محاور كتاب الامير لنيكولا مكيافيلي

الحسين افقير
كاتب مغربي .
(Houcine Oufkir)

الحوار المتمدن-العدد: 6527 - 2020 / 4 / 2 - 11:24
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    

تعد الأفكار السياسية المراَة التي تعكس الظروف والأوضاع التي عاشها المفكر، فالفكر نتاج واقعه لكن في الوقت ذاته قادر على تجاوزه، ومن ناحية أخرى فإن الأفكار لا تموت ويظل العقل الانساني منشغلا بذات المفاهيم والقضايا حتى وإن تعددت الإجابات واختلفت السياقات، ويرتبط تطور الأفكار أيضا بالنظرية السياسية في حقولها المختلفة، فقد تنوعت القضايا التي شغلت المفكرين والتي صنفها العقل الأكاديمي المعاصر تحت حقول مختلفة للعلم.
كما قلنا في البداية لكل فترة زمنية فكرها الخاص الذي تمتاز به، كذلك امتازت اوروبا في نهاية عهد الاقطاع وبداية العصور الحديثة بتطور كبير في نظمها السياسية، وبدأ الفكر السياسي ينتقل من صورته الدينية إلى صورة مدنية حديثة، ويمكن تلخيص مميزات العصور الحديثة في ما يلي:
- اضمحلال النظام السياسي الاقطاعي
- ظهور الدول الملكية القومية ذات النظام السياسي الموحد
- نمو التجارة الدولية واتساع المدن
- ضعف النظام البابوي واضمحلال سلطة الكنيسة في روما
وفي هذه الفترة ظهر مفكر إيطالي يدعى نيكولا مكيافيلي (1469-1527) لا بأس أن نستعرض نبذة عنه:
نيكولا مكيافيلي 1469-1527
كانت إيطاليا في عهد النهضة مقسمة إلى ولايات وإمارات صغيرة متسابقة في العداء والحروب، وكان يسيطر على عدد كبير من هذه الولايات حكم القراصنة والقوة، وفي هذا الجو السياسي المشحون ولد نيكولا مكيافيلي عام 1469 م في عائلة اشتهرت بخبراتها في الوظائف الإدارية. تعرضت إيطاليا لعدة غزوات اهتز خلالها توازن القوى الرئيسية الخمسة " البندقية وميلانو وفلورنسا ودولة الكنيسة ومملكة نابولي".
حاولت إيطاليا تحقيق وحدتها لكنها فشلت في ذلك، مما حذا بمكيافيلي أن ألقى باللوم على الكنيسة بسبب ضعفها ونفوذها الذي عاق الحكام الاخرين عن القيام بالعمل، كان مكيافيلي سكرتيرا للمستشارية الثانية لجمهورية فلورنسا التي تشرف على الشؤون الخارجية والعسكرية، واضحى من واضعي السياسة ومخططيها، حتى انه اختير في أربعة وعشرين بعثة ديبلوماسية، بينها أربعة لملك فرنسا، وعدة بعثات لروما وواحدة الى الامبراطور ماكسمليان، إلى أن وقع تغيير في الواقع السياسي، بعد أن قضى مكيافيلي ثلاثة عشر عاما في الحكم، فجاء الجيش الفرنسي من جديد إلى فلورنسا واضطر أهلها تحت ضغط الفزع والخوف إلى استدعاء اَل مديتشي الى السلطة، بعودة العائلة إلى السلطة في عام 1512 قامت بطرد مكيافيلي وسجنته لفترة وجيزة ثم كتب خلالها كتابه الأمير، كما كتب العديد من الكتب، لكن كتاب الأمير هو الأشهر من بين مؤلفاته، هذا المؤلف ضمنه عصارة تجربته وبعثه كإهداء الى لورينزو الجديد، هذا الكتاب الذي هو موضع دراستنا في الإجازة الأساسية للعلوم السياسية في مادة الفكر السياسي الحديث التي يشرف على تدريسها الأستاذ القدير عز الدين العلام.
مجمل الكتاب:
هذا الكتاب عبارة عن ملحوظات دونها مكيافيلي في المنفى بعد أن هاجم الفرنسيون فلورنسا، وطردوه من منصبه كسكرتير للمستشارية الثانية، ومن ثم قام بإهداء الكتاب الى أحد أفراد أسرة اَل مديتشي الحاكمة طمعا في أن ينال حظوة لديهم، وقد عدّ هديته دليل إخلاص وهي خلاصة أفكاره وما توصلت إليه ذهنه الوقادة.
منهجية الكتاب:
رسم طريقة منهجية للكتاب، جعل بعض عناوينه في صيغة سؤال، وهو مكون من ستة وعشرين فصل، ملتزم بتقديم مميز لكل فصل، يناقش فيه العنوان من وجهات نظر متعددة، وبعد ذلك يدلف إلى ابداء ما يراه، ويكثر من الاستشهاد بالأمثلة التاريخية والشخصيات القيادية القديمة والحديثة، كما انه يهتم كثيرا بالمقولات الحكيمة، والقواعد المنطقية وفي ختام الفصل يقدم ملخصا سريعا، وخلاصة لما أراد.
لذا في عرضنا البسيط سنحاول استخراج أهم الأفكار من فصول كتاب الأمير من خلال أهم المحاور التي أرشدنا إليها الأستاذ عز الدين العلام:
1 - محور الاخلاق والسياسة
2 - محور الدين والسياسة
3 - محور الجيش والدولة

