أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - علي المدن - هل فكَّر محمد باقر الصدر بالإشكالية الهيومية؟















المزيد.....

هل فكَّر محمد باقر الصدر بالإشكالية الهيومية؟


علي المدن

الحوار المتمدن-العدد: 6539 - 2020 / 4 / 16 - 13:33
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


واجه حقل الأخلاقيات في الفكر الغربي أشكالا عديدة من النقاشات المعمقة، يعاد في كل مرحلة تفكيك ونقد التصورات السابقة، ومن بين تلك المراحل:
- مرحلة تنامي القلق الديني في نهاية العصور الوسطى الذي أفضى إلى الإصلاح البروتستانتي.
- مرحلة تنامي الشعور بالكرامة الانسانية في عصر النهضة الذي أفضى الى تأسيس مفهوم الشخص.
- مرحلة تنامي الثقة بالعقل في القرن السابع عشر الذي أفضى الى اخلاقيات الكرم والحريّة.
- مرحلة تنامي الشكوك المنهجية النقدية في القرن الثامن عشر التي كرست اخلاقيات السعادة أو الواجب.
- مرحلة تنامي الارتياب بالوعي التي امتدت من هيكل إلى فرويد، مرورا بماركس ونيتشه، والتي كرست أخلاقيات ما وراء الخير والشر.
- وأخيرا نشهد مرحلة العودة للسؤال الأخلاقي بعد تفكيك كل اليقينيات والإطاحة بكل المرجعيات، والدعوة لأخلاقيات المسؤولية القائمة على التواصل الإنساني الحكيم الحر (ريكور، هابرماس، ... ).
في كل هذا المسارات النقدية نرى أن لحظة ظهور الإشكالية الهيومية (نسبة إلى الفيلسوف الأسكتلندي ديفيد هيوم 1711 - 1776 م) كما في عرضها الأجود الذي قدمه هيوم في كتابه (تحقيق عن مبادئ الأخلاق) في عام (1751)، هي لحظة مميزة تاريخيا، وذلك لأنها حولت التفكير الحديث في الأخلاق إلى "معضلة" فلسفية ومنطقية.
كيف حدث ذلك؟
لن أخوض في تفاصيل التأويلات المقدمة للإشكالية الهيومية وما لها من الفضل في إثراء النقاش المنطقي / الفلسفي الحديث حول الأخلاق وتشعبه إلى مدارس واتجاهات معاصرة عديدة، بل سأكتفي بعرض أحد التعاريف الموجزة لهذه الإشكالية، التي يعرفها دارسو الفلسفة، يفي بالغرض الذي يعيدنا إلى محمد باقر الصدر.
يذهب هيوم إلى أن اشتقاق الأحكام القيمية من الأحكام الوقائعية أمر مستحيل منطقيا، فلا يمكن أن ينتج (ما هو كائن) حكما من نوع (ما ينبغي أن يكون)، وذلك بسبب اختلاف الرابطة المنطقية بين هذين النوعين من الأحكام، فبينما أحكام الواقع تقوم على رابطة الوجوب والضرورة، نجد أن أحكام القيمة لا تنطوي على هذا الوجوب والضرورة (بل هي جائزة وقابلة للاستثناء)، وهذا يجعل استلال الأخيرة من الأولى مستحيلا.
هذا الاعتراض خلّف جدلا هائلا في كتابات الفلاسفة المعاصرين واللاحقين لهيوم، واضطر أغلب الفلاسفة إلى تحديد موقفهم منه قبل الدخول في أي تنظير جاد حول فلسفة الأخلاق.
بالعودة إلى محمد باقر الصدر نجد أنه تطرق في عدة مواضع من دراساته في أصول الفقه إلى مسائل ذات صلة بحقل الأخلاقيات. كان من بين أهم تلك المسائل موقفه من المحاذير التي ذكرها البعض عند الرد على رأي المحدثين القاضي بمنع الاستدلال بمدركات العقل العملي في كشف الأحكام الشرعية. فقد ذهب أصحاب المدرسة الأخبارية من الإمامية إلى أن مدركات العقل العملي عرضة للاختلاف تبعا لاختلاف أعراف وتقاليد وعادات هذا المجتمع أو ذاك، وأن هذه الاختلافات تمنع حصول الثقة بأحكام العقل العملي في مجال التشريع. فاعترض البعض على رأي هؤلاء الأخباريين بالقول إنه يلزم عنه عدة محاذير لا يمكن الالتزام بها، منها: انسداد باب إثباتّ نبوة جميع الأنبياء! لأن الاستدلال على صحة تلك النبوات وثبوتها متوقف على توظيف مقدمة عقلية عملية، وهي "قبح" ظهور المعجزة على يد الكاذب من قبل الله، فلو كنا أنكرنا قدرة العقل العملي على إدراك هذه القضية (قضية "قبح" ظهور المعجزة على يد الكاذب؛ لأنه تغرير بالإنسان من قبل الله، والتغرير قبيح، فلا يفعله الله) لم يعد بإمكاننا الاستدلال على إثبات صدق مدعي النبوة الذي ظهرت المعجزة على يده، وهذا يفضي إلى القول بعدم إمكان إثبات النبوات، وهو ما لا يلتزم به الأخباريون.
