أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - عبد السلام انويكًة - ابن هيدور وأوبئة مغرب العصر الوسيط















المزيد.....

ابن هيدور وأوبئة مغرب العصر الوسيط


عبد السلام انويكًة
باحث


الحوار المتمدن-العدد: 6540 - 2020 / 4 / 17 - 00:14
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


لازمت جوائح الطبيعة بلاد المغرب بشكل دوري مند العصر الوسيط، وما حصل على امتداد قرون من أوبئة ومجاعات بالبلاد من شدة وقعها على عدة مستويات، لا تزال علاماته قائمة ممتدة عبر ذهنيات ونفسيات وسلوكات واعتقادات وغيرها. وبقدر ما يسجل من شبه صمت لمصادر الخبر التاريخي المغربية حول هذه القضايا، باستثناء اشارات خاطفة لا تسمح بما هو شاف وكاف. بقدر ما حصل من اقبال لأبحاث ودراسات تاريخية حديثة على قضايا أخرى غير هذه، مما جعل موضوع الآفات والطبيعية بحيز تراكم محدود أو يكاد يكون.
وفي علاقة بجوائح مغرب العصر الوسيط، يظهر أن كل جهة من جهات البلاد واجهت ما حل بها من محن وفق وضعها ونمط عيشها ومعيشها وثقافتها وامكاناتها، فكانت بأحداث وأسرار وعقليات وسلوك وتدافعات. وعليه، فإن إبراز وكشف ما هو محلي ذو علاقة في هذا الاطار أمر بالغ الأهمية من أجل تراكم داعم لِما هو شامل من نصوص وحقيقة تاريخية نسبية، من خلال رصد ما حصل من افرازات ثقافية واجتماعية لا يزال بعض شتاتها وأثاثها عابراً لزمن المغرب والمغاربة هنا وهناك بين بوادي ومدن.
وعلاقة بمدن مغرب العصر الوسيط وبواديه دون فاس ومراكش بحكم علاقتهما بالسلطة المركزية لهذه الفترة، لا نجد أي شيء عما عرفته من أوبئة مثلاً زمن الموحدين، علماً أن البلاد كانت عرضة خلال حكم هؤلاء لطاعون في بداية سبعينات القرن السادس الهجري، قالت مصادر تاريخية أنه اقتصر على مراكش وأحوازها. وهو ما يطرح سؤال طبيعة المعلومة التاريخية حول انتشار الوباء، ولِما قد يكون حصل منه ببلاد الأندلس وسلا وغيرها من جهات البلاد علماً أن الوباء عمر لمدة تجاوزت السنة. هذا باستثناء نص عن زمن بني مرين جاء فيه:" انتهى أمر هذه السنة(..) الشهباء .. ممسكة شحاً كلما موهت بالقزع تلاشى هلهله، وفشا دخانه وظهر الطاعون بأرض.. وما الى ذلك لكونها لم تستأثر ببلالة رحمة مما قسم الله لغيرها، الى ما أصابها من معرة الفتة..واستهدف من بها الى هلكة المجاع وفشو الموتان.. ففي هذا العشر الآخر..عظم الجفاف وعصفت الريح الرجف تنقل الهضب قبل ارتداد الطرف وتبدل أعيان الأرض وتعاجل حلاق لمم النبت، فصيرت وجه الأرض كمطارح خبث الحديد أمام مضارب البيد يبساً وقحلاً وعقراً للأرجل وعصياناً على الشابك واحرقت ما كان قد نجم من باكر البذر ".
ومن وقائع الطبيعة التي ضربت بعض مناطق البلاد بداية العقد الثاني من القرن الثامن الهجري على عهد بني مرين، ما حصل من أمطار عاصفية وسيول رهيبة أحدثت جرفاً وانجرافاً وتدميراً وتخريباً. جاء عنها :" وفي سنة اثنين وعشرين وسبعمائة هبت ريح شديدة، واستمر هبوبها يومين بليلتهما هدمت الديار وقلعت الأشجار ومنعت الأسفار." ولاشك أن هذه الآفات الطبيعية كانت تترتب عنها سلوكات اجتماعية عدة من قبيل قطع الطرقات والنهب على اثر ما كانت تعرفه سلطة المخزن من ضعف."
ويتبين أن ضمن تاريخ المغرب الوسيط هناك محطات كبرى تشكلت بفعل أزمات طبيعية، لا تزال بقعاً مهملة بحاجة لمزيد من التفات الباحثين بتقدير المتخصصين من الدارسين. علماً أن ما تحتويه الحوليات التاريخية المغربية من مادة حول جوائح طبيعية هو بخجل كبير، بل ما جاء بها كان عرضاً في سياق حديثها عن مصاعب واجهت السلطة أساساً. فقد تم تدوين ما تعلق بمصائب البلاد في علاقتها بمن أرخ لها وتم اغفال الهوامش وما هو محلي، مما يزيد من صعوبة تكوين فكرة شافية حول الموضوع خلال هذه الفترة، فضلاً عن كون ما ورد في ثنايا المصادر لا يتجاوز اشارات متفرقة يصعب معها تحقيق تتبع دياكروني.
ويتبين أيضاً أن هذا المجال بحاجة لدراسات تاريخية أكثر انفتاحاً وفق مداخل زمنية واجتماعية وبيولوجية وطبية..، في أفق ورش من شأنه تعقب الموضوع من خلال زوايا ومقاربات متعددة. لبلوغ نصوص أكثر تجاوباً مع ما هو مطروح من اشكالات ذات صلة، منها على سبيل التقدير فقط إرث مغرب العصر الوسيط الوبائي عن العصور الكلاسيكية.