1 – محور الاخلاق والسياسة
في كتاب الأمير هناك عدة فصول متناثرة تتناول مفهوم الاخلاق والسياسة وهذه الفصول هي على الشكل التالي:
الفصول 16 و17,18,23
صفات الأمير في هذه الفصول
في هذا الجزء يقترب مكيافيلي أكثر فأكثر من شخصية الأمير، فيتناول بالتفصيل عددا من الصفات التي تختلف من أمير لأخر والتي صنعت مجد البعض بينما دمرت حكم البعض الاخر. في هذا المؤلف يُغلِب مكيافيلي كفة القوة والدهاء في التعامل مع السلطة على كفة الاخلاق.
في الكرم والبخل:
في هذا الفصل ينصح مكيافيلي الأمير بألا يبالغ في مظاهر الترف ليحصل على شهرة السخاء، لأن بكرمه سيستنزف امكانيته المادية ويضطر بذلك الى إثقال شعبه بالضرائب مما يدفع بهذا الأخير الى التذمر وكره الأمير، وبسخائه يكون الأمير قد اضر بالكثير في سبيل منفعة الأقلية، ويضرب لنا مكيافيلي في هذا الفصل مجموعة من الأمثلة ( البابا يوليوس ......يوليوس قيصر.....ملك اسبانيا) كيف وصلوا الى السلطة بالكرم باستثناء ملك اسبانيا الذي كان بخيلا وببخله حافظ على الثروة التي مكنته من الانتصار في الحروب.

