطار التغير المناخي، ونهشته مخاطر الأوبئة والمجاعات.
في هذا المحيط المسموم، نبتت وكبُرت ثم انتقلت فانتشرت، فيروسات "الإنفلونزا الآسيوية" و "إنفلونزا الطيور والخنازير" و عائلة الفيروسات التاجية من "سارس" إلى "كورونا"، فلمذا يكون العجب..؟ ولكن لا عجب هنالك؛ فمن فيروس الرأسمالية الرديئة، تولد جميع الفيروسات.



#محمد_عبد_الشفيع_عيسى (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تأملات وشذرات حول الإيديولوجيا السياسية الصهيونية مع محاولة ...
- نظرات من نافذة -الاقتصاد السياسي- على عالم -ما قبل كورونا-
- الحلقة المفرغة لتداول السلطة في بلدان الوطن العربي و العالم ...
- الاقتصاد السياسي للفقر: سؤال النظرية والتطبيق (موجز)
- الليبراليون الجدد في الوطن العربي على مقاعد الحكم
- بيْن التجارة و السياسة، و من الطبيعة إلى الاقتصاد..!
- النهاية الوشيكة للعالم على أيدي الليبراليين الجدد..ونداء من ...
- سبعون عاما.. وخمسون..وأبعون.. فرصٌ ضاعت، وفرصٌ أخرى تلوح في ...
- إعادة الاعتبار إلى -نظرية المؤامرة- في الوطن العربي: بين الم ...
- الوطن العربي والثورة الرقمية: إعادة بناء الدولة الوطنية و تف ...
- البيئة الدولية للاستثمار الأجنبي المباشر في العالم
- أضواء على الحلقة المفرغة للسلطة السياسية في الدول العربية: ب ...
- ملاحظات ريفية و مدينية.. من مصر العربية
- العسكريون والسلطة السياسية في الفضاء التاريخي للعالم العربي- ...
- الثورة الحضارية الجديدة...هل نصنعها..؟
- هوامش حول النهضة العربية المغدورة
- الجغرافيا الاقتصادية للاستثمار الأجنبي المباشر
- النموذج الأساسي للممارسة السياسية العربية الراهنة، والتير ال ...
- الاقتصاد المصري ومستقبله في الأجل المتوسط: المتغيرات المحلية ...
- نحن و صندوق النقد الدولي: وصفة العلاج إلى أين..؟


المزيد.....




- رصدته كاميرات المراقبة.. شاهد رجلًا يحطم عدة مضخات وقود في م ...
- هل تعلم أنّ شواطئ ترينيداد تضاهي بسحرها شواطئ منطقة البحر ال ...
- سلطنة عُمان.. الإعلان عن حصيلة جديدة للوفيات جراء المنخفض ال ...
- في اتصال مع أمير قطر.. رئيس إيران: أقل إجراء ضد مصالحنا سيقا ...
- مشاهد متداولة لازدحام كبير لـ-إسرائيليين- في طابا لدخول مصر ...
- كيف تحولت الإكوادور -جزيرة السلام- من ملاذ سياحي إلى دولة في ...
- محاكمة ترامب -التاريخية-.. انتهاء اليوم الأول دون تعيين مُحل ...
- حزب الوحدة الشعبية الديمقراطي الأردني في عمان يتقبل التهاني ...
- كاتس يدعو 32 دولة إلى فرض عقوبات على برنامج إيران الصاروخي
- -بوليتيكو-: الاتحاد الأوروبي بصدد فرض عقوبات جديدة على إيران ...


المزيد.....

- الجغرافيا السياسية لإدارة بايدن / مرزوق الحلالي
- أزمة الطاقة العالمية والحرب الأوكرانية.. دراسة في سياق الصرا ... / مجدى عبد الهادى
- الاداة الاقتصادية للولايات الامتحدة تجاه افريقيا في القرن ال ... / ياسر سعد السلوم
- التّعاون وضبط النفس  من أجلِ سياسةٍ أمنيّة ألمانيّة أوروبيّة ... / حامد فضل الله
- إثيوبيا انطلاقة جديدة: سيناريوات التنمية والمصالح الأجنبية / حامد فضل الله
- دور الاتحاد الأوروبي في تحقيق التعاون الدولي والإقليمي في ظل ... / بشار سلوت
- أثر العولمة على الاقتصاد في دول العالم الثالث / الاء ناصر باكير
- اطروحة جدلية التدخل والسيادة في عصر الامن المعولم / علاء هادي الحطاب
- اطروحة التقاطع والالتقاء بين الواقعية البنيوية والهجومية الد ... / علاء هادي الحطاب
- الاستراتيجيه الاسرائيله تجاه الامن الإقليمي (دراسة نظرية تحل ... / بشير النجاب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - السياسة والعلاقات الدولية - محمد عبد الشفيع عيسى - كورونا: مقدمة فكرية لظاهرة الوباء الكوني الراهن