لقد أجاب الصدر على هذا المحذور بعدة أجوبة، نقضاً وحلاً، ما يهمنا من تلك الأجوبة النقضية هو الثاني. يقول الصدر: (إن هذه المقدمة العقلية التي نضمها إلى المعجزة، وهي "قبح الكذب" قد يستبدلها المشكّك بمقدمة عقلية من العقل النظري، فيبدل قضية "قبح الكذب" بقضية "منقصة الكذب"، فإن النقصان منفي عنه تعالى بالعقل النظري، لأنّ المطلق لا نقصان فيه بوجه. إذن، فنحتاج إلى بحث في إمكانية تحويل المقدمة العقلية المذكورة، من دعوى "قبح الكذب" إلى دعوى "منقصة الكذب"، و المنقصة غير القبيح، إذ ليس كل منقصة قبيح، فالجهل نقص، لكنه ليس قبيحا في كثير من الأحيان، والنقص منفي عنه تعالى بالعقل النظري، لأن النقص حد، والمطلق لا حد فيه) (عبدالساتر: 8/ 352).
لقد رأى البعض أن كلام محمد باقر الصدر هذا على علاقة بالإشكالية الهيومية، وأن الصدر كان في صدد تذليل تلك المشكلة، ولكن الوقت لم يتح له لتفصيل ذلك وإيضاحه!! (كما ربما توحي به عبارة الصدر وفقا لتقريرات الهاشمي حيث ورد فيها الآتي: ويبقى بعد ذلك البحث عن كيفية تحويل القضية العملية إلى قضية نظرية وهو خارج عن هذا البحث) (الهاشمي: 4/ 136).
هل حقا كان الأمر كذلك؟
لنلاحظ أن الصدر كان يتحدث في سياق تحديد سعة أو ضيق مدركات العقل العملي، وكان جُلُّ همّه هو تصحيح الاستدلال القديم المؤسس على إثبات صدق مدعي النبوة عبر ظهور المعجزة على يده، سواء كان بالاستعانة بمقدمة عقلية عملية كما كان يفعل القدماء، أو كان باستبدال تلك المقدمة العقلية العملية أو تحويلها إلى مقدمة عقلية نظرية، كما يريد الصدر فعله. ومن الواضح أن هذا المسعى لا علاقة له بالبعد الفلسفي الذي كان تتمحور حوله إشكالية هيوم. إن إشكالية هيوم كانت حول استحالة "استلال" القضية القيمية "من" القضية الوقائعية، وهي مسألة تختلف عن محاولة الصدر الرامية إلى "تحويل" القضية العملية "إلى" قضية نظرية. ما فعله الصدر هو استبدال مقدمة "قبح الكذب" العملية الموظَّفة في دليل إثبات صدق مدعي النبوة الذي ظهرت المعجزة على يده بقضية نظرية هي "منقصة الكذب". وحيث أن هذه القضية منفية عن الذات الإلهية، لأن الدليل قائم على كمال ذاته وعدم نقصها، يكون ظهور المعجزة على يد مدعي النبوة دليلا على صدقه.
وهذا النوع من الاستدلال الذي مارسه الصدر في هذه القضية يشبه ما فعله فخر الدين الرازي من الأشاعرة في الاستدلال على أن الله خلق النظام الأصلح في هذا العالم، فإن الأشاعرة لم يستدلوا على ذلك بأن خلق النظام الأصلح "واجب" على الله، كما فعل المعتزلة، لأن فكرة الواجب تستلزم القول بأن العقل يمكنه الحكم بحسن الأفعال وقبحها، وهم لا يقولون بذلك، فجاء الفخر الرازي وغيّر طريقة الاستدلال بالقول إن عدم خلق النظام الأصلح يستلزم "النقص" في الذات الالهية، وجعل هذا تفسيرا لصفة "الحكمة" في الله، فهو "حكيم" بمعنى أنه "لا نقص فيه".
الخلاصة التي ننتهي إليها إن محمد باقر الصدر لم يكن في بحثه الأصولي في صدد الإشارة إلى الإشكالية الهيومية، ناهيكم عن التفكير باقتراح حل لها، وعليه فإن القول بنسبة تلك المحاولة للصدر لا تعدو أن تكون تأويلا لا شاهد عليه.



#علي_المدن (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حقوق البصرة والبصريين أولاً
- داريوش شايگان: المتصوف الذي أرهقته أزمات الهوية
- أين هو الفكر السياسي العراقي؟
- الكرد وآخر حروب المنطقة
- ملاحظات حول آفاق التعليم الديني في المناهج الأساسية العراقية
- اختلافات البيت العلوي في فهم خطبة الغدير
- الفردانية ورهاب العقيدة الجمعي
- الإمام علي بن أبي طالب ووظيفة المؤرخ المحترف
- ملاحظات منهجية حول الدراسات الوردية
- ذاكرة الحقل السيكوتيني
- من الحماية والرفض إلى القصاص والنقد
- أزمة العقل التشريعي الإسلامي
- المرجعية الدينية والنقد السياسي
- المذهبية وتاريخ الكتاب الإسلامي
- المصالحة والتحديث
- النقد ونقص الحكمة
- مرتضى مطهري والموسوعات الفكرية ذات النزعة الإيرانية المركزية
- ما الذي يستفز الطائفي المخاتل؟
- مجتمعاتنا وتنمية المشاعر وتدريبها
- المرجعية الدينية المعاصرة ومفهوم العمل السياسي


المزيد.....




- نقار خشب يقرع جرس منزل أحد الأشخاص بسرعة ودون توقف.. شاهد ال ...
- طلبت الشرطة إيقاف التصوير.. شاهد ما حدث لفيل ضلّ طريقه خلال ...
- اجتياج مرتقب لرفح.. أكسيوس تكشف عن لقاء في القاهرة مع رئيس أ ...
- مسؤول: الجيش الإسرائيلي ينتظر الضوء الأخضر لاجتياح رفح
- -سي إن إن- تكشف تفاصيل مكالمة الـ5 دقائق بين ترامب وبن سلمان ...
- بعد تعاونها مع كلينتون.. ملالا يوسف زاي تؤكد دعمها لفلسطين
- السيسي يوجه رسالة للمصريين حول سيناء وتحركات إسرائيل
- مستشار سابق في -الناتو-: زيلينسكي يدفع أوكرانيا نحو -الدمار ...
- محامو الكونغو لشركة -آبل-: منتجاتكم ملوثة بدماء الشعب الكونغ ...
- -إيكونوميست-: المساعدات الأمريكية الجديدة لن تساعد أوكرانيا ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - علي المدن - هل فكَّر محمد باقر الصدر بالإشكالية الهيومية؟