ولن يتطور هذا سوى بما ينبغي من استنطاق لمخطوطات الخزانات العلمية العلمية، لتتبع مسار قضايا شكلت نقاطاً محورية في تاريخ البلاد يصعب القفز عليها. فالآفات الطبيعية التي عصفت بالمغرب منذ العصر الوسيط لا شك أنها كانت بآثار على أكثر من مستوى، وما أصابه من وباء كان يأتي كجزء من جائعة طاعونية تواترت ضرباتها على نحو حلقي كل عدة سنوات لدرجة المائة سنة، ولم تكن تختفي إلا بعد اطاحتها بحياة أعداد هائلة من العباد.
ولا شك أن ما ضرب المغرب من جوائح طبيعية على امتداد قرون، هو بحاجة لفرق بحث يحضرها مؤرخون وسسيولوجيون ونفسيون سلوكيون وانتروبولوجيون واقتصاديون ومجاليون ومناخيون..، في أفق تأطير أمكنة البلاد وأزمنتها في علاقتها بما حصل من موجات وبائية فاصلة، كذا مقاربة مفاهيم وتتبع أثر وإبراز مظاهر وتحليل أسباب وسبل وقاية وأنماط تفاعل، فضلاً عما ترتب من خوف وشعور وردود فعل. وفي اطار ورش تاريخ البلاد الاجتماعي وما ينبغي أن يكون، بقدر الحاجة لِما يمكن أن يسهم به البحث التاريخي في بعده المحلي وعياً برأي "ميشيل فوكو" "لا تاريخ دون تاريخ محلي"، بقدر الحاجة لنماذج من كتابة تاريخية يطبعها تجديد نظري ومعرفي، لتجاوز أحادية نظرة تجاه اشكالات ذات طبيعة تاريخية اجتماعية.
تبقى أهمية الاشارة الى أن ما هو متوفر من معلومة مصدرية، أمر لا يسعف الباحث على تتبع أثر جوائح مغرب العصر الوسيط مثلاً وتكوين فكرة حول امتدادها بالمدن والبوادي. وبالتالي صعوبة تأطير ما هو محلي حول الموضوع عن هذه الفترة، علماً أن ما أوردته مصادر عنها ارتبط فقط بفاس ومراكش لمركزيتهما في البلاد. ففي هذه الأخيرة زمن الموحدين ورد حديث عن وباء 571- 572ه، وقيل أنه كان يموت بسببه ما بين المائة والمائة وتسعين ضحية يومياً. وأنه شمل جميع فئات المجتمع دون استثناء، بل أصاب الخليفة يوسف ابن عبد المومن وأخاه أبا حفص وكاد أن يأتي عليهما وأن المدينة تم عزلها نهائياً عن باقي البلاد،"وفي هذه السنة وهي سنة احدى وسبعين نزل الوباء والطاعون بمراكش ولم يعهد مثله فيما تقدم من الأزمنة قبله."
يظهر أن مؤرخي العصر الوسيط من المغاربة لم يكونوا بقدر وافر من التفاعل مع جوائح الفترة، اللهم ما جاء عرضاً في سياق حديثهم عن مصاعب واجهت السلطة. بل دونوا ما تعلق بها في علاقتها بأطراف أرخوا لها وأغفلوا هوامش البلاد ومناطقها البعيدة. ويفسر شح الوثيقة في الكتابة التاريخية حول هذه الفترة، ما كان عليه المؤرخ المغربي من ميل للإديولوجية الرسمية في كتابة مصنفاته، وبالتالي عدم استحضاره لقضايا الهوامش. وحتى صاحب "تحفة النظار" اكتفى بالإشارة لموتى مدن المشرق بالوباء وسكت عن أحوال ما حصل بالمغرب علما أن أمه توفيت من جراءه، وكان الأمر بالنسبة اليه مناسبة لذكر ما حصل لكنه لم يفعل.
ولعل ممن تفاعلوا مع جوائح مغرب العصر الوسيط من فقهاء هذه الفترة وعلمائها، نجد ابن هيدور التادلي الفاسي وقد توفي بسبب مجاعة فاس أواسط العقد الثاني من القرن التاسع الهجري. ورد عنه في دراسات ذات صلة أنه جمع في حديثه عن الوباء بين تفسيرين الأول علمي والثاني خرافي، بحيث بقدر ما يصل بداية وبحس علمي بين هواء وفساد نظام تغدية وبين حلول وباء، بقدر ما نجده بتفكير خرافي جعل فساد الهواء وتغيره مرتبطاً بحركة أجرام وكواكب مفسدة للمزاج، ما يعني جدل علم وخرافة في عقلية مثقف مغرب العصر الوسيط وفيما طرحة ابن هيدور واقترحه لعلاج وباء الطاعون.
علماً أن ما حصل من نزيف بشري بسبب الطاعون "الوباء الوابل"، دفع لوضع تصانيف بخصوصه من قبل كتاب قبل مقالة ابن هيدور التادلي بحوالي قرنين من الزمن على الأقل. وكان هذا الأخير قد تحدث عن العلاقة بين كوارث الطبيعة وضيق العيش وتدهور أحوال الناس من شدة ارتفاع الأسعار وقلة المواد، مضيفاً أن ارتفاع الأسعار يكون سبباً في انتشار الوباء وأحياناً نتيجة له. بحيث أورد في مقالته حول ماهية المرض الوبائي، والتي تسمى أيضاً بالخطبة المكية في الأمراض الوبائية وهي مخطوطة بالخزانة الحسنية بالرباط:" اذا كان الغلاء وطال واشتدت اسبابه لزم عنه الوباء وهذا علم صحي." عبد السلام انويكًة



#عبد_السلام_انويكًة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ليس هناك تاريخ دون تاريخ محلي
- قراءة في مؤلف تاريخ الأوبئة والمجاعات بالمغرب للمؤرخ محمد ال ...
- تازة.. رقصة - تْشْكَلَّلْ - البدوية
- حول ورش النتائج في العمل الاداري
- تازة.. صفحات من تاريخ مدينة
- تازة: حول المسافة بين التأليف والتنوير وبين عِلَّة نعت الآخر ...
- تازة والفقيه الزرهوني .. أي تاريخ وبحث وتدقيق وأي نظر وتحقيق ...
- تايناست .. في أفق ربيع احتفائي تراثي يليق بعظمة جبل ومنتجع..
- ثريا الجامع الأعظم بتازة..
- المذكرات وتاريخ المغرب الراهن..
- الخزانات العلمية التاريخية بالمغرب .. تازة نموذجاً
- تازة .. الفقيه الشنقيطي في ذاكرة المدينة الوطنية..
- تازة: المقدم النويكًة والتراث العيساوي بالمدينة..
- فيلم الهايم يملأ سماء تازة درساً وفرجة معاً..
- مجلة جسور للتربية والثقافة والبحث العلمي
- بستيون تازة .. تاريخ رمزي شاهد..
- الأغنية المغربية.. من زمن قممٍ ونغم الى زمن ضجيجٍ منظم.
- من الرمزي التراثي القروي بالمغرب..
- شجرة عطر الربيع بالمغرب
- في الحاجة الى رد الاعتبار لشجرة النارنج بالمغرب


المزيد.....




- شاهد ما كشفه فيديو جديد التقط قبل كارثة جسر بالتيمور بلحظات ...
- هل يلزم مجلس الأمن الدولي إسرائيل وفق الفصل السابع؟
- إعلام إسرائيلي: منفذ إطلاق النار في غور الأردن هو ضابط أمن ف ...
- مصرع 45 شخصا جراء سقوط حافلة من فوق جسر في جنوب إفريقيا
- الرئيس الفلسطيني يصادق على الحكومة الجديدة برئاسة محمد مصطفى ...
- فيديو: إصابة ثلاثة إسرائيليين إثر فتح فلسطيني النار على سيار ...
- شاهد: لحظة تحطم مقاتلة روسية في البحر قبالة شبه جزيرة القرم ...
- نساء عربيات دوّت أصواتهن سعياً لتحرير بلادهن
- مسلسل -الحشاشين-: ثالوث السياسة والدين والفن!
- حريق بالقرب من نصب لنكولن التذكاري وسط واشنطن


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - عبد السلام انويكًة - ابن هيدور وأوبئة مغرب العصر الوسيط