في القسوة واللين والمقارنة بين محبة الناس للأمير وخوفهم منه:
يبتدئ هذا الفصل قائلا: "كل أمير يود ان يكون معروفا بالرأفة دون القسوة ولكن ينبغي له أن لا يسيء استعمال الرأفة" ويعطي مثال عن سيزار بورجيا كيف كان قاسيا لكن قسوته هذه تجلب الأمن والأمان، لأن الأمير الذي يكون لينا ومتسامحا قد تتعرض بلاده للقلاقل والفتن، ويطرح مكيافيلي سؤلا مهما وهو أيهما أنفع للأمير ان يُحَبّ اكثر مما يُخشى أن يهاب اكثر مما يُحب؟ الجواب وحده عند مكيافيلي هو أن يكون محبوبا مهابا، لكن من الصعب أن تجمع بين الأمرين، لكن أن يخافوك الناس أفضل من أن يحبوك، والناس في نظره ناكرون ومراؤون ميالون الى تجنب الأخطار وطماعين، هم بجانبك طالما أنهم يستفيدون.
كيف يكون وفاء الأمراء:
فيما يخص الوفاء بالعهود يرى مكيافيلي بأنه لا مانع لدى كل انسان يدرك أن من الصفات المحمودة للأمير هي أن يكون صادقا في وعوده وشريفا، لكن تجارب زماننا دلت على أن الأمراء الذين ينقضون العهود قاموا بأعمال كبيرة، بمكرهم ودهائهم تمكنوا من الضحك على الناس، على الحاكم أن لا يحافظ على وعوده إذا كانت تضر بمصلحته، فالأمير مضطر للتطبع بطباع الحيوان يجب أن يقلد الأسد والثعلب، على الأمير أن يكون ثعلبا ليتقي المكائد والفخاخ، وأسد ليرهب الخصوم والذئاب.
في إقصاء المتملقين:
يجب على الأمراء أن لا يصغوا للآراء المنافقين المداهنين الذين تغص بهم حواشي الملوك والأمراء والتأثر بها، يجب على الأمير أن يحيط به رجالا عقلاء، ويترك لهم حرية قول الحق فيما يسألهم عنه، يجب أن يسألهم عن كل شيء، وأن يعرف أراءهم، ثم يتمعن في آرائهم ويخضعها للتحليل، ثم يقرر ما سيتخذه، أما الأمير الذي يسير على طريقة مغايرة فينساق متأثرا بآراء المنافقين، أو يبدل قراراته وفقا للآراء التي تطرح عليه، فإنه يفقد الاحترام والتقدير من محيطيه.
2- محور الدين والسياسة
يتناول مكيافيلي مختلف الطرق التي يتم الاستيلاء بها على الإمارة الجديدة، مبينا ما لكل منها من خصوصية على الأمير اخذها بعين الاعتبار، بما أن الموضوع هو محور الدين والسياسة، فإن الكتاب يتطرق لذلك في فصلين 9و11
في الامارة المدنية:
يتحدث عن الفرد الذي يصل إلى الامارة برضى المواطنين، هذا الارتقاء يسميه مكيافيلي بالإمارة المدنية، والوصول إلى هذا المكان يعود إلى قدرة الشخص أو الحظ أو عن طريق تأييد الجماهير أو بدعم من طبقة النبلاء، يتحدث لنا مكيافيلي عن ثنائية العامة والأشراف، والصراع الدائر بينهما، هذا الصراع الأزلي الممتد إلى يومنا هذا، الكل يريد الانتصار على الاخر، في نظر الكاتب فالأمير الذي يصل إلى السلطة بواسطة النبلاء يجد صعوبات كثيرة في الحفاظ على السلطة، اما الأمير الذي يصل إلى السلطة بواسطة الشعب يعجز عن تسيير دفة الحكم لأنه يجد نفسه محاطا بزمرة من النبلاء لا يمكن أن يسيير البلاد وفق رؤيته.
الأمير في هذه الحالة يجب أن يخلق نوع من التوازن، وأن يكون ميالا إلى الشعب بحكم كثرة عدده، عكس النبلاء القليلين.
في الكلام على الامارات الدينية:
المشكل في هذه الإمارات حسب مكيافيلي هو قبل احتلالها، والمحافظة عليها يخضع لتقاليد دينية عريقة، هذا نوع من الإمارات في نظره هي الأمنة والهادئة، لأنها محكومة بوسائل عليا لا يمكن للعقل أن يدركها فلن أتكلم عنها بشيء، لأنه مادام الله هو الذي يحفظها فمن الجنون أن يحاول الإنسان البت في امرها، تم يضرب لنا أمثلة عن باباوات كثر كيف جاءوا إلى السلطة الدينية والطرق التي سلكوها.
محور الجيش والدولة 3 -
يتحدث لنا مكيافيلي عن أساليب الحصول على دولة قوية، إذ يعتبر أن من يستطيعون المحافظة على مراكزهم أولئك الذين يملكون الرجال والمال ويستطيعون حشد جيش كاف ويصمدون في الميدان ضد كل من يهاجمهم.
في أنواع المحاربين والجنود الماجورة:
يقول مكيافيلي بأن الجنود المأجورة والمساعدة خطرة ولا نفع لها، فالأمير الذي يحافظ على ملكه بالجنود المأجورة لن يبقى واثقا من ملكه مطلقا، لأنهم لا يتحدون، فهم ذوو مطامع لا يخضعون لنظام معين، ولا أمانة لهم، فهي شجاعة امام الأصدقاء وجبانة أمام الأعداء، فالأمير الذي يعتمد عليهم فملكه سيزول مع الوقت، هذه الجنود لا ولاء لها لأحد فالولاء عندها للمال والغنائم.
في الجنود المعضدة والمختلطة والأصيلة:
يقصد بها جنود الدول القوية المجاورة التي يستعين بها الأمير عند الضرورة، هذه الجنود عديمة الفائدة أقرب الى الجنود المأجورة، رغم جودة هذه الجيوش لكنها جد خطرة على من يقوم بالاستعانة بها، حسب مكيافيلي هذه الجنود إذا خسرت فأنت مهزوم وإذا انتصرت فأنت اَسير لها وأعطى أمثلة عن ذلك.
واجبات الأمير نحو الجند المحارب
على الأمير أن لا يستهدف شيئا غير الحرب وتنظيمها وطرقها، وأن لا يفكر أو يدرس شيئا سواها، إذ أن الحرب هي الفن الوحيد الذي يحتاج إليه كل من يتولى القيادة، ولا تقتصر هذه الفضيلة القائمة فيها على المحافظة على أولئك الذين يولدون أمراء، بل تتعداها الى مساعدة الأخرين من أبناء الشعب على الوصول إلى تلك المرتبة، وكثيرا ما يرى الإنسان أن الأمير الذي يفكر بالترف أو الرخاء أكثر من تفكيره بالسلاح كثيرا ما يفقد إمارته، ولا ريب في أن ازدراء فن الحرب هو السبب الرئيسي في ضياع الدول وفقدانها، وأن التمرس فيه وإتقانه هو السبيل الى الحصول على الدول والإمارات، على الأمير أن يقرأ التاريخ وأن يدرس أعمال الرجال البارزين فيرى أسلوبهم في الحروب، ويتفحص أسباب انتصاراتهم وهزائمهم ليقلدهم في هذه الانتصارات ويتجنب الوقوع في الأخطاء التي أدت الى هزائم.
خلاصة القول:
لقد عبر مكيافيلي عن امله في رؤية بلاده إيطاليا متحدة وقوية، وأوكل لبطل كتابه الأمير النهوض بهذا العبء وإنهاء الخلافات والانقسامات الداخلية، والحؤول دون التدخل الأجنبي، والقيام بالتوسيع المنشود للبلاد دون اعتبار للوسائل التي سيلجأ اليها الأمير مادامت الغاية عظيمة.

#الحسين_افقير (هاشتاغ)       Houcine_Oufkir#          